لا تتجاهلوا الفوائد العديدة لألعاب الفيديو

ترجمة: محمد الدخاخني

في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، اكتشف علماء آثار في عُمان لوحة ألعاب عمرها أربعة آلاف عام، اكتُشِفَت القطعة الأثريّة النّادرة في مستوطنةٍ ما قبل تاريخيّة في وادي قميرة، بالقرب ممّا يُعرف اليوم بعين بني صيده في جبال الحجر.

يُعتبر اللعب شيئاً قديماً، وعالميّاً، وواحداً من أوّل أشكال التّفاعل الاجتماعي، ويمكنني تخيّل أسلافنا البعيدين يجلسون حول نارٍ مروّضة مؤخّراً، قبل حوالي أربعة آلاف عام، ويروون القصص ويختلقون الألعاب.

اليوم، على شكل ألعاب رقميّة ورياضات إلكترونيّة، أصبح اللعب أكثر شعبيّة من أيّ وقت مضى. ويُعدّ مهرجان "غيمارز8"، الذي استضافته الرّياض، شاهداً على ذلك. شمل الحدث، الذي استمرّ ثمانية أسابيع، مسابقات للرّياضات الإلكترونيّة بجوائز تزيد عن 15 مليون دولار وعروضاً مُبهِرة لتقنيات ألعاب فيديو ناشئة. وقد دُعيت للتّحدّث حول ألعاب الفيديو والصحة العقليّة ومخاطبة جمهور عالميّ من مديرين تنفيذيّين في الصّناعة وقادة رياضات إلكترونيّة.

فوائد ألعاب الفيديو وأضرارها

كانت رسالتي بسيطة: فلنثري فهمنا لفوائد ألعاب الفيديو وأضرارها لتعزيز رفاهية الإنسان، وكنت حريصاً جدّاً على إبراز الفوائد؛ فنحن، علماء النّفس، وإلى حدّ ما وسائل الإعلام، نميلُ إلى التّركيز أكثر من اللازم على الأضرار المحتملة لألعاب الفيديو، متجاهلين إمكانات الصّالح الاجتماعي.

على سبيل المثال، تُعطي أقسام معيّنة من وسائل الإعلام الأولويّة للقصص التي تتضمّن العنف، أو الصّراع، أو الموت (إذا كان الخبر دموياً، سيجذب الناس) كما يقول المثل. وقد تعرّضت ألعاب الفيديو، بلا شكّ، لمثل هذا التحيّز الإعلاميّ، مع وجود العديد من القصص المثيرة التي تَحرْف التّصوّر العام عن الأضرار.

وبالمثل، فإنّ أيّ نشاط ذي جاذبيّة جماعيّة سوف يجتذب على الأقلّ حفنة من متخصّصي الصّحة العقليّة الذين سيلتقطون بسرعة جانباً مَرَضيّاً من السّلوك. نوقشت التّمارين البدنيّة والتّسوّق، واستخدام وسائل التّواصل الاجتماعيّ والألعاب، في وقت أو آخر، على أنّها أشكال إدمان سلوكيّ محتملة أو اضطرابات في السّيطرة على الانفعالات.

تساعد على الاسترخاء

ومع ذلك؛ فإنّ وجهات النّظر هذه تُلقي بظلالها على حقيقة أنّ معظم اللاعبين لديهم علاقة صحّية وإيجابيّة مع ألعاب الفيديو؛ فهذه الألعاب تساعد البعض على الاسترخاء والاستمتاع وتعزّز مهارات معرفيّة وإدراكيّة وحركيّة، إضافة إلى ذلك؛ فإنّ التّغلّب على التحدّيات داخل اللعبة يمنح إحساساً بالإنجاز يُعزّز تقدير الذّات. وبشكل متزايد، تتضمّن الألعاب أيضاً عنصراً اجتماعيّاً، ممّا يتيح للعديد من اللاعبين إحساساً صحّيّاً بالانتماء والتّواصل الاجتماعيّ، وفي عالم يتفشّى فيه الشّعور بالوحدة يصبح الانتماء كلّ شيء.

ربما بسبب السّرديّات السّلبيّة والأبحاث غير المتوازنة التي تُركّز على علم الأمراض، أصبح من باب الحكمة التّقليديّة القول إنّ ألعاب الفيديو تؤثّر سلباً في الرّفاهية النّفسيّة. ومع ذلك، أظهرت العديد من الدّراسات عكس ذلك تماماً. في الواقع؛ يمكن أن ترتبط هذه الألعاب بمستويات أعلى من الرّفاهية.

ألعاب الفيديو تساعد البعض على الاسترخاء والاستمتاع وتعزّز مهارات معرفيّة وإدراكيّة وحركيّة، إضافة إلى أنّ التّغلّب على التحدّيات داخل اللعبة يمنح إحساساً بالإنجاز يُعزّز تقدير الذّات

أجرى علماء نفس في "معهد الإنترنت بجامعة أكسفورد" إحدى الدّراسات التي توضّح هذه العلاقة الإيجابيّة ونشروها، عام 2021، في مجلّة "رويال سوسايتي أوبن ساينس". وجد فريق البحث أنّ الأشخاص الذين أمضوا وقتاً أطول في لعب ألعاب الفيديو المشهورة عبر الإنترنت: "أنيمال كروسنج" و"بلانتس فيرسس زومبيز" يميلون إلى التّمتّع بمستويات أعلى من الرّفاهية. هذه الدّراسة ارتباطيّة؛ لذلك لا يمكننا أن نستنتج أنّ هذه الألعاب حسّنت الرّفاهية بشكل مباشر. ومع ذلك، ماذا لو أظهرت دراسات مستقبليّة علاقة سببيّة؟ هل من الممكن أن تُساعد ممارسة ألعاب معيّنة الأشخاص في أن يُصبحوا أقلّ قلقاً وتوتّراً وأكثر مرونة؟

الألعاب الرّقميّة تبشّر بالخير

استكشفت مقالةٌ حديثةٌ نُشِرَت في مجلّة "جي إم آي أر سيريوس غيمز" تأثير الألعاب الرّقميّة المتاحة تجاريّاً على مستويات الاكتئاب والقلق. خَلُص مؤلّفو الدّراسة إلى أنّ الألعاب الرّقميّة تبشّر بالخير باعتبارها موارد غير مُكلِفة، ويمكن الوصول إليها، وفعّالة، وخالية من وصمة العار في علاج مشكلات عقليّة شائعة.

تخيّل لو كان لدينا فهم أفضل للعناصر المحدّدة التي تدخل في صنع لعبة يُحتمل أن تكون علاجيّة أو تُعزّز الصّحّة العقليّة، يمكننا بعد ذلك تطوير ألعاب مع مراعاة تعزيز الصّحّة العقليّة.

قد تُسهم صناعة ألعاب الفيديو عن قصد في معالجة أزمة الصّحّة العقليّة، وفي الوقت نفسه تشقّ طريقها في أسواق تُهيمن عليها صناعة الأدوية بشكل تقليديّ.

بالنّظر إلى أنّ "الميتافيرس" والواقع المعزّز من المحتمل أن يعزّزا اللعب الرّقميّ؛ فإنّ إمكانيّة إسهام الألعاب في رفاهيتنا هائلة، ومع ذلك، ما نزال لا نستطيع إهمال بعض السّلبيات.

تشير أفضل التّقديرات إلى أنّ حوالي 3 في المئة من لاعبي ألعاب الفيديو على مستوى العالم (والنّسبة أعلى بكثير في بعض الدّول) يطوّرون عادات إشكاليّة، يتميّز اضطراب ألعاب الفيديو هذا، كما وصفته "منظّمة الصّحّة العالميّة"، بفقدان السّيطرة على ألعاب الفيديو؛ حيث يؤثّر ذلك سلباً على العلاقات والأداء المهنيّ.

 وفق تقرير تحليلات السّوق لعام 2019، الصّادر عن "نيوزو"؛ احتلّت الإمارات المرتبة 35 في قائمة أفضل 100 سوق لألعاب الفيديو في العالم من حيث الإيرادات

يحتاج الباحثون، بالتّعاون مع شركات ألعاب الفيديو، إلى اكتشاف أفضل السّبل التي يمكننا من خلالها تقليل المشكلات المتعلّقة بالألعاب ومنعها من أن تُصبح مشكلة في المقام الأوّل.

مشكلة المحتوى

أخيراً، ليست كلّ ألعاب الفيديو متساوية؛ فبعضها له تأثير سلبيّ، بلا شك، على تنمية العقول، ويجب أن يكون ضمان سلامة الأطفال من محتوى الألعاب غير الملائم لفئاتهم العمريّة من شأن الجميع. يمكن لأيّ شخص اكتشف أنّ طفله البالغ من العمر 12 عاماً يلعب "غراند ثيفت أوتو في" (لعبة معتمدة من سنّ 17 فأكثر) أن يفهم ما أقصده.

إضافة إلى الإشراف الأبويّ، نحتاج إلى حلول مبتكرة وإنسانيّة لحماية العقول النّامية من محتوى ألعاب الفيديو الذي قد يكون ضارّاً وغير مناسب بشكل كبير.

وفق تقرير تحليلات السّوق لعام 2019، الصّادر عن "نيوزو"؛ احتلّت الإمارات المرتبة 35 في قائمة أفضل 100 سوق لألعاب الفيديو في العالم من حيث الإيرادات.

 ربما تكون لوحة الألعاب التي يبلغ عمرها أربعة آلاف عام، والتي عُثِر عليها في عُمان، دليلاً على أنّ اللعب كان شائعاً بشكل خاصّ في المنطقة لآلاف السنين. في مثل هذا السّياق، من الضّروريّ التّأكّد من أنّ اللاعبين يمكنهم جني فوائد الألعاب بأقلّ قدر ممكن من المخاطر على رفاهيتهم.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

جاستن توماس، ذي ناشونال نيوز، 27 أيلول (سبتمبر)  2022