لماذا تتآكل هيمنة حزب الله على لبنان؟

لماذا تتآكل هيمنة حزب الله على لبنان؟

لماذا تتآكل هيمنة حزب الله على لبنان؟


27/02/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

السّادس عشر من شباط (فبراير) هو اليوم الذي أصدر فيه «حزب الله»، في عام 1985، ما يسمّى بـ«الرّسالة المفتوحة»، والتي شرح فيها هويّته وعرض برنامجه السّياسيّ. في ذلك الوقت، شجب الحزبُ النّظام السّياسيّ اللبنانيّ، مقترحاً أن يختار المجتمع بدلاً من ذلك حكومةً إسلامويّة. ومن المفارقات أنّ الحزب لا يزال اليوم يصارع النّظام الطّائفيّ في لبنان، الذي على الرّغم من الهيمنة العسكريّة لـ«حزب الله»، فإنّه يشكّل أكبر تهديدٍ له في الواقع.

منذ الانسحاب العسكريّ السّوريّ من لبنان عام 2005، أصبح «حزب الله» يلعب دوراً مركزيّاً في الحياة السّياسيّة اللبنانيّة. بالنّظر إلى أسلحته، وقدرته على حشد أعداد كبيرة من الأتباع، وتمكّنه من تجميع حلفاء سوريا، فرض نفسه بوصفه اللاعب الذي يملك الكلمة الأخيرة في معظم الأمور التي تؤثّر على البلاد. لكن الشّيء الذي لم يتمكّن «حزب الله» من فعله هو القضاء على النّظام الطّائفيّ، بقواعده غير المكتوبة، ومصادر رُهابه، وقيوده.

الاندماج في النّظام الطّائفيّ

قبل ثلاثة عقود، تردّد «حزب الله» في الاندماج في النّظام الطّائفيّ باعتباره مخالفاً لنموذج الدّولة الإسلاميّة. وبالفعل، في عام 1992، أثار قرار «حزب الله» المشاركة في الانتخابات النّيابيّة اللبنانيّة نقاشاً حادّاً داخل الحزب. وفاز بهذا الأمين العامّ الحاليّ، حسن نصرالله، الذي كان قد دعا إلى المشاركة.

ومع ذلك، فإنّ هذا لم يقض على أوجه شذوذ الحزب داخل النّظام. في حين أنّ «حزب الله» كيان طائفيّ، فهو، أيضاً، منظّمة مسلحة سلطويّة موالية لإيران في المقام الأوّل. ولفترة طويلة، مثّل الحزب تبايناً مع الأحزاب الطّائفيّة اللبنانيّة الأخرى، التي لديها قناعات أيديولوجيّة قليلة، وهياكل تنظيميّة ضعيفة، والتي تُعد المساومة والتّنازلات بشأن موارد الدّولة أمراً شائعاً بالنّسبة إليها.

أنصار حزب الله يحضرون خطاباً متلفزاً لحسن نصر الله، في لبنان في 19 أغسطس 2022

كانت معتقدات «حزب الله» الأيديولوجيّة وقوّته العسكريّة تميل إلى دفعه في اتّجاه معاكس لمتابعة أهدافه السّياسيّة من دون الشّعور بضرورة تقديم تنازلات. لكن مع توليه دوراً أقوى، غيّر النّظامُ الحزبَ أكثر ممّا غيّر الحزبُ النّظامَ. لم يعد بإمكان «حزب الله» أن يتجاهل الضّرورات الطّائفيّة والقيود التي فرضتها هذه الضّرورات على سلوكه.

منذ الانسحاب العسكريّ السّوريّ من لبنان 2005، أصبح «حزب الله» يلعب دوراً مركزيّاً في الحياة السّياسيّة اللبنانيّة. بالنّظر إلى أسلحته، وقدرته على حشد أعداد كبيرة من الأتباع

المفارقة أنّه مع تغيّر «حزب الله»، أصبحت الطّوائف في لبنان تتوقّع منه أن يتصرّف مثل جميع الأحزاب الطّائفيّة، وتعاملت معه على هذا الأساس. وقد أدّى ذلك إلى تقليص حجمه في أذهان الآخرين، على الرّغم من شوكته العسكريّة. عندما حاول الحزب فرض تفضيلاته على الآخرين، من دون التّنازل عن أيّ شيء، كانت النّتيجة ردّ فعل طائفيّاً خطيراً محتملاً.

درس "عين الرمانة"

في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2021، سعى «حزب الله» وحليفه الشّيعيّ الرّئيس، «حركة أمل»، إلى وقف التّحقيق في انفجار ميناء بيروت من خلال تنظيم احتجاج بالقرب من عين الرّمانة، وهو حي تقطنه أغلبيّة مسيحيّة. كان معظم ضحايا الانفجار من المسيحيّين، وأراد «حزب الله» و«حركة أمل» ترهيب السّكّان للتّخلي عن دعم التّحقيق. وبدلاً من ذلك، أطلق شُبّان المنطقة النّار على المتظاهرين الذين دخلوا حيهم. وأعقب ذلك تدخّل الجيش، وهو ما أدّى إلى مقتل عدد من العناصر المسلّحة لـ«حزب الله» و«حركة أمل».

بموجب مبادئ النّظام الطّائفيّ، فإنّ دخول الشّبان الشّيعة إلى منطقة مسيحيّة، وترديدهم شعارات طائفيّة، يُعدّ تجاوزاً لخطٍّ أحمر. وقد برّر ذلك ردّ الفعل المسلّح لشبّان عين الرّمانة، بينما أكّد الجيش أفعاله، أيضاً، بالقول إنّه تجنّب حرباً أهليّة جديدة. لم يكن أمام «حزب الله» أيّ خيار سوى امتصاص الضّربة، لأنّه أراد هو الآخر تجنّب الصّراع.

في الوقت الذي يواجه فيه لبنان انهياراً اقتصاديّاً منذ عام 2019، كان على «حزب الله» أن يتصارع مع حقيقة أنّه ظلّ الدّاعم الرّئيس للقيادة السّياسيّة الطّائفيّة، والتي يُلقي الكثير من النّاس باللوم عليها بشأن الوضع المتردّي للبلاد. وبغضّ النّظر عن سلاحه، فإنّ «حزب الله» يُدان، الآن، بشكل روتينيّ من قِبل اللبنانيّين من جميع الأطياف السّياسيّة، ممّا يجبره على اللجوء إلى سياسة التّسوية عندما يكون ذلك ضروريّاً من النّاحية التّكتيكيّة.

لا يواجه «حزب الله» تهديداً وجوديّاً، لكن مع ازدياد تقلّب الأوضاع الاجتماعيّة، وحماية هامش المناورة، فإنّ البيئة التي يعمل فيها تتحوّل إلى وضع غير مواتٍ له

أحد التّكاليف الأكثر وضوحاً التي يجب على الحزب النّظر فيها هو ما إذا كان بإمكانه الدّخول في صراع مع إسرائيل نيابةً عن إيران. إنّ دور «حزب الله» بوصفه وكيلاً لإيران متأصّل في حمضه النّووي، لكن في السّياق الطّائفيّ اللبنانيّ، فإنّ لَعِب هذا الدّور اليوم محفوف بالمخاطر. فمن شأن الدّمار الذي يمكن لإسرائيل أن تُلحقه بلبنان أن يُثير ردود فعل غاضبة من معظم الطّوائف الدّينيّة، وحتّى من بعض الشّيعة. يمكن لحربٍ أن تهزّ قبضة «حزب الله» على البلاد، حيث يمكن أن يثور الكثير من اللبنانيّين ضدّ دفع ثمن الأجندة الإقليميّة لإيران.

حزب الإكراه والقوّة

لا يواجه «حزب الله» تهديداً وجوديّاً، لكن مع ازدياد تقلّب الأوضاع الاجتماعيّة في لبنان، ومع محاولة الحزب حماية هامش المناورة، فإنّ البيئة التي يعمل فيها تتحوّل إلى وضع غير مواتٍ له. ومن خلال محاولته امتلاك البلاد بعد عام 2005، صار «حزب الله» واعياً بشكل فعليّ بجميع مشكلاته، وأصبحت طريقته المعتادة في التّعامل مع التّحديات، من خلال الإكراه والقوّة، غير قابلة للاستمرار.

عربات للجيش اللبناني تمر بجانب لافتة لحركة حزب الله اللبنانية تقول: "لن تسقط الراية"، في مدينة النبطية الجنوبية، 15 مايو 2022

اقترح البعض في إسرائيل والولايات المتّحدة أنّ «حزب الله» ولبنان شيء واحد، بحيث يؤدّي تقويض أحدهما إلى تقويض الآخر. هذه المعادلة، التي عبّر عنها متطرّفون إسرائيليّون ومراكز فكر مؤدلجة في واشنطن، تافهة. من يُراقب ما يجري يُدرك أنّ «حزب الله»، حتى لو بقيت قوّته على حالها، دخل في فترة من عدم اليقين مع بروز تناقضاته.

بالنّسبة إلى حزبٍ كان يدرك دوماً الحاجة إلى ترسيخ نضاليّته المناهضة لإسرائيل في مجتمع متعاطف، يجب أن يكون هذا مصدر قلق. إنّ «حزب الله» يعمل في بيئة معادية له بشكل متزايد. وسوف تُحدّد كيفية معالجة هذا الأمر قابليّته للبقاء على المدى الطّويل.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

مايكل يونغ، ذي ناشونال، 15 شباط (فبراير) 2023




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية