كيف تستغل حركة النهضة تعثّر المسار الاقتصادي لحشد الشارع التونسي ضد الرئيس؟

كيف تستغل حركة النهضة تعثّر المسار الاقتصادي لحشد الشارع التونسي ضد الرئيس؟

كيف تستغل حركة النهضة تعثّر المسار الاقتصادي لحشد الشارع التونسي ضد الرئيس؟


15/01/2023

تواجه تونس مأزقاً اقتصادياً صعباً، في ظل تزايد مستويات التضخم، ذلك أنّ إنفاق القطاع العام أصبح يستهلك ميزانية الدولة. وفقاً للبنك الدولي، كان الديْن العام اعتباراً من العام 2020، أعلى بنسبة 70% من الناتج المحلي الإجمالي. وعليه فإنّ مستويات الديْن الحالية أعلى من ذلك بكثير، وفي ظل غياب قطاع خاص قوي ومنظم، يعتمد التونسيون منذ فترة طويلة على الدولة؛ كمصدر للوظائف والسلع والخدمات المدعومة، ما أدى إلى خلل اقتصادي كبير.

 كانت الحكومات السابقة مترددة في معالجة إنفاق القطاع العام، خشية أن يؤدي ذلك إلى احتجاجات واسعة النطاق بقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل، وتعطيل الاقتصاد التونسي الهش. تاريخياً، رفض الاتحاد العام التونسي للشغل دعم الإصلاحات الاقتصادية، التي دعا إليها صندوق النقد الدولي، على الرغم من تدهور الوضع المالي في البلاد.

انفجار الوضع الاقتصادي يخدم حركة النهضة

بحسب تقرير توم هيل، الذي نشره معهد الولايات المتحدة للسلام، فإنّ انفجار الوضع الاقتصادي التونسي كان حتمياً؛ نظراً لتراكمات طويلة، إلا أنّ الراهن الاقتصادي التونسي الحالي، كمحصلة للفترة التي هيمنت فيها حركة النهضة على السلطة، ربما جاء في صالح الحركة نفسها؛ كأداة يمكن استخدامها ضدّ الرئيس.

ويرى التقرير أنّ نسبة كبيرة من النخبة السياسية والتجارية والفكرية في تونس، لم تكن تعارض بشكل فعال توطيد الرئيس قيس سعيّد لسلطته، وتقليم أظافر حركة النهضة، وكانت الأحزاب المدنية واليسارية متفائلة بأنّ سعيّد قد يحل حزب النهضة، بحيث يمكن أن تحصل تلك الأحزاب على حصة أكبر من السلطة السياسية. لكن سعيّد، بحسب التقرير، فشل في استغلال هذا الوضع بشكل فعال، ومع الضغط الاقتصادي، تحولت معظم هذه الأطراف تدريجياً إلى معارضة الرئيس.

 أجرى الرئيس التونسي قيس سعيّد، جولة في شارع الحبيب بورقيبة، بالعاصمة تونس، عشية استعداد المعارضة التونسية للاحتجاج عليه

ويبدو أنّ حركة النهضة فضّلت اللعب من وراء الكواليس، وحشد الشارع من خلال الأحزاب المدنية، فبالإضافة إلى حزب قلب تونس، المتحالف مع النهضة، هاجم الحزب الدستوري الحر، والتيار الديمقراطي، والتكتل والجمهوري، من بين آخرين الرئيس سعيّد، وانتقد الدستوري الحر علانية توطيد الرئيس للسلطة التنفيذية.

جبهة الإنقاذ أداة الإخوان

تتحرك حركة النهضة التونسية من خلف تحالف المعارضة الرئيسي، المتمثل في جبهة الإنقاذ الوطني، ورئيسها نجيب الشابي، حيث وصفت الحركة إجراءات الرئيس الاقتصادية بالكارثية، وطالبت الشعب بالنزول إلى الشارع لإسقاط الرئيس.

بالفعل، نظم مئات التونسيين مسيرة احتجاجية، يوم السبت 14 كانون الثاني (يناير) الجاري، في العاصمة، احتجاجاً على أداء الرئيس قيس سعيّد السياسي والاقتصادي، واتهموه بالسعي إلى تنصيب دكتاتورية جديدة، وسط أزمة اقتصادية متفاقمة.

حركة النهضة فضّلت اللعب من وراء الكواليس، وحشد الشارع من خلال الأحزاب المدنية

وقال مراسلو وكالة "فرانس برس"، إنّ مسيرات منفصلة لجماعات معارضة مختلفة، نظمت في تونس العاصمة بحضور مكثف للشرطة. وجاءت هذه الاحتجاجات، التي أقيمت في الذكرى الثانية عشرة لسقوط نظام زين العابدين بن علي، على خلفية الانقسامات السياسية المتفاقمة، وتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

المتظاهرون هتفوا في المظاهرة الرئيسية التي نظمتها جبهة الإنقاذ الوطني، والتي تضم حزب حركة النهضة: "الشعب يريد ما لا تريد.. يسقط سعيّد".

وبحسب تقرير منشور بالإنجليزية على موقع "المونيتور"، سئم التونسيون الذين أيدوا إلى حد كبير إجراءات الرئيس قيس سعيّد في العام 2021، بشكل متزايد من ارتفاع معدلات التضخم والفقر، والتي تؤثر بالسلب الآن على حوالي 20% من سكان البلاد، البالغ عددهم 12 مليون نسمة.

وندّد متظاهرون في مسيرة يسارية منفصلة، بـ "الانجراف الاستبدادي" لسعيّد، والذي يقولون إنّ إجراءاته باتت تهدد الديمقراطية الوحيدة، التي ظهرت في المنطقة بعد ثورات "الربيع العربي"، وردّد البعض هتافات مستوحاة من شعارات انتفاضة العام 2011، وطالبوا بحق العمل، حسب ما أفاد مراسلو وكالة "فرانس برس"، حيث تجاوز معدل البطالة 15%.

حازم القصوري: مشاركة الشعب في استكمال بناء المؤسسات، خاصّة البرلمان، والمحكمة الدستورية، هي المخرج الوحيد من أجل الإطاحة بمخططات النهضة وأعوانها

من جهتها، قادت عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر، مسيرة أخرى يوم السبت أمام ساحة قصر قرطاج، شارك فيها مئات الأشخاص، وقالت موسي أمام الحشد إنّ نظام سعيّد مسؤول عن الأزمة الاقتصادية، وطالبته بالاستقالة.

وتكافح تونس في ظل ديون تقدر بنحو 80% من ناتجها المحلي الإجمالي، وتوصلت حكومة نجلاء بودن، إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي في منتصف تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، على حزمة إنقاذ تبلغ قيمتها حوالي ملياري دولار، لكنّها ما زالت تنتظر الموافقة النهائية.

إرباك المسار التصحيحي

من جهته، أجرى الرئيس التونسي قيس سعيّد، جولة في شارع الحبيب بورقيبة، بالعاصمة تونس، عشية استعداد المعارضة التونسية للاحتجاج عليه، في ذكرى الثورة التونسية، وتوجه سعيّد بعد ذلك إلى مسجد الزيتونة، مروراً بالأسواق القديمة، وسط إجراءات أمنية مشددة.

ونقلت إذاعة "موزاييك إف إم"، عن الرئيس سعيّد، تعليقه على الدعوات للنزول إلى الشارع، للاحتفال بالذكرى السنوية للثورة، بالقول إنّ 17 كانون الأول (ديسمبر) هو موعد الثورة التونسية، وليس 14 كانون الثاني (يناير)، وأكد سعيّد أنّه لا مكان في تونس، لمن وصفهم بـ "الخونة".

حازم القصوري: دعوات الخروج المتكررة ضدّ الرئيس، أصبحت صكاً على بياض لحركة النهضة

المحامي والناشط التونسي، حازم القصوري، خصّ "حفريات" بتصريحات، قال فيها: إنّ دعوات الخروج المتكررة ضدّ الرئيس، أصبحت صكاً على بياض لحركة النهضة؛ لضرب المسار التصحيحي، والعودة من جديد إلى الهيمنة على المشهد السياسي في تونس، من خلال لوبيات الفساد والإرهاب.

وشدد القصوري على أنّ مشاركة الشعب في استكمال بناء المؤسسات، خاصّة البرلمان، والمحكمة الدستورية، هي المخرج الوحيد من أجل الإطاحة بمخططات النهضة وأعوانها، والتي اعتبرها المتسبب الرئيسي في هذه الأزمة الاقتصادية؛ بسبب تراكمات العشرية التي حكمت فيها الحركة، كما اتهمها بالضلوع في جريمة قطع إمدادات المواد الغذائية، عبر مافيا الاحتكارات التجارية المتحالفة والمتواطئة معها؛ من أجل دفع الشعب إلى الخروج إلى الشارع، وإرباك المسار التصحيحي على كافة المستويات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية