لبنان: تفاهم "مار مخايل" بين حزب الله والتيار الوطني على المحك

على وقع الفراغ الرئاسي وانعقاد جلسات مجلس الوزراء يشهد التحالف العتيد بين طرفي تفاهم "مار مخايل"؛ حزب الله والتيار الوطني الحر حالة من التوتر، ظهرت في حديث رئيس التيار، جبران باسيل، بينما الحزب على عهده في احتواء تنفيس شريكه عن مكنون صدره.

وكلما وجد الطرفان أنّ الخصوم يتحدثون عن خلافاتهما يلجآن إلى لقاء على مستوى القيادات، ويخرجان بإعلان عن تمسكهما بالتفاهم، وتقبل وجود الخلاف بينهما، لكن هل يصمد التفاهم الذي استمر 16 عاماً، أمام أزمة الفراغ الرئاسي؟

خلافات الحليفين

تعتبر أهم قضيتين محل خلاف بين الحزب والتيار؛ الانتخابات الرئاسية وعقد جلسات مجلس الوزراء. في الأولى يرى المراقبون أنّ جبران باسيل يرفض المرشح المفضل للحزب، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، والثانية يلوم التيار فيها موقف الحزب، كون التيار يرى في عقد جلسات المجلس في ظل حكومة تصريف الأعمال اعتداءً على مقام الرئاسة الماروني، وتهديداً للميثاقية، وهي رؤية يشاركها فيها غريمه الماروني حزب القوات اللبنانية، والكنيسة المارونية بقيادة البطريرك مار بشارة الراعي.

في سلسلة تغريدات على "تويتر" كتب جبران باسيل "لا أقول إنّ تفاهم مار مخايل سقط، بل هو على المحك". وغرد أيضاً "أنا لا أصدق أنّ حزب الله يقبل بما يجري، والقصة أكبر من تفاهم، ونحن لا نقبل بالعودة إلى ما قبل 2005، ولهذا قلنا إنّ سلاحنا هو دورنا".

من جانبه، يرى منسق عام التجمع من أجل السيادة، نوفل ضو، أنّ التفاهم عُقد بين الطرفين لهدف لكلٍ منهما؛ الحزب كان يحاول فكّ الطوق الذي فرضته عليه انتفاضة 14 آذار، واستعادة بعض المواقع التي فقدها نتيجة للانتفاضة، وعبر التحالف مع التيار تمكن من مناوئة قوى 14 آذار السيادية، والحفاظ على سلاحه وتأمين غطاء وطني بعد أن أصبح شبه معزولٍ بعد خروج الجيش السوري.

وأضاف السياسي اللبناني، بأنّ التيار كان يسعى إلى إيصال ميشال عون إلى الرئاسة بأي ثمن، وبالتالي التقت مصلحة الجانبين، فصار للتيار حليف إسلامي وللحزب حليف مسيحي.

بدوره، يرى الكاتب والباحث السياسي، عاصم عبد الرحمن، أنّ الكثير من الخلافات التي وقعت بين جناحَي التفاهم كانت على شكل عراضات فنية تستهدف تمرير صفقات سياسية تعويمية لدى الرأي العام لكلا الفريقين. وأضاف لـ"حفريات" بأنّ هناك محطات خلاف بين الطرفين منها؛ العلاقة المقدسة لحزب الله مع الرئيس نبيه بري، والتمسك الدائم بالرئيس سعد الحريري في رئاسة الحكومة لأسباب مذهبية، والحفاظ على متانة العلاقة بالمرشح الرئاسي سليمان فرنجية، أما ما تبقى من خلافات واختلافات فهي بلا شك لا تعدو كونها تحاصصية.

العقوبات الأمريكية فُرضت على جبران باسيل بسبب الفساد لها علاقة بتحالفه مع حزب الله، ولهذا لن يُقدم التيار الوطني على خطوة فكّ التحالف مع الحزب

وعلى وقع التوتر بين الحليفين على خلفية حضور وزراء حزب الله جلسات الحكومة التي دعا إليها الرئيس نجيب ميقاتي، زار المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل، ومسؤول وحدة الارتباط في الحزب وفيق صفا، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، في 23 كانون الثاني (يناير) الجاري.

وجاء في تقرير لقناة "المنار" التابعة لحزب الله، حول اللقاء: "نصائح متبادلة واستماع إلى وجهات النظر هي الجو السائد والذي يبدو أنه سيظل مستمراً، وعلى الأغلب وراء الكواليس، هو نهج من يحرص على استمرار التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، فاللجوء إلى المناوشة الإعلامية لم ينفع يوماً في رأب أي صدع".

معادلة التفاهم

بالعودة إلى العام 2006 الذي شهد توقيع التفاهم بين الطرفين، كان حزب الله في وضعٍ صعب، بينما كان التيار برئاسة ميشال عون - آنذاك - هو القوة المسيحية الكبرى. واليوم لم يعد التيار بتلك القوة، بعد عهد عون الرئاسي المرير، وتفوق حزب القوات اللبنانية على التيار في الانتخابات النيابية الأخيرة، بينما حزب الله في وضع أقوى بكثيرٍ.

أشار السياسي نوفل ضو، إلى أنّ تفاهم مار مخايل مرّ باختبارات كثيرة، كلها مرتبطة بمطالب التيار الوطني الحر لاحتكار التمثيل المسيحي والشراكة مع الحزب. وأضاف بأنّ للحزب اعتبارات أخرى؛ له حلفاء آخرون يحاول إرضاءهم، ومنهم سليمان فرنجية، لذلك علاقة طرفي التفاهم مرت بالكثير من المطبات، خصوصاً في الفترة الأخيرة. ويعلل منسق التجمع من أجل السيادة ذلك بأنّ حسابات التيار السلطوية لم تكن تلتقي مع الحزب دائماً؛ لأنّ الحزب يريد في كثيرٍ من الأحيان الاستفادة من جميع القوى السياسية، والمسيحية بشكلٍ خاص، في سبيل الحفاظ على أكبر قدر ممكن من المكاسب لمصلحته.

ويُظهر الموقف من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ذلك التضارب بين مصالح الطرفين؛ فالتيار الوطني يعتبر إقصاء سلامة هدفاً وجودياً، ولا يكف من حملاته العدائية بحقه، بينما الرجل حليف أساسي لرئيس مجلس النواب وحركة أمل، نبيه بري، ولهذا تجنب الحزب مطالبات التيار الوطني بخصوص سلامة.

يوضح السياسي نوفل ضو، بأنّ حزب الله لا يريد أنّ تؤول كل المناصب المسيحية للتيار الوطني، للحفاظ على التوازن بين القوى المسيحية، وحتى لا يحتكر التيار المواقع المسيحية ويفقد الحزب أوراق المناورة معه.

السياسي اللبناني نوفل ضو لـ"حفريات": تفاهم مار مخايل مرّ باختبارات كثيرة كلها مرتبطة بمطالب التيار الوطني الحر لاحتكار التمثيل المسيحي والشراكة مع الحزب

وبالعودة إلى انتخابات الرئاسة، لا يملك حزب الله إلا الحصول على غطاء مسيحي لإيصال مرشح يحمي سلاحه باسم المقاومة، ولهذا ليس أمامه إلا التيار الوطني، في ظل موقف القوات القطعي برفض المساومة مع الحزب.

من جانبه، نوه الكاتب والباحث السياسي، عاصم عبد الرحمن، بأنّ عودة العلاقات بين حزب الله وبكركي (مقر البطريرك الماروني) بعد زيارة قيادات من الحزب للتهنئة بأعياد الميلاد، هي رسالة للتيار الذي يهدد بسحب الغطاء المسيحي بين الحين والآخر. وأفاد بأنّ الحزب يقول لباسيل بأنّه يمكن تعويض الغطاء المسيحي بإعادة مياه العلاقة إلى مجاريها مع رأس الكنيسة المارونية في لبنان.

مستقبل التفاهم

في تصريح لجريدة "النهار" اللبنانية، قال القيادي في التيار الوطني النائب ألان عون "انطلقنا بداية لنشير إلى صعوبة المسار المستقبلي للتفاهم المبرم منذ نحو 16 عاماً، والذي لا ننكر أنّ له حسناته في محطات عدة. وعليه نطلق عالياً دعوتنا إلى إعادة قراءة متأنية للتفاهم على أسس وقناعات ورؤى مختلفة، ونطلق أيضاً دعوتنا لإعادة تطوير هذا التفاهم. ونحن عموماً لا نطلق تلك الدعوة إلا من باب الحرص على ديمومة هذا التفاهم، لا أن يصبح نسياً منسياً".

يعلق الكاتب عاصم عبد الرحمن، بأنّ حقيقة التمايز والخلاف بين الحليفين هي رغبة باسيل في انتخابه رئيساً، "ولو وعد الحزب باسيل بذلك يصبح الحزب ونصر الله قديسين، ويصير التفاهم بينهما إنجيلاً".

بدوره قال منسق التجمع الوطني من أجل السيادة، نوفل ضو، بأنّ باسيل إنْ لم يصل للرئاسة يريد وعداً من حزب الله بمنحه حقّ تسمية شاغلي المواقع المسيحية الأساسية، مثل قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان، بجانب كتلة وزارية وازنة في الحكومة المقبلة، وبهذه المواقع سيسعى جبران لتحضير نفسه للصعود لسدة الرئاسة لاحقاً.

وكانت العقوبات الأمريكية التي فُرضت على باسيل بسبب الفساد ذات علاقة بتحالفه مع حزب الله، ولهذا فرغم حديث التيار لن يُقدم على خطوة فكّ التحالف مع الحزب، بعد الثمن الكبير الذي دفعه بسببها، وفي ظل التقدم الكبير لغريمه التقليدي حزب القوات اللبنانية.

وفي سياق حديث التيار عن تهديد الميثاقية والعيش المشترك، وهو حديث كرره البطريرك الراعي أكثر من مرة، يرى السياسي نوفل ضو، بأنّ اتفاق مار مخايل كان كارثةً على المسيحيين واللبنانيين؛ لأنّه قضى على منطق الدولة، التي بدونها يفقد المسيحيون وجودهم وحضورهم. ونوه بأنّ من يحمي وجود المسيحيين هو منطق الدولة، موضحاً أنّ تفاهم مار مخايل فرّط في السيادة اللبنانية، وسلم جزءاً منها للسلاح غير الشرعي ومن ورائه إيران.

يذكر أنّ تفاهم مار مخايل وقع بين زعيم حزب الله حسن نصر الله، ورئيس التيار الوطني الحر - آنذاك - الجنرال ميشال عون، في كنيسة القديس مار مخايل في حارة حريك في بيروت عام 2006، وتبعاً له أدخل الحزب البلاد في فراغ رئاسي استمر لعامين منذ العام 2014 حتى انتخاب مرشحه ميشال عون لرئاسة الدولة في 2016.