كيف ساعدت وسائل الإعلام الأمريكية في "بيع" غزو العراق؟

كيف ساعدت وسائل الإعلام الأمريكية في "بيع" غزو العراق؟

كيف ساعدت وسائل الإعلام الأمريكية في "بيع" غزو العراق؟


28/03/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

وصلت الثّقة في المؤسّسات الإخباريّة الأمريكيّة الكبرى إلى نقطة تحوّل: وفقاً لاستطلاع رأي حديث، أكثر من نصف الأمريكيّين ينظرون الآن بشكل غير مواتٍ لوسائل الإعلام، ويشعر 50 في المائة منهم أنّ معظم المنافذ الإعلاميّة تحاول عمداً تضليل، أو خداع، أو استدراج عامّة النّاس.

إنّه وضعٌ مؤسفٌ بالنّسبة إلى الصّحافيّين الأمريكيّين، لكنّه ليس مفاجئاً.

عصرنا الاستقطابي الجديد، الذي يستخدمه الرّئيس السّابق دونالد ترامب سلاحاً، وتجني منه غرف الأخبار - من كلّ ميل سياسيّ - نقوداً، سهّل على الأمريكيّين عدم الاكتراث بالقصص الإخباريّة التي لا يتّفقون معها،  أو، ببساطة، تصنيفها على أنّها قصص خياليّة وليست إخباريّة.

لكن أزمة الثّقة التي نعيشها اليوم لها جذور أقدم بكثير تعود إلى عامي 2002 و2003.

في ذلك الوقت، كانت إدارة جورج دبليو بوش تعمل بلا كلل لبيع الأمريكيّين - الذين كانوا يترنّحون من صدمة 11 أيلول (سبتمبر) 2001 - فكرة غزو العراق، الذي لم يكن له علاقة بهجمات القاعدة الإرهابيّة.

الرئيس جورج دبليو بوش ووزير الخارجية الأمريكي كولن باول ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد في 2003

أخبر كولن باول، وزير الخارجيّة الأمريكيّ آنذاك، مجلس الأمن الدّوليّ في شباط (فبراير) 2003 أنّ «الدّليل» الذي قدّمه يُثبت أنّ صدام حسين لديه مخزون هائل من أسلحة الدّمار الشّامل، وأنّ هذه المعلومات مدعومة بـ«مصادر قويّة».

قال: «هذه ليست تأكيدات. ما نقدّمه لكم عبارة عن حقائق واستنتاجات تستند إلى معلومات استخباريّة قويّة».

كان ذلك كلّه غير صحيح

وكان رئيس البنتاغون، دونالد رامسفيلد، قد أصرّ، قبل شهر من ذلك، على أنّ نظام صدام لديه «مخزون كبير من الأسلحة الكيماويّة والبيولوجيّة التي لا يُعرَف مكانها»، وأنّ صدام يُباشر برنامجاً لامتلاك وتطوير أسلحة نوويّة.

بالطّبع، كان ذلك كلّه غير صحيح.

لم يكن مفاجئاً أنّ مجموعةً متشدّدةً من مسؤولي المحافظين الجُدد - الذين دافعوا لفترة طويلة عن التّدخّلات الأجنبيّة في الدّول الأخرى - مصمّمة على شنّ حرب في العراق.

لكن ما كان أكثر إثارة للقلق أنّ وسائل الإعلام فشلت في التّدقيق بشكل صحيح في المعلومات الاستخباريّة التي استندت إليها، سواء المعلومات المختارة بعناية، أو التي أُسيء تفسيرها، أو، ببساطة، التي اختُلِقَت لتبرير حرب كارثيّة.

كان تقديم التقارير أثناء الحرب على العراق، أيضاً، إشكاليّاً، حيث اختار الجيش الأمريكيّ المراسلين الذين قرّر تضمينهم في مهامه العسكرية، ممّا أدّى إلى درجة حتميّة من التّحيز

بدلاً من نشر أخبار عن ادّعاءات الحكومة بجرعة صحّيّة من الشّكّ أو المطالبة بمزيد من الإثبات، كرّرت وسائل الإعلام، التي كانت متعطّشة لأكبر قصّة في تلك الحقبة، تبريرات إدارة بوش حتّى ظهرَ إجماعٌ سائدٌ على «الحقيقة»: صدام امتلك أسلحة دمار شامل وكان يُحضِّر لاستخدامها لمهاجمة أمريكا أو حلفائها.

حتّى إنّ بوش وفريقه تمكّنوا من ربط صدام، عن طريق الاستدلال والتوجيه الخاطئ، بأحداث 11 أيلول (سبتمبر). بحلول وقت الغزو، في 20 آذار (مارس) 2003، اعتقد نصف الأمريكيّين تقريباً أنّ الدّيكتاتور البَعثيّ مرتبط بطريقة ما بمؤامرة القاعدة، وفقاً لاستطلاع رأي في ذلك الوقت.

وقال بوش، في 8 آذار (مارس) 2003، في خطاب إلى الأمّة، إنّ الهجمات «أظهرت ما فعله أعداء أمريكا بأربع طائرات».

وأضاف: «لن ننتظر لنرى ما يمكن أن يفعله الإرهابيّون أو الدّول الإرهابيّة بأسلحة الدّمار الشّامل»

مراسلة نيويورك تايمز

أحد الأمثلة التي يُستشهَد بها كثيراً عن فشل وسائل الإعلام الرّئيسة هو عمل جوديث ميلر، التي كانت حينها مراسلة لصحيفة نيويورك تايمز. في عام 2002، سرّبت إدارة بوش إليها وإلى زميل لها معلومات حول برنامج العراق النّوويّ المفترض.

15 فبراير 2002: آلاف الأشخاص يتجمعون في هايد بارك بلندن بعد الانتهاء من احتجاج ضد الحرب في العراق

ثمّ ظهر كبار المسؤولين في إدارة بوش - بمن فيهم رامسفيلد وباول - في البرامج الإخباريّة مستشهدين بالصّحيفة كدليل على أنّ الغزو كان مبرراً. تبع ذلك قصص إضافية في الأسابيع التي تلت ذلك، وتبيّن أنّ العديد منها، أيضاً، خاطئ.

لكي نكون منصفين، فإنّ تعريف وظيفة المراسل الصّحافيّ هو الكتابة عمّا تقوله الحكومة. وفي حالة ميلر، كانت جريدتها متعطّشة للقصص المتعلّقة بأسلحة الدّمار الشّامل وليس لغياب هذه القصص.

ولكن الأمر يستغرق وقتاً لتتبّع الادّعاءات والتّحقّق لمعرفة ما إذا كانت التّأكيدات الرّسميّة دقيقة.

كانت إدارة بوش تعمل بلا كلل لبيع الأمريكيّين الذين كانوا يترنّحون من صدمة 11 سبتمبر فكرة غزو العراق، الذي لم يكن له علاقة بهجمات القاعدة الإرهابيّة

ومع ذلك، فشل الكثير من وسائل الإعلام السّائدة في ذلك الوقت في طرح الأسئلة الصّعبة.

بسبب الانجراف في إجماعٍ غير نقديّ حول السّرديّة السّائدة - أنّ صدام يمتلك أسلحة دمار شامل - تعرّضت الصّحافة الأمريكيّة لشيء من الانهيار المنهجيّ، مع بعض الاستثناءات الملحوظة، وانتُقِدَت بحقّ لأنّها مكَّنت حرباً مبنية على أساس خاطئ.

كان تقديم التقارير أثناء الحرب، أيضاً، إشكاليّاً، حيث اختار الجيش الأمريكيّ المراسلين الذين قرّر تضمينهم في مهامه العسكرية، ممّا أدّى إلى درجة حتميّة من التّحيز.

أكاذيب

في الأعوام الأخيرة، ضخّت غرف الأخبار ذات الميول الليبراليّة موارد لا حصر لها في التّحقيقات مع ترامب التي فشلت في توجيه أيّ ضربات قاضية له، في حين بثّت قناة فوكس نيوز النّاطقة باسم الحزب الجمهوريّ ادّعاءات شائنة حول انتشار تزوير الانتخابات على نطاق واسع حتّى عندما قال موظّفو القناة سرّاً إنّهم يعرفون أنّ هذه كذبة، وفقاً لدعوى قضائيّة جارية.

في ظلّ الحماسة الوطنيّة المفرطة التي سادت معظم أمريكا بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، كان يُنظر إلى الجدل بطريقة ما على أنّه معارضة، والمعارضة، بدورها، كان يُنظر إليها على أنّها فعل غير وطنيّ.

كان من الضّروري للغاية تحدّي ادّعاءات الحكومة بشكل صارم، بالنّظر إلى أنّ الحزب الديمقراطي المعارض كان إلى حد كبير متناغماً مع إدارة بوش. لكن، بدلاً من ذلك، أخذت هيئات الرّقابة في البلاد قيلولة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

توماس واتكينز، ذي ناشونال، 17 آذار (مارس) 2023



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية