كيف ستبدو أوضاع المرأة الأفغانية في ظل حكم طالبان؟

كيف ستبدو أوضاع المرأة الأفغانية في ظل حكم طالبان؟


26/08/2021

مي عجلان

مع سيطرة حركة طالبان على مقاليد السلطة في أفغانستان، برزت قضية المرأة الأفغانية بوصفها أحد أهم الملفات على الساحة خاصة مع تاريخ حركة طالبان القمعي وممارساته العدائية ضد المرأة. كانت حركة قطالبان قد استولت  على العاصمة الأفغانية كابول في عام 1996  بعد أكثر من 20 عامًا من الحرب الأهلية وعدم الاستقرار السياسي لذا ظن الجميع في بداية الأمر أن طالبان ستوفر الاستقرار ولكن سرعان ما فرضت نظامًا صارمًا وقمعيًا تجاه المرأة على أساس تفسير الحركة الخاطئ للشريعة الإسلامية، ولكن مع دخول الولايات المتحدة أفغانستان اكتسبت النساء العديد من الحقوق حيث استثمرت نحو أكثر من 800 مليون دولار لدعم حقوق المرأة، فانضمت الفتيات والنساء إلى الجيش والشرطة، وتقلدن مناصب سياسية متعددة وبحلول عام 2016 تم انتخاب أكثر من 150 ألف امرأة في المناصب المحلية، وبلغت نسبة مقاعد المرأة  في البرلمان 27%  من أصل 250 مقعداً .

كل هذه الإنجازات لم يكن من الممكن تصورها في ظل حكم طالبان أي أن المكاسب التي تحققت في مجال حقوق المرأة تعتبر واحدة من أكبر الإنجازات خلال العشرين عامًا الماضية، حيث ناضلت النساء الأفغانيات من أجل حقوقهن، وحققن نجاحات مهمة وتمتعن بقدر من الحرية ولكن مع عودة طالبان مرة أخرى للسيطرة على مقاليد الحكم وإرساء قواعدهم اجتاحت موجة من الهلع حول مصير تلك الإنجازات الخاصة بوضع المرأة  ومن هنا جاء التساؤل الأهم  كيف ستبدو أوضاع المرأة الأفغانية في ظل حكم طالبان؟ وهو ما ستحاول المقالة تسليط الضوء عليه.  

كيف تربط طالبان حقوق المرأة بالعقيدة الإسلامية؟

تربط حركة طالبان موقفها من المرأة بالعقيدة الإسلامية، حيث يزعم التنظيم أنه يطبق الشريعة الإسلامية. وحقيقة الأمر أن الحركة تطبق (العقيدة الطالبانية) وليس الإسلامية.ففي المدارس الدينية للفتيات التي تديرها طالبان، يتعلم الطلاب الدور الإسلامي المناسب للمرأة، وفقًا لتفسير طالبان والذي يقتصر بشكل كبير على أدائها للواجبات المنزلية وعلى الرغم من أن طالبان  تدعى باستمرار أنها تعمل لصالح المرأة، إلا أن الحقيقة هي أن هذا النظام حرم النساء من حقوقهن التي أقرتها الشريعة الإسلامية  التي تحترم المرأة والإنسانية.

كيف كانت حياة النساء الأفغانيات تحت حكم طالبان؟

حكمت حركة طالبان أفغانستان سابقًا من عام 1996 إلى عام 2001 وفي هذه الفترة امتلكت أفغانستان أسوء سجلات حقوق الإنسان في العالم حيث حرم المواطنين من أبسط حقوقهم وفرضت قواعد صارمة على النساء  بشكل خاص، إذ انتهكت أجساد النساء وحقوقهن كما واجهن عقوبات قاسية مثل السجن أو التعذيب أو حتى الموت فكانت النساء تُجلد علنًا أو تُعدم إذا لم يتبعن القواعد التي تفرضها طالبان.

وفي السياق ذاته، سجنت النساء في منازلهن ووُضعوا  قيد الإقامة الجبرية حيث لم يُسمح لهن بالعمل أو الحصول على تعليم كما حرموا من الرعاية الصحية الأساسية مما عرض صحتهن وأسرهن للخطر، ففي معظم المستشفيات على سبيل المثال لا يمكن للأطباء الذكور فحص المريضة إلا إذا كانت ترتدي ملابسها بالكامل مما يستبعد إمكانية التشخيص والعلاج المناسبين، حتى الطعام الذي كان يتم إرساله لمساعدة الجائعات منهن والغير قادرات على الخروج كان يسرقه قادة طالبان، وحتى إن خرجوا كان يجب على أن يرافقهن قريب ذكر إلى الشارع، أوحتى لزيارة الطبيب ولم يكن يُسمح بارتداء الأحذية ذات الكعب العالي لعدم إثارة الرجال إلى جانب ذلك كان لا بد من طلاء نوافذ المنازل في الطابق الأرضي والأول كما منعت النساء من الصعود إلى شرفاتهن حتى لا يمكن رؤيتهن من الشارع، وتم حظر تصوير الإناث أو عرض صورهن في الصحف أو الكتب أو المحلات حتى أسماء الأماكن التي تحتوي على “نساء” وتم منع النساء من الظهور في الإذاعة والتلفزيون أو في التجمعات العامة ولم يُسمح للنساء بركوب الدراجات، ولم يكن بإمكانهن ركوب سيارة أجرة بدون مرافق، وكانت خدمات السيارات الأجرة مخصصة للذكور أو الإناث فقط ولو خالفت أي امرأة القواعد حتى لو لم يكن لها أقارب ذكور لتخرج معهم تعرضت للجلد في الشارع أو في الملاعب كما عوقب الرجال على النساء اللاتي لا يلتزمن بالقواعد.

وتماشيًأ مع ما سبق، منذ عام 1998 تم منع الفتيات فوق سن الثمانية من الذهاب إلى المدرسة وكان التعليم في المنزل فقط ولكن رغم السماح بالتعليم المنزلي إلا أنه كان يتعرض أيضًا للمنع والقمع في حالات كثيرة حيث كان يتم ترحيل العاملات لدى المنظمات الدولية من الأجانب المروجين للمدارس المنزلية للفتيات، كما منعت طالبان النساء من الدراسة في جامعة كابول وتم فرض قواعد اللباس التي تطلبت من النساء أن يغطين جسدهم بالكامل تحت ما يسمى ب ” البرقع” الذي فُرض ارتدائه بالتهديد والغرامات والضرب الفوري ولم يكن يسمح بأي استثناءات حتى الفتيات اللواتي لا تتجاوز أعمارهن ثماني أو تسع سنوات كان يُطلب منهن ارتداء البرقع والذي لم يكن فقط عبئًا جسديًا ونفسيًا بل كان يمثل عبئًا اقتصاديًا كبيرًا لا تستطيع العديد من النساء تحمل تكلفته ففي بعض الحالات، كانت تشترك أحياء بأكملها في ثوب واحد، ويجب على النساء الانتظار أيامًا حتى يأتي دورهن للخروج، كما كانت القيود المفروضة على الملابس تتوافق مع قيود أخرى على الزينة الشخصية حيث تم حظر المكياج وطلاء الأظافر وكانت تقطع أطراف إبهام النساء لوضعهن طلاء الأظافر.

ماذا الأن..  إلى أي مدى قد تلتزم طالبان باحترام وصيانة حقوق المرأة في أفغانستان؟

“القيم الإسلامية هي إطار عملنا” بتلك العبارة حاولت حركة طالبان طمأنة النساء والمجتمع الدولي بأنه لن يكون هناك عنف ضدهن  ولن يُسمح بأي تحيز، ولكن بالرغم من هذه الرسائل المطمأنة منذ اللحظات الأولى إلا أن النساء في جميع أنحاء أفغانستان يختبئن وخاصة أولئك المدافعات عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وعلى أرض الواقع نجد أن حركة طالبان تبنت نفس السياسات التي اعتمدتها خلال فترة حكمهم الأولى، فلم تغير المبادئ والقيم التي كانت لديها منذ سنوات، ربما طورت الحركة من أدوات اتصالها الجماهيري لكسب قاعدة أكبر من الداعمين فلأول مرة وفي تلفزيون أفغاني يظهر أحد مسؤولي طالبان ضيفًا في حوار تديره مذيعة أفغانية كاشفة الوجه،

لكن ومع سيطرة مقاتلي الحركة على المناطق المختلفة داخل أفغانستان تراجعت حقوق المرأة   هذه المناطق فما أن سيطرت على العاصمة كابول حتى أزالت صور النساء من واجهات المحلات التجارية، وأمرت النساء بعدم مغادرة منازلهن إلا بمحرم، وأبلغوهن أنه لم يعد بإمكانهن العمل أو الالتحاق بالمؤسسات التعليمية أو التسوق، وارتداء الملابس التي تروق لهن وحتى الآن لم تضم طالبان أي امرأة في فريق التفاوض الخاص بها عكس  ورد الاتفاقية التي وقعها كلا من الولايات المتحدة وحركة طالبان في فبراير 2020 والتي أدت إلى إنهاء الحرب بعد ما يقرب من عقدين من الصراع والتزمت خلالها الولايات المتحدة بسحب جميع الأفراد العسكريين من أفغانستان، وفي المقابل وافقت طالبان على منع الجماعات الإرهابية من العمل على الأراضي الأفغانية والمشاركة في المحادثات مع الحكومة الأفغانية، وعلى الرغم من أن فترة سيطرة حركة طالبان بين عامي 1996 و 2001 ،  شهدت عدد من الانتهاكات الجسيمة ضد النساء والفتيات  لم تتناول الاتفاقية هذه الانتهاكات أو حتى لم تشير في أي من بنودها لحماية حقوق المرأة، على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية صرحت بشكل دائم بأن حماية حقوق المرأة كانت سببًا مباشر لتدخلها في عام 2001  ويمكن هنا الإشارة إلى أن الأتفاقية التي تم توقيعها في الدوحة ركزت على مبدأ السلام الآن والعدالة لاحقا، فلم توضح طالبان موقفها بوضوح بشأن حقوق المرأة والأقليات فقط تعهدوا بالسماح للفتيات بالدراسة والعمل للنساء ولكن تحت عبارة غامضة بل وأيضًا فضفاضة لم يتم تفسيرها بوضوح وهي  “في ضوء ما يسمح به الإسلام”.

هل إصلاح طالبان ممكنًا حقًا؟

 تجربة عشرين عاماً من الحرب ليست بالأمر اليسير فطالبان التي احتلت مقاليد الحكم عام 1996 من الطبيعي أنها ستختلف عن طالبان 2021 خاصة مع تصدير الحركة لفكرة أنها تغيرت، كما أن طالبان تدرك بشكل كبير أن استخدام مسميات الشريعة الإسلامية للسيطرة على المواطنين لم يعد مجزياً في ظل وجود مواطنين حاصلين على درجات متقدمة من التعليم وأكثر وانفتاحًا مما كانوا يحكمونهم قبل ثلاثة عقود.

 ولكن قد يكون  هذا التغيير ظاهري، فطالبان لن تغير من قناعتها ومبادئها نظراً أن هذه المبادئ هي المدخل الذي من خلاله أقنعوا به مقاتليهم للقتال والتضحية من أجلهم، لذا ليس من المنطقي أن تغير طالبان سياساتها تجاه النساء بصورة كبيرة فأيديولوجيتهم الأساسية أصولية صعب تغييرها، ولكن الإشكالية التي تقابلهم هنا أنه بدون إشراك المرأة ستفتقر أي اتفاقية سلام إلى الشرعية محلياً ودولياً، فحتى مع تركيز المجتمع الدولي على حماية دور الحكومة الشرعية وإرساء الدستور إلا أن ضمان الحقوق الأساسية لجميع المواطنين أمر بالغ الأهمية لبناء الثقة بين الأطراف في أن التغيير ممكن خاصة أن طالبان في حاجة إلى الحصول على القبول الداخلي من شرائح مختلفة من المجتمع الأفغاني المتضررين من عودتها وهو الأمر التي تحاول إظهاره من خلال حديثهم حول تشكيل حكومة تعبر عن الشعب الأفغاني، واحترامهم المعتقدات الدينية لجميع الأفغان بمختلف طوائفهم،  إلى جانب مطالبتهم للنساء بالعودة إلى ممارسة أعمالهم بصورة طبيعية وأن المرأة سيكون لها دور فعال في بناء أفغانستان، وبالإضافة إلى ذلك تحتاج طالبان أيضًا الاعتراف الدولي بها، لذا ستحاول التأكيد طوال الوقت على حقوق الإنسان وبالأخص حقوق المرأة

ختامًا، من الممكن أن يكون حديث طالبان حول حقوق المرأة هو حديث مرحلي ينتهي بالحصول على الشرعية والاعتراف الدولي لذا من المهم ضمان حقوق للنساء داخل الدستور الذي سيلعب دورًا مهمًا في عمليات التغيير بحيث أن الاعتراف بحقوق المرأة ومصالحها على المستوى الدستوري له وزن كبير في منحها قدر من الحرية في مشاركتها وتمثيلها، كما يمكن للدعم الدولي التأثير على حركة طالبان  من خلال ممارسة النفوذ لتحسين وضع المرأة عن طريق استخدام المساعدات التي تقدمها إلى أفغانستان بالمنع إذا لم تتم حماية حقوق المرأة وتحسين وضعها. 

عن "مركز الإنذار المبكر"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية