كيف نجح أتاتورك في تأسيس تركيا الحديثة؟

كيف نجح أتاتورك في تأسيس تركيا الحديثة؟


29/10/2020

تحلّ في 29 من  الشهر الجاري ذكرى تأسيس الجمهورية التركية وإعلان مصطفى كمال أتاتورك رئيساً لها؛ ليصبح أوّل رئيس لتركيا الحديثة بعد إلغاء الخلافة العثمانية رسمياً في العام 1924.

العقل السياسي الإسلاموي يفكّر ويختزل الظاهرة المركبة إلى ثنائيات هزيلة كما فعل مع أتاتورك

مثّل إلغاء الخلافة العثمانية صدمة كبيرة لدى قطاعات واسعة من الشعوب الإسلامية، فقد اعتادت تلك الشعوب على وجود سلطة سياسية تتمسّح بالدين لقرون، وتعمل على ترسيخ ذلك الفهم لدى عموم المسلمين، ليعتقدوا أنّ الخلافة أصل من أصول العقيدة، يكتمل بها الإيمان، وربطها بحديث "من مات، وليست في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية".

ثنائيات العقل السياسي الإسلاموي

وبسبب أنّ العقل السياسي الإسلاموي يفكّر ويختزل الظاهرة المركبة إلى ثنائيات، وفقاً لثنائية الخير والشر، والأبيض والأسود، وغيرها من الثنائيات الهزيلة، ويستعين بنظرية المؤامرة في تفسير الظواهر المجهولة، مُلصقاً باليهود تحديداً قدرات تآمرية خارقة؛ فقد تفتق هذا العقل عن اتّهام أتاتورك بأنه من أصول يهودية، خاصة أنه مولود بمدينة سالونيك التابعة لليونان حالياً، والتي عاش فيها يهود الدونمة المهاجرون من الأندلس، وقد غضّ الإسلاميون الطرف عن إنجازات الرجل العسكرية، ودوره في قيادة حرب الاستقلال، وحماية تركيا من التآكل والاقتطاع والضياع.

الاستبداد والاحتلال يفكّكان تركيا

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في العام 1918، سيطر البريطانيون وحلفاؤهم على عاصمة الخلافة العثمانية إسطنبول، وكان الخليفة محمد الخامس وحيد الدين قد حلّ البرلمان في كانون الأول (ديسمبر) من العام نفسه ليحكم البلاد وفقاً لإعلان أصدره، قبل أن يهرب إلى الخارج تحت حماية بريطانية، وفي تلك الأثناء استولى الحلفاء على المناطق التركية منطقة تلو الأخرى، وأمام ذلك الاحتلال تشكلت قوات تركية للمقاومة في الأناضول، كان أتاتورك من بين قياداتها البارزين.

ونتيجة لوضع إزمير تحت السيطرة اليونانية، بناء على اتفاق ممثلي دول التحالف الذين اجتمعوا في العاصمة الفرنسية باريس في 15 أيار (مايو) من العام 1919، انتفض الشعب التركي ضد ذلك الاتفاق الذي سعى لضمّ جزء غالٍ من التراب التركي للسيادة اليونانية، خاصة مع سيطرة القوات اليونانية على محافظة "بورصة" التي كانت عاصمة قديمة للدولة العثمانية؛ ممّا استفز المشاعر القومية للأتراك، وعلى رأسهم أتاتورك.

أتاتورك يعلن حرب الاستقلال

وفي 16 أيار (مايو) من العام 1919 سافر أتاتورك إلى محافظة "سامسون"، حيث أعلن بداية حرب الاستقلال التركية، وقد وصف المؤرخون ذلك اليوم بأنه بداية واحدة من أعظم حركات النضال الوطني في العالم.

تجاهل الإسلاميون إنجازات الرجل العسكرية ودوره في قيادة حرب الاستقلال وحماية تركيا من الضياع

تنقّل أتاتورك عبر عدة محافظات تركية يحشد القوى ويُعبّئ الجماهير، فتنقّل من محافظة "سامسون" إلى محافظة "أماسية" وغيرها من المحافظات التركية. وأرسل عدداً من المنشورات السرّية إلى شخصيات تركية بارزة يدعوهم للانضمام إلى النضال والكفاح المسلح، وفي 22 من تشرين الأول (أكتوبر) من العام 1919 انتشر منشور لأتاتورك عُرف بـ"منشور أماسية" يدعو فيه لإنشاء جمعية وطنية تُعقد في مدينة "سيواس" على وجه السرعة، وانعقدت الجمعية الوطنية في كلٍّ من مدينتي "سيواس" و"أرضروم".

الاستقلال أو الموت

وفي 23 تموز (يوليو) من العام 1919، أطلق أتاتورك صيحته الشهيرة "إمّا الاستقلال وإمّا الموت" من مقر الجمعية الوطنية في أرضروم، وصرّح بأنّ "الأمّة التركية لن تقبل الانتداب والحماية، وأنّ تركيا ستسعى للاستقلال"، وكان تشكيل حكومة وطنية مستقلة عن حكومة إسطنبول، التي احتلت أراضيها القوات البريطانية والفرنسية والإيطالية، أهمّ قرارات الجمعية.

وقد أدى تشكيل الحكومة الوطنية إلى إصدار حكومة إسطنبول المتواطئة مع الحلفاء حكماً بالإعدام على مصطفى كمال أتاتورك، وبينما وقعت الحكومة الوطنية هدنة مع القوات الفرنسية لمدة 20 يوماً وقعت حكومة إسطنبول على "معاهدة سيفر" التي تقضي بسيطرة الحلفاء على الأناضول وتأسيس دولة أرمينيا المستقلة.

أتاتورك يصمّم على الانتصار

وفي مطلع العام 1920 استطاعت الحكومة الوطنية تحقيق نجاحات على الجبهتين العسكرية والدبلوماسية؛ حيث وقّع الأتراك معاهدة مع الجانب الروسي، وفي 5 آب (أغسطس) من  العام 1920 عُيّن أتاتورك قائداً عاماً، وفي 23 من الشهر نفسه، شنّ اليونانيون هجوماً على الأتراك في منطقة "صقاريا" بشمال تركيا. وكان ردّ الفعل التركي عنيفاً، وصرّح أتاتورك حينها بأنه "لا يوجد خط دفاعي، ولكن توجد منطقة دفاعية هي الوطن بأكمله، وكلّ بوصة في الوطن لن نتركها إلا مروية بدماء الأتراك".

بعد احتلال إسطنبول تشكلت قوات تركية للمقاومة في الأناضول كان أتاتورك من بين قادتها البارزين

وفي 26 آب (أغسطس) من العام 1921، كان الغزو الأجنبي للأناضول قد أوشك على النهاية، وتم تحرير إزمير في 9 أيلول (سبتمبر) من العام نفسه، ونتيجة لحرب التحرير التي خاضها الأتراك تحت قيادة الذئب الأغبر كمال أتاتورك وانتصاراتها، اجتمع في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1922 مندوب تركيا مع الحلفاء في لوزان، الدبلوماسي التركي عصمت إينونو، الذي أصبح أول رئيس وزراء لتركيا الحديثة؛ لتوقيع "معاهدة لوزان" التي تحدّد حدود الجمهورية التركية وتُنهي الاحتلال الأجنبي لها.

سنعلن الجمهورية غداً

وفي 28 تشرين الأول (أكتوبر) من العام 1923 خطب أتاتورك أمام رجال القانون ورجال الدولة التركية في اجتماع سياسي في "تشانكايا" قائلاً: "أيها السادة، إننا سنعلن إنشاء الجمهورية غداً"، وفي اليوم التالي الموافق 28 تشرين الأول (أكتوبر)، وافق البرلمان على النظام الجمهوري الجديد، مُنتخباً مصطفى كمال أتاتورك أوّل رئيس للجمهورية التركية الحديثة بمجموع أصوات 158 صوتاً، كما عيّن أتاتورك عصمت إينونو رئيساً للوزراء وسط هتاف ممثلي الأمّة التركية: "تحيا الجمهورية، يحيا مصطفى كمال باشا".

ذلك وجه من وجوه أتاتورك التي يسعى الإسلاميون لإهالة التراب عليها، وطمسها، لكي تظل الصورة الشيطانية التي طالما سعوا لترسيخها في الأذهان كجزء من رأس المال الرمزي الذي يعزز موقفهم السياسي بناء على تفسيرهم التآمري للتاريخ، وعلى الربط الذهني بين العلمانية والإجراءات الجذرية التي طبقها أتاتورك على المجتمع التركي، وأنّ أتاتورك منع الحجاب وألغى كتابة التركية بالحروف العربية كراهية ونكاية في الدين الإسلامي، ونسوا عن عمد أنه الزعيم التركي الذي ألهم المقاتلين الأتراك لخوض معارك التحرير، وأن يرووا بدمائهم الذكية الأرض التركية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية