كيف تؤثّر الحرب في أوكرانيا على الشرق الأوسط؟

كيف تؤثّر الحرب في أوكرانيا على الشرق الأوسط؟


21/03/2022

ترجمة: علي نوّار

يعدّ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعد أوروبا نفسها، الإقليمَين الأكثر تأثّراً بالحرب في أوكرانيا لأبعد مدى، وسينعكس ذلك بصورة واضحة وفورية في أسعار الطاقة والحبوب، لكن ينبغي أيضاً التركيز على عوامل أخرى، مثل المعركة الدبلوماسية والمفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني وتداعياته على ديناميكيات الصراع في جميع أرجاء المنطقة وما يتجاوزها.

ومن بين الآثار الأولى المحسوسة للحرب في أوكرانيا وردّة فعل روسيا تجاه أوروبا والمشكلات المتوقّعة بالنسبة لضخّ البترول؛ تعزيز الدول المنتجة للبترول، مثل المملكة العربية السعودية، والمنتجة للغاز الطبيعي، مثل قطر والجزائر، وسيتُرجم هذا الأمر على المدى القريب في صورة عائدات مالية إضافية لحكومات هذه الدول مع تأكيد الحاجة لدراسة جدوى النظام الريعي.

 

اقرأ أيضاً: تداعيات الأزمة الأوكرانية على المسألة الإيرانية

أما على الصعيد الدبلوماسي؛ فالموقف أكثر حساسية، نظراً إلى أنّه يمثّل فرصة لدول المنطقة لمزيد من التقارب مع الغرب، وفي الوقت نفسه تدهوراً في العلاقات مع روسيا كبلد منتج، والحقيقة أنّه يصعب الحفاظ على هذا التوازن، لأنّ القرار لا ينطوي على فوارق محدودة؛ فإمّا زيادة الإنتاج أو عدم زيادته.

خطوط غاز جديدة

وعلى المدى المتوسط؛ فقد تصبح بعض الدول الإقليمية شركاء محتملين للاتحاد الأوروبي ومزوّدة له بمصادر الطاقة سواء عن طريق خطوط غاز جديدة أو التطوير في مجال الطاقات المتجدّدة. وعلى الأرجح ستكون في صدارة هذه المجموعة المُحتملة إسرائيل، وهنا سيُعاد فتح النقاش حول خط غاز شرق المتوسط، ومصر والمغرب، وكلاهما تراهنان على الطاقات المتجدّدة التقليدية والاستثمار في الهيدروجين الأخضر.

ولا تبرز الدول العربية بوصفها المنطقة الأكثر تصديراً للطاقة على مستوى العالم فحسب؛ بل وكذلك لأنّها الأكثر استيراداً للمواد الغذائية، لا سيما الحبوب، والكثير منها تدفع إعانات، وتأتي روسيا وأوكرانيا في مقدّمة الدول التي تزوّد بلدان المنطقة بالحبوب، وتظهر مصر في صدارة الدول المتأثّرة؛ حيث تأتي 45% و24% من وارداتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، على الترتيب.

آثار الحرب في أوكرانيا على العالم أجمع ومنطقة الشرق الأوسط ستكون دائمة، ومن أقوى هذه التداعيات أنّها ستحدّد ما هو مقبول، وسيادة قانون المنتصر، وتطبيع الحرب

وكانت منظّمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) قد حذّرت، قبل أشهر، من أنّ أسعار المواد الغذائية وصلت إلى أعلى مستوياتها خلال العقد الأخير، وبلغت معدّلات مشابهة لما حدث في 2010، والتي تلتها موجة من الاستياء الشعبي أفضت إلى احتجاجات في الدول العربية، خلال الفترة بين 2010 و2011، كما أنّ حالة الجفاف التي تضرب دول في المنطقة، مثل العراق وإيران، تزيد الوضع سوءاً.

ارتفاع أسعار الطاقة

وتسود التخوّفات من ازدياد وطأة المشكلة مع ارتفاع أسعار الطاقة كذلك مستقبلاً، ما يعني زيادة أسعار وسائل النقل والأسمدة، ولن تستطيع سائر دول المنطقة إدارة اضطرابات أسواق الغذاء العالمية في ظلّ هذه الظروف، وعلى الأرجح سيمثّل هذا الوضع معاناة إضافية للبلدان المتعثرة اقتصادياً بالأساس، مثل تونس، وبصورة أكبر لبنان، وبالقطع البلدان التي تشهد منذ أعوام أزمات إنسانية، كاليمن، حيث يوجد 16 مليون إنسان في حالة غياب الأمن الغذائي، إضافة إلى خمسة مليون على حافّة الجوع.

 

اقرأ أيضاً: ما موقف الأمريكيين من تدخل بلادهم في أزمة أوكرانيا؟.. استطلاع جديد يجيب

بالتالي، وبنوع من التحفّظ، تخوض عدّة دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا معركة دبلوماسية، لكن أيّاً منها تتّخذ موقفاً وبأيّة درجة من التحفّظ تتعامل هذه الدول مع الحرب في أوكرانيا؟ وإلى أين يتّجه صوتها داخل مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ هل تستطيع تلك الدول التعبير عن قلقها البالغ؟ وهل لديها نيّة اعتماد إجراءات ما للضغط بشكل جماعي على روسيا؟

تسود التخوّفات من ازدياد وطأة المشكلة مع ارتفاع أسعار الطاقة كذلك مستقبلاً

الحقيقة أنّ القليل فقط من دول المنطقة أبدت ردّة فعل سريعة وواضحة في هذا الصدد؛ فقد دانت الكويت الغزو الروسي لأوكرانيا مدفوعة بذكريات تعرّضها للغزو من قبل جارها العراق، ولبنان الذي عانى ويلات الغزو أيضاً من جانب جارتَيه سوريا وإسرائيل، وكذلك ليبيا، حيث تدعم روسيا خليفة حفتر.

النأي بالنفس

بينما كشفت دول أخرى تأييدها لروسيا، مثل سوريا بشار الأسد، أما أغلب الدول في المنطقة فتحاول النأي بنفسها قدر الإمكان خارج هذه المسألة بدافع رغبتها في عدم المخاطرة بتعاونها مع روسيا في مجالات الاستخبارات والطاقة النووية وصفقات السلاح، معترفة بالتالي بدور موسكو كطرف فاعل بقوّة في المنطقة.

إلّا أنّ الممثّل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوسيب بوريل، قال خلال خطاب أدلى به أمام المفوضية الأوروبية، مطلع آذار (مارس) الجاري؛ إنّه لا يمكن لأيّة دولة النظر في اتجاه مغاير، مؤكّدًا أنّه سيعمل على تشكيل تحالف دولي لإدانة الاعتداء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحذّر "سنتذكّر هؤلاء الذين لا يقفون إلى صفّنا".

 

اقرأ أيضاً: الحرب الأوكرانية تعيد ملف الأسلحة البيولوجية إلى الواجهة.. ماذا تعرف عنها؟

ومن أهم المواقف التي تعبّر عن الحراك الدبلوماسي والاصطفاف إلى جوار الغرب كشركاء، يظهر ذلك الخاص بالإمارات، والتي كانت إحدى الدول القليلة التي امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن الدولي، في 25 شباط (فبراير) الماضي، لكنّها أيّدت مثل باقي بلدان الخليج، قرار إدانة الاعتداء الروسي الصادر عن الجمعية العامة، في الثاني من آذار (مارس) الجاري. وكذلك إسرائيل التي صوّتت لصالح قرار الإدانة، رغم إبقائها على جميع القنوات مفتوحة مع موسكو، أمّا في منطقة المغرب، فلم يكن امتناع الجزائر عن التصويت مُستغرَباً، فيما كان الامتناع المغربي عن التصويت مثيراً للدهشة.

كما يجدر تكريس مزيد من الاهتمام لموقف تركيا، فرغم كونها قوّة إقليمية في الشرق الأوسط، لكنّ دورها في الأزمة ينبع من انتمائها لحلف شمال الأطلسي "ناتو" وموقعها على البحر الأسود. والواقع أنه ليس لدى تركيا أردوغان أية نيّة لمجابهة بوتين، بيد أنّه لا يسع أنقرة الوقوف على الحياد، ويتضمّن هذا الوضع توازنات صعبة؛ مثل إعلان إغلاق المضايق في وجه السفن الحربية، بموجب معاهدة مونترو، الموقّعة عام 1936، لكنّها ارتأت في الوقت ذاته الإبقاء على مجالها الجوّي مفتوحاً، وتحاول تركيا استغلال أيّة فجوة في الوضع الحالي كي تقدّم نفسها كوسيط.

على تركيا اتخاذ موقف واضح

بيد أنّ أنقرة سيتعيّن عليها اتّخاذ موقف واضح إذا أوصد الباب في وجه أمل نزع فتيل الأزمة، والاصطفاف إلى جانب حلفائها مع تجنّب، في الوقت نفسه، الابتعاد الكامل عن موسكو، وبالتالي، تلافي أكبر قدر ممكن من ردّة الفعل الروسية؛ فما تزال ذكرى العقوبات الاقتصادية على تركيا والهجوم الشخصي على أردوغان والتحرّكات الجيوسياسية في سوريا عقب إسقاط طائرة روسية، عام 2015، ماثلة بشدّة في أذهان القيادة والدبلوماسية التركية.

الإمارات كانت إحدى الدول القليلة التي امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن الدولي

وفي السياق عينه، ستحاول تركيا تجديد عرضها بالمساهمة بطائراتها بدون طيار "بيرقدار تي بي 2" لتزويد قدرة المقاومة لدى القوات المسلّحة الأوكرانية، ليس فقط لتبرير إحجامها عن اتّخاذ إجراءات أكثر حدّة تجاه موسكو، بل وأيضاً للبحث عن مشترين جدد لمنتجاتها من الصناعات العسكرية.

على أنّ أحد أهم الأسئلة المطروحة في الوقت الراهن؛ هو كيفية تأثير الحرب في أوكرانيا على الانتشار الروسي في بعض دول أفريقيا والشرق الأوسط، فروسيا بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي ليست فقط جارته الشرقية، بل والجنوبية نوعاً ما، كذلك بسبب وجودها العسكري في سوريا وليبيا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، وفي حال تصاعدت وتيرة النزاع في أوكرانيا، قد تلجأ موسكو لإعادة انتشار عناصرها، بمن فيهم المرتزقة الذين يعملون تحت إمرة شركات عسكرية خاصة.

 

اقرأ ايضاً: الإمارات تُحذر من تبعات الأزمة الأوكرانية

كما أنّ إغلاق المضايق قد يقوّض قدرة موسكو على تنفيذ بعض العمليات، لا سيما في سوريا، حيث تملك روسيا قاعدة عسكرية في طرطوس، بيد أنّ الكرملين ربّما يلجأ إلى فتح جبهات جديدة لزعزعة الاستقرار، إذا رأى أنّ ذلك سيحسّن وضعيته في التفاوض مع الأوروبيين، أو على الأقل إضعافهم وتشتيتهم، ولن تكون هذه هي المرّة الأولى قطعاً.

بالمثل، تدور الشكوك حول مدى تأثير هذه الأزمة على المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني التي تجري في فيينا، حيث تجلس روسيا إلى جوار باقي الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى ألمانيا والاتحاد الأوروبي والإيرانيين؛ فهل ستستطيع هذه الأطراف كلّها المضيّ قُدماً في عملية المفاوضات بغضّ النظر عن تصاعد حدّة التوتّر بينها؟ لقد اكتسب التوصّل لاتفاق مقبول من جميع الأطراف قدراً متزايداً من الأهمية، وفي ضوء حالة التوتّر القائمة، والتي تشمل التلويح بورقة الأسلحة النووية، وبلوغ أسعار البترول عنان السماء، يصبح إحلال الهدوء في محيط مضيق هرمز ضرورياً للغاية.

 آثار الحرب في أوكرانيا على العالم أجمع ومنطقة الشرق الأوسط ستكون دائمة

مما لا شكّ فيه؛ أنّ آثار الحرب في أوكرانيا على العالم أجمع ومنطقة الشرق الأوسط ستكون دائمة، ومن أقوى هذه التداعيات أنّها ستحدّد ما هو مقبول، وسيادة قانون المنتصر، وتطبيع الحرب كوسيلة لتحقيق الأهداف السياسية، بما في ذلك الحروب بين الدول، ويكتسب كل ذلك بُعداً خاصاً في المنطقة، نظراً إلى أنّها أحد أكثر الأقاليم التي عانت، وما تزال تشهد، مستويات مرتفعة من العنف والتدخّلات والاحتلال.

كما أنّ هذه الأزمة تأتي بالتزامن مع تزايد تهديدات بعض الدول باللجوء إلى الحرب إذا استدعى الأمر ذلك، وأخطر الأمثلة هو تلويح إسرائيل بشنّ حرب على إيران، وكذلك الوضع المقلق نتيجة للحرب الكلامية بين الجزائر والمغرب، فضلاً عن الخلاف المستعر بين مصر وإثيوبيا.

الحديث عن تأثير الانسحاب الكارثي من كابول، لم يتطرّق إلى الخطوط الحمراء التي وضعتها الولايات المتحدة بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، خاصة تنفيذ سلاح الجوّ الروسي مذابح بحقّ المدنيين

هناك نقطة أخرى لا تحصل على قدرٍ كافٍ من الاهتمام؛ ألا وهي المواقف الأوروبية والأمريكية والروسية حيال نزاعات كثيرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمناطق المجاورة لهما، مثل أفغانستان والساحل ووسط آسيا، والتي منحت فلاديمير بوتين الجرأة لتنفيذ العملية العسكرية في أوكرانيا.

مساهمة بوتين في إنقاذ الأسد ونظامه

وقد دار الحديث طويلاً حول تأثير الانسحاب الكارثي من كابول، لكنّه لم يتطرّق إلى الخطوط الحمراء التي وضعتها الولايات المتحدة بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، خاصة تنفيذ سلاح الجوّ الروسي، بكلّ أريحية وبلا رادع، مذابح بحقّ المدنيين في البلد العربي. وبالتأكيد منحت مساهمة بوتين في إنقاذ الأسد ونظامه، الرئيس الروسي مزيداً من الثقة في قدراته العسكرية وخشية دول الغرب في الانزلاق إلى مواجهة مسلّحة معه.

وعلى الأرجح كانت سوريا ساحة تجربة لجرائم الحرب التي تتعرّض لها أوكرانيا حالياً، كما أنّ الكرملين تابع بارتياب موجات الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في الدول العربية، عام 2011، ومن منطلق خوفه من امتداد تأثيرها إلى الأراضي الروسية، عكف بوتين على وأد أيّة تظاهرات داخل روسيا بكل شراسة واتّخاذ موقف مناهض لكل ثورة.

منحت مساهمة بوتين في إنقاذ الأسد ونظامه، الرئيس الروسي مزيداً من الثقة في قدراته العسكرية

كما أنّ تباين مواقف الدول الأوروبية في سوريا وليبيا تسبّبا في دفع بوتين للاعتقاد بأنّ هذه الاختلافات في وجهات النظر من شأنها تخفيف وطأة ردّة فعل الاتحاد الأوروبي تجاه اعتدائه على أوكرانيا، كما أنّ غياب الانسجام بين تركيا وشركائها الغربيين، والذي ظهر في أكثر من مناسبة، كان عاملاً مشجّعاً لروسيا على استغلاله لإضعاف حلف شمال الأطلسي. وأخيراً، فإنّ الهلع الذي تعامل به الأوروبيون مع وصول ملايين اللاجئين والمهاجرين منذ عام 2015 ربّما بعث لبوتين برسالة مفادها أنّ توافد لاجئين أوكرانيين سيخيف ويكون ورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي.

الخلاصة؛ أنّ تداعيات الحرب في أوكرانيا على دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك الدروس التي خرج بها الكرملين من النزاعات التي ضربت تلك المنطقة، تعطي تصوّراً حول مدى تداخل وترابط الأمن الأوروبي مع أمن جيرانه إلى الجنوب، كما أنّ آثار الاعتداء الروسي وتطوّر النزاع ستكون أعمق وأكثر استدامة ولن تقتصر فقط على أسعار البترول.

المصدر: إدوارد سولير لمركز برشلونة لدراسات الشؤون الخارجية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية