كيف يجازف أردوغان بورقته الأخيرة؟

كيف يجازف أردوغان بورقته الأخيرة؟

كيف يجازف أردوغان بورقته الأخيرة؟


كاتب ومترجم جزائري
18/12/2022

ترجمة: مدني قصري

كان الهجوم الذي وقع في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 في قلب اسطنبول ذريعة للرئيس أردوغان الذي يهيئ نفسه لخلافته الجديدة، لارتكاب أعمال انتقامية قاسية ضد الأكراد. يبدو أنّ لا شيء يؤكد أي مكسب جديد للرئيس المنتهية ولايته حتى الآن. الشكوك السياسية والاقتصادية هي المهيمنة الآن في تركيا، وتثير إستراتيجية الرئيس الجيوإستراتيجية قلق حلفائه وشركائه.

كانت مأساة شارع الاستقلال التي خلفت 6 قتلى و81 جريحاً فرصة للرئيس التركي لاتهام حزب العمال الكردستاني (PKK) وكذلك حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) - قوة سياسية تابعة للإدارة الذاتية للشمال وشرق سوريا (AANES) – بتنفيذهما للعمل الإرهابي. وقد نفت المنظمتان منذ البداية مسؤوليتهما عن هذا العمل الإرهابي، وسرعان ما تم الكشف عن أنّ الاتهام لا أساس له. الجاني المفترض عربي مرتبط بتنظيم الدولة الإسلامية (OEI) بحكم روابطه العائلية والزيجات المتتالية. بالإضافة إلى ذلك تضمّن هاتفه المحمول رقم زعيم حزب تركي يميني متطرف.

مع ذلك أطلقت أنقرة العنان لطوفان من الحديد والنار ضد الأكراد، كبش الفداء الأبدي. قصفت طائرات إف -16 روجافا (كردستان سوريا) وخاصة تل رفعت وكوباني. وهي الضربات التي دمرت المستشفيات والمدارس وصوامع الحبوب ومنشآت النفط وتسببت في سقوط ضحايا من المدنيين. أفادت وكالة أنباء هاوار الإخبارية Hawar News ومقرها روج آفا أنّ الجيش التركي أطلق قذائف الهاون والدبابات على منطقتي شيرا وشيراوا، وكذلك بلدتي عفرين والشهبة، حيث عثر على لاجئين من عفرين في اعقاب الغزو التركي عام 2018.

كان الهجوم الذي وقع في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 في قلب اسطنبول ذريعة للرئيس أردوغان الذي يهيئ نفسه لخلافته الجديدة

في 18 حزيران (يونيو) 2023 ستُدعى شعوب تركيا إلى صناديق الاقتراع للانتخابات الرئاسية والتشريعية. الرئيس المنتهية ولايته مرشّح مرّة أخرى. أمامه منافسه رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو، عضو حزب الشعب الجمهوري (حزب الشعب الجمهوري الكمالي اليساري) الذي ما زال حتى الآن يتفوّق عليه في الاستطلاعات. يجب أن يأخذ أردوغان الذي حصل على 36٪ من نوايا التصويت وفقًا لمعهد Metropoll لاستطلاعات الرأي في الاعتبار الموقف الذي تم التعبير عنه بشكل مشترك من قبل ستة أحزاب معارضة، وهي حزب الشعب الجمهوري (CHP)، وحزب الرفاه (RP)، وحزب المستقبل الذي أسسه أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء السابق ورفيق درب الرئيس، وحزب السعادة (ذو الميول الإسلامية) وحزب الشعوب الديمقراطي، وكلها تؤيد العودة إلى نظام برلماني معزّز.

زيادات كبيرة في الحد الأدنى للأجور

يضاف إلى هذه الصعوبات السياسية وضعٌ اقتصادي متناقض. على الرغم من التضخم المتسارع (85٪ وفقاً للبيانات الرسمية، أي بزيادة 5 نقاط عن أيلول (سبتمبر)) فقد انهارت العملة، وخسرت أكثر من 28٪ مقابل الدولار منذ أوّل كانون الثاني (يناير)، وتَسبّب كل ذلك في إفقارٍ عامّ للسكان باستثناء بعض القلة المميّزة، فإنّ تركيا تشهد نموّاً في الناتج المحلي الإجمالي (GDP) وزيادة في نموها الاقتصادي، مما يجعلها تحتل المرتبة 17 بين أكبر الاقتصادات في العالم. يظل النمو والتصدير شعاراً للرئيس، مقتنعاً بأنّ خياراته الاقتصادية ستؤتي ثمارها على المدى الطويل.

إعادة انتخاب رجب طيب أردوغان لن تكون فقط تعزيزاً للنظام الاستبدادي الذي أدى إلى إفقار البلاد، بل سيكون أيضاً شيكاً على بياض يُمنح للطاغية لمتابعة طموحاته الإقليمية

لتهدئة خواطر الطبقات العاملة قام أردوغان هذا العام بالفعل بزيادة الحد الأدنى للأجور مرّتين، 50٪ في كانون الثاني (يناير)، وزيادة 30% في نموز (يوليو). ومن المتوقع زيادة أخرى في أوائل العام المقبل. في الوقت نفسه، من أجل ضخ خزينة البنك المركزي اقترحت جهتان مانحتان سخيتان، السعودية وقطر إيداع 5 مليارات دولار (عن السعودية) وضعف المبلغ (عن المانح الثاني قطر). ولتبرير هذا الإجراء غير التقليدي أوضح وزير المالية التركي نور الدين النبطي أنّ سياسته "تمثل قطيعة معرفية مع الفكر الاقتصادي الكلاسيكي الجديد ومكسباً معرفياً مع العلوم السلوكية والاقتصادية العصبية". وهي حجة ستعاني كثيراً في طمأنة أولئك الذين شاهدوا الإنفاق على الغذاء يقفز بنسبة 99٪، و85٪ للإسكان و117٪ في وسائل انقل.

سعياً منه للفوز بعهدة رئاسية جديدة يعمل أردوغان على إقناع ما وراء معسكره وضمان مزيد من أصوات مؤيديه في حزب العدالة والتنمية (AKP)، وكذلك أصوات حليفه حزب العمل القومي (MHP) والمقربين من فرعه شبه العسكري، الذئاب الرمادية. لتحقيق ذلك يتم تفعيل محرك القومية والعنصرية ضد الأكراد مرّة أخرى. في هذا السياق كانت القنبلة في شارع الاستقلال في اسطنبول (إذا لم تكن مزروعة من قبل المخابرات التركية) مفاجأة سارّة.

مضاعفة التهديدات ضد الأكراد  

الأولوّية الآن بالنسبة للرئيس هي أن يحشد "حول العَلم" كل الذين يتذكرون في رعب انتشار الهجمات التي حدثت بين عامي 2015 و 2017. إنها أيضاً مسألة الدعوة إلى الانتقام من الأعداء الذين يقاومونه: حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل في شمال العراق، وحزب الاتحاد الديمقراطي في روج آفا السورية. أعداءٌ ضاعف عملياته العسكرية ضدهم باستخدام طائرات مسيّرة من طراز Bayraktar TB2 لارتكاب اغتيالات استهدفت مسؤولين في حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، وغزو شمال سوريا ثلاث مرات.

حول هذا الموضوع، يتذكر النائب الكردي هيسار أوزصوي، عضو حزب الشعوب الديمقراطي أنّ الحكومة لجأت إلى سلسلة من الهجمات قبل موعد كل انتخاب: “قبل انتخابات عام 2015 تم تنفيذ عمليات عبر الحدود. شُنّت عمليات عسكرية في جرابلس قبل استفتاء 2017، وفي عفرين قبل انتخابات 2018 التشريعية، وفي سري كانيه - غرو سبي قبل انتخابات 2019 المحلية.

بعد الهجوم أوضح أردوغان تهديداته، حيث كان القصف على روج آفا بمثابة مقدمة لعملية عسكرية جديدة تهدف إلى إقامة "منطقة أمنية" في سوريا بعمق 30 كيلومتراً على طول الحدود. ومع ذلك فقد واجه أردوغان حتى الآن تحفظاً مزدوجاً: تردد الأمريكيين الشماليين وتردد الروس.

مخاوف الأمريكيين والروس

أعربت الولايات المتحدة عن قلقها بشكل خاص من عواقب مثل هذا الافتراض لأنّ 900 جندي أمريكي يتعاونون بشكل يومي مع قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، وهو تحالف من المقاتلين الأكراد والعرب والسريان الذين يواجهون مقاومة مقلقة من قبل الدولة الإسلامية، إذ يقدّرون عدد الجهاديين بـ 6000، وحتى 10000 رجل. إنّ احتمال أن تتخلى قوات سوريا الديمقراطية عن 50 ألف سجين إسلامي تحتجزهم في مخيّم الهول، لمواجهة الغزاة الأتراك كافٍ لإثارة مخاوف وقلق البنتاغون. وخير مثال على ذلك عملية سجن الحسكة في الشمال الشرقي حيث نجح الجهاديون، بعد ستة أيام من القتال المرير ضد قوات الدفاع والأمن المدعومة من قبل قوات التحالف، في تأمين فرار عدة مئات من عناصرهم، ما ترك ذكرى مريرة عند القوات الأمريكية.

لمواجهة التحفظات الأمريكية يحمل الرئيس التركي بطاقة الفيتو ضد دخول السويد وفنلندا إلى الناتو، وبالنسبة لموسكو فإنها تظل وسيطًاً لا غنى عنه بين أوكرانيا وروسيا

في ما يخص الروس فإنّ قلقهم في حال وقوع هجوم تركي مرتبطٌ أساساً بالدعم الذي يقدّمونه لبشار الأسد. إنّ أي غزو تركي يليه احتلال دائم للأراضي المحتلة سيكون عنصراً إضافياً في تجزئة البلاد وسيساهم في إضعاف الوضع غير المستقر بالفعل لرئيس دمشق الذي على الرغم من ادعائه السيطرة على 70٪ من البلاد لا يسيطر على أكثر من 15٪ من حدوده. علاوة على ذلك يشتبه فلاديمير بوتين وبشار الأسد في أنّ أردوغان، بعد احتلالٍ محتمل لتل رفعت ومنبج سيرغب في السيطرة على حلب.

لمواجهة التحفظات الأمريكية يحمل الرئيس التركي بطاقة الفيتو ضد دخول السويد وفنلندا إلى الناتو، وبالنسبة لموسكو فإنها تظل وسيطًاً لا غنى عنه بين أوكرانيا وروسيا. هل هاتان الورقتان كافيتان لفوزه في الانتخابات؟

كما نلاحظ لا تزال اللعبة غامضة، لكنّ التهديدات أصبحت أكثر وضوحاً. لذلك أصبح أكراد روج آفا الذين يحملون مشروعاً اجتماعياً قوامه القطيعة مع الذين يهيمنون على الشرق الأوسط معرّضين لخطر كبير.

توسيع مجال نفوذه في سوريا

إذا ثبت في النهاية أنّ المغامرة العسكرية مستحيلة، فلن تكون فقط إهانة للرئيس التركي ولكن أيضاً عائقاً لتوسعه العثماني الجديد. لأنه فيما وراء الانتصار المأمول في الرئاسة فإنّ الرئيس يأمل في مدّ فضاء نفوذه في سوريا. إنّ الاستيلاء على تل رفعت ومنبج إلى الغرب من نهر الفرات وكوباني وعين عيسى وتل تمر إلى الشرق من النهر والاستمرار في التطهير العرقي الذي بدأ في عفرين، وطرد الأكراد لإعادة توطين المنفيين السوريين سيكون استكمالًا لفتوحاته الأولى في انتظار الأفضل. يمارس "سلطان أنقرة" بالفعل سيطرة مطلقة على منطقة إدلب (ثلاثة ملايين نسمة) عبر الجماعة التكفيرية "حياة تحرير الشام" بقيادة تابعه محمد الجولاني.

وفي العراق فإنّ هزيمة حزب العمال الكردستاني عسكرياً قد تمكنه من تعزيز وجود قواعده الـ 120 المرتبطة بالطرق التي بناها الجيش التركي، على الرغم من مطالب برلمان بغداد المتكررة بالاحتفاظ بالقاعدة التي تبعد 30 كيلومتراً عن الموصل، المدينة التي يدعي أردوغان أنها كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية. هذا التشكيك الضمني في معاهدة لوزان لعام 1923 التي تحدد حدود تركيا قد دفعته إلى توجيه تهديدات لا لبس فيها ضد اليونان: "إن احتلالك لجزر بحر إيجة القريبة من تركيا لن يقيّدنا بأي حال من الأحوال. عندما يحين الوقت سنفعل ما هو ضروري. يمكننا أن نصل إليكم فجأة في عز الليل:.

هذا الخطاب الماضوي ساعد في التغاضي عن تدخل تركيا في الحرب الأهلية الليبية إلى جانب حكومة طرابلس، وفي ما يتعلق بقبرص يرفض أردوغان المتشدد أي مفاوضات من شأنها أن تؤدي إلى إعادة توحيد الجزيرة.

هذا الشره المَرَضي المتمثل في الاستيلاء على الأراضي والرغبة في النفوذ هو ما تم التعبير عنه مؤخراً في القوقاز عندما دعم أردوغان إلهام علييف، الرئيس الأذربيجاني، مما أثار استياء إيران الشديد، والذي ذكر ارتباط الجزء الإيراني من أذربيجان ببلده. يُذكر أنّ الرئيس التركي، خلال الاشتباكات بين أذربيجان وأرمينيا حول ناغورنو كاراباخ في كانون الأول (ديسمبر) 2020 كان قد أعلن "أمة واحدة ودولتان" لإضفاء الشرعية على مساعدته لباكو باسم "الأتركة" (الهُوية التركية). وقد تجسّد هذا التضامن في شكل شحنة أسلحة و1500 من المرتزقة السوريين وقوات إضافية مكمِّلة مكوَّنة من ناجين من الجيش السوري الحر أو مجموعات جهادية توجهت إلى الجبهة نيابة عن الجيش التركي.

في سياق "إيقاظ الإمبراطوريات" أعاد أردوغان أيضاً تنشيط مفهوم القومية التركية الذي صاغته حركة تركيا الفتاة في بداية القرن العشرين، من أجل اقتراح وحدة لغوية وتوقيع اتفاقيات اقتصادية وأمنية بين جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وآسيا الوسطى (أذربيجان وتركمانستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وكازاخستان). وهي المبادرة التي أثارت استياء موسكو إلى حد كبير.

وبالتالي فإنّ إعادة انتخاب رجب طيب أردوغان لن تكون فقط تعزيزاً للنظام الاستبدادي الذي أدى إلى إفقار البلاد، ومضاعفة الاعتقالات التعسفية، وتسبب في هجرات بأعداد كبيرة (تقدم أكثر من 20 ألف شخص بطلبات لجوء إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2022). سيكون أيضاً شيكاً على بياض يُمنح للطاغية لمتابعة طموحاته الإقليمية.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

orientxxi.info

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية