كيف ستواجه إسرائيل محاولات حزب الله تغيير قواعد اللعبة؟

كيف ستواجه إسرائيل محاولات حزب الله تغيير قواعد اللعبة؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
21/08/2021

ترجمة: إسماعيل حسن

أخطأ جهاز الأمن في إسرائيل عندما اعتقد أنّ حزب الله لن يردّ على هجماته في لبنان، ورغم الردّ المنضبط من جانب الجيش الإسرائيلي، إلا أنّ حزب الله، وبخلاف تقدير الجيش، سارع لتقديم معادلة ردع تجاه إسرائيل، كما ويسعى إلى التضييق على حرية عمل الجيش الإسرائيلي في الردّ على أيّة خروقات في المستقبل، وهذا يتطلّب من إسرائيل أن تدرس بعمق ما إذا كان هناك تغيير جوهريّ وعميق في الوضع الأمني على الحدود الشمالية، لأنّ ما تشهده الحدود ليست أحداثاً عرضية. هناك احتمال بأن يكون ما حدث محاولة من الحزب وإيران لتغيير المعادلات والردّ على تصرفات إسرائيل في سوريا، لكنّ الجيش الإسرائيلي يعرف جيداً اليوم أنّ حزب الله إذا أراد وقف إطلاق الصواريخ فسيتمّ إيقافها بسهولة.

 خلال الأسابيع الأخيرة تغيّرت الصورة بسرعة أمام أعين الإسرائيليين، ويبدو أنّ مصلحة من يطلق الصواريخ من لبنان تزامناً مع وتيرة الأحداث وإلحاحها، تشير إلى أنّ هناك من لا يريد استمرار حالة الهدوء على الحدود الشمالية. فمن ناحية، الجيش الإسرائيلي يعلم أنّ شيئاً ما تغير، كما أنّ لبنان يعلم ذلك أيضاً، لكن لا يبدو أنّ سكان الشمال استوعبوا التغيير، لقد كانت مشاهدة سقوط الصواريخ في كريات شمونا مقلقة، ورؤية الناس يتحركون بعدم اكتراث لحظة انطلاق الصافرة، وبحسب تقييم المؤسسة العسكرية الإسرائيلية؛ فإنّ الحدود الشمالية تلقّت تذكيراً بأنّ ما كان لن يكون، حدث خامس إطلاق الصواريخ خلال ثلاثة أشهر، وردّ أكثر حدة من قبل إسرائيل.

خطّ مواجهة من جديد

 هذا مؤشر على أنّ الحدود الشمالية تعود لتكون خطّ مواجهة من جديد؛ فبعد أن اعترف الحزب بإطلاق الصواريخ ، قصف سلاح الجو الإسرائيلي التلال الفارغة غرب بلدة الخيام، فيما لم يستهدف هذا الهجوم أهدافاً حقيقية، بل أراد الإيحاء إلى الطرف الآخر بأنّ شيئاً ما عندنا تغيّر أيضاً، فهذه هي المرة الأولى التي تهاجم فيها طائرات قتالية إسرائيلية الأراضي اللبنانية، منذ عام 2014، وكانت النية نقل رسالة بأنّ سلاح الجوّ سينفذ أهدافاً حقيقية في المرة التالية، في وقت لم تكن المحاولات الأربع السابقة لإطلاق الصواريخ بمبادرة حزب الله أو بتشجيعه، ولا يرتبط هذا الحدث بالتغييرات التي تحدث في إيران، وحزب الله لا يصادق على إطلاق النار من قبل الفلسطينيين في لبنان، لكنّه أيضاً لا يضيّق عليهم ولا يفعل شيئاً ليمنعهم، بل يجد راحة ببقاء حدود الشمال ساحة احتكاك نشطة.

 ومن هنا يجب على شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي أن تكون ملزمة بأن تفعل ما لم تفعله في الأحداث السابقة، وتستوضح الهوية التفصيلية لمطلقي النار كي يتلقوا علاجاً تفصيلياً، أيضاً ليس إلزاماً أن تكون هذه معالجة صاخبة من الجوّ، لكن من يطلق النار على إسرائيل ملزم بدفع الثمن، فالصور التي تقشعرّ لها الأبدان لأطفال مستوطنة دان وهم مستلقون على الأرض أثناء إطلاق الصافرة، كانت تذكيراً آخر بأنّنا ملزمون بالإسراع لمعالجة الجبهة الداخلية الشمالية التي أهملت لسنوات طويلة، وتتضمن المعالجة تقديم نسبة كبيرة من ميزانية الدولة الجديدة، لبدء أعمال التحصين في البلدات المحاذية مع لبنان، لكنّ الواقع يتطلب تخصيصاً أوسع من ميزانية الدفاع، ويجب تقديم مبلغ أولي لتحسين العائق، مما سيسمح بإغلاق الثغرات والبدء بإقامة عائق بجوار البلدات، التي من السهل عزلها في هجوم بري.

حزب الله يتحدى رئيس الحكومة الإسرائيلية

يرى سياسيون إسرائيليون أنّ تصرفات حزب الله هي بمثابة تحدٍّ خطير لرئيس الحكومة، نفتالي بينيت، وسبق أن نجح حزب الله بدرجة أكثر، عندما جرّ رئيس الحكومة الأسبق، إيهود أولمرت، إلى الحرب عام 2006، والظروف هذه المرة معقدة أكثر؛ لأنّ الأمور تحدث في ذروة معركة إقليمية كثيفة جداً، حتى إن كانت سرّية بشكل عام بين إسرائيل وإيران.

تغيّرت الصورة أمام أعين الإسرائيليين، ويبدو أنّ مصلحة من يطلق الصواريخ من لبنان تشير إلى أنّ هناك من لا يريد استمرار حالة الهدوء على الحدود الشمالية

مقابل ذلك، تخشى القيادة العسكرية في الجيش الإسرائيلي من أن يتمّ إطلاق الصواريخ من لبنان مرة أخرى، ويردّ الجيش عليها بشكل أوسع، ويزيد ذلك من التوتر مع الحزب، والدليل على ذلك حين يردّ الجيش على صواريخ الجنوب والهجمات المتواصلة بالبالونات الحارقة، لا تمرّ الأمور بسلاسة، باعتبارها نيراناً بعيدة المدى، أما في الشمال فتسقط بعض القذائف ثم تعود الأمور إلى طبيعتها، وهذا يعني أنّ إسرائيل أمام وضع معقّد فعلاً؛ فالهدوء الأمني في غزة كاذب، من الناحية العملية عززت حماس قدراتها، وكذلك حزب الله الذي يظهر منذ بداية هذا العام مختلفاً عما كان عليه سابقاً.

 ومع مرور الوقت فإنّ الجيش الذي بناه سوف يزداد قوة، وبالتالي، سيكون الوضع في الجنوب مع حماس نسخة مكرّرة منه أيضاً؛ لذلك فإنّ استمرار إطلاق الصواريخ من لبنان على الجليل الغربي، يعني ذلك اجتياز الحزب للخطّ الأحمر، ويعطي ذلك أيضاً مبرّراً للذهاب إلى الحرب، وسيعتمد الجيش على هدف يستحق المغامرة حتى إن كان إطلاق آلاف الصواريخ الدقيقة بشكل يومي، ما يؤكد في النهاية أنّ إسرائيل تخوض سباقاً مع الزمن، رغم أنّ الحلول الدفاعية الأخرى قد تنجح بالتخلص من القدرات العسكرية لحزب الله، لكن ما يزال الطريق بعيداً.

اقرأ أيضاً: سعد الحريري يفتح النار على حزب الله... ماذا قال؟

 ومن الناحية العملية، حتى إن تمكّنت إسرائيل من تعطيل تطوير المشروع الصاروخي لحزب الله وتأخيره، فمن المرجّح أن تزداد رغبته القوية في دفع المشروع قدماً إلى الأمام، ما سيشكّل معضلة ثقيلة على المستوى السياسي الإسرائيلي في السنوات القادمة حول كيفية معالجة هذا التهديد، خاصة أنّ ذلك يعدّ تجاوزاً للخطوط الحمراء بالكمية والنوعية الدقيقة للصواريخ، وليس مستبعداً في ذلك أن تزيد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في الأشهر المقبلة جهودها العملياتية السرّية ضدّ الحزب، لكنّ المعضلة كبيرة، وليس من المؤكد أن يكون نموذج العمل الإسرائيلي داخل إيران مناسباً ضدّ الحزب في لبنان.

إسرائيل تجد نفسها محاطة بدول فاشلة، لبنان وسوريا وحماس، وبدرجة أكبر السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي ظاهرة تحوّل كلّ المنطقة إلى أن تصبح أكثر تفجراً

أمام كلّ هذه التحديات، تواجه إسرائيل الآن معضلة أخرى على المستوى الداخلي، متعلقة بأزمة كورونا، والحكومة لم تقف بعد على قدميها وهي قلقة من التهديد النووي الإيراني، ولا تريد فتح جبهة أخرى مع حزب الله، خاصة بعد المعلومات المتواردة للحزب بوجود برود في العلاقات بين روسيا وإسرائيل، وعدم رضا روسيا من الهجمات في سوريا، كما أنّ هناك عدة اعتبارات خاصّة تقرؤها إسرائيل في ظلّ الوضع الصعب في لبنان، ويبقى الحذر من عدم الانجرار لمواجهة صعبة في لبنان، ونحن نشهد أياماً يتركز فيها التحدي الأمني السياسي الإسرائيلي على حملة مشتركة مع الدول الغربية ضدّ إيران، فإسرائيل لا تتمتع بقدرة تجعل فيها الحدود الشمالية خطّ مواجهة مستقراً، كما هو الحال في الجنوب مع غزة، كما أنّ هناك اعتقاداً بأنّ حزب الله يستغلّ الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان لاستعراض قوته، وتذكيراً بأنّه المدافع الحقيقي عن الدولة، ومنع أيّ وضع تشكّل فيه حكومة جديدة في لبنان لا تتوافق مع رغباته، وقطع العلاقات مع أية دولة غربية تؤيدها بالتفكير بإمكانية فصل حزب الله عن السلطة أو المطالبة بنزع سلاحه، لكن حتى هذا التفسير يواجه بعدد من العقبات.

نجيب ميقاتي مقرّب من حزب الله

نجيب ميقاتي، الذي عيّنه الرئيس ميشيل عون لتشكيل الحكومة، هو مقرب جداً من حزب الله ولا ينوي أو يستطيع تشكيل حكومة دون ممثلي حزب الله، والحزب لا يحتاج إلى استعراض قوة آخر لإثبات قوته العسكرية مقارنة مع قوة الجيش اللبناني، إضافة إلى ذلك لا يوجد في لبنان الآن أيّ عنوان رسمي تتوجه إليه إسرائيل لتحمّله المسؤولية، ولن يكون لتوجهها إلى مجلس الأمن أية أهمية فعلية، باستثناء الإدانة، لكنّ حزب الله ملزم في كلّ مرة بأن يثبت التزامه بفكرة المقاومة، ليس فقط بالخطابات والتصريحات، بل بالأفعال أيضاً، هذه رسالة لا تقتصر على الساحة اللبنانية فقط، بل أرسلت لحماس والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا، وكلّ من يراه حزب الله مخلصاً لفكرة المقاومة.

يشير تسلسل الأحداث مؤخراً إلى أنّ مواجهة عسكرية باتت أقرب من أيّ وقت مضى بين إسرائيل وحزب الله، وبحسب المعطيات المعروفة لدى الجيش الإسرائيلي، فإنّ حزب الله يحاول أن يصبح المرشد والمستشار لعدد من الميليشيات في العراق واليمن وسوريا، ويريد أن يتحرر من القيود التي تفرضها إيران عليه، وأن يدير حربه بصورة مستقلة أكثر، وهذا ما يدفعه في ردّه ضدّ إسرائيل لأن يختبر الحكومة الجديدة في إسرائيل والحكومة الجديدة في إيران، مستغلاً في ذلك حالة البرود مؤخراً في العلاقات بين روسيا وإسرائيل، وتلميح روسيا بالتصدي للهجمات الإسرائيلية على سوريا.

حزب الله يعمل وفق تعليمات إيران

 تقديرات قادة الجيش الإسرائيلي أنّ إيران هي من تقف وراء الهجوم من لبنان، فقد عمل حزب الله وفق تعليمات إيران، التي قررت استعراض العضلات في كلّ جبهة بعد فترة قصيرة من تنصيب إبراهيم رئيسي، لتوضح أنّ سياساتها بقيت على حالها، وأّنها تفصل بين المفاوضات حول الموضوع النووي التي لم تستأنف بعد، ونشاطاتها العسكرية الجارية للدفاع عن مصالحها في سوريا والعراق ولبنان واليمن، فالتنصّلل ونفي إطلاق الصواريخ كان بإمكانه وقف العملية وإنهاء الحدث.

اقرأ أيضاً: الجيش اللبناني يضبط خزانات مازوت في منطقة البقاع... ما علاقة حزب الله؟

 لكن هناك بعض التفسيرات حول إن كانت معادلة الردع بين إسرائيل وحزب الله تحطّمت أم لا، فهناك تفسير قائم على أنّ إطلاق الصواريخ نابع من طموح قائد فيلق القدس في حرس الثورة الإيراني، لتعزيز صورته ومكانته الضعيفة وتحريك ردّ حزب الله، لكنّ هذا التفسير مناقض لتحليلات أخرى، تقول إنّ إيران تطمح في هذه الأثناء بتهدئة المنطقة، وعدم إعطاء الولايات المتحدة ودول الغرب ذريعة لمهاجمتها عسكرياً أو فرض عقوبات جديدة عليها، أما التفسير الآخر فيقول إنّ طهران بدأت تفقد السيطرة على هذه الميليشيات، وذلك على خلفية التفكك المتسارع في لبنان، وأمام كلّ ذلك تجد إسرائيل نفسها محاطة بدول فاشلة، لبنان وسوريا وسلطة حماس في غزة، وبدرجة أكبر السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي ظاهرة تحوّل كلّ المنطقة إلى أن تصبح أكثر تفجراً، وأكثر من ذلك أنّ جميع الساحات لها روابط فيما بينها، وتصعيد أحدها قد يجرّ إلى اشتعال في مناطق كثيرة.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.maariv.co.il/journalists/Article-857589



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية