كيف يخطط الرئيس الفرنسي لتنظيم الإسلام في فرنسا؟

المسلمون في فرنسا

كيف يخطط الرئيس الفرنسي لتنظيم الإسلام في فرنسا؟


12/03/2018

تشهد فرنسا حوارات عميقة أطلقها الرئيس الفرنسي ماكرون مؤخراً، معلناً نواياه بشأن تنظيم الشؤون الإسلامية في فرنسا وإدارتها، وهي حوارات غير معزولة؛ حيث تأتي استكمالاً لنقاشات خاضها رؤساء فرنسيون سابقون (هولاند، ساركوزي، وشيراك)، في ظلّ زيادة حجم الجالية الإسلامية في فرنسا، وتساؤلات وإشكاليات كبرى، مرتبطة بحالة التناقض التي تحاول جهات عديدة من خارج فرنسا فرض أنماط معيشية، تتعارض مع علمانية الجمهورية الفرنسية، القائمة على فصل الدين عن الدولة؛ حيث جاء في تصريحات الرئيس ماكرون: "إنّ هدفي يتمثل في العمل على تأسيس قلب العلمانية؛ أي الحرية في أن يتّبع المرء ديناً ما، أو لا يؤمن". إضافة إلى إقامة مشروعات تأسيس هيئات تمثيلية "حقيقية" للمسلمين، وتمويل دور العبادة، وتعزيز الرقابة على الحسابات الممولة للمساجد، وإعداد أئمة فرنسا ليحلّوا محلّ أئمة نصبوا أنفسهم بأنفسهم.

جوهر المقاربة الفرنسية لتنظيم الإسلام في فرنسا، يرتكز على عنوان مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم سيادة الدولة وعلمانيتها

ومن الواضح أنّ التوجهات الفرنسية، تستهدف إثارة نقاشات حول هذه القضية، في إطار مفاهيم وأبجديات الديمقراطية الغربية، لمعرفة اتجاهات الرأي العام تجاه القضية المطروحة، قبل الذهاب إلى الأطر التشريعية لسنّ وإنتاج القوانين، إلّا أنّ سياقات الحوار حول التوجّه لتنظيم الإسلام في فرنسا، دون غيره من الأديان، إضافة إلى كون التوجه ذاته يتعارض مع علمانية الدولة، ومن أبرز مظاهرها عدم تدخل الدولة في تنظيم أو رعاية الأديان وشؤون العبادة، تطرح جملة من الإشكاليات حول هذه القضية، وعلى النحو الآتي:

أولاً: إنّ جوهر المقاربة الفرنسية لتنظيم الإسلام في فرنسا، يرتكز على عنوان مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم سيادة الدولة وعلمانيتها؛ إذ يأتي المشروع الفرنسي على خلفية تدخل دول عربية وإسلامية في شؤون مسلمي فرنسا، وتقديم الدعم المالي للمساجد والقائمين عليها، وللهيئات التي تتبع لها؛ من جمعيات، ومراكز ثقافية..إلخ، وبحيث أصبحت هذه التنظيمات (الجمعيات والهيئات والمساجد) تخضع لسلطة وتوجيهات الداعمين والممولين، ويبرز هنا الدعم والتمويل الذي تقدمه، أو كانت تقدمه، دول عربية (خاصة السعودية، وقطر، والمغرب، والجزائر)، عبر هيئات وجهات، رسمية وشبه رسمية، ودول إسلامية (تركيا).

ثانياً: رغم أنّ عنوان المشروع فرنسي، إلّا أنّ دولاً أوروبية أخرى تشترك مع فرنسا في مقاربتها، دون تطابق في رؤى الحل والمعالجة، ومن غير الممكن التعامل مع مقاربات تنظيم الإسلام في فرنسا، بمعزل عن مفاهيم الإسلاموفوبيا التي اجتاحت أوروبا، وأسهمت في نمو وانتعاش الأحزاب اليمينية، والقرارات البريطانية المرتبطة بالإخوان المسلمين، على سبيل المثال، وإخضاع أنشطتهم وتمويلهم ومؤسساتهم للمراقبة، على خلفية ارتباطات مؤكدة، على الأقل بأيديولوجيا الإرهاب والتطرف.

ثالثاً: ربّما كان السياق الأهم والمباشر للتوجه الفرنسي، صحوة أوروبا المتأخرة على مسلميها، من حيث عدم انخراط الأجيال المتعاقبة منهم في المجتمعات الأوروبية، ومواصلة عيشهم في أوروبا باعتبارهم أقليات غير قابلة للاندماج، لهم أسلوب حياتهم في المأكل والمشرب والملبس، في إطار رفض الآخر، وليس تحت عنوان "التنوّع الثقافي". وما زاد الطين "بلة"، حجم انخراط أبناء هذه الجالية في الإرهاب، بتنفيذ عمليات إرهابية في بلدانهم الأوروبية، والالتحاق بتنظيمات القاعدة ثم داعش في العراق وسوريا، وظهور إشكاليات معقدة في كيفية التعامل مع عناصر هذه التنظيمات، باعتبارهم مواطنين أوروبيين، في إطار جدلية الموازنة بين الحقوق وكيفية التعامل مع الإرهابي.

ورغم أنّ جوهر المقاربة الفرنسية يقوم على التعامل مع مسلميها باعتبارهم مواطنين أولاً، ثمّ إنّهم مسلمون بما يعني الحيلولة دون ممارسة التأثير عليهم من دول أخرى، تتعارض مع مواطنتهم، إلّا أنّ الوصول إلى هذا الهدف تعترضه عقبات كثيرة، أهمّها؛ العلاقات السياسية الإيجابية التي تربط الدولة الفرنسية بالدول الداعمة للمسلمين من مواطنيها، خاصة المغرب والجزائر وتركيا وقطر، إضافة للمملكة العربية السعودية، ثمّ إنّ موضوع تأهيل أئمة وخطباء المساجد يحتاج إلى توقف، في ظلّ سيطرة مؤسسات تتبع للإخوان المسلمين على الشأن الديني، إضافة إلى مراقبة التمويل، يطرح إشكالات عميقة في إمكانية نجاح المشروع الفرنسي.

السياق الأهم للتوجه الفرنسي صحوة أوروبا المتأخرة على مسلميها من حيث عدم انخراط الأجيال المتعاقبة منهم في المجتمعات الأوروبية

ومن الواضح؛ أنّه في ظل انكفاء المملكة السعودية عن رعاية وتمويل المؤسسات الخيرية الإسلامية، منذ 11 سبتمبر، وحجم الضوابط التي وضعتها السعودية على دعم المؤسسات والهيئات الإسلامية في الخارج، من خلال حزمة من التشريعات والقوانين، إضافة إلى التوجهات الإصلاحية السعودية الجديدة بوضع السعودية على طريق الدولة المدنية، والخروج من مربعات الدولة القبلية والدينية، تطرح تساؤلات حول جهود ونشاطات دول مثل (قطر وتركيا)، في إطار تحالفها مع الإسلام السياسي، وما يتردّد عن خطط سرية، وأخرى معلنة حول العلاقة التحالفية مع الإخوان المسلمين و"تمكينهم" في أوروبا، والعلاقة الموثّقة حول دور الإخوان المسلمين في تأمين مناخات تسهم في نشوء التطرف والإرهاب، وتعزّز مقولات فكرية حول صراع الحضارات، خاصة أنّ هناك يميناً فرنسياً يؤمن بتلك المقولات.

 

الصفحة الرئيسية