كيف ظهر الرّوس في مخيّلة عرب القرون الوسطى؟

كيف ظهر الرّوس في مخيّلة عرب القرون الوسطى؟


28/03/2022

أعادت الحرب التي شنّتها روسيا على أوكرانيا، عاصفة الصور النمطية المتبادلة إلى واجهة الأحداث؛ وكأنّ سبعين عاماً لم تمر على مأساة الحرب العالمية الثانية .. وكأنّ مئة عام لم تمر على مأساة الحرب العالمية الأولى!

ولمن لا يعلم؛ فالحرب العالمية الأولى رسّخت صورة التركي الفاسد الغاشم المهزوم وتداخلت مع صورة العربي حتى صارا شيئاً واحداً في مخيال عدد كبير من شعوب العالم، كما رسّخت صورة الإنجليزي الداهية. وأمّا الحرب العالمية الثانية فقد رسّخت صورة الألماني القاسي والمتوحش من جهة وصورة الأمريكي الشهم والشجاع من جهة ثانية.

 

كثير من مناصري بوتين الآن كانوا من أشد الناقمين عليه في ذروة الحرب الأهلية السورية

 

وعلى كثرة المفارقات الجانبية التي انطوت عليها الحرب الدائرة الآن، من حيث تورّط الإعلام الغربي في الإفصاح عن مكنونه العنصري جرّاء تكراره التذكير بأنّ اللاجئ الأوكراني الأبيض ذا العيون الزرقاء لا يستوي مع اللاجئ العربي الأسمر ذي العيون البنية، فإنّ مما لا ينبغي أن يفوت الناقد الثقافي اليقظ، حقيقة انحياز عدد كبير من العرب للروس ضد الأوكران، ولأسباب لافتة للنظر مثل: ضرارة الغزو الروسي، والشماتة الشديدة بالغرب الرأسمالي، وتمجيد بوتين، فضلًا عن الشماتة بأوكرانيا التي نُمّطت بين ليلة وضحاها فصارت يهودية صهيونية. وإذا كان من الطريف التذكير بأنّ غالبية العرب في الحرب العالمية الثانية قد انحازوا بمشاعرهم إلى الألمان نكاية بالإنجليز ومجّدوا هتلر، فإنّ الأطرف يتمثل في أنّ كثيراً من مناصري بوتين الآن، كانوا من أشد الناقمين عليه في ذروة الحرب الأهلية السورية، ما يدفعنا إلى التساؤل بضراوة عن أسباب تعلّق الوجدان العربي بصورة المستبد الطاغية بدءاً بالحجاج مروراً بمحمد علي وليس انتهاء بالقذافي؟!

اقرأ أيضاً: لماذا بدا دويستوفسكي أكبر من أوروبا؟

وأيّاً كان الأمر، ومن باب أنّ الشيء بالشيء يُذكر، فإنّ العرب لم يكادوا يعرفون شيئاً موثّقاً عن الروس حتى القرن الرابع الهجري وبمحض الصدفة، وذلك أنّ ملك البلغار (يلطوار) استعان بالخليفة العباسي المقتدر بالله، وأرسل له طالباً العون المالي والثقافي، ليتمكن من بناء حصن منيع لصد خطر اليهود الخزر، فاستجاب له الخليفة المقتدر وجرّد بعثة علمية ومالية، تمخضت عن أخطر رحلة مكتوبة وصلتنا حتى الآن تحت عنوان (رحلة ابن فضلان). وعلى قلّة ما نعرفه عن ابن فضلان الذي تطوع لتدوين وقائع الرحلة المضنية من بغداد إلى بلغاريا بوصفه عضواً بارزاً من أعضاء البعثة، فإنّ ما اشتملت عليه وقائع الرحلة، وخاصة على صعيد وصف بلاد الروس، يعدّ الأخطر والأقدم على الإطلاق. ورغم قسوة الوصف الذي اختص به ابن فضلان الروس - نظراً لما اشتمل عليه من تقييم حضاري سلبي – إلا أنّهم احتفظوا به وأولوه عنايتهم القصوى، ولم يكتفوا بترجمته إلى الروسية وشرحه والتعليق عليه فقط؛ بل إنهم لم يدّخروا وسعاً لإعادة بعثه في العالم العربي والإسلامي، حيث بادر المستشرق الروسي (ف. بيلايف) لإهداء الدكتور سامي الدهان الذي اضطلع بمهمة تحقيق نص الرحلة لاحقاً، نسخة ثمينة من أصول نص الرحلة. وتحرياً منّا للدقة والموضوعية فسوف نكتفي بإيراد نص الوصف القاسي الذي اختص به ابن فضلان الروس دون تعليق، وسنترك للقارئ الكريم حرية التفسير والتأويل.

العرب لم يكادوا يعرفون شيئاً موثّقاً عن الروس حتى القرن الرابع الهجري وبمحض الصدفة، عبر رحلة مكتوبة تحت عنوان "رحلة ابن فضلان"

(ويجتمع في البيت الواحد منهم العشرة والعشرون والأقل والأكثر. ولكلّ واحد سرير يجلس عليه، ومعهم الجواري الرّوقة للتجار، فينكح الواحد جاريته، ورفيقه ينظر إليه. وربما اجتمعت الجماعة منهم على هذه الحال بعضهم بحذاء بعض. وربما يدخل التاجر عليهم ليشتري من بعضهم جارية فيصادفه ينكحها فلا يزول عنها حتى يقضي إربه. ولا بد لهم في كل يوم من غسل وجوههم ورؤوسهم بأقذر ماء يكون وأطفسه. وذلك أن الجارية توافي كل يوم بالغداة، ومعها قصعة كبيرة فيها ماء، فتدفعها إلى مولاها فيغسل فيها يديه ووجهه وشعر رأسه، فيغسله ويسرّحه بالمشط في القصعة، ثم يتمخط ويبصق فيها، ولا يدع شيئاً من القذَر إلا فعله في ذلك الماء، فإذا فرغ مما يحتاج إليه حملت الجارية القصعة إلى الذي إلى جانبه ففعل مثل ما فعل صاحبه، ولا تزال ترفعها من واحد إلى واحد حتى تديرها على جميع مَن في البيت. وكلٌ منهم يتمخّط ويبصق فيها ويغسل وجهه وشعره فيها)!!!




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية