كيف تحول جنوب تايلاند إلى معبر للإرهابيين.. وملاذ آمن للإخوان الهاربين؟

كيف تحول جنوب تايلاند إلى معبر للإرهابيين.. وملاذ آمن للإخوان الهاربين؟

كيف تحول جنوب تايلاند إلى معبر للإرهابيين.. وملاذ آمن للإخوان الهاربين؟


29/01/2024

تتباين التقديرات حول أعداد المسلمين في مملكة تايلاند، والتي تتراوح ما بين 10 إلى 15 في المئة من تعداد السكان البالغ نحو 45 مليون نسمة، ويَدين أكثرهم بالبوذية، ويتركز المسلمون في الجنوب، وبالتحديد في مقاطعات: فطاني، ويالا، وسونغكلا، وناراتيوات، ومعظمهم ينحدر من أصول عرقية ملاوية.

وتنشط في جنوب تايلاند حركة تمرد تنادي بالانفصال، وتكوين دولة خاصّة بالمسلمين، وهي الحركة التي بلغت ذروتها في العام 2004، ما اضطر رئيس الوزراء السابق، تاكسين شيناواترا، إلى إعلان حالة الطوارئ على نطاق واسع في صيف العام 2005، قبل أن يلقي الجيش بثقله في الصراع، بعد تزايد وتيرة العنف؛ حيث قاد الجنرال المسلم، سونثي بونياراتكالين، حملة عسكرية شاملة؛ لإخماد التمرد في العام 2006.

محاولات أسلمة التمرد القومي

تمركزت الثورة في مقاطعة فطاني، وفشلت الحملات العسكرية، رغم العنف المفرط الذي أودى بحياة الآلاف، في حسم الصراع، الأمر الذي بات ينذر بتحول المنطقة إلى بؤرة لجذب العناصر الجهادية، في ظل محاولات أسلمة الصراع من قبل بعض الأطراف، خاصّة في الجوار الماليزى والإندونيسي.

أثار ظهور تنظيم داعش في جاكرتا، ومينداناو، وبوشونغ، وبالقرب من كوالالمبور، مخاوف من بدء موجة جديدة من الإرهاب الجهادي العابر للحدود، في جنوب شرق آسيا، ربما تكون تايلاند وجهته المقبلة، وبحسب تقرير موثق لمجموعة الأزمات الدولية، نشر بالإنجليزية، على الموقع الرسمي للمنظمة التي تعمل على منع الحروب، وبناء السياسات التي من شأنها تشكيل عالم أكثر سلاماً، فإنّ تنظيم داعش استخدم تايلاند كنقطة عبور، حيث لا توجد حالة معروفة لمواطن تايلاندي انضم إلى التنظيم، لكن استمرار التمرد الانفصالي المسلم في أقاليم أقصى جنوب المملكة، ما يزال ينذر بعواقب وخيمة، في ظل استخدام الجيش التايلاندي للقوة المفرطة.

تتراوح أعداد المسلمين في تايلاند ما بين 10 إلى 15 في المئة من تعداد السكان البالغ نحو 45 مليون نسمة

التقرير نفسه رصد وجود أسواق سريّة لتجارة الأسلحة الخفيفة، في جنوب تايلاند، يقصدها الماليزيون الراغبون في الانضمام لـ"داعش"، ما يعني أنّ منطقة التمرد أصبحت بؤرة لجذب العناصر الإرهابية، ما يجعلها ضمن شبكة الخطوط الجهادية العابرة للحدود، وعلى الرغم من غياب تدخل الجهاديين الأجانب إلى الآن، لكن استمرار التمرد، وتواصل القمع، أدّى في النهاية إلى انخراط العناصر المحلية المتشددة في الجنوب ضمن الثورة المسلحة، وبالتالي إلى حدوث المزيد من العنف.

وعلى الرغم من الطابع القومي لحركة تحرير فطاني، فإنّ هناك بعض القواسم المشتركة بينها وبين التنظيمات الجهادية؛ حيث يستمد التمرد الدعم من الزعماء الإسلاميين التقليديين، وبعض الحركات السلفية، إلّا أنّ الميليشيا المسلحة الرئيسية، الجبهة الوطنية الثورية (BRN)، تتحفظ بشدة على التعاون مع الجهاديين العابرين للحدود، خشية تدويل الجهود لهزيمتهم.

 

تصر الجبهة الثورية على الوساطة الدولية المحايدة، واستدعاء مراقبين من الخارج؛ كشرط لإجراء محادثات رسمية مع بانكوك

 

وثمة مخاوف من أن يؤدي استمرار الصراع إلى تغيير طبيعة التمرد، الأمر الذي قد يفتح فرصاً محتملة للجهاديين الأجانب، الذين أثبتوا مهارتهم في استغلال الصراعات طويلة الأمد، وما يزال ذلك الهاجس يمثل تهديداً نظرياً، في ظل وجود أدلة تشير إلى تغلغل الجهاديين في جنوب تايلاند، وهو الأمر القابل للتطور، في حال عدم إحراز تقدم في محادثات السلام، بعد أن أظهر المتمردون قدرتهم على شن هجمات خارج أقصى الجنوب، كما فعلوا في آب (أغسطس) 2016، عندما نفذوا سلسلة من التفجيرات المنسقة على نطاق صغير في 7 مناطق، ما أدّى إلى إصابة عدد من السياح الأوروبيين من بين آخرين. وقد تنقسم الجماعات المتشددة، إلى ميليشيات غير قابلة للسيطرة، حيث تتنافس الفصائل المسلحة؛ لإظهار قدراتها للداعمين المحتملين وللحكومة. في المقابل، يمكن للعنف المتزايد ضد المدنيين أن يغذي ردود فعل معادية للإسلام، ويحفز القومية البوذية، مما يخلق توترات بين المجتمعات المسلمة والبوذية، في جميع أنحاء البلاد.

 

انتهزت الأذرع الإخوانية في جنوب شرق آسيا، خاصّة في إندونيسيا وماليزيا، الفرصة للتدخل في الصراع، ودعم جبهة تحرير فطاني بالمال والسلاح

 

ويخشى البعض أن ينشأ، جراء طول مدة الصراع، جيل جديد من المسلمين في تايلاند، في أجواء مشبعة بالعنف والاستقطاب، ما قد يؤدي إلى فصل جيل أكبر سناً، وأكثر براغماتية، عن جيل أصغر سناً وأكثر تشدداً. ويشير المراقبون إلى إرهاصات ذلك التحول من الأهداف العرقية والإثنية والانفصالية، إلى الإسلاموية المتطرفة، خاصّة مع تغير تكتيكات القتال، حيث تمّ نقل المواقع الهجومية من الغابات إلى القرى والبلدات والمدن، وتمّ نشر مجموعات قتالية صغيرة تتكون من 5-10 محاربين، في ثلثي القرى الواقعة على الحدود الجنوبية، والتي يبلغ عددها نحو 1574 قرية. وهذه التشكيلات القتالية لا تتطلب الكثير من التمويل، حيث يستخدم بعض المتمردين التمويل الذاتي، وهي تكتيكات تتناسب مع إستراتيجيات الإسلامويين، الذين يمثلون، وفقاً لتقرير أصدرته مجموعة الأزمات الدولية، الأغلبية في هذه المجموعات القتالية، وهم مستعدون للتضحية بأرواحهم من أجل نصرة الإسلام.

الوساطة الماليزية

مع تزايد احتمالات تحول جنوب تايلاند إلى بؤرة إرهابية، توسطت ماليزيا بين النظام الحاكم بقيادة الجيش في تايلاند، والذي استولى على السلطة في انقلاب أيّار (مايو) 2014، وجبهة تحرير فطاني (MARA Patani) وهي مجموعة تضم 5 منظمات متشدّدة، لكنّ هناك شكوكاً حول قدرة جبهة تحرير فطاني على التحكم في معظم المقاتلين، خاصّة بعد إعلان الجبهة الوطنية الثورية تجميد عضوية عناصرها الثلاثة في جبهة التحرير، وتأزمت الأمور بعد أن رفضت الحكومة التايلاندية التوقيع على اتفاقية الشروط المرجعية لتنظيم المحادثات، والتي ما تزال غير رسمية، وإن اتفق الطرفان على إنشاء مناطق آمنة، على مستوى المقاطعات لا يستهدف فيها أي من الجانبين المدنيين، كما اتفقا على تشكيل لجان شاملة للتحقيق في حوادث العنف.

منطقة التمرد أصبحت بؤرة لجذب العناصر الإرهابية

من جهتها، تصر الجبهة الثورية على الوساطة الدولية المحايدة، واستدعاء مراقبين من الخارج؛ كشرط لإجراء محادثات رسمية مع بانكوك. وفي بيان صدر في 10 نيسان (أبريل) 2017، كررت الجبهة مطالبها، الأمر الذي اعتبره مراقبون ضربة قوية للوساطة الماليزية، خاصّة أنّ تلك التصريحات أعقبها في الشهر ذاته، موجات من الهجمات المنسقة عبر عدة مناطق.

وما تزال تايلاند متمسكة بخيار استخدام القوة المسلحة، رغبة في استنزاف حركة التمرد عبر حصارها اقتصادياً، بداعي الحفاظ على الوحدة الوطنية؛ حيث يرى كبار الضباط أنّ التفاوض حول مطالب الحكم الذاتي، سوف تؤدي في النهاية إلى انفصال الجنوب، كما يرفض الجيش فكرة اللامركزية السياسية. ومقترحات الحكام المنتخبين، أو المجالس الإقليمية الفرعية، مع فرض القيود على التمثيل الشعبي.

ملاذ آمن للإخوان المسلمين

في العام 2014، تمكنت الأجهزة الأمنية في مصر، بالتنسيق مع شرطة مطار القاهرة، من القبض على حسام ميرغني تاج الدين، أحد قيادات جماعة الإخوان، والمحكوم عليه بالإعدام في قضية قطع الطريق الزراعي السريع، وذلك قبيل هروبه عبر مطار القاهرة إلى تايلاند، ولم يُعرف في حينها هل كان القيادي الهارب ينوي الاستقرار في تايلاند، وبالتحديد منطقة الجنوب، أم كان يستخدمها كمعبر إلى ماليزيا أو إندونيسيا، مثلما فعل القيادي الإخواني السابق، عبد الرحمن خليفة السويدي، الذي نجح في العام 2015، في الفرار من الإمارات إلى إندونيسيا، عبر تايلاند، قبل أن يُلقى القبض عليه في إندونيسيا؛ بسبب امتلاكه وثائق مزورة.

 

يخشي البعض أن ينشأ عن طول الصراع جيل جديد من المسلمين في تايلاند، في أجواء مشبعة بالعنف والاستقطاب قد تؤدي إلى فصل جيل أكبر سناً وأكثر براغماتية عن جيل أصغر سناً وأكثر تشدداً

 

وتعتبر تايلاند حالياً، أحد أبرز المعابر التي تمر من خلالها العناصر الإخوانية، في طريقها إلى ماليزيا وإندونيسيا، وتشير تقارير إلى أنّ جنوب تايلاند يُعد أحد الملاذات الآمنة الجديدة، ضمن خطط التنظيم الدولي، في ظل توتر العلاقات مع تركيا.

ومع استمرار الصراع في جنوب تايلاند، وسقوط نحو 7000 قتيل منذ العام 2004، انتهزت الأذرع الإخوانية في جنوب شرق آسيا، خاصّة في إندونيسيا وماليزيا، الفرصة للتدخل في الصراع، ودعم جبهة تحرير فطاني بالمال والسلاح، ومن ثمّ اختراق المجتمع المسلم في مناطق التمرد؛ وبالفعل نجحت المحاولات الحثيثة في اختراق رابطة المجالس الإسلاميّة في جنوب تايلاند، والتي أصدرت في أواخر حزيران (يونيو) الماضي، بياناً بنكهة إخوانية، يعارض مشروع قانون الشراكة المدنية، والذي ينص على المساواة بين الزوجين، بداعي أنّه لا يتماشى مع المبادئ الدينية الإسلاميّة، حسبما ذكرت صحيفة "بانكوك بوست".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية