كيف فشلت استراتيجية النهضة الإخوانية في تبرئة الغنوشي؟

كيف فشلت استراتيجية النهضة الإخوانية في تبرئة الغنوشي؟

كيف فشلت استراتيجية النهضة الإخوانية في تبرئة الغنوشي؟


08/06/2023

منذ إلقاء القبض عليه في 17 نيسان (أبريل) 2023، إثر قرار من النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، عمدت حركة النهضة الإخوانية وأنصارها في تونس إلى اتباع استراتيجيا للإفراج عنه، جندت لها كل ما تستطيع من مال وإعلام وصفحات ممولة ووقفات احتجاجية وغيرها من وسائل الضغط على القضاء والرأي العام المحلي والعالمي.

وإثر إيقافه أعلنت حركة النهضة في بيان مضلل أنّ "فرقة أمنية قامت بمداهمة منزل رئيسها راشد الغنوشي واقتياده إلى جهة غير معلومة دون احترام لأبسط الإجراءات القانونية"، والحال أنّ مصدراً أمنياً مسؤولاً بوزارة الداخلية أدلى بتصريح إعلامي لوكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات) أنّ فرقة أمنية تولت إيقاف رئيس الحركة إثر صدور مذكرة إيقاف من النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب.

وأضاف المصدر ذاته أنّ "الفرقة الأمنية قامت بتفتيش منزل راشد الغنوشي، وحجز كلّ ما يفيد الأبحاث، بإذن من النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب".

ذهبت حركة النهضة إلى أنّ إيقاف الغنوشي يأتي في إطار استهداف السلطة للمعارضين السياسيين، وهي استراتيجيا توهم من خلالها أنّه موقوف من أجل مواقف سياسية، والحال أنّ سبب الإيقاف هو تصريحات تحريضية على العنف والإرهاب

وذكر المسؤول بوزارة الداخلية أنّ الغنوشي سيبقى على ذمة الأبحاث في قضية تتعلق بتصريحات وصفها بـ "التحريضية" كان قد أدلى بها، وذلك إلى حين اتّخاذ الإجراءات بخصوصه. وتم اقتياد الغنوشي إلى وحدة الأبحاث الإرهابية بالعوينة.

وقال المحلل السياسي التونسي نزار الجليدي حينها في تصريح إعلامي نقلته (سكاي نيوز عربية): إنّ إيقاف الغنوشي تم وفق الإجراءات القانونية وبناء على اتهامات موجهة للغنوشي تتعلق بقضايا إرهاب، وأكد أنّ مكان التوقيف معلوم، وليس كما يروج البعض بأنّه غير معلوم.

وأضاف أنّ التهم الموجهة للغنوشي تتعلق بالتمويلات الخارجية، وتسفير الشباب وقضايا أخرى تتعلق بالأمن القومي للبلاد، وبعد انتهاء التحقيقات في النيابة العامة سيتم تحويل القضية برمتها إلى المحاكمة الجنائية على أن يتولى القضاء مهمته.

ذكر المسؤول بوزارة الداخلية أنّ الغنوشي سيبقى على ذمة الأبحاث في قضية تتعلق بتصريحات وصفها بـ "التحريضية" كان قد أدلى بها

وبالتالي، سرعان ما سقطت أولى ادعاءات حركة النهضة وأنصارها بخروقات قضائية شابت عملية الإيقاف.

وذهبت حركة النهضة فيما بعد إلى أنّ إيقاف الغنوشي يأتي في إطار استهداف السلطة للمعارضين السياسيين، وهي استراتيجيا توهم من خلالها أنّه موقوف من أجل مواقف سياسية، والحال أنّ سبب الإيقاف هو تصريحات تحريضية على العنف والإرهاب في تسجيل مصور بالصوت والصورة في أحد اجتماعات جبهة الخلاص أشار فيه الغنوشي إلى "الحرب الأهلية".

إضافة إلى ذلك، فإنّ العديد من القضايا قد أثيرت مجدداً، لأنّه كان محل تتبع قضائي في تهم عديدة؛ منها التمويل غير المشروع، وتسفير الإرهابيين إلى بؤر التوتر، وتبييض الأموال، وغيرها من القضايا التي كان كثير منها منشوراً دون أن تتمكن المحاكم من ملاحقته فيها؛ بسبب تمتعه بالحصانة البرلمانية لمّا كان رئيساً لمجلس النواب، أو لمّا كان محتمياً بحكوماته المتعاقبة وحكومات حلفائه الذين ظل في حمايتهم إلى أن تم حلّ البرلمان، وفقد الحصانة، فصار في مرمى التتبعات العدلية، وفتحت كل القضايا المرفوعة ضده.

أمّا ادعاءات النهضة بأنّ الغنوشي يُلاحق من أجل أفكار سياسية، فليس سوى تعويم لقضاياه الجدية، وإخراجه في ثوب معارضين سياسيين آخرين مسجونين حالياً في ما يُعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة".

وفي تونس نظمت حركة النهضة كل وسائل الضغط على القضاء، وحاولت التأثير في الرأي العام الذي هلل جانب كبير منه لإيقاف الغنوشي، ووصل الأمر بالكثيرين إلى الاحتفال في الشارع وفي المقاهي استبشاراً بإيقافه، حسب ما تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي من مقاطع فيديو تظهر أحد المغنين يحتفل في سهرة بأحد المقاهي بإيقافه.

هاجمت الحركة القضاء بحجة أنّه بات بيد السلطة التنفيذية، وباتت ترفع شعار استقلال القضاء، في حين يتهمها قطاع واسع من التونسيين بأنّها لم تؤسس لهذا الشعار لمّا كانت في السلطة، بل إنّها كانت أول منتهكيه

ومنذ إيقافه دشن أتباع النهضة هاشتاغ غنوشي_لست_وحدك على وسائل التواصل الاجتماعي، واستغلت مئات الصفحات والحسابات الإلكترونية ووضعت عداداً يحصي أيام سجنه لحشد التعاطف وتأليب الرأي العام ضد سعيّد.

كما هاجمت الحركة القضاء بحجة أنّه بات بيد السلطة التنفيذية، وباتت ترفع شعار استقلال القضاء، في حين يتهمها قطاع واسع من التونسيين بأنّها لم تؤسس لهذا الشعار لمّا كانت في السلطة، بل إنّها كانت أول منتهكيه، ووصل بها الأمر إلى حدّ التنكيل بخصومها، وعزلت عشرات القضاة بطريقة فيها تعسف ومبالغة في توظيف القضاء، والدليل أنّ كثيرين ممّن عزلتهم قد صدرت أحكام لفائدتهم، وعادوا إلى عملهم. وبالتالي يرى كثيرون أنّها اليوم تدفع ثمن ما جنته على نفسها وهي في السلطة، إذ احتمت بالقضاء وصمتت عن فساد جانب من القضاة طالما أنّهم كانوا يتسترون على جرائمها ولا يثيرون القضايا المرفوعة ضدها، بل إنّ كثيرين منهم متهمون اليوم بتبييض الإرهاب والتساهل معه، والتسامح مع الإرهابيين.

هاجمت الحركة القضاء

أمّا خارج البلاد، فقد يئست حركة النهضة من دعم شريكيها الإقليميين، إذ رفضت قطر وتركيا التدخل في شأن تونسي صرف، ولم تصدر قطر أيّ موقف ولا أيّ مبادرة للتدخل، بل إنّها واصلت التعامل مع السلطة القائمة، باستثناء تصريح للرئيس التركي ردّ عليه الرئيس التونسي بقوة، معتبراً أنّ تونس ليست تابعة لأحد، وقد واصلت تركيا التعامل مع المؤسسات الجديدة المنبثقة بعد 25 تموز (يوليو) 2021، وفقدت بذلك حركة النهضة حلفاءها التقليديين.

وقد حاولت الحركة تنظيم بعض الوقفات الاحتجاجية في بعض العواصم الأوروبية، ولكن دون صدى يذكر، فيممت شطر بعض النواب البريطانيين الذين نظموا لقاء مع ابنة الغنوشي سمية الغنوشي، زوجة صهره رفيق عبد السلام القيادي في الحركة ووزير الخارجية في حكومة النهضة سابقاً، الذي تلاحقه تهم عديدة تتعلق بشبهات فساد.

استراتيجيا حركة النهضة التي اعتمدتها للإفراج عن زعيمها هي خطة متنوعة توظف فيها كل وسائل الضغط المشروعة وغير المشروعة التي تصل إلى حدّ الفبركة والتشويه والتضليل والأكاذيب، غير أنّها فقدت تعاطف الشارع التونسي وثقته، ولم يعد ممكناً تصديق "ديمقراطيتها" و"مدنيتها"

وقد طالبت ابنة الغنوشي بالضغط على سعيّد وبعض وزرائه، وأشار بعض النواب إلى ضرورة معاقبتهم، غير أنّ ذلك لم يكن له أيّ صدى. ويُرجع بعض الخبراء والمحللين هذه اللقاءات إلى عقود اللوبيينغ المشبوهة التي تعقدها الحركة مع شركات الضغط بملايين الدولارات لتساعدها في الوصول إلى بعض مراكز القرار في الإعلام (وقد نشر الغنوشي فعلاً مقالاً باللغة الإنجليزية في إحدى الصحف الأمريكية يهاجم فيه سعيّد، ويتحدث عن ديمقراطية النهضة) والسياسة، وقد تمكنت الحركة بالفعل من عقد بعض اللقاءات لحشد التأييد واقتلاع المواقف والتصريحات للضغط على الرئيس التونسي، وقد اتهمها كثيرون بالمطالبة بالتدخل في الشأن التونسي، بلغ حدّ المطالبة بقطع المساعدات عن تونس.

إنّ استراتيجيا حركة النهضة التي اعتمدتها للإفراج عن زعيمها المعتقل من نيسان (أبريل) الماضي في قضايا إرهابية وغسيل أموال وغيرها، هي خطة متنوعة توظف فيها كل وسائل الضغط المشروعة وغير المشروعة التي تصل إلى حدّ الفبركة والتشويه والتضليل والأكاذيب، غير أنّها فقدت تعاطف الشارع التونسي وثقته، ولم يعد ممكناً تصديق "ديمقراطيتها" و"مدنيتها"، خاصة أنّ كثيرين اتهموها بأنّها من خلال عملية جربة الإرهابية قد انتقلت إلى العنف، ولم يعد أحد يصدق انتماءها لتونس، وشكك كثيرون في وطنيتها، بعد أن سارعت إلى الارتماء في دوائر صنع القرار الغربية للتدخل في الشأن التونسي.

مواضيع ذات صلة:

لماذا يسعى الاتحاد التونسي للشغل لفتح قنوات حوار مع الحكومة؟

إيقاف الغنوشي.. للإخوان تاريخ طويل من التحريض على أمن الدولة في تونس

انحاز للفئات التونسية الفقيرة... ما تداعيات رفض سعيد لشروط النقد الدولي؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية