لماذا استدعى الغنوشي إلى البرلمان رمزاً لنظام بن علي؟

لماذا استدعى الغنوشي إلى البرلمان رمزاً لنظام بن علي؟


01/12/2020

اعتادت حركة النهضة التونسية الهجوم على رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، بوصف "الفلول"، على اعتبار موقفها السابق وغير الداعم للثورة التونسية، وتصوير معارضتها لهم ولمشروعهم في تونس، على أنه ضمن محاولات الانقضاض على الثورة وثمارها، دون أن يدفعهم الوضع المعيشي المتردي وزيادة نسب البطالة، للتوقف عن الحديث عن الثمار التي لم يجنها التوانسة بعد.

الغرياني سبق أن سُجن نحو عامين على ذمّة قضايا فساد، فقد تمّ توقيفه في العام 2011 عقب الثورة بتهمة الفساد المالي في إدارة الحزب حتى أفرج عنه في العام 2013

في المقابل، تصمت قيادات النهضة وكوادرها وتتبدل المفاهيم، وينتقل الامتعاض إلى تهليل، مع قرار رئيس حزب النهضة ورئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، بتعيين أحد أبرز وجوه النظام البائد في ديوانه، وهو محمّد الغرياني، الأمين العام السابق لحزب التجمع الدستوري الحاكم خلال عهد بن علي، والمنحل عقب الثورة عليه.

والغرياني سبق أن سُجن نحو عامين على ذمة قضايا فساد، فقد تم توقيفه في العام 2011 عقب الثورة بتهمة الفساد المالي في إدارة الحزب، حتى أفرج عنه في العام 2013.

 رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي

ودافع الغنوشي عن اختياره الغرياني لتولي ملف "المصالحة الوطنية"، أمام البرلمان قائلاً: إنه عيّن الغرياني بهدف الانفتاح والتنويع، متناسياً كمّ الانتقادات التي ساقتها حركته إلى معارضيها بدعوى أنهم فلول، في انعكاس واضح لبراغماتية الحركة ومن خلفها الجماعة.

اقرأ أيضاً: الغنوشي يحتمي بمبادرات الحوار لتلافي العزلة

في غضون ذلك، توعّدت رئيسة الحزب الدستوري الحر بمقاضاة الغنوشي إثر تعيينه الغرياني دون الرجوع إلى البرلمان، وقالت، بحسب ما أورده موقع "سكاي نيوز": إنّ حزبها لن يقبل بوجود الغرياني في البرلمان، وستعمل كلّ ما في وسعها لضمان إبعاد الأخير عن البرلمان، مشيرة إلى أنه لا يحقّ للغنوشي تعيين الغرياني في وظيفة سياسية ومنحه امتيازات من دون الرجوع إلى البرلمان.

المصالحة الوطنية

ورأى مراقبون أنّ الغنوشي سعى بتعيينه الغرياني إلى التقدّم خطوة على الرئيس قيس سعيد، المتجه إلى إجراء مصالحة مع رموز النظام البائد، لا سيّما رجال الأعمال.

وسبق أن نشرت صفحة مقرّبة من الرئيس عبر فيسبوك، باسم "الأستاذ قيس سعيد"، أنّ الرئيس قيس سعيد سيعرض مبادرة تتعلق بـ"الصلح الجزائي" مع رجال الأعمال الفاسدين، فضلاً عن المجلس الأعلى للتربية، ومؤسسة فداء المتعلقة بضحايا العمليات الإرهابية من المؤسستين الأمنية والعسكرية، بحسب ما أورده موقع القدس في 24 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

اقرأ أيضاً: اتحاد القرضاوي.. سرطان التطرف ينهش تونس برعاية الغنوشي

وتتلخص المبادرة الأولى في مشروع قانون يتعلق بإقرار صلح لاسترجاع المال العام بهدف خدمة التنمية، حيث ينصّ المشروع على أن ينتفع بالصلح كل من حُكم عليه أو كان محلّ تتبع قضائي في تاريخ صدوره من أجل أفعال تتعلق بالاعتداء على المال العام أو الإضرار بالإدارة بمختلف صوره، باستثناء ما حصل منها باستعمال القوة والسلاح أو التهديد.

وعلى الرغم من تداول الحديث حول مبادرة سعيد منذ أكثر من شهر، فإنها لم تُترجم حتى الآن إلى خطوات فعلية، فيما بدا أنّ طرح المبادرة خلال الفترة الماضية كان من قبيل جسّ النبض الجماهيري.

حرركة النهضة، التي لا تجد حرجاً من التحالف مع أي فصيل، تلقفت المباردة، لتبدأ في خطوة فعلية تعكس "الضوء الأخضر" الممنوح لهم، على اعتبارهم أكبر فصيل داخل البرلمان، لعودة رموز النظام البائد.

رأى مراقبون أنّ الغنوشي سعى بتعيينه الغرياني إلى التقدّم خطوة على الرئيس قيس سعيد، المتجه إلى إجراء مصالحة مع رموز النظام البائد لا سيّما رجال الأعمال

فيما يطرح موقف الغنوشي التساؤلات حول علاقته بالرئيس التونسي، قيس سعيد، وما إذا كان يعكس مواءمات ما أو تفاهمات، أم أنّ الخطوة تصبّ من جديد في إطار المنافسة، والتنازع على السلطات وكذلك التوجهات.

وقد عُدّ لافتاً تصريح الرئيس التونسي عقب اللغط حول خطوة الغنوشي الأخيرة، حيث شدّد في بيان، إثر استقباله في القصر الرئاسي الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية)، نور الدين الطبوبي، على أنه "لا حوار مع الفاسدين، ولا مجال لحوار بالشكل الذي عرفته تونس في الأعوام الماضية".

اقرأ أيضاً: كيف مهد اجتماع مجلس شورى النهضة لولاية ممتدة لـ"الغنوشي"؟

وأضاف، بحسب ما أورده موقع "روسيا اليوم": إنّ الحوار يجب أن يتمّ في إطار تصوّر جديد يقطع مع التصوّرات القديمة، ويكون قائماً على الاستجابة لمطالب الشعب الحقيقية، بعيداً عن أيّ حسابات سياسية ضيقة.

وربما لمّح الرئيس التونسي في تصريحه بمعلومات عن تفاهمات تجري في الخفاء بين حزب النهضة ووجوه النظام البائد، من أجل استثمار عودتها في صالحهم، بمعنى توسيع تحالفهم الحالي.

وهنا سيجد سعيد نفسه في مأزق جديد، لتصبّ عودة وجوه النظام البائد في رصيد النهضة، بدلاً من أن تُستثمر في دعم خططه التنموية.

ويدعم اختيار الغرياني تحديداً تلك المخاوف؛ إذ إنّ الغرياني "بعد الثورة، ورغم تعرّضه للسجن كغيره من قيادات المنظومة السابقة، عاد إلى نشاطه السياسي، بعد أن تلقى الضوء الأخضر من حركة النهضة تحديداً، إذ لم يتوقف يوماً عن كيل المديح لها والثناء عليها، مقابل التشنيع على أبناء عمومته من التجمّعيين السابقين"، بحسب ما أوردته جريدة العرب اللندنية.

اقرأ أيضاً: تونس: دكتاتورية الغنوشي تهدّد بتمزيق "النهضة"

وكان الغرياني، بحسب المصدر ذاته، مساهماً في التقارب بين الغنوشي وكمال مرجان، رئيس حزب المبادرة وآخر وزير خارجية في عهد بن علي، حيث صوّت نواب المبادرة لفائدة حكومة علي العريض في  آذار (مارس) 2013. هذه الخدمة ردّ عليها راشد الغنوشي بعبارة: "ما جزاء الإحسان إلّا الإحسان"، ومنذ ذلك الوقت انطلقت مسيرة التقارب بين الطرفين، تقارب يقوم على توازن المصالح بين طرفين سياسيين مثّلا عماد الحياة السياسية في تونس لعقود طويلة.

اقرأ أيضاً: الغنوشي يلتقي بوفد حكومة الوفاق الليبية... لماذا؟

وفيما يتنافس الغنوشي وسعيد على الاستثمار في وجوه النظام البائد، بعدما عجزت الحكومات المتعاقبة عن تنفيذ آمال الشارع، أو تقليص الأزمة المعيشية التي تفاقمت بفعل تفشي جائحة كورونا، فإنّ التونسيين يواصلون تظاهرات غاضبة في بعض الأرجاء، نتج عنها وقف الأعمال وقطع الطرق، وشعور متزايد بالإحباط.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية