كيف تهدّد انتخابات الفرعيات الدولةَ المدنية في الكويت؟

كيف تهدّد انتخابات الفرعيات الدولةَ المدنية في الكويت؟


21/07/2022

تشهد الكويت ظاهرة انتخابية تُعرف باسم "الفرعيات"، تشبه من حيث الشكل الانتخابات التمهيدية التي تجريها الأحزاب السياسية في الدول الديمقراطية لاختيار مرشحيها للاستحقاقات الانتخابية، لكنّها تتّخذ طابعاً قَبَلياً ومذهبياً وفئوياً في دولة لا يأتي دستورها على ذكر الأحزاب السياسية سواء بالإقرار أو النفي.

وتثير هذه القضية، التي تعود للضوء مع كلّ استحقاق انتخابي، الجدل ما بين مؤيد ومعارض، رغم تجريمها من قبل القانون الكويتي، وتتصدى وزارة الداخلية لإقامتها، إذ تُجرى داخل المساكن الخاصة لوجهاء ورموز القبائل والطوائف والتجمعات الفئوية.

متى انطلقت الفرعيات؟

ويقول المحلل السياسي الكويتي، إبراهيم دشتي: "انطلقت الفرعيات بشكلها الطائفي في ثمانينيات القرن الماضي، ومن ثم تحوّلت إلى فرعيات قبلية، حتى صدر قانون يجرّمها، لكنّه لم يكن فعالاً بالشكل المطلوب؛ بسبب الثغرات العديدة فيه، ولهذا استطاع منظمو هذه الفعاليات التحايل على القانون، بإقامتها قبل صدور مرسوم الدعوة للانتخابات".

كانت الفرعيات قانونية وتنشر الصحف نتائجها

ومن جانبها، قالت رئيسة الجمعية الكويتية للإخاء الوطني، بيبي عاشور: "الفرعيات هي شكل من أشكال الانتخابات التي ارتبطت بالتاريخ السياسي والنظام القبلي في البلاد؛ لأنّ الممارسة تأتي من أبناء القبائل بهدف اختيار المرشح الذي سيحظى بدعم القبيلة في الاستحقاقات الانتخابية، وعلى رأسها مجلس الأمة من بين عددٍ من المرشحين".

وأضافت لـ "حفريات": "الحديث حول هذه القضية طويل ومهم؛ لأنّه يمسّ شريحة كبيرة مؤثرة من المجتمع الكويتي، سواء في انتخابات مجلس الأمة والانتخابات التي تُجرى في المؤسسات الأخرى، مثل الجمعيات التعاونية والمجالس البلدية وغير ذلك".

ويُعاقب القانون رقم (9) لعام 1988، والمُكمل لقانون انتخابات مجلس النواب لعام 1962، كلّ من "نظم أو اشترك في تنظيم انتخابات فرعية أو دعا إليها، وهي التي تتم بصورة غير رسمية قبل الميعاد المحدد للانتخابات لاختيار واحد أو أكثر من بين المنتمين لفئة أو طائفة معينة".

الفرعيات هي الانتخابات التي تجري أو تتم خارج نطاق الإجراءات التي نصّ عليها قانون الانتخاب، هي ما تعورف على تسميته بالانتخابات الفرعية

ويعرفها المشرّع بأنّها "الانتخابات التي تجري أو تتم خارج نطاق الإجراءات التي نصّ عليها قانون الانتخاب، وهي ما تعورف على تسميته بالانتخابات الفرعية، بين من يرغبون في الترشّح من المنتمين لفئة معينة (قبيلة أو طائفة) لاختيار واحد أو أكثر من بينهم، يكون له وحده أن يرشّح نفسه بصورة رسمية في الانتخابات التي يعلن عنها".

ومنذ عقود، كانت الفرعيات تُجرى دون عواقب قانونية، وكانت الصحف تنشر نتائجها، ويعزو العديد من الفاعلين في الحياة السياسية الكويتية ما أصاب الأخيرة من تخبط وتعطيل إلى هذه الممارسات جزئياً. ولا تلقى هذه الممارسات قبولاً اليوم من قطاع واسع، خصوصاً الشباب، الذين أطلقوا حملات إعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً تويتر، للتحذير من خطر الفرعيات على الانتخابات المقبلة، عقب إعلان ولي عهد البلاد حلّ مجلس الأمة.

وفي خطابه بحلّ المجلس، حذّر ولي العهد، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، من أيّة ممارسات تضرّ بالانتخابات، وأعلنت وزارة الداخلية عن عدة قرارات لمواجهة الفرعيات، تضمّنت تكليف فريق أمني رفيع المستوى بمتابعة الملف، والتحذير من سحب المساكن والمزارع والشاليهات المخصصة من الدولة حال استخدامها في إقامة الفرعيات.

تأييد ومعارضة

وهناك آراء غير قليلة مؤيدة لإقامة الفرعيات، ترى أنّ حرية الرأي والتعبير عنه حقّ دستوري مكفول لكلّ فرد، وما هذه الانتخابات وإجراءاتها إلا صورة من صور التعبير عن حرية الرأي المكفولة لكل إنسان.

إبراهيم دشتي: لانتخابات الفرعيات مثالب عديدة، منها خلق أجواء عنصرية

إلى جانب أنّ المشاركة فيها ونتيجتها غير ملزمة، وهناك من فاز في الانتخابات العامة مع أنّه رفض الدخول في الانتخابات الفرعية، وهناك من فاز في الانتخابات الفرعية ولم ينجح في الانتخابات العامة، فضلاً عن تشكيك أصحاب هذا الرأي في جدوى التجريم؛ بسبب لجوء المواطنين إلى التحايل على القانون لإقامة الفرعيات، ما يخلق عبئاً قانونياً وتنفيذياً على السلطات.

وفي حديثه لـ "حفريات"، أشار المحلل السياسي الكويتي، إبراهيم دشتي، إلى وجود ثغرات في قانون تجريم الفرعيات تمكّن من إقامتها: "استطاع منظمو الفرعيات استغلال هذه الثغرات في إقامتها، مثل إقامتها قبل صدور مرسوم الدعوة للانتخابات". وحول موقفه منها، قال إنّ "لها مثالب عديدة، منها خلق أجواء عنصرية، وحرمان الكفاءات من داخل القبيلة فقط؛ لأنّ فرعها أضعف من الفروع الأخرى، فضلاً عن أنّها ممارسات لا تتفق مع قيم الديمقراطية".

د. بيبي عاشور لـ"حفريات": الانتخابات الفرعية لها آثار سلبية كبيرة على المرأة سياسياً؛ لأنّها مرتبطة بفكر طائفي وقبَلي لا يتقبل وجود المرأة

وأضاف: "تدفع الفرعيات إلى الاستقطاب داخل المجتمع، وتعزز العصبية على حساب المواطنة، وتكرّس هيمنة أصحاب المصالح المتحالفين مع القبائل والسلطة على المجتمع".

وفي السياق ذاته، شدّدت رئيسة الجمعية الكويتية للإخاء الوطني، بيبي عاشور، على أنّ "الفترة الحالية في الكويت تتطلب الابتعاد عن تكريس الانتماء الطائفي والقبلي، وأن يكون اختيار نواب مجلس الأمة للشخصيات الإصلاحية، ليؤدّي النواب دورهم الحقيقي كنواب عن الأمة، لا مراعاةً لمصالح القبيلة والطوائف على حساب المصلحة العامة، وكذلك تجب سيادة هذا النهج نظراً للدور الكبير لمجلس الأمة في تشكيل ومراقبة الحكومة، ومع وجود الفرعيات، بما تعززه من مصالح ضيقة، يتأثر تشكيل الحكومة وعملها بذلك"

تراجع حضور المرأة

ولم تحصل النساء الكويتيات على مقعد واحد في مجلس الأمة الذي تشكّل عقب انتخابات عام 2020، واقتصر حضورهنّ في المجلس السابق على مقعد واحد، على الرغم من تفوّق النساء عددياً على الرجال في الفئة التي يحقّ لها الترشح والانتخاب من الشعب.

وبحسب رئيسة الجمعية الكويتية للإخاء الوطني، "اتخذت الحكومة مواقف جدّية ضدّ الفرعيات حتى لا تتحوّل الانتخابات إلى تعزيز الانقسامات، بدلاً من كونها استحقاق وطني يجب أن يتّسم بالنزاهة، والحرية لكلّ من يجد في نفسه المقدرة على خوض المعترك السياسي".

وحول تأثير هذه الممارسات على التجربة الديمقراطية، قالت إنها "تعطي شكلاً غير إيجابي للتجربة الديمقراطية التي تقوم على أساس المواطنة، وتكاد تكون نظاماً موازياً للنظام الديمقراطي، وتجهض الآمال صوب الممارسة الديمقراطية النزيهة التي نصبو إليها".

بيبي عاشور: الفرعيات تعطي شكلاً غير إيجابي للتجربة الديمقراطية

ويُحمّل المحلل السياسي، إبراهيم دشتي، السلطة بعض المسؤولية عن وجود الفرعيات وغيرها من المثالب في الأداء الديمقراطي في البلاد: "النظام السياسي، وفق دستور 62، هشّ وتجب إعادة صياغته، من خلال إجراء عملية إصلاح سياسي جذرية، للخروج من نفق عدم الاستقرار الذي بات الطابع السائد للحياة السياسية".

رئيسة الجمعية الكويتية للإخاء الوطني؛ أنّ "الانتخابات الفرعية لها آثار سلبية كبيرة على المرأة سياسياً؛ لأنّها مرتبطة بفكر طائفي وقبَلي لا يتقبل وجود المرأة في هذه الفرعيات، بالتالي، تكون المخرجات رافضة لدور المرأة السياسي".

وفي 22 من شهر حزيران (يونيو) الماضي، أعلن ولي عهد الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، حلّ مجلس الأمة والدعوة لانتخابات عامة جديدة وفقاً للدستور خلال الشهور المقبلة. وكانت الحكومة قد قدّمت استقالتها إلى أمير البلاد، بعد أشهر من تأزم علاقتها بالمعارضة في مجلس النواب، وتشهد البلاد اليوم فراغاً في السلطة التنفيذية والتشريعية.

وتوعّد ولي العهد، في خطاب له؛ باتخاذ "إجراءات ثقيلة الوطأة في ما لو عادت الأمور السياسية إلى التأزم من جديد بعد الانتخابات المقبلة".

 

مواضيع ذات صلة:

الكويت: النيابة العامة تحيل 18 شخصاً للجنايات في "خلية حزب الله"

"الإخوان".. والعلاقات المصرية - الكويتية

أزمة حقل الدرة: هكذا ردت الكويت على المزاعم الإيرانية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية