كيف كشفت جائحة كورونا تفوّق الديمقراطية على الاستبداد؟

كيف كشفت جائحة كورونا تفوّق الديمقراطية على الاستبداد؟


كاتب ومترجم جزائري
11/02/2021

ترجمة: مدني قصري

يضع تصنيفٌ نشرته مؤسسة فكرية أسترالية، معهد "لوي" "Lowy Institute"، فرنسا في موقف سيّئ للغاية، مقارنة بالدول الأخرى، فيما يتعلّق بإدارتها للأزمة الصحية؛ إذ تحتل فرنسا المرتبة 73 بالنسبة إلى جودة إدارتها السياسية لـ "كوفيد 19"، في هذه الدراسة، لم تعد فعالية الدول تعتمد حقاً على ثروتها.

اقرأ أيضاً: الصحة العالمية: أخبار سارة بشأن عدد الإصابات بفيروس كورونا.. ما الجديد؟

"لقد طرتُ بعيداً جداً في المستقبل، لقد انقضّت عليّ  قشعريرةٌ من الرعب"؛ هكذا قال زرادشت، بقلم المفكّر العظيم نيتشه، حيث يتّسم التاريخ المعاصر بتمزقات عميقة تَحدُث كلّ عشرة أو عشرين عاماً، وتهزّ القناعات والتوازنات في المجتمع الدولي. 8 أيار (مايو) 1945؛ إنهاء الاستعمار، الهزيمة الأمريكية في فيتنام، عام 1975، سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991، 11 أيلول ( سبتمبر) 2001 .

إنّ أزمة "كوفيد 19" العالمية تمثّل، على الصعيد الصحي، مثل تأثيرها الأخلاقي والاقتصادي والاجتماعي، اضطراباً عالمياً جديداً، يَشعر الجميع أن عواقبه ستكون جسيمة.

في مواجهة ضباب المستقبل، تستحق كلّ جهود التحليل والاستبصار الاهتمام، ينشر معهد لوي الأسترالي ترتيب الدول من حيث جودة معالجتها السياسية لأزمة "كوفيد -19"؛ حيث يقدّم نهجه، بلا شكّ، عيوباً بسبب المصادر غير المتجانسة للإحصاءات المستخدمة.

هل المستقبل، في العالم المعولم، ينتمي إلى الدول الصغيرة ومتوسطة الحجم (القابلة لأن تجتمع معاً) في مواجهة القوى العظمى والإمبراطوريات؟

ومع ذلك، فإنّ لهذه الدراسة المقارنة ميزتها؛ إذ تعطي بانوراما عالمية، بناءً على معايير موضوعية، فهذه الدراسة تستند إلى عدة معايير، بما في ذلك عدد الحالات المؤكدة وعدد الوفيات عن كلّ مليون نسمة، وعدد الحالات المؤكدة لكلّ ألف اختبار، وعدد الفحوصات التي أجريت لكلّ 1000 شخص، ويتم منح كلّ دولة درجة بين 0 و100 نقطة.

هذه الدراسة قابلة لأن تكشف عما ستكون عليه قدرة المقاومة وإمكانات تأثير الدول في عالم المستقبل.

قياس قدرات تكيّف الأمم

ترقَى الدراسة الأسترالية، في الواقع (مع كلّ القيود المرتبطة بالتمرين)، إلى قياس قدرات تكيّف الأمم عند مواجهة وباء عالمي وعواقبه النفسية، أي مع وجود أزمة نموذجية للعولمة، فهكذا، يمكن أن تكشف ما ستكون عليه قدرة المقاومة وإمكانات تأثير الدول في عالم المستقبل، ونتائج هذه الدراسة تقلِب القناعات السائدة والبديهيات القائمة بالنظر إلى المقياس التقليدي للقوى.

بالتالي؛ فإنّ هذه النتائج تكشف نسبية الفجوة بين البلدان المتقدمة والبلدان الناشئة، أو النامية، من بين أكثر النجاحات إثارة، تأتي الدول المصنّفة تقليدياً في أسفل التسلسل الهرمي للتنمية: رواندا (السادسة)، أو سريلانكا (العاشرة). بعض الدول الصناعية الكبيرة تقع في أسفل الترتيب، بما في ذلك القوة الرائدة في العالم، في المرتبة 94 من أصل 98، من الواضح أنّ الكثافة السكانية للبعض والبعض الآخر غير قابلة للمقارنة، لكن، للمرة الأولى، في مواجهة عاصفة "كوفيد 19"، يكشف التمدّن الهائل هشاشته.

قد تكون الهزيمة الفرنسية في مواجهة أزمة "كوفيد 19" مناسبة لاستجواب وطنيّ حول أسباب الفشل والتشكيك المنقذ في نموذج يؤدّي، بداهة، إلى الهاوية

وفق المتوسط ​​الذي وضعه معهد "Lowy"؛ تحتفظ البلدان المتقدمة بميزة، لكن بهامش منخفض، ومن دون أدنى علاقة مع فارق الثروات: 57,4  نقطة مقابل 44,5.

تشكك هذه النتائج أيضاً في الصلة بين النجاح وحجم الدول (المساحة وعدد السكان)؛ هناك درس بديهي يمكن استنتاجه من أزمة "كوفيد 19": "الصغير جميل" "Small is beautiful"، الانتصارات الستة الأولى فازت بها نيوزيلندا (94,4 نقطة)، وفيتنام، وتايوان، وتايلاند، وقبرص، ورواندا.

في المقابل؛ غرقت الدول الكبرى: روسيا في المرتبة 73، والهند في المرتبة 86، والولايات المتحدة في المرتبة 94، والبرازيل في المرتبة 98.

الديمقراطية تنتصر على الاستبداد

تثبت هذه الدراسة أخيراً؛ تفوق المنظمات السياسية القائمة على احترام الديمقراطية والحريات على الأنظمة الاستبدادية.

هل المستقبل، في العالم المعولم، ينتمي إلى الدول الصغيرة ومتوسطة الحجم (القابلة لأن تجتمع معاً) في مواجهة القوى العظمى والإمبراطوريات؟ هذا ما تقترحه الدراسة بجدية؛ حيث خصصت متوسط 56,5 نقطة للدول الصغيرة، و47,2  نقطة للدول المتوسطة، و31,7  نقطة للدول الكبرى، أما الصين فلم يتم تصنيفها بعد، بسبب إحصاءات غير موثوقة.

أخيراً؛ تُثبت هذه الدراسة تفوّقَ المنظمات السياسية القائمة على احترام الديمقراطية والحريات على الأنظمة الاستبدادية، ومن الناحية الرمزية؛ فهي تضع نيوزيلندا في صدارة الترتيب أمام الملالي الإيرانيين، الذين يأتون في المؤخرة، قبل البرازيل مباشرة.

اقرأ أيضاً: شركة الاتحاد للطيران تنجح في مواجهة فيروس كورونا... ماذا فعلت؟

في المجموع؛ يبلغ متوسط ​​الدول الديمقراطية 50, 8  نقطة، ومتوسط ​​الأنظمة الاستبدادية 49,2  نقطة، قد تبدو هذه النتيجة متناقضة؛ فالنظام الاستبدادي من المفترض أن يكون متكيفاً مع أوضاع الأزمات بحكم قدرته على فرض الضغوط والقيود.

في مواجهة أزمات الغد

في الواقع؛ عند مواجهة الوضع الوبائي، وفي مواجهة أزمات الغد، يبدو أنّ سرّ النجاح يكمن في تماسك الشعوب، في روح الثقة التي تحركها، أكثر من ارتباطه بالصرامة البيروقراطية.

أخيراً؛ تلقي الدراسة الضوء على إفلاس السياسة الفرنسية، كما لو أنّ أزمة "كوفيد 19" كانت مؤشراً على تراجع مذهل؛ إذ احتلت فرنسا المرتبة 73 في جودة إدارتها السياسية لفيروس كورونا، بعد ألمانيا (المرتبة 55)، وإيطاليا (المرتبة 59)، والمملكة المتحدة (المرتبة 66)، وبلجيكا (المرتبة 72).

يمكن القول؛ إنّ المسؤولية عن هذه الكارثة هي نتاج انهيار طويل الأمد، يعمل هذا الانهيار، على الأقل جزئياً، على نمط ممارسة سلطة سياسية قائمة على أساس عبادة الشخصية، والمشهد النرجسي والمتلاعب، والكلام العقيم، والهوس بإعادة الانتخاب على حساب الصالح العام واحتقار الناس الذي يدمّر الثقة الشعبية.

بعيداً عن المواعيد النهائية للانتخابات، قد تكون الهزيمة الفرنسية في مواجهة أزمة "كوفيد 19" مناسبة لاستجواب وطنيّ حول أسباب الفشل والتشكيك المنقذ في نموذج يؤدّي، بداهة، إلى الهاوية، لكنّ الوقت الآن وقت العمى والإنكار.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.lefigaro.fr/vox



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية