كيف جعلت تطبيقات المواعدة حياتنا العاطفية جحيماً؟

كيف جعلت تطبيقات المواعدة حياتنا العاطفية جحيماً؟

كيف جعلت تطبيقات المواعدة حياتنا العاطفية جحيماً؟


22/08/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

أتلقّى كلّ أسبوع رسائل بريد إلكترونيّ من أشخاص يريدون إخباري بقصص الرّعب التي مرّوا بها بُعيد استخدام أحد تطبيقات المواعدة. يتعلّق الأمر أحياناً بليلةٍ هي عبارة عن قطعة من الجحيم، ويتعلّق أحياناً أخرى بعلاقة بدأت في تطبيق مواعدة وانتهى بها الأمر في مكان جحيمي، غالباً لأنّ الطّرف الآخر كان ما يزال يستخدم، سرّاً، تطبيقات المواعدة. الخيانة موضوع شائع على نحو لا يُثير الدّهشة، في وقتٍ جعلت فيه هذه التّطبيقات قائمة خيارات الشّركاء المحتملين تبدو بلا نهاية، والقدرة على الوصول إليها فوريّة تقريباً.

كنتُ انتقاديّة لصناعة تطبيقات المواعدة منذ بدايتها تقريباً، وهو دور لم أخطّط لتولّيه مطلقاً. عندما أطلق موقع "تيندر" تطبيق الهاتف المحمول الخاصّ به قبل عقد من الزّمن، كنت قد بدأت للتّوّ في كتابة قصّة لمجلّة "فانيتي فير" حول تأثير وسائل التّواصل الاجتماعيّ على حياة المراهقات. كنت في "جروف"، وهو مركز تسوّق في ولاية لوس أنجلوس، أتحدّث إلى فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً، عندما أخبرتني عن تطبيق جديد يُدعى "تيندر"، وأوضحت لي كيف تستخدمه، وكيف تنسجم وتتحدّث مع رجال في العشرينات والثّلاثينات من عمرهم، وكيف يُرسل بعضهم إليها رسائل جنسيّة وصوراً عارية.

فظاعة وإهانة

يمكن أن تكون ثقافة تطبيقات المواعدة التي تطوّرت منذ ذلك الحين قاسية للغاية، ويمكن لأيّ شخص سبق أن استخدمها (بما في ذلك أنا) أن يخبرك بذلك.

لا يسمح "تيندر" رسميّاً للمستخدمين من دون السّنّ القانونيّة بالتّواصل مع بالغين، لكنّ الأطفال يفعلون ذلك

 لقد طُبِّعَت أكثر أنواع السّلوك فظاعة وإهانة. هنا، نتحدّث عن كلّ شيء: المطالبة بصور عارية، والمطالبة بممارسة الجنس، والتّعليقات الوقحة حول مظهر شخص ما أو أسلوب تواصله، وبالطّبع قطع التّواصل مع أولئك الذين أُعجبوا بنا، لا شيء ممّا أقوله هنا جديد، على الرّغم من أنّني كنت من أوائل الأشخاص الذين كتبوا عن ذلك، في "فانيتي فير"، عام 2015، في قصّة بعنوان "تيندر وكارثة تطبيقات المواعدة"، مادّة أثارت غضب "تيندر" لدرجة أنّ حسابهم على تويتر غرّد ضدّي أكثر من 30 مرّة في ليلةٍ واحدة.

الأطفال يستخدمون "تيندر" و"بامبل" و"غريندر" و"هينج"، والعديد من منصّات المواعدة الأخرى

ومع ذلك، على الرّغم من المقاومة التي واجهت تلك القصّة، فقد أصبحت اكتشافاتها شائعة الآن وجزءاً من فهمنا العام للاضطرابات التي تسبّبت فيها تطبيقات المواعدة. بعد كتابة هذه القصّة، واصلتُ التّحقيق في الطّرق التي ينتشر بها التّمييز على أساس الجنس، والعنصريّة، ورهاب المتحولين جنسيّاً على تطبيقات المواعدة، كما فعل العديد من الصّحفيّين الآخرين. ومع ذلك، ازداد استخدام تطبيقات المواعدة خلال الأعوام العشرة الماضية، خاصّة أثناء الوباء، الذي شَهِد زيادة في عدد المستخدمين والسّاعات التي يقضونها على هذه المنصّات.

بطء استقبال الشكاوى

يقول بعض الأشخاص الذين تواصلوا معي إنّهم يفعلون ذلك لأنّهم يشعرون بأنّه لا يوجد شخص آخر يمكنهم إخباره، بما في ذلك شركات تطبيقات المواعدة نفسها، التي تشتهر بالبطء في الاستجابة لشكاوى مستخدميها (إذا استجابت أصلاً)، حتّى الشّكاوى التي تنطوي، بشكل مؤلم، على اعتداء جنسيّ. لم يكن هناك الكثير من الحركة نحو الإصلاح على هذه التّطبيقات، وغالباً ما تكون التّصوّرات حولها في الثّقافة الشّعبيّة مُشرقة ورومانسيّة.

يكمن السّبب الآخر في أنّ مستخدمي تطبيقات المواعدة يحملون الآمال نفسها التي يحملها ملايين المقامرين الذين يدخلون الكازينوهات كلّ يوم، وهم يعلمون جيّداً أنّ الاحتمالات مكدّسة ضدّهم

كان انطباعي الأوّل عن تطبيقات المواعدة في مركز التّسوّق ذاك أنّها شيء خطير على الأطفال والمراهقين، ومن الواضح أنّها ما تزال كذلك، لا يسمح "تيندر" رسميّاً للمستخدمين من دون السّنّ القانونيّة بالتّواصل مع بالغين، لكنّ الأطفال يفعلون ذلك منذ إطلاقه. الأطفال يستخدمون "تيندر" و"بامبل" و"غريندر" و"هينج"، والعديد من منصّات المواعدة الأخرى، فمن السّهل إنشاء ملف تعريف مزيف وتسجيل الدّخول، ولا توجد حتّى الآن عمليّات فحص فعّالة للعمر، على الرّغم من الدّعوات التي وجّهتها جهات مختلفة من أجل ذلك، وحتّى تطبيق المواعدة المصمّم خصيصاً للمراهقين، الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عاماً "يوبو"، الذي يضمّ ملايين المستخدمين في أنحاء العالم كافّة، تعرّض للنّقد بسبب وجود محتوى غير لائق وتحرّش عليه.

لماذا يستمر النّاس في استخدام هذه التّطبيقات، إذا كانت قد جعلت من المواعدة جحيماً على هذا النّحو؟ (بل إنّني أحاجج أنّ الأمر أصبح أكثر جحيميّة ممّا كان عليه) هناك عدّة أسباب لذلك، كما أعتقد: أحدها أنّ صناعة تطبيقات المواعدة قد طغت على مشهد المواعدة إلى الحدّ الذي يشعر عنده كثير من النّاس أنّه لا توجد طريقة أخرى لمقابلة شخص ما، لقد فعلت هذه الشّركات ذلك من خلال جعل تطبيقاتها تبدو سهلة، من خلال الوعد بالحبّ من خلال عدد قليل من التّمريرات السّريعة، لقد فعلت ذلك من خلال القضاء على الحاجة إلى وجود المرء هناك شخصيّاً.

مقامرون

يكمن السّبب الآخر في أنّ مستخدمي تطبيقات المواعدة يحملون الآمال نفسها التي يحملها ملايين المقامرين الذين يدخلون الكازينوهات كلّ يوم، وهم يعلمون جيّداً أنّ الاحتمالات مكدّسة ضدّهم، وأنّ الكازينو يفوز دوماً، وكذلك الأمر بالنّسبة إلى تطبيقات المواعدة، التي على الرّغم من وعدها بأنّها ستجد لمستخدميها اتّصالات تتّسم بالدّيمومة، فإنّها لا تقدّم أيّة بيانات تدعم ذلك. في الواقع، تشير بيانات مصادر خارجيّة إلى أنّ معظم الأشخاص الذين يستخدمون تطبيقات المواعدة لا يجدون علاقات أو زيجات دائمة من خلال هذه المنصّات.

لماذا يستمر النّاس في استخدام هذه التّطبيقات؟

لكن يستمرّ النّاس في تمرير ملفّات آخرين على هذه التّطبيقات وتفحّص ملفّات غيرهم، أحياناً لساعات في اليوم، كما لو أنّهم لا يستطيعون التّوقّف، وكثيرون منهم لا يستطيع ذلك حقّاً؛ فهذه التّطبيقات صُمّمت لتكون مسبّبة للإدمان. قال لي جوناثان بادين، المؤسّس المشارك لـ "تيندر" ومخترع "التّمرير السّريع" (swipe)، في فيلمي الوثائقيّ على منصّة "إتش بي أو"؛ "التّمرير السّريع: المواعدة في العصر الرّقميّ": "إنّها أشبه بماكينات القمار".

لم يكن تحويل الحبّ إلى لعبة كازينو فكرة رومانسيّة للغاية قطّ، لكن ثبت أنّها فكرة مربحة للغاية لشركات تطبيقات المواعدة، على الرّغم من أنّ ذلك ربما يكون على حسابنا.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

نانسي جو سيلز، الغارديان، 16 آب (أغسطس) 2022



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية