كيف قضت جماعة الإخوان على مستقبلها السياسي؟.. دراسة حديثة تجيب

كيف قضت جماعة الإخوان على مستقبلها السياسي؟.. دراسة حديثة تجيب

كيف قضت جماعة الإخوان على مستقبلها السياسي؟.. دراسة حديثة تجيب


01/02/2024

جاءت ثورة كانون الثاني (يناير) لتمنح جماعة الإخوان فرصة طالما انتظرتها كثيراً منذ نشأتها دون تخطيط منها أو ترتيب؛ فقد تمت إزاحة نظام مبارك لتجد الجماعة نفسها أمام ساحة سياسية شبه خالية من فاعلين سياسيين على درجة من التنظيم والاستعداد لجني ثمار التغيير الذي أحدثته الثورة؛ فالجماعة كانت هي الأكثر تنظيماً واستعداداً للدخول في أيّ استحقاق انتخابي والفوز به بنسبة كبيرة؛ نتيجة لانتشارها وتغلغلها في المجتمع من خلال المساجد والنقابات والجمعيات وغيرها من المسارات التي كانت تعمل بها، ونتيجة كذلك لاعتمادها على خطاب ديني يمثل عامل جذب للكثيرين، فتم منحها الفرصة ووصلت بالفعل إلى منصب الرئاسة، بعد أن استحوذت من قبل على أغلبية مقاعد البرلمان، وشاركت في وضع دستور للدولة بنسبة تمثيل كبير لأعضائها، لكن سرعان ما تحول ذلك الصعود إلى هبوط، وذلك النجاح إلى فشل، وتلك الرغبة في البقاء والاستمرار إلى إنهاء للتجربة، على نحو لم تتوقعه الجماعة وربما كثير من خصومها.

ذلك الهبوط والفشل أثار العديد من التساؤلات وأنتج العديد من الكتابات التي حاولت أن تضع تفسيراً للأمر، ما بين اتجاه يرى أنّه يعود إلى أسباب ذاتية في الجماعة، وآخر يرى أنّ ذلك يعود إلى أسباب خارجية مختلفة حالت دون نجاح الجماعة واستمرارها، وهذا ما تروّج له الجماعة نفسها. ومن بين هذه الكتابات دراسة مهمة تتمثل في رسالة دكتوراه تمّت مناقشتها مؤخراً في قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة للباحث الدكتور محمد رمضان بشندي تحت عنوان "العلاقة بين الحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية: دراسة مقارنة لأحزاب الحرية والعدالة المصري والنهضة التونسي والعدالة والتنمية المغربي"، ونحاول من خلال هذا التقرير تسليط الضوء على أهم النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة.

حزب الجماعة... معضلة السياسي والدعوي

منذ أن نشأت الجماعة في عشرينيات القرن الماضي وهي تقدم نفسها كجماعة شمولية تسعى لاستعادة الخلافة التي سقطت قبل ذلك بأعوام قليلة، وعلى الرغم من النقاشات التي دارت منذ أعوام طويلة من خلال عدد من الكتاب والمفكرين الذين ينتمون للإخوان وللحركة الإسلامية عموماً ومن غيرهم كذلك بضرورة الفصل بين العمل السياسي والدعوي، خاصة بعد ما جنته الجماعة ذاتها من ويلات بسبب المزج بينهما، لدرجة جعلت مؤسس الجماعة نفسه يتراجع عن ذلك في أواخر عمره بعد حلّ الجماعة ودخول العديد منهم السجن على إثر قضية السيارة الجيب، وخلافاته مع النظام الخاص التي رأى أنّه فقد القدرة على السيطرة عليه، وأنّ الجماعة لم تجنِ من ممارسة السياسة والعنف سوى المتاعب والأزمات والدخول في صدامات، حتى قال قبل وفاته: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لعدت بالإخوان إلى عهد المأثورات"، ويعني لعدت إلى أسلوب التربية فقط دون ممارسة السياسة؛ فرغم كل ذلك رفضت الجماعة الفصل بين العمل السياسي والعمل الدعوي، على الرغم من تحول عدد من فروع الجماعة في بعض الدول إلى الفصل ما بين العمل السياسي والدعوي، بمعنى تكوين حزب منبثق من الحركة ولكن بشكل مستقل، بحيث يمارس الحزب العمل السياسي وتمارس الحركة دورها التقليدي المتمثل في الدور الدعوي والتربوي، وقد رفضت الجماعة من قبل تأسيس مجموعة من أفرادها لحزب الوسط في التسعينيات، وترتب عليه انفصالهم عن الجماعة تنظيمياً حينها.

ذلك الهبوط والفشل أثار العديد من التساؤلات

ويعود إصرار الجماعة على هذا المزج إلى سببين: أحدهما فكري والآخر براغماتي؛ أمّا السبب الفكري، فيتمثل في انطلاقها من فكرة "شمولية الإسلام"، حيث ترى الجماعة وفق أدبياتها أنّ الإسلام شامل لكل مناحي الحياة، وقد عبّر عن ذلك مؤسسها بأنّ الإسلام دين ودولة، وأنّ الإخوان جماعة إصلاحية شاملة تفهم الإسلام فهماً شاملاً، وتشمل فكرتهم كل نواحي الإصلاح في الأمّة، وأنّها دعوة سلفية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية... إلخ، أمّا السبب البراغماتي، فيتمثل في استفادة الجماعة عمليّاً من ذلك المزج؛ حيث إنّ عملية "تديين" العمل السياسي يكسب خيارات وممارسات الجماعة السياسية قداسة؛ لأنّها تخاطب الناس بأنّ أفكارها وبرامجها منطلقة من الدين وتعبّر عن الفهم الصحيح له، وأنّ ممارستها تُعدّ تطبيقاً له، كما أنّها تستطيع حشد الأنصار واكتساب الأصوات المؤيدة لها في الانتخابات من خلال الخطاب السياسي القائم على أساس ديني والمغلف بغلاف الدين.

علاقة الجماعة بالحزب... أسباب الفشل الذاتية

المشكلة البحثية لأطروحة الدكتوراه التي تتناول هذا الموضوع، والتي تمثل الفكرة الرئيسية التي تدور حولها الدراسة، تتمثل في البحث عن تأثير نمط العلاقة بين الحركة الاجتماعية والحزب المنبثق عنها على قدرة الحزب على البقاء في الحياة السياسية، وعن المآلات المختلفة للأحزاب السياسية التي نشأت من رحم حركات اجتماعية، حيث يعقد الباحث مقارنة بين (3) حركات تتشابه في الخلفية الإيديولوجية، لكنّها تختلف من حيث مآلات الأحزاب التي انبثقت منها، ليصل في النهاية إلى أنّ طبيعة العلاقة بين الحركة والحزب هي العامل الرئيس في ذلك.

ثورة يناير شكلت فرصة حقيقية أمام الجماعة؛ فقد فتحت لها المجال واسعاً، ومنحتها المساحة للعمل السياسي وتحقيق ما كانت تسعى إليه من أهداف، لكنّها لم تحسن استغلالها جيداً، وحولتها من منحة إلى محنة

في مقدمة الدراسة يطرح الباحث عدداً من الأسئلة المهمّة التي تأتي الإجابة عنها في ثنايا الدراسة فيما بعد، والتي من خلالها يتبين كيف أثرت علاقة الجماعة بالحزب على فشله في البقاء والنجاح في الحياة السياسية، وكيف أنّ الجماعة هي الفاعل الأساسي في القضاء على مستقبلها السياسي، ومن هذه الأسئلة:

 ـ ما طبيعة الصلة التنظيمية بين الحركة أو الجماعة وبين الحزب السياسي المنبثق عنها؟

ـ هل أثرت الهوية التنظيمية للحركة على الهوية التنظيمية للحزب؟

ـ هل هناك تمايز في هيئات صنع القرار بين الحزب والحركة؟ وإذا لم يكن هناك تمايز، فما هي درجات الارتباط بينهما؟ وكيف أثر الارتباط/ عدم الارتباط بين هياكل صنع القرار على أنشطة الأحزاب وقدرتها على التطور المؤسسي؟

- هل امتلك الحزب خطاباً سياسياً وتفضيلات وهوية ذاتية مستقلة عن الحركة؟

- هل امتلك الحزب مرونة إيديولوجية لتبني برامج ومواقف سياسية قد تختلف مع الإطار الإيديولوجي للحركة؟

- هل امتلك الحزب القدرة على بناء تحالفات سياسية مستقلة مع قوى قد تختلف معها الحركة؟

- هل امتلك الحزب القدرة على التفاعل مع المؤسسات السياسية الرسمية وتبنّي مقاربات قد لا تتوافق مع تاريخ علاقة الحركة مع هذه المؤسسات؟

فالحزب السياسي من المفترض أنّه كيان مستقل له هيكله التنظيمي ولوائحه الداخلية وأهدافه وخلفيته الإيديولوجية، لكنّ جماعة الإخوان أنشأت الحزب بشكل جعل منه مجرد ذراع سياسية لها، فلم يكن الحزب سوى إحدى لجان الجماعة التي تشرف عليه وتديره وتسيطر عليه سيطرة كاملة.

ما طبيعة الصلة التنظيمية بين الحركة أو الجماعة وبين الحزب السياسي المنبثق عنها؟

وفي تصريحات خاصة لـ "حفريات"، يوضح الباحث الدكتور محمد بشندي أهم النتائج التي توصل إليها من خلال هذه الدراسة، حيث يرى أنّ فشل حزب الحرية والعدالة وعدم قدرته على الاستمرار والبقاء في الحياة السياسية يعود إلى طبيعة العلاقة بين الجماعة والحزب، وذلك من زاويتين:

 الأولى: من حيث سيطرة الجماعة على الحزب بشكل كامل منذ تأسيسه، مروراً بخطاب الحزب وممارساته، وانتهاءً بإدارة الأزمة بعد سقوط الرئيس المنتمي للجماعة والصراع الذي نشأ نتيجة لذلك.

 والثانية: وهي بمثابة نتيجة للأولى، وتتمثل في نقل الجماعة لعيوبها الفكرية والتنظيمية وحصاد تجربتها التاريخية المليئة بالأزمات والصدامات إلى الحزب، فحمّلته بأعباء لم يستطع أن يعيش ويستمر في الحياة السياسية وهو مثقل بها.

بشندي: من العيوب التنظيمية التي أورثتها الجماعة إلى الحزب العمل السرّي الذي اعتادت عليه الجماعة والذي نتج عنه انغلاقها على ذاتها وعدم تقبلها للنقد وعدم قدرتها على التفاعل الإيجابي مع الآخر

 وبخصوص النقطة الأولى الخاصة بسيطرة الجماعة على الحزب، يرى الباحث أنّ "الجماعة تسببت في عجز الحزب عن أداء وظيفته، وأنّ ذلك يتضح من خلال عدة مظاهر؛ أوّلاً طريقة إنشاء الحزب، حيث إنّ عملية تأسيس الحزب أكدت تبعية الحزب للجماعة من خلال اختيار الجماعة للقيادات، وثانياً عضوية الحزب، حيث كان ما يقرب من 80% من الأعضاء المؤسسين للحزب ينتمون إلى الجماعة، وثالثاً خطاب الحزب، حيث إنّه على الرغم من وصف الحزب لنفسه بأنّه مدني؛ فإنّه كان للجوانب الدينية حضور كبير في برنامجه، كما قدّم نفسه في البيان التأسيسي على أنّه جزء من الجماعة، ورابعاً اختيار المرشحين، فقد أكد ترشيح خيرت الشاطر نائب المرشد - وهو ليس عضواً في حزب الحرية - في انتخابات الرئاسة، أنّ مكتب الإرشاد هو صانع القرار السياسي، وخامساً الأدوار السياسية للجماعة، حيث قامت الجماعة بأدوار سياسية مباشرة دون تفويض انتخابي، وسادساً إدارة الجماعة للأزمات السياسية واستبعاد الحزب، حيث تنحى الحزب تماماً في أزمة 2013، وأدارت الجماعة الأزمة دون تدخل هيئات أو قيادات الحزب".

وبخصوص النقطة الثانية، ففيما يتعلق أوّلاً بنقل العيوب الفكرية إلى الحزب، وهو ما ظهر فيما بعد عندما دخلت الجماعة والحزب في أزمة سياسية بعد الوصول إلى الرئاسة، وفي صراع بعد الإطاحة بها من الحكم؛ يوضح الباحث هذا الأمر فيقول: "لم تطور جماعة الإخوان أفكار المؤسس الأوّل، وفضلت تطوير حركتها السياسية دون تطوير إطارها الفكري، وبحلول نهاية الثمانينيات، سيطر الحرس القديم، وهمش الفصيل البراغماتي الأصغر سنّاً، ورغم ترويجهم للديمقراطية منذ بداية الألفية، إلّا أنّهم لم يغيروا جوهر رسالتهم السياسية، وتجلى هذا في خطاب غامض يتجنب الخوض في القضايا الجدلية، ويخاطب دوائر مختلفة في وقت واحد، وقد اتبعت الجماعة نموذج الجاهلية والحاكمية بتأثير من أفكار سيد قطب المائلة لأطروحة التكفير، وفي محاولة الهضيبي للحد من آثار أفكار قطب؛ فإنّه لم يستهدف قطب في كتابه دعاة لا قضاة، ولكنّه دعا للاعتدال السياسي، ولم يكفر البشر الذين يشرعون لأنفسهم، ولم يكفر الخارجين عن جماعته، ولكنّه لم يقدم عملاً فكريّاً يبين القطيعة المرجعية مع الخطاب القطبي، وبإقصاء الجماعة عن السلطة في 2013، ارتدت لأفكار الحاكمية والجاهلية، حيث ينسب لفصيل منها وثيقة بعنوان "فقه المقاومة الشعبية للانقلاب"، نشرت في كانون الثاني (يناير) 2015، بغرض التحريض ضد الجيش وقوات الأمن، ونادت بوجوب تطبيق حد الحرابة عليهم، صحيح أنّه لا يمكن القطع بأنّ الوثيقة تمثل الجماعة ككل، ولكنّ أدبيات سيد قطب تمثلها، ويتم استدعاؤها طبقاً لوضع الجماعة وجمهورها المستهدف، ورغم أنّ أدبيات الحزب – القليلة بحكم قصر تجربته – لم تشر للأفكار القطبية، إلّا أنّ ظهور هذه الأفكار بين منتسبي الجماعة، لا سيّما من مالوا للتيار الجهادي، كان لافتاً، ويؤكد أنّ وجود أدبيات محرضة للعنف دون مراجعتها يمثل عنفاً كامناً ينتظر السياق الحركي الملائم لظهوره".

لم تطور جماعة الإخوان أفكار المؤسس الأوّل، وفضلت تطوير حركتها السياسية دون تطوير إطارها الفكري

أمّا عن العيوب التنظيمية التي أورثتها الجماعة إلى الحزب كذلك، فيوضح الدكتور محمد بشندي أنّها تتمثل أوّلاً في العمل السرّي الذي اعتادت عليه الجماعة، والذي نتج عنه انغلاقها على ذاتها وعدم تقبلها للنقد وعدم قدرتها على التفاعل الإيجابي مع الآخر، والعيب الثاني هو نمط الاستبداد الكامن في بنيتها وعدم تمرسها على الديمقراطية بداخلها، والعيب الثالث هو أولوية المحافظة على التنظيم على حساب أيّ شيء آخر؛ فأمّا عن العمل السرّي، فيرى الدكتور بشندي أنّ "العضوية في جماعة الإخوان لا تُمنح لأيّ راغب، فلا بدّ أن يكون مسلماً حسن السيرة، وأن يُزكيه (3) من أعضائها، وقد سار حزب الحرية والعدالة على المنوال نفسه، فشدد على تزكية طلب العضوية من أحد الأعضاء المؤسسين في الحزب، وأحد أعضاء أمانة الحزب بالمحافظة. فاتبع الحزب إجراءات للتحقق من تماثل العضو اجتماعياً ودينياً"، وعن نمط الاستبداد الكامن في بنية الجماعة يقول: "مع تطور نشاط الإخوان تطور هيكلهم التنظيمي واتخذ شكلاً هرميّاً، وبعد التغيير السياسي لم تستوعب الجماعة القيم الديمقراطية في بنائها الداخلي"، كما يرى أنّ "وجود تنظيمات عسكرية داخل الحركة دليل على انتفاء الديمقراطية الداخلية، لأنّ هذه التشكيلات تدار بشكل سرّي، كما أنّ وجودها ينتقص من الطابع المدني للحركة، ففي وقت مبكر أسست لائحة 1935 لتنظيم عسكري، وغلب الطابع السرّي على الحركة خلال الخمسينيات والستينيات، وعانى التنظيم من ازدواجية بين السرّية والعلنية، وقد أكدت بعض الشواهد احتفاظ الجماعة بتنظيمها الخاص، مثل واقعة ميليشيات الأزهر، وعقب فض اعتصام الإخوان، وتشكل اللجنة الإدارية العليا، نُسب إليها شرعنة العنف المسلح".

من العيوب التنظيمية للجماعة أيضاً نمط الاستبداد الكامن في بنيتها وعدم تمرسها على الديمقراطية بداخلها، فضلاً عن أولوية المحافظة على التنظيم على حساب أيّ شيء آخر

 ويرى بشندي أنّ نمط الاستبداد هذا يعود إلى سيطرة القطبيين على الجماعة؛ "لطالما كانت جماعة الإخوان ساحة للتنازع حول طبيعتها التنظيمية والهوياتية، وفي مناقشات السجن خلال الخمسينيات والستينيات، انقسمت الحركة لفصيلين، فصيل معتدل مثله الهضيبي، وآخر متطرف مثله عبد الرحمن السندي، وظل هذا الانقسام قائماً بعد ظهور جيل الوسط (التلمسانيون)، الذي واجه الفصيل المحافظ، فكان التباين بين مدرستين: مدرسة منفتحة مارست العمل العام، ومدرسة التنظيم الخاص"، ولكنّ الباحث يرى أنّ التيار القطبي أو المحافظ هو الذي سيطر على الجماعة، وأنّ ذلك تسبب في عدة أزمات داخلية كرد فعل على الاستبداد في إدارة الجماعة "نظراً لسيطرة المحافظين، واجهت جماعة الإخوان بعد 2011 عدة صراعات داخلية، ففي آذار (مارس) 2011 عقدت مجموعة من الشباب مؤتمراً أوصت فيه بالحد من سلطات المرشد، ثم اتسعت استقالات الشباب، وتمّ انتقاد تشكيل الحزب، وعندما مُنع أعضاء الجماعة من الانضمام لأيّ حزب بخلاف الحرية، استقال بعض الأعضاء لتشكيل أحزابهم الخاصة، أيضاً تم انشقاق الجناح الإصلاحي، فأثناء الانتفاضة وبعدها تمّ فصل العديد من القادة"، كما يرى بشندي أنّه نتيجة لغياب الديمقراطية الداخلية في الجماعة وأولوية التنظيم والاعتياد على العمل السرّي، وهي العيوب التي تم نقلها إلى الحزب؛ فإنّ هذه العيوب قد ظهرت تجلياتها في ممارسات الحزب، فسعى إلى الانفراد بالسلطة، ولم يستطع إقامة تحالفات سياسية ناجحة، ودخل في صدامات مع مؤسسات الدولة ومع تيارات سياسية أخرى، واستخدم العنف في إطار هذه الخلافات، واعتبر الصراع بعد السقوط من الحكم صفرياً فاستمر فيه إلى نهايته في سبيل الحفاظ على الحزب والجماعة، وهما اللذان في الواقع كانا كياناً واحداً لا فرق ولا تمييز بينهما، ظنّاً بأنّ الصراع سوف ينتهي إلى صالحه في النهاية غير عابئ بأيّ اعتبارات أخرى.

 وفي هذا السياق يرى الدكتور محمد بشندي أنّ "الحركة أعلنت أنّها لن تتنافس على أكثرية المقاعد في الانتخابات البرلمانية، لكنّها نافست على كل المقاعد، ممّا أدى إلى سيطرة الإسلاميين على 72% من المقاعد، ثم أخلفت وعدها بعدم ترشيح مرشح رئاسي، وفازت بانتخابات الرئاسة، ولم تستطع الجماعة احتواء مطالب المعارضة التي نددت بـ (أخونة" الدولة)، واستقال (8) من مستشاري الرئيس لعدم استشارتهم قبل إعلان تشرين الثاني (نوفمبر) الدستوري، أمّا بداية النهاية، فقد جاءت مع معارك الاتحادية، والاشتباك مع المتظاهرين، أيضاً رفض حزب الحرية والعدالة بعد فقدانه السلطة أيّ حل سياسي لا ينطوي على إعادة مرسي والدستور، واستمر في الاعتصام واندلعت اشتباكات يومية عنيفة".

كانت لحظة كانون الثاني (يناير) فرصة حقيقية أمام الجماعة؛ فقد فتحت لها المجال واسعاً، ومنحتها المساحة للعمل السياسي وتحقيق ما كانت تسعى إليه من أهداف، لكنّها لم تحسن استغلالها جيداً، وحولتها من منحة إلى محنة، ليس بالنسبة إليها فقط، ولكن للمجتمع كله، حيث أدخلت نفسها والمجتمع في صراع ما تزال ظلاله حاضرة ومخيمة على الواقع حتى اليوم، فلم تكن النتيجة التي وصلت إليها الجماعة سوى حصاد جملة من الأخطاء والعيوب الفكرية والتنظيمية الراسخة في بنيتها، ولم تعمل على إصلاحها أو مراجعتها في أيّ وقت، وعلى الرغم من وجود عدد من الأسباب والعوامل التي ربما ساهمت في صناعة ذلك الفشل؛ إلّا أنّها تظل عوامل ثانوية، بينما العامل الرئيس هو العيوب الذاتية الموجودة في الجماعة والتي أورثتها حزبها الوليد؛ فصار مجرد ظل لها حاملاً العيوب نفسها، عاجزاً عن الاستقلال والقيام بدوره ووظيفته المنوطة به؛ فسقط وسقطت معه ربما بصورة نهائية.

مواضيع ذات صلة:

الإخوان المسلمون: عكس التيار في تونس وانتهازية في المغرب واستقالة مدوية في موريتانيا

الإخوان المسلمون: حصار في تركيا ومسيرة للعنف في ماليزيا ومناوشات في المغرب

الإخوان المسلمون: تفجير المشهد في المغرب واحتجاجات في اليمن وسرقة الأراضي في غزة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية