"كي جي بي": كيف نفخ بوتين في المجد الاستخباري الروسي؟

"كي جي بي": كيف نفخ بوتين في المجد الاستخباري الروسي؟


11/10/2021

في ظل التداعي المتواصل للأزمنة والحضارات، وانهيار الإمبراطوريات وصعود غيرها، تنهض في البال حكاية جهاز استخبارات ارتبط اسمه بالرعب، لأنه ارتبط بالعمليات الاستخباراتية الكبرى في التاريخ، وكان علامة على صعود الحرب الباردة إلى أوجها.

إنه جهاز الاستخبارات السوفيتية (كي جي بي (الذي يعني بالروسية "لجنة أمن الدولة"، الذي تأسس في 20 كانون أول (ديسمبر) 1917 برئاسة فليكس دزرسنسكاي وإشراف الرئيس فلاديمير لينين، وتفكّك في مثل هذا اليوم 11 تشرين أول (أكتوبر) 1991 عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، وكانت تلك لحظة مزلزلة أطاحت آمال الكثيرين في العالم، وأفسحت المجال لتوحش الرأسمالية.

خلال الحرب الباردة، لعب "كي جي بي" دوراً كبيرا في الحفاظ على الاتحاد السوفيتي كدولة الحزب الواحد، وذلك بمناهضة الأفكار المعارضة أو ما كان يطلق عليه "الأيديولوجيات الهدّامة"

روسيا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين استعادت أنفاسها ومجد استخباراتها، وهي تواصل الأطماع الإمبراطورية التي بناها الاتحاد السوفيتي الذي تفسخ وتناثر على امتداد الجغرافيا، لكنّ ذلك لم يمنع الروس من الاحتفال سنوياً بتأسيس جهاز استخباراتهم العتيد، لاسيما وأنّ الرئيس فلاديمير بوتين تدرج في جهاز الاستخبارات حتى وصل إلى رتبة عقيد، لذا فهو يحرص على الاحتفال بهذه المدرسة الرائدة في الاستخبارات على مستوى العالم.

شعار الكي جي بي

وتذكر الوثائق أنّ بداية عمل هذا الجهاز كانت من خلال "لجنة الطوارئ لعموم روسيا" التي تأسست في 1917، بعد أقل من شهرين من قيام ثورة (أكتوبر)، كواحدة من أولى وأهم هيئات "السلطة السوفيتية، أو ما كانت تسمى "ديكتاتورية البروليتاريا" للدفاع عن الثورة. ولم يكن نشاط هذه اللجنة يقتصر على مهمة الدفاع عن الثورة، ليتجاوز ذلك اعتباراً من عام 1921 إلى مكافحة التخريب والتصدي لانتشار ظاهرة الأطفال المشردين، أو كما يقال "أطفال الشوارع". وأوكل لينين زعيم ثورة أكتوبر هذه المهمة إلى فيليكس دزيرجينسكي البولندي الأصل، الذي كانوا يسمونه "الرجل الحديدي".

اسم يكفي لدبّ الرعب

ويذكر مراقبون أنّ اسم هذه اللجنة وحده كان كافياً لإثارة الرعب والفزع في النفوس، وهي التي كانت تملك الحق في إطلاق النار، وقتل من تعتبره من أعداء الثورة، من دون تحقيق أو محاكمة بموجب مرسوم "الوطن في خطر" اعتباراً من شباط (فبراير) عام 1918. غير أنّ الوقت لم يستمر طويلاً حتى جرى إعادة تشكيل هذا الجهاز "الرهيب" عام 1923، تحت راية هيئة أخرى اختاروا لها اسم "إدارة القلم السياسي للدولة"، "أو جي بي أو"، تحت رئاسة دزيرجينسكي وحتى وفاته عام 1926.

اقرأ أيضاً: هل يصل بوتين وأردوغان إلى اتفاق بشأن إدلب؟

وتذكر "بي بي سي" أنّ لدى روسيا جهاز مخابرات عسكرية منذ أكثر من مئتي عام، تحديداً منذ إنشاء المكتب الخاص في فترة حروب نابليون ضد روسيا.

وعندما كانت الحرب العالمية الثانية في أوجها كانت مهمته جمع المعلومات في الخارج عن ألمانيا وحلفائها. وخلال فترة الحرب الباردة، كان من أبرز نجاحاته اختراق برنامج القنبلة الذرية البريطانية. واستطاع الجهاز أن يقوم بزرع عملاء داخل جهاز الاستخبارات البريطاني نفسه، حتى إنّ رئيس قسم الاستخبارات المضادة ضد السوفيت كان عميلاً للجهاز. وظل العملاء السوفيت ينقلون أطناناً من الوثائق البريطانية إلى الجهاز فيما يتعلق بالأسرار العسكرية والسياسية والعلمية.

زراعة العملاء

واستطاع الجهاز الاستخباراتي العريق استغلال حالة التراخي الأمني والسلام والطمأنينة التي تعيشها الدول الغربية كالولايات المتحدة وبريطانيا، وأن يزرع بداخل الأجهزة الحكومية في بتلك الدول، بل وفي أجهزة الأمن بها أيضاً، عملاء للجهاز. وربما كان أعظم نجاح للجهاز هو حصوله على سر القنبلة الذرية من قلب مشروع مانهاتن الذي كان صاحب اختراع القنبلة في الولايات المتحدة، وذلك بفضل عملائه المزروعين جيداً هناك.

الزعيم جوزيف ستالين مع فيليكس دزيرجينسكي مؤسس "لجنة الطوارئ" التي أصبحت لاحقاً (كي جي بي)

 وخلال الحرب الباردة، لعب الجهاز دوراً كبيرا في الحفاظ على الاتحاد السوفيتي كدولة الحزب الواحد، وذلك عن طريق مناهضة ومنع الأفكار السياسية المعارضة أو المختلفة عن فكر الحزب الشيوعي، أو ما كان يطلق عليه وقتذاك "الأيديولوجيات الهدّامة"، كما استطاع أيضاً أن يقوم بتسريب التكنولوجيا المتقدمة أولاً بأول من العالم الغربي إلى الاتحاد السوفيتي عن طريق شبكة العملاء الهائلة التي يمتلكها.

كما نقل العملاء السوفيت أسراراً كثيرة من الاختراعات الأخرى، مثل المحركات النفاثة، والرادار، ووسائل التشفير، وغيرها الكثير. ونتيجة للنجاحات الهائلة التي حققها الجهاز في الولايات المتحدة، فقد انتشر هناك ذعر عام من وجود العملاء السوفيت، فيما سمي بالذعر الأحمر.

من أعظم نجاحات "كي جي بي" هو حصوله على سر القنبلة الذرية من قلب مشروع مانهاتن، كما استطاع الجهاز زرع عملاء داخل جهاز الاستخبارات البريطاني وتجنيد رئيس الجهاز نفسه

إضافة إلى امتلاكه شبكة من العملاء، فإنّ لدى هذا الجهاز، كما تورد الويكيبيديا" وحدة عمليات خاصة تقوم بعمليات الاستطلاع والتخريب. وفي الحقبة السوفيتية، نشطت هذه الوحدة في مناطق الصراع حول العالم، وكانت الوحدة رأس الحربة في اجتياح روسيا لأفغانستان عام 1979.

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، انقسم كي جي بي (وهو المنافس الأكبر للمخابرات العسكرية) إلى جهاز الأمن الفيدرالي (الذي كان يرأسه الرئيس الحالي فلاديمير بوتين)، والمخابرات الخارجية. وفي المقابل، بقيت المخابرات العسكرية كياناً واحداً.

اقرأ أيضاً: قمّة بايدن – بوتين والورقة السوريّة

ويتساءل الكاتب كامران قره داغي: هل يسعى بوتين إلى إحياء "كي جي بي"؟ ويلفت في معرض إجابته في مقال بموقع "درج" إلى أنّ "كي جي بي" منذ عهد غورباتشوف تحول الى أكثر من جهاز أبرزها "وكالة الامن الفيدرالية" (رأسها بوتين بين 1998 و1999 قبل أن يعين سكرتيراً لمجلس الأمن الروسي ليبدأ صعوده الصاروخي الى قمة السلطة) و"وكالة الاستخبارات الخارجية"، وأصبحت "الوكالة المركزية للاستخبارات الخارجية" (رأسها من 1991 الى 1999 يفغيني بريماكوف). وكانت صحف روسية نشرت في 2016 معلومات مفادها أنّ بوتين، الذي لم يتخلّ عن حبّه للجهاز الذي كان يحلم بالانضمام إليه منذ مراهقته وحقق حلمه بالانضمام إليه لاحقاً، يخطط لدمج الوكالتين في جهاز واحد على نمط "كي جي بي" في كل شيء باستثناء الاسم ليعيده إلى سابق مجده.

بعث المجد. هل هو ممكن؟

وربما يتعارض "بعث المجد" مع تقارير متواترة تنشرها وكالات الأنباء عن صعود أو انحدار عمل أجهزة المخابرات الروسية، حيث يرى مؤلفا كتاب "النبلاء الجدد" أنّ المخابرات الروسية قد تغيرت كثيراً منذ العهد السوفيتي، وفي ظنهما قد تدهورت.

بوتين في زيارة لمعلمه في (كي جي بي) لازار ماتفييف 2017

هذا ما يراه أندريه سولداتوف وإيرينا بوروجان الصحفيان الروسيان الشابان اللذان نشرا كتاباً قبل أحد عشر عاماً عن وكالة المخابرات الروسية (اف.اس.بي) التي خلفت جهاز المخابرات السوفيتية (كي.جي.بي).

وقال سولداتوف في مقابلة مع "رويترز" لدى صدور الكتاب: "الكي جي بي كان منظمة قوية جداً، لكنه في الوقت نفسه كان يخضع للسيطرة الصارمة للحزب الشيوعي... والآن مع (اف.اس.بي) لا توجد سيطرة لحزب وليست لدينا سيطرة برلمانية... لدينا أجهزة مخابرات منفلتة".

ويتخذ كتاب "النبلاء الجدد" عنوانه من عبارة قالها المدير السابق لوكالة الأمن الاتحادي (اف.اس.بي) في خطاب في نهاية عام 1999 احتفالاً بعودة جهاز المخابرات الجديد تحت قيادة عميل الكي جي بي السابق فلاديمير بوتين.

اقرأ أيضاً: أردوغان يثير غضب بوتين

وعندما اختاره الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين عام 1999 كخليفة طيّع، أظهر بوتين بسرعة أي نوع من القيادات هو. فقد ملأ الكرملين والمواقع القيادية في البلاد بضباط المخابرات السابقين مما خلق قاعدة جديدة وقوية من أفراد يدينون بولاء وثيق لرؤسائهم السابقين.

ومع إطلاق سلطة المخابرات الروسية الجديدة، بحيث لا تشرف عليها أي مؤسسة ولا تراجعها أي جهة، أظهر "النبلاء الجدد" وجههم الخطير.

ويقول المؤلفان إنّ جنرالات المخابرات الروسية الحاليين أصبحوا أقرب شبهاً بالنبلاء الأرستقراطيين في العهد القيصري بأكثر من شكل؛ فتوقهم للحياة الرغدة التي تمولها ثروات حصلوا عليها من خلال مناصبهم يتناقض مع الحقبة السوفيتية عندما كان قادة المخابرات يتمتعون بدخول إضافية وامتيازات تزول بمجرد تركهم لمناصبهم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية