كيف نقرأ المشهد السياسي التونسي قبيل انطلاق الاستفتاء على "الدستور الجديد"؟

كيف نقرأ المشهد السياسي التونسي قبيل انطلاق الاستفتاء على "الدستور الجديد"؟


24/07/2022

تعيش تونس حراكاً سياسياً مكثفاً قبيل انطلاق الاستفتاء على "الدستور الجديد" للبلاد غداً، وسط حالة من الترقب لنتائج الاستفتاء التي يصفها الخبراء بأنها "حجر الزاوية" في خريطة الإصلاح السياسي التي بدأها الرئيس قيس سعيد قبل نحو عام.

وفي الوقت الذي تتجه الأنظار إلى الداخل التونسي غداً للوقوف على نسب الإقبال والمشاركة، بدأ أمس التصويت في الاستفتاء على "الدستور الجديد" للتونسيين في الخارج، حيث أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نسب المشاركة.

ونقلت إذاعة "موزاييك" التونسية عن رئيس الهيئة فاروق بوعسكر قوله أمس: إنّ نسبة المشاركة إلى حدود الساعة الـ7 مساء في دائرة فرنسا (1) بلغت 1.9%، وفي دائرة فرنسا (2) بلغت 1.8%، وبلغت في ألمانيا 4.5%، وفي إيطاليا 1.2%، وفي الأمريكيتين وبقية البلدان الأوروبية بلغت 3.1%، وفي البلدان العربية 2.9%.     

وأشار بوعسكر إلى أنّ نسق التصويت هو نفسه مع الانتخابات التشريعية لعام 2019، معتبراً أنّ الجالية تتجه بشكل كبير في اليوم الأخير من أيام الاقتراع الـ3 المخصصة.

 وأوضح بوعسكر أنّه لم يتم تسجيل إشكاليات كبرى وصعوبات في صفوف الجالية عند الاقتراع اليوم، مشيراً إلى  تغيير مراكز الاقتراع لعدد من المواطنين بالخارج في مركز اقتراع بباريس وكان التغيير إرادياً، وتسجيل تأخير في فتح مركز الاقتراع بسيسيليا الإيطالية، لافتاً إلى تواصل عمليات التصويت بالخارج في (46) دولة، و(289) مركز اقتراع، و(378) مكتب اقتراع.

رئيس الهيئة فاروق بوعسكر: لا داعي لتأجيل موعد الاستفتاء على الدستور لحين تعديله

وتواجه مسودة الدستور الجديد حالة من الانقسام بين مؤيد ومعارض من جانب القوى السياسية والمؤسسات المدنية في البلاد، فيما رفضت هيئة الانتخابات تأجيل موعد الاستفتاء، لحين تعديله، حسبما طالبت بعض التيارات السياسية.

وفي هذا السياق، قال رئيس الهيئة فاروق بوعسكر، في تصريحات لإذاعة "إي أف أم" المحلية إنه "لا داعي لتأجيل موعد الاستفتاء على الدستور لحين تعديله، خاصة أنّ الأمر الصادر بخصوص تعديل الدستور، في الجريدة الرسمية، يتعلق بإصلاح الأخطاء المادية والشكلية لدستور 2014".

 

البريني لـ "حفريات": لم تحدث عمليات إقصاء لأي قوى سياسية في البلاد، ولكن هناك من أقصى نفسه برفض الإجراءات الخاصة بخريطة الإصلاح السياسي واعتبرها "انقلاباً" ورفض المشاركة في العملية السياسية

 

وبحسب بوعسكر، "عملت الهيئات التشريعية على تعديل عدد من الأخطاء الشكلية والإصلاحات التي وردت في الدستور القديم، ولم تعمل على تغيير الجوهر، وبالنسبة إلى التعديلات التي مست بعض المسائل في الأصل، ذهبت في سياق تحسينها ورفع الغموض عنها، بهدف مراعاة مصالح المواطنين".

وجاءت تصريحات بوعسكر رداً على دعوات أطلقها حزب الراية الوطنية بتأجيل موعد الاستفتاء بهدف إجراء بعض التعديلات وإعادة الصياغة، وقال في بيان نشرته مواقع تونسية إنّ "بعض المواد الواردة في مسودة الدستور بحاجة إلى مراجعة جوهرية انطلاقاً من التوطئة وصولاً إلى الأحكام الانتقالية".

وحول آلية الاستفتاء على الدستور قال بوعسكر في تصريح صحفي، إنّ (400) لجنة، تستعد لاستقبال نحو (9) ملايين ناخب يوم 25 تموز (يوليو) الجاري، للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد.

ولفت بوعسكر، بحسب وسائل إعلام محلية، إلى تعزيز أعضاء مكاتب الاقتراع ووصل عددهم إلى حوالي (70) ألفاً، بعدما كانوا في حدود (60) ألفاً، موضحاً أنهم سيعملون بالتبادل يوم الاستفتاء نظراً لطول ساعات العمل، مضيفاً أنّ الهيئة تعمل على سدّ الفراغات خاصّة بالمراكز المتواجدة في المناطق النائية وذلك عن طريق خطّة بديلة.

وأشار بوعسكر، إلى أنه سيتم الإعلان عن النتائج الأوّلية للاستفتاء في 26 أو 27 تموز (يوليو) الجاري، وذلك بعد التثبّت من النتائج، موضحاً أنها قابلة للطعن أمام القضاء.

من جانبه، أعلن الاتحاد التونسي للشغل، أكبر مظلة نقابية في البلاد أنه سيشارك في الاستفتاء على الدستور، وترك لقواعده حرية الاختيار سواء بالتصويت بنعم أو لا.

عادل البريني: أتوقع أن يحظى الدستور التونسي بقبول غالبية الشعب لأنه قدم رؤية موضوعية للإصلاح والنهوض بالدولة

وقال الاتحاد في بيان، مطلع تموز (يوليو) الجاري، إنه "بعد الاستماع إلى آراء خبراء القانون الدستوري ومحامين وقضاة بشأن محتوى الدستور الجديد، قررت الهيئة الإدارية لاتحاد الشغل، عدم مقاطعة الاستفتاء وترك حرية المشاركة والاختيار والتصويت على مشروع الدستور الجديد لقواعده النقابية"  بحسب ما نقلته "العربية".

في المقابل، تحاول حركة النهضة الإخوانية عرقلة عملية الاستفتاء على الدستور من خلال حشد بعض القوى السياسية المتحالفة معها تحت ما يسمى "جبهة الخلاص"، لمقاطعة الاستفتاء، أو بالتحريض شعبياً عبر المشاركة في مظاهرات ضد الرئيس قيس سعيد وضد المشاركة في الاستفتاء، في تحركات يصفها مراقبون بأنها محاولة بائسة لتعطيل خريطة الإصلاح السياسي في البلاد.

من جهته، أكد الرئيس التونسي قيس سعيد أنه "لا مجال للتسامح مع من يريدون إفشال الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد المقرر له يوم 25 تموز (يوليو) الجاري"، لافتاً إلى أنّ "هؤلاء يهابون سيادة الشعب، ويهابون أن يعبّر عن رأيه بكل حرية" بحسب تصريحات نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط.

وأكد سعيد خلال لقائه رئيس هيئة الانتخابات على ضرورة حياد كل الأطراف والانتباه إلى المحاولات المتعددة لاختراق عمليات التسجيل والحق في تغيير مركز الاقتراع، مشيراً إلى إمكانية تغيير مراكز الاقتراع التي تمّ التلاعب بها، وغلق الموقع لمدة أيام.

كيف يمكن قراءة المشهد السياسي الراهن؟

 الإعلامي والمحلل السياسي التونسي عادل البريني، يقول لـ"حفريات": يمكن قراءة المشهد الراهن في تونس قبيل انطلاق عملية الاستفتاء على الدستور الجديد، من خلال 3 توجهات سياسية تطفو على المشهد، الأول؛ يرى أهمية المشاركة في الاستفتاء والموافقة عليه، والثاني يدعو للمشاركة ولكن بـ"لا" وعدم الموافقة على الدستور نظراً لتحفظهم على طريقة إعداده وبعض المواد الواردة فيه، أما الرأي الثالث فيدعو للمقاطعة، وهو الرأي الذي تتبناه حركة النهضة الإخوانية.

 

تحاول حركة النهضة الإخوانية عرقلة عملية الاستفتاء على الدستور من خلال حشد بعض القوى السياسية المتحالفة معها أو بالتحريض على الرئيس التونسي والدستور الجديد

 

ويرى البريني أنّ الشعب التونسي قادر على إدارة الاختلاف بطريقة سلمية، كما هو معتاد، وهناك حالة من الحذر تتزامن مع مناقشات مكثفة من خلال القنوات الحزبية ووسائل الإعلام ويشارك فيها جميع الأطراف، حتى الذين يدعون للمقاطعة يحشدون من خلال وسائل الإعلام، ولا يوجد أي نوع من أنواع التضييق على حرية الرأي كما يدعي البعض.

وبحسب المحلل السياسي التونسي، يواصل البعض معارضة الرئيس قيس سعيد وإجراءات تموز (يوليو) الماضي، من خلال الدعوة إلى مقاطعة الدستور الجديد، غير أنهم لم يتناولوا مشروع الدستور من خلال قراءة دستورية وقانونية متمعنة وليس لديهم أسباب موضوعية لرفض الدستور أو الدعوة لمقاطعته، لكن الدافع الأهم في عملية الرفض يعود لأسباب شخصية تتعلق بخسارة "النهضة" لمكتسباتها السياسية التي كانت تحصل عليها في السابق.

هل تعرقل تحركات النهضة عملية الاستفتاء؟

لا يرى البريني أنّ هناك أي عوائق أمام عملية الاستفتاء على الدستور، في حين تتوافر مساحة كاملة من الحرية والقدرة على التعبير، وتجري عملية الاستعداد لانطلاق الاستفتاء بأفضل صورة، مع التأكيد المستمر من جانب كافة الهيئات المعنية على فرض رقابة محلية ودولية مكثفة لضمان أعلى مستويات الشفافية والنزاهة، مشيراً في هذا السياق إلى تصريحات بعثة المراقبة الأمريكية التي أكدت على التزام المؤسسات التونسية بأعلى درجات الشفافية، وأكدت أيضاً على أهمية الالتزام بتلك النزاهة والحياد خلال الاستفتاء ولحين الإعلان عن نتائجه.

قيس سعيد: لا مجال للتسامح مع من يريدون إفشال الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد

ويصف البريني حالة الحراك السياسي حول مسودة الدستور بأنها قوية، لكنها لم تخرج عن المقاييس السلمية المطلوبة في مثل هذا النوع من المناقشات، وهو أمر صحي للعملية السياسية.

وينوّه البريني إلى أنه لم تحدث عمليات إقصاء لأي قوى سياسية في البلاد، ولكن "هناك من أقصى نفسه برفض الإجراءات الخاصة بخريطة الإصلاح السياسي واعتبرها "انقلاباً"، ورفض المشاركة في العملية السياسية، واتخذ مواقف حادة من أجل العودة إلى الوراء وهو أمر يعتبره الشارع التونسي مرفوضاً بشكل قاطع.

ويتوقع البريني، أن يحظى الدستور الجديد على "موافقة أغلبية المواطنين الذين يرون فيه تلبية لمطالبهم، ويعتبرونه صفحة جديدة في تاريخ البلاد تتسم بالقدرة على محاربة الفساد ودعم المؤسسات الوطنية وتحقيق مصالح المواطنين في القطاعات الخاصة بالصحة والتعليم والاقتصاد وأيضاً تعديل قانون الانتخابات بما يتوافق مع تطلعات المواطنين، إضافة إلى أنّ المعارضة "فشلت في إقناع الشعب التونسي بالمقاطعة أو الرفض؛ لأنها لا تملك أسباباً منطقية في ذلك التوجه".

مواضيع ذات صلة:

مستقبل حركة النهضة في تونس..ماذا بعد إحالة الغنوشي إلى قاضي مكافحة الإرهاب؟

مشروع الدستور التونسي يفجر حالة من الجدل... ما موقف حركة النهضة؟

هل يشهد الاقتصاد التونسي انفراجة قريبة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية