كيف يحاول الإخوان توظيف المشهد السوداني لتنفيذ انقلاب جديد؟ .. دراسة تجيب

كيف يحاول الإخوان توظيف المشهد السوداني لتنفيذ انقلاب جديد؟ دراسة تجيب

كيف يحاول الإخوان توظيف المشهد السوداني لتنفيذ انقلاب جديد؟ .. دراسة تجيب


04/06/2023

تحاول جماعة الإخوان المسلمين في السودان، من خلال توظيف حالة الصراع الراهن، الاستيلاء على الحكم مجدداً بتنفيذ انقلاب جديد على السلطة الحالية ممثلة في المجلس السيادي، بعد أعوام من الإقصاء السياسي والنبذ الشعبي منذ سقوط نظام عمر البشير في عام 2019، وما تبعه من ملاحقة أمنية ومحاكمات قضائية لعناصر التنظيم المدانين بقضايا إرهاب وفساد. 

وفي هذا الصدد استعرضت دراسة حديثة صادرة عن مركز (تريندز للبحوث والاستشارات)، للباحث المصري المختص بشؤون الإرهاب والإسلام السياسي، منير أديب، تحركات جماعة الإخوان في الوقت الراهن، لتنفيذ انقلاب ناعم على السلطة الحالية، والتسلل إلى السلطة مجدداً، في ضوء حالة التصعيد المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. 

الإخوان من التأسيس إلى الانهيار 

بداية تلقي الدراسة الضوء على تاريخ ونشأة الإخوان في السودان، من مرحلة التنظيم مروراً بالتنظيم ثم الانهيار، وأوردت الدراسة أنّ جماعة الإخوان المسلمين في السودان مرت بـ (3) مراحل رئيسية؛ أهمها مرحلة التنظيم في الأربعينات من القرن الماضي، تلتها مرحلة التنظير التي قاد فيها د. حسن الترابي الحركة الإسلامية، وكان الإخوان جزءاً منها، بل كانوا عصب هذه الحركة ومحركها الأساسي. 

ثم كانت مرحلة السقوط الأخير للحركة نحو الهاوية، فقد عدّ بعض الباحثين والمراقبين أنّ ما حدث في السودان في ثورة كانون الأول (ديسمبر) من عام 2019 لم يكن مجرد سقوط للنظام السياسي، ولكنّه كان سقوطاً لمشروع الإخوان المسلمين على وجه التحديد، وهنا تبدو أهمية الثورة السلمية التي أطاحت بمشروع الحركة، وفق رؤية الباحث.

تحولات إخوان السودان... تناقضات من أجل البقاء

مرت جماعة الإخوان في السودان، وفق ما أوردته الدراسة، بـ (4) مراحل رئيسية تلونت خلالها الجماعة، وغيرت جلدها مراراً من أجل ضمان البقاء واستمرار المشروع، اتسمت بالتناقض في بعض الأحيان. 

الباحث المصري المختص بشؤون الإرهاب والإسلام السياسي منير أديب

وتشير الدراسة إلى أنّ عام 1946 يمثل بداية النشاط الفعلي للإخوان في السودان من الناحية التنظيمية والحركية من خلال جمال الدين السنهوري، وهو شاب سوداني كان مقرباً من حسن البنا، وعاد إلى السودان خلال تلك الفترة لتأسيس نشاط الجماعة. 

وهو ما أسهم في انتشار الفكر الإخواني في السودان في وقت مبكر، حتى إنّه خلال احتفالية أقامها الإخوان المسلمون في مصر عام 1948 بمناسبة مرور (20) عاماً على تأسيس الجماعة، ذكر مؤسس الجماعة حسن البنا أنّ عدد شُعب الإخوان بلغ (1000) شعبة في مصر، و(50) شعبة في السودان. 

وفي عام 1949 تم إنشاء أول فرع للجماعة في السودان، وكان الطلاب السودانيون الذين كانوا يدرسون في القاهرة يمثلون همزة الوصل في نقل الحركة إلى السودان، فما بين طلب العلم والمعرفة والبحث عن الهوية نجح الإخوان في مصر في استقطاب عدد من هؤلاء الطلاب الذين نشروا أفكار التنظيم في ما بعد داخل بلادهم.

وقد كانت البداية الحركية والفكرية الحقيقية لتنظيم الإخوان المسلمين بالسودان في أول الخمسينات من القرن الماضي، حين انضم إليه عدد كبير من السودانيين، وما هي إلا (3) عقود حتى نجح التنظيم في الوصول إلى رأس السلطة بانقلاب عسكري في عام 1989. 

عام 1946 يمثل بداية النشاط الفعلي للإخوان في السودان من الناحية التنظيمية والحركية من خلال جمال الدين السنهوري، وهو شاب سوداني كان مقرباً من حسن البنا، وعاد إلى السودان خلال تلك الفترة لتأسيس نشاط الجماعة

وقد عمل التنظيم على نسج خيوطه حول الدولة السودانية بجميع مؤسساتها، بعد أن نجح في إنشاء ميثاق للعمل الإسلامي ثم الحركة الإسلامية، وكان التنظيم يميل في هذه الفترة إلى اعتبار نفسه تياراً عامّاً وليس تنظيماً مُؤطراً، وبالتالي غاب المفهوم الاعتباري للبناء الهيكلي الذي عُرف عن التنظيم في مصر، أو أفرعه في باقي الدول الأخرى. 

بعدها أسس حسن الترابي في عام 1991 ما سُمّي بحزب المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، وقد ضم قرابة (45) دولة عربية وإسلامية، وتمّ انتخابه أميناً عامّاً لهذا المؤتمر، فهو يعتبر نفسه مُنظّراً للحركة الإسلامية، ليس فقط داخل السودان ولكن خارج السودان أيضاً. 

وفي آخر محطاتها، قامت جماعة الإخوان في السودان في نيسان (أبريل) من عام 2022 بتغيير جلدها للمرة الرابعة حيث أطلقت (8) تنظيمات إخوانية سودانية، تياراً جديداً أطلقت عليه (التيار الإسلامي العريض)، ضم عناصر فاعلة في المؤتمر الوطني المحلول، الذي يُعدّ الجناح السياسي للإخوان، وأسقطته الاحتجاجات في نيسان (أبريل) 2019 بعد أن وصل إلى السلطة في عام 1989، عبر انقلاب نفذته الجبهة الإسلامية القومية، التي تغير اسمها لاحقاً إلى (المؤتمر الوطني). 

براغماتية سياسية 

اتسمت حركة الإخوان المسلمين على مدار تاريخها بالبراغماتية، ومحاولة توظيف كافة الفرص المتاحة لخدمة مصالح التنظيم، وقد أشارت الدراسة في هذا الصدد إلى التحركات الراهنة، والمسارات المستقبلية للجماعة في ضوء المتغيرات الأخيرة. 

عمل التنظيم على نسج خيوطه حول الدولة السودانية بجميع مؤسساتها

وتقول الدراسة: إنّ "الإخوان، برغم أنّهم أنشؤوا كيانات ضمت تنظيمات غيرهم وتيارات دينية ربما يكونون مختلفين عنها، غير أنّهم شديدو الإيمان والانحياز لأفكارهم وللتنظيم، فولاؤهم للفكرة ربما يدفعهم لتحولات المستقبل التي يُحاولون أن يصنعوها على الأقل على مستوى الحضور السياسي".

وتضيف: "صحيح أنّهم كانوا جزءاً من الحركة الإسلامية والجبهة التي تشكلت وكانت نواة الحكم، ولكنّهم ظلوا يعبّرون عن إيديولوجيتهم الخاصة، وما حدث بين الإخوان والحركة الإسلامية حدث بين مرجعية الحركة ممثلة في د. حسن الترابي وبين الرئيس السوداني عمر البشير."

مشروع الإخوان في السودان لم يكن مبنياً على خلق تجربة ديمقراطية، ولا حتى ترميم الحالة السياسية في ذلك الوقت، ولكنّه كان مبنياً على فكرة الاستيلاء على السلطة، ثم الانتقال إلى مرحلة التمكين من هذه السلطة وعدم التفريط فيها

وتتابع: "وقع انقلاب 30 حزيران (يونيو) عام 1989 حاملاً الجبهة الإسلامية القومية التي يتزعمها الدكتور حسن الترابي إلى السلطة محققاً أول نجاح لفصيل إسلامي من صلب حركة الإخوان المسلمين للوصول إلى الحكم في التاريخ، ولذلك تصبح تجربة الجبهة الإسلامية في الوصول إلى السلطة نموذجاً يفتخر به الترابي كثيراً أمام أقرانه من قادة الحركات والجماعات الإسلامية التي فشلت، برغم قِدمها، في الاقتراب من كرسي الحكم حتى الآن، فقد أصبح ملكاً متوّجاً، ولكنّه تاج يشك الكثيرون في أنّه أتى بالمجد".

الأمر الذي جعل للإخوان لأول مرّة قاعدة تنطلق منها إلى تحقيق أهدافها الأممية تحت شعار تحقيق المشروع الإسلامي الحضاري، ولكي يُصبح المشروع واقعاً لا بدّ أن يكون واضح الملامح والرؤى، ولكي ينتقل المشروع من الإطار النظري إلى الحياة العملية لا بدّ له من سياسات وبرامج وخطط، وفوق كل ذلك لكي ينجح المشروع لا بدّ له من نموذج وقيادة وظروف محلية وإقليمية ودولية مواتية، وهو ما استطاع الإخوان صناعته، سواء على مستوى الولاء للفكرة والنظرة المستقبلية، أو محاولات إعادة إنتاج المشروع السياسي والفكري معاً. 

تجربة الإخوان في السلطة والانقلاب عليها 

تحت هذا العنوان أوردت الدراسة أنّ نشأة الإخوان في السودان ظلت مرتبطة بالسلطة، حتى تحيّنوا الفرصة للانقضاض عليها من خلال القوة العسكرية؛ فالإخوان قاموا بأول انقلاب عسكري في المنطقة، وظلوا متمسكين بالسلطة طوال (3) عقود. 

وتتابع الدراسة: "انقلبوا على السلطة السياسية بالقوة، وشكلوا قوة مدنية مسلحة هدفها إخضاع السودان بقوة السلاح والدبابة، وخططوا لانقلاب عسكري أوصلهم إلى السلطة، حتى بعد نجاح الانقلاب ظلوا مسيطرين بالحديد والنار، غير أنّ الحركة الإسلامية التي وصلت بالقوة سقطت في ثورة شعبية سلمية في 19 كانون الأول (ديسمبر) عام 2019.

وقد كانت خطة الحركة الإسلامية في السودان بعد استيلائها العسكري على السلطة أن تُخرج انقلابها بواجهة وطنية لا إسلامية، ثم تتدرج خلال (3) أعوام من "التأمين" إلى مرحلة "التمكين" التي تذوب فيها الحركة في الدولة، وتكشف عن وجهها الإسلامي بشكل سافر، بما في ذلك تسليم العسكريين السلطة للمدنيين وتقلُّد د. الترابي منصب رئاسة الدولة، بحسب الدراسة. 

نشأة الإخوان في السودان ظلت مرتبطة بالسلطة

وهذه الصورة هي في حدّ ذاتها انقلاب على إرادة السودانيين، فتسليم السلطة لمرجعية دينية سبق أن خططت للانقلاب لا يَعني أنّه تم تسليمها لمدنيين، ولا أنّ الجيش تنازل عنها، وبرغم ذلك لم يتحقق هذا السيناريو، بل قام الرئيس عمر البشير بإيداع د. حسن الترابي السجن. 

مشروع بُني على العنف 

مشروع الإخوان في السودان، وفق الدراسة، لم يكن مبنياً على خلق تجربة ديمقراطية، ولا حتى ترميم الحالة السياسية في ذلك الوقت، ولكنّه كان مبنياً على فكرة الاستيلاء على السلطة، ثم الانتقال إلى مرحلة التمكين من هذه السلطة وعدم التفريط فيها، وكانت تتم هذه الممارسة باسم الحركة الإسلامية، بما يدل على مفهوم الدولة الضيق لهذه الحركة وعدم إيمانها بالديمقراطية.

الإخوان يسعون للانقلاب على السلطة الحالية ممثلة في المجلس السيادي، ولكن بشكل يختلف عن الانقلاب الذي قام به في عام 1989، فقد اقتصر دورهم على إشعال فتيل الحرب وتهيئة أجواء استمرارها

كما لم تخلُ من العنف سواء قبل الانقلاب أو حتى بعد الانقلاب؛ فالحرب الأهلية والانتهاكات التي مورست في دارفور يتحملها التنظيم والنظام السياسي والحركة الإسلامية التي انحازت إلى استخدام القوة حتى ضد السودانيين أنفسهم، فقد مارست الحكومة المحسوبة على الحركة الإسلامية حرب التطهير العرقي وحرب الإبادة من خلال دعمها لميليشيات الجنجويد ضد بعض الإثنيات من سكان إقليم درافور، وفق الدراسة. 

ويمكن اختصار تجربة الإخوان؛ إمّا في الوصول إلى السلطة عن طريق قوة السلاح، وإمّا الانقلاب عليها، كما يسعى الإخوان الآن من خلال تعبئة الأجواء وشحنها والقتال مع طرف دون الآخر، أو من خلال حرب الإبادة والتطهير العرقي التي قام بها في إقليم دارفور.

وأخيراً يرى الباحث أنّ الإخوان يسعون للانقلاب على السلطة الحالية ممثلة في المجلس السيادي، ولكن بشكل يختلف عن الانقلاب الذي قام به في عام 1989، فقد اقتصر دورهم على إشعال فتيل الحرب وتهيئة أجواء استمرارها، نظراً لأنّهم غالباً ما يعملون من خلال لافتة تضم كلّ التيارات والتنظيمات الإسلاموية للاستفادة من زخم وجودها، وحتى يعطيها ذلك قوة لتحقيق الجماعة مشروعها للوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها، وذلك على الرغم من استهلاك الجماعة في السودان المراحل الـ (3) التي مرّ بها التنظيم، غير أنّها تحاول أن تعيد إنتاج نفسها مرة ثانية.

مواضيع ذات صلة:

البرهان وحميدتي إلى طاولة حوار... والشعب السوداني إلى كارثة إنسانية

صراع السودان في أسبوعه الثالث... اتهامات متبادلة ووضع إنساني يتفاقم

الإخوان في السودان... بيانات الفتنة تستمر



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية