كيف وصلت تونس إلى هذه المرحلة من التأزم الاقتصادي؟

كيف وصلت تونس إلى هذه المرحلة من التأزم الاقتصادي؟

كيف وصلت تونس إلى هذه المرحلة من التأزم الاقتصادي؟


07/03/2023

تؤكد المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في تونس تراجع النمو وتدهور القدرة الشرائية بشكل متواصل خلال الأعوام التي تلت ثورة 2011 لعموم المواطنين، وسط تآكل الطبقة الوسطى، ممّا دفع متخصصين كثراً إلى التحذير من شبح الإفلاس والفوضى.

وقد فشلت الحكومات المتعاقبة في تونس خلال العقد الماضي وما تلاه في صياغة منوال تنموي يتلاءم مع حقيقة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمالي، ويكون قادراً على خلق الثروة وإحداث موارد الرزق، لذلك تتخبط البلاد اليوم في أزمة متعددة الأبعاد، وسط غياب أيّ أفق سياسي، وفي ظل حال الانقسام الحاد الذي بات يهدد الاستقرار المجتمعي.

أعلى معدل تضخم في 3 عقود

وفي إحصائية حديثة صدرت أول من أمس، قال المعهد الوطني للإحصاء: إنّ معدل التضخم السنوي في تونس ارتفع إلى 10.4% في شباط (فبراير)، من 10.2% في كانون الثاني (يناير) الماضي، وهو أعلى مستوى منذ (3) عقود.

وكان البنك المركزي التونسي قد رفع سعر الفائدة الرئيسي (75) نقطة أساس في كانون الثاني (يناير) إلى 8%، من 7.25%، لمكافحة التضخم المرتفع.

استحوذت حركة النهضة على امتداد الأعوام الماضية على المجموعات الاقتصادية الوزارية في تونس

وقد انعكست الانقسامات السياسية العميقة، وانخفاض النمو الاقتصادي، وارتفاع البطالة، على رؤية التونسيين لمسار البلاد منذ "ثورة الياسمين" التي أسقطت نظام زين العابدين بن علي، وساهمت في صعود حركة النهضة الإخوانية، التي تولت الحكم مدة (10) أعوام متتالية، قبل أن يطيح بها الرئيس قيس سعيّد في 25 تموز (يوليو) 2021، استجابةً لاحتجاجات شعبية جابت كافة أنحاء البلاد.

فشلت الحكومات المتعاقبة في تونس خلال العقد الماضي وما تلاه في صياغة منوال تنموي يتلاءم مع حقيقة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمالي

وفي أحدث تقرير عن الوضع في تونس في شباط (فبراير) الماضي، كشف استطلاع للرأي أنّ ما يقرب من 70% من التونسيين يرون أنّ البلاد تسير في الطريق الخطأ.

وكشف الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة (سيغما كونساي) التونسية أنّ 48% من التونسيين غير راضين عن أداء الحكومة.

ويرجع محللون تراجع ثقة التونسيين في مسار البلاد إلى تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع البطالة والصراعات السياسية التي تحول الجهود عن الوضع الاجتماعي.

انهيار اقتصادي

أقرّت الحكومة التونسية صراحة ضمن خطتها التنموية لعام 2023 بأنّ الأمور ستكون أكثر صعوبة، وأنّ العام المقبل لن تختلف فيه الأوضاع عن العام الحالي، وتُرجِم ذلك من خلال نسبة النمو الهزيلة التي تستهدفها الحكومة التي ترأسها نجلاء بودن، بنسبة 1.6%.

وكشفت الحكومة التونسية في مشروع الميزان الاقتصادي للعام المقبل، وهي الخطة التنموية المزمع تنفيذها، أنّها ستواصل تحريك أسعار المحروقات، وستبدأ برفع الدعم عن المواد الأساسية.

وكان الاقتصاد التونسي يعاني من أزمة منذ ما قبل تفشي جائحة كورونا في البلاد، وكان تأثير الوباء على الاقتصاد الوطني وعلى الشركات الصغيرة المحلية كبيراً جداً.

وارتفعت نسبة البطالة إلى نحو 18% وفقاً للإحصاءات الرسمية، كما قفزت بطالة الشباب إلى أكثر من 36% بنهاية عام 2020، في وقت كان الناس ينتظرون فيه الحصول على فرص عمل بانتصار الثورة، غير أنّ الطبقة الحاكمة لم تهتم بمعالجة المشاكل الاقتصادية حتى الآن.

يرجع محللون تراجع ثقة التونسيين في مسار البلاد إلى تدهور الوضع الاقتصادي

وتُعدّ السياحة إحدى أكبر المشاكل الاقتصادية التي تواجه تونس، خصوصاً أنّها كانت تمثل أحد أهم القطاعات الاقتصادية، لكنّها تضرّرت بعد الثورة؛ بسبب الهجمات الإرهابية التي ضربت بعض المنشآت السياحية، والمقرات الأثرية كمتحف باردو، خلال فترة حكم (الترويكا) بقيادة حركة النهضة، لتتأزم بشكل كبير بسبب جائحة كورونا.

كما تأثر قطاع التصنيع بشدة، ونتيجة لذلك انكمش الاقتصاد التونسي في عام 2020 بنسبة 9%.

وبرغم أنّ سعيّد يسعى لوقف النزيف الاقتصادي حتى يطمئن التونسيون لقراراته المثيرة للجدل، غير أنّه وجد البلد يغرق في الديون؛ إذ يتجاوز حجم الدين العام 100% من الناتج المحلي الإجمالي. ولكي تسدد القروض، لا حلّ لدى تونس سوى أن تأخذ قرضاً جديداً، ممّا دفعها لبدء مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي للحصول على (4) مليارات دولار.

الإخوان يتحملون المسؤولية

ويرجع أغلب خبراء الاقتصاد في تونس تعثر الاقتصاد التونسي إلى كثرة الحكومات، وكذلك تغيّر سياسة كل رئيس على حدة، والاتهامات فيما بينهم، خصوصاً أنّ الوضع في تونس لم يتحسن كثيراً على مدار الأعوام الماضية، وفي كل مرة تأتي ذكرى الثورة تحدث احتجاجات على البطالة.

معدل التضخم السنوي في تونس ارتفع إلى 10.4% في شباط من 10.2% في كانون الثاني الماضي، وهو أعلى مستوى منذ (3) عقود

ويصف المراقبون التونسيون أعوام حكم جماعة الإخوان في البلاد، والتي امتدت من 2011 حتى 2021، بأنّها "العشرية السوداء" في تاريخ تونس، فقد شهدت فيها البلاد انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، وتدهوراً صحياً ظهر جلياً في تفشي وباء كورونا بالبلاد، وفشل الحكومة في مواجهته.

وقد استحوذت حركة النهضة على امتداد الأعوام الماضية على المجموعات الاقتصادية الوزارية في تونس، عبر إدارة شؤون الدولة منذ بداية حكمها إلى حين تجميد نشاط مجلس النواب بقرار رئاسي من الرئيس قيس سعيّد في 25 تموز (يوليو) 2021، وهو ما نتج عنه انهيار شبه كامل في كافة القطاعات دون تحقيق أيّ معدلات نمو.

أمل يتسلل

هذا، ويُعوّل الرئيس قيس سعيد على مشروع قانون جديد هدفه عقد صلح جزائي مع رجال الأعمال المتورطين في قضايا نهب المال، مقابل إطلاقهم لمشاريع تنموية وتشغيل الشباب في أنحاء البلاد، وذلك في مسعى منه لعودة ما يُعرف بالأموال المنهوبة التي تُقدّر حسب دوائر تونسية بـ (4,8) مليارات دولار، ويتهم قيس سعيّد (460) شخصاً بتهريب هذه الأموال إلى الخارج.

كما يُنتظر أن يسترجع القطاع السياحي حيويته العام المقبل، في موازاة تنويع العرض السياحي لتحسين موقع تونس كوجهة سياحية، فضلاً عن تطوير السياحة البيئية والثقافية والصحراوية، وسياحة المؤتمرات والعلاج الطبيعي بمياه البحر وسياحة الاستشفاء، وتنمية السياحة البديلة بمنطقة الجنوب الشرقي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية