كيف ساعد إرثُ ترامب بوتين في حربه على أوكرانيا؟

كيف ساعد إرثُ ترامب بوتين في حربه على أوكرانيا؟


02/06/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

حتّى وفق معايير دونالد ترامب الفوضويّة، كان "اتّفاق السّلام الشّامل" الخاصّ بأفغانستان، والذي وقّعته الولايات المتّحدة في الدّوحة، في شباط (فبراير) 2020، هدفاً هائلاً أدخلته الولايات المتّحدة في مرماها.

لم يفرض الاتّفاق وقف إطلاق نار ملزماً، ولا متطلّبات لتقاسم السّلطة، ولا خريطة طريق سياسيّة. في مقابل بعض الهراء حول "القاعدة"، تعهّد ترامب بالانسحاب الكامل وغير المشروط للولايات المتّحدة و"حلف شمال الأطلسيّ" في غضون 14 شهراً.

لم يكن هذا صنع سلام، كان استسلاماً، وبالكاد صدّقت "طالبان" حظّها الجيّد.

أمِل ترامب في الاستفادة سياسيّاً من "إعادة القوّات إلى الوطن"، على الرّغم من أنّ الغالبيّة العظمى قد عادت بالفعل، بخلاف ذلك، كان غير مبالٍ كلّيّاً بمصير الشّعب الأفغانيّ.

كان العسكريّون في الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة مذعورين، وكذلك الدّبلوماسيّون والسّياسيّون ووكالات المعونة، والمحلّلون المطّلعون على شؤون أفغانستان، لكنّ تحذيراتهم من كارثة تلوح في الأفق تمّ تجاهلها.

على الرّغم من عرقلة ظهورهما، بسبب سياسات السرّية الرّسمية؛ فإنّ تقريرَين لاذعين هذا الشّهر، أحدهما من قِبل هيئة رقابة عامّة أمريكيّة والآخر من قِبل "لجنة الشّؤون الخارجيّة في البرلمان البريطانيّ"، يكشفان انعدام كفاءةٍ لا يمكن تصديقه من الحكومتين.

الرئيسان بوتين وترامب، خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في اليابان، عام 2019

قال تقرير "لجنة الشّؤون الخارجيّة في البرلمان البريطانيّ"؛ إنّ بوريس جونسون ووزير الخارجيّة البريطانيّ آنذاك، دومينيك راب، فشلا في تحدّي اتّفاق الدّوحة بشكل فعّال، ثم أخفقا بشكل كافٍ في التّحضير لانسحاب عام 2021.

في 8 حزيران (يوليو) 2021، أخبر جونسون مجلس العموم، دون اكتراث، بأنّه "لا يوجد طريق عسكريّ للانتصار على طالبان"، وفي 15 آب (أغسطس)، سقطت كابول، وسادت الفوضى، ومات بعض من تمّ إجلاؤهم، وأنقذت الكلاب.

لكنّ العديد من الموظّفين والعمّال الأفغان الذين عملوا لحساب المملكة المتّحدة لم يُنقذوا.

محاولات ترامب للضّغط على الصّين عاقبت أمريكا، اختار المعارك التّجاريّة التي أضرّت بالمصدّرين الأمريكيّين وقاطع الشّراكة عبر المحيط الهادئ، المزيد من الأهداف التي أحرزتها الولايات المتحدة في مرماها

20 عاماً من عمليّة بناء الأمّة، على حساب عشرات الآلاف من الأرواح الأمريكيّة والبريطانيّة والأفغانيّة، دُمّرت في أيّام قليلة مخزية، وكان يجب على جونسون وراب أن يستقيلا في ذلك الوقت، لكنّهما لم يستقيلا. ما يزال هناك وقت للاستقالة، يا رفاق.

ألقى تقرير المفتش العامّ الأمريكيّ (سيغار) باللائمة على ترامب وخليفته، جو بايدن، والرّئيس الأفغانيّ آنذاك، أشرف غني.

من المؤكّد أنّ بايدن كان على خطأ، كان عليه أن يصرّ على إعادة التّفاوض بشأن "اتّفاق الدّوحة"، وأن يحتفظ ببعض القوّات الأمريكيّة في قاعدة باغرام خارج كابول، وكان ينبغي على أعضاء "حلف شمال الأطلسيّ" الأوروبيّين أن يعبّروا عن مخاوفهم بقوّة أكبر.

لكنّ المسؤوليّة تقع في المقام الأوّل على عاتق الرّجل الذي أطلق هذه الكارثة الجيوسياسيّة المميتة، بينما كان يتفاخر ببراعته كصانع للصّفقات، استسلم ترامب لعصابة من أمراء الحرب الإقطاعيّين، الذين تخلّفوا على الفور إلى الاستبداد.

المأساة الأفغانيّة المستمرّة اليوم ليست سوى جانب واحد من تراث ترامب السّام، ما يزال التّأثير السّلبيّ لرئاسته محسوساً في أنحاء العالم كافّة، والوقت ينفد لتبديد آثارها الضّارة.

في غضون عامين، يمكن لترامب، أو نسخة جمهوريّة يؤيّدها ترامب، استعادة البيت الأبيض، وقد تفرض أجندته الرّجعية والمزعجة "أمريكا أوّلاً"، مجدداً الطّريقة التي تتعامل بها الولايات المتّحدة، أو تفشل في التعامل بها، مع التّحديات العالميّة الكبرى في الوقت الحاضر.

هذا الاحتمال الرّهيب أصبح أكثر احتمالاً بسبب عجز بايدن الواضح، الذي شُوهد في أفغانستان، عن القيام بتغيير جذريّ بشأن مجموعة من القضايا الدولية الرئيسة.

دان بايدن توسّعاً آخر في المستوطنات غير القانونيّة في الضّفة الغربيّة، لكنّه لم يفعل الكثير لإحياء عمليّة السّلام، ربما سيتغيّر هذا عندما يزور إسرائيل في وقت لاحق وربما لا

لا عجب، على سبيل المثال، أنّ العنف المرتبط بالاحتلال بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين، في الضّفة الغربيّة وأماكن أخرى، بلغ أعلى مستوياته منذ عام 2014، وفق الأمم المتّحدة، وكان ترامب قد تخلّى عن جهود السّلام وحلّ الدّولتين المفضّل دوليّاً، وتجاهل "السّلطة الفلسطينيّة".

دان بايدن، مؤخّراً، توسّعاً آخر في المستوطنات غير القانونيّة في الضّفة الغربيّة، لكنّه لم يفعل الكثير لإحياء عمليّة السّلام، ربما سيتغيّر هذا عندما يزور إسرائيل في وقت لاحق من هذا العام، وربما لا.

كما يبدو أنّ بايدن قد رضخ للضّغوط الإسرائيليّة على إيران. وكان ترامب قد تراجع بغباء عن الاتّفاق النّوويّ لعام 2015 مع طهران. ومنذ ذلك الحين، يقال إنّ إيران تقترب بثبات من امتلاك القدرة على صنع أسلحة نوويّة.

أدّى خطأ ترامب الفادح، إلى جانب الاغتيالات الإسرائيليّة والأمريكيّة المتكرّرة لإيرانيّين بارزين، إلى زيادة التّوترات، لكن على الرّغم من وعد قويّ، لم يتمكّن بايدن من إحياء الاتّفاق، والآن يبدو أنّه يستسلم.

صنع ترامب من نفسه أضحوكة عندما حاول اجتذاب ديكتاتور كوريا الشّماليّة المسلّح نوويّاً، كيم جونغ أون، وعزّزت قمّة التّقاط الصّور التي أقامها من مكانة كيم مقابل صفر لصالح الولايات المتّحدة، وقد أطلق كيم مؤخّراً صواريخ باليستيّة، كما لو أنّ الغد لن يأتي، وبالطّريقة التي يسير بها، قد لا يكون هناك غد.

تقرير تلفزيوني في محطة في سيول عن إطلاق صاروخ لكوريا الشمالية

ومع ذلك؛ فإنّ كوريا الشّماليّة هي قضيّة أخرى من القضايا التي ليس لدى بايدن أيّ جديد ليقوله عنها. أبرزت زياراته إلى كوريا الجنوبيّة واليابان، الأسبوع الماضي، مدى إهماله للصّين ومنطقة المحيطَين الهنديّ والهادئ، التي تعدّ، على ما يبدو، على رأس أولويّاته الخارجيّة.

محاولات ترامب للضّغط على الصّين عاقبت أمريكا، اختار المعارك التّجاريّة التي أضرّت بالمصدّرين الأمريكيّين وقاطع الشّراكة عبر المحيط الهادئ، المزيد من الأهداف التي أحرزتها الولايات المتحدة في مرماها.

الآن، يحاول بايدن، في وقت متأخّر، استعادة زمام الأمور، وطمأنة تايوان بالدّعم العسكريّ الأمريكيّ، وتقوية التّحالفات الإقليميّة، وإطلاق "إطار اقتصاديّ متعدّد البلدان في منطقة المحيطين الهنديّ والهادئ" لمواجهة الصّين.

في حين أنّ بعض مشكلاته من صنعه هو، فإنّ كفاح بايدن لإصلاح الضّرر العالميّ الذي سبّبه هيجان ترامب الذي استمر لأربعة أعوام أصبح أكثر صعوبة بسبب الحرب الرّوسيّة في أوكرانيا.

ترامب تودّد بشكل متذلّل إلى فلاديمير بوتين، وانتقد تقرّباً لبوتين "حلف شمال الأطلسيّ" و"الاتّحاد الأوروبيّ"، واشتبك مع خصم بوتين اللدود، زعيم أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي، الذي ضغط عليه بشكل سيء (وقابل للنّقض) في محاولة لتشويه سمعة بايدن.

بدا ترامب، في منصبه، مديناً على نحو غير قابل للتفسير بالفضل لرئيس مافيا الكرملين، وما يزال يفعل.

الآن، تهدّد الإمبرياليّة الوحشيّة لبوتين بدورها بإلحاق الضّرر بالخصم اللدود لترامب، بايدن، من خلال إخراج أولويّاته الدّوليّة والمحلّيّة عن مسارها، و إذا فازت روسيا، فسيتم تشويه سمعة القيادة الأمريكيّة العالميّة.

التّماثل مذهل؛ الرّعب الموجود في أوكرانيا، والذي تمّ توجيهه من موسكو، يقضي على فرص جو  في عام 2024. كأنّها مؤامرة بين فلاديمير ودونالد. لا سمح الله!

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

سيمون تيسدال، "الغارديان"، 29 أيار (مايو) 2022

مواضيع ذات صلة:

من هو ألكسندر دوغين؟ وكيف أثر في عقلية بوتين؟

سياسيون لـ "حفريات": هل ينجح بوتين بإعادة كييف إلى "بيت الطاعة"؟

بوتين "الديكتاتور" الحالم بتضميد جروح الدبّ السوفييتي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية