لماذا تتهم "ديزني" بترويج المثلية الجنسية في أفلام الأطفال؟

لماذا تتهم "ديزني" بترويج المثلية الجنسية في أفلام الأطفال؟


18/06/2022

"أنا أمّ لطفلين أحدهما متحول جنسياً، والآخر ثنائي الميول الجنسية"، هكذا عرّفت كيري بورك رئيسة المحتوى الترفيهي لشركة والت ديزني نفسها، في مقطع فيديو مسرّب من أحد اجتماعات الشركة، تحدّثت خلاله عن زيادة محتوى المثلية الجنسية المقدَّم للأطفال في منتجات ديزني.

الفيديو تمّ تسريبه في آذار (مارس) من العام الجاري، بيد أنّه انتشر قبل أيام، بالتزامن مع إطلاق ديزني منصّتها في منطقة الشرق الأوسط، وما لبث أن تحرّك الجميع ضدّ مقاطعة شيء ليس بجديد على سياسات ديزني، أو غالبية منصات المشاهدة عموماً، وفي مقدمتها "نتفليكس"، والتي لم يتحدّث أحد عن مقاطعتها هي الأخرى.

وتجدد الجدل بخصوص "النزعة المثلية" لدى ديزني، في أعقاب فيلمها الجديد (لايتيير) الذي جرى حظر عرضه في عدد من الدول في الشرق الأوسط وآسيا، بسبب تضمنه قُبلة بين امرأتين مثليتين.

ديزني وتاريخ من المثلية

تطرقت شركة ديزني إلى المثلیة الجنسیة، للمرة الأولى، عام 2017، مثیرة الجدل من خلال النسخة الجدیدة من فیلم الرسوم المتحركة "Beauty and The  Beast"؛ بسبب مشاهد المثلیة الجنسیة بین شخصیة "لیفو"، التي يقدّمها الممثل جوش جاد، وشخصیة "جاستون"، التي يجسّدها لوك إیفانز، والفیلم یدور حول علاقة الحبّ الخرافیة بین أمیر في هيئة وحش "دان ستیفنز" وامرأة جمیلة تقع في غرامها "إیما واتسون".

دافعت الممثلة الإنجليزية، إيما واتسون، عن مشاهد المثلية الجنسية في الفيلم، في حوار لها مع مجلة "EW"، قائلة: "أعتقد أنّ أداء جوش جاد لشخصية "ليفو" كان في غاية الروعة، حيث اتّسمت الشخصية بالغموض، هل يحاول التقرّب من "جاستون" الذي يؤدي دوره لوك إيفانز، هل يحبّه حقاً، ما طبيعة العلاقة بالتحديد بين هذا الثنائي؟".

من فيلم الرسوم المتحركة Onward

وأضافت: "لا أريد للجمهور أن يُقبل على مشاهدة الفيلم وهو يعتقد أنّ هناك رواية طويلة للحديث عن هذا الثنائي، إنّها مجرد مشاهد لعلاقة خفيّة.. وهي مثل اللعبة التي تجعل الجمهور يتساءل؛ هل يحبّ "ليفو" صديقه "جاستون" حقاً أم لا؟ أعتقد أنّها مشاهد مرحة وغامضة، وأنا أحبّ الغموض".

تكرّرت المسألة في شباط (فبراير) من العام الجاري مع بعض الدولة العربية، وهي: (السعودية، والكويت، وقطر)، عرض فيلم "الأبديون Eternals"، بسبب مشاهد جنسية وعلاقة مثلية حيث تضمّن بطلاً خارقاً مثليّ الجنس، في سلسلة "مارفل" للأبطال الخارقين، وهو الأول من نوعه في هذه السلسلة.

تجدد الجدل بخصوص "النزعة المثلية" لدى ديزني، في أعقاب فيلمها الجديد (لايتيير) الذي جرى حظر عرضه في عدد من الدول في الشرق الأوسط وآسيا، بسبب "قُبلة بين امرأتين مثليتين"

توالت حالات المنع خلال الأسابيع الأخيرة مع الجزء الثاني من فيلم "دكتور سترينجDoctor Strange"، من بطولة الممثل البريطاني بنديكت كومبرباتش، ثم قبل أيام مع فيلم "Lightyear"، بسبب المثلية، وهو الفيلم الذي يلعب فيه النجم كريس إيفانز البطولة الصوتية للعمل، وهو النجم الذي اشتهر بأكثر من دور خلال أعماله في هوليود أبرزها شخصية كابتن أمريكا، حيث يلعب الأداء الصوتي لبطل الفيلم وشخصية "buzz".

الشخصية "buzz"، أو كما هي مشهورة في النسخ المدبلجة بالمصري "باز يطير"، ظهرت في فيلم الرسوم المتحركة "Toy Story"، والذي نال الجزء منه الرابع جائزة أفضل فيلم رسوم متحركة في حفل توزيع الجوائز الأوسكار في دورته الـ 92.

ديزني عملاق شركات الإعلام

تعدّ شركة "ديزني" العملاق الأكبر بين عمالقة شركات الإعلام في العالم؛ حيث تجاوزت أصول الشركة 200 مليار دولار، ما يشير إلى أنّ رغبات ديزني لن تقف أمام اعتراضات بعض الدول، وهو ما يشير إلى خطورة تواجهها المنطقة العربية التي تفتقد إلى القدرة المناسبة للمنافسة مع العملاق القادم.

منصة ديزني، التي أحدثت جدلاً ذهب بها إلى البرلمان المصري بعد تقديم طلب إحاطة للبرلمان حول توجهات الشركة في المنطقة العربية، وذهب بها أيضاً إلى الأزهر الشريف، بعد فتوى من مركز الأزهر العالمي للفتوى يحذّر من تلك التوجهات، تملك أصول شركات الإعلام الأضخم في النصف الثاني من القرن العشرين!

رحلة من الاستحواذ بدأت عام 2006 مع استديوهات بيكسار للرسوم المتحركة بقيمة 7.4 مليار دولار، كانت بيكسار علامة تجارية راسخة في السنوات التي سبقت حصول ديزني على الشركة؛ فقد حصلت بيكسار على جائزتَي "Academy Award"، لأفضل فيلم رسوم متحركة "Find Nemo" و"The Incredibles"، منذ انضمامها إلى ديزني حصلت بيكسار على سبعة جوائز أخرى لأفضل أفلام رسوم متحركة "Ratatouille"، و"WALL-E"، و"Up"، و"Toy Story 3"، و"Brave"، و"Inside Out"، و"Coco".

من فيلم الرسوم المتحركة Lightyeer

وفي عام 2009، استحوذت ديزني على شركة مارفل للتسلية بقيمة 4.24 مليار دولار، وصرّحت ديزني بأنّ امتلاكهم للشركة لن يؤثر على منتجات مارفل، ومنذ إصدار أول فيلم لها من إنتاج مارفل حققت الشركة أرباحاً مقدارها أكثر من 18.2 مليار دولار.

كما استحوذت شركة ديزني على لوكاس فيلم عام 2012 بقيمة 4.05 مليار دولار.

الناقد شريف صالح لـ"حفريات": نحن أكثر بؤساً من أن تكون علاقتنا مع الغرب قائمة على الشراكة والندية، ولا نملك أية سياسية ثقافية خاصة بنا، ولا منصات بحجم ديزني وغيرها

وفضلاً عن ذلك، استحوذت شركة ديزني على غالبية أصول شركة فوكس، بمبلغ 71 مليار دولار، ومع الاستحواذ كشفت شركة ديزني أنّها ستنتج الأجزاء الأربعة من فيلم "Avatar"، التي كان مخططاً لها منذ سنوات من قبل فوكس، من إخراج الحائز على أوسكار أفضل مخرج جيمس كاميرون.

حالة الجدل المثارة مؤخراً في المنطقة العربية ضدّ سياسات شركة ديزني لن تؤثر مع استخدام آليات المواجهة القديمة والمتمثلة في أجهزة الرقابة على المصنفات الفنية، والتي تملك سلطة المنع في دور العرض السينمائي، بيد أنّ الأزمة حالياً مع تكنولوجيا المنصات الرقمية التي مهّدت لها منصة نتفليكس قبل سنوات، لتلحق بها منصة ديزني بلس مؤخراً، وهي مسألة يصعب تنظيمها طبقاً للقوانين المعمول بها عربياً.

ديكتاتورية الصوابية السياسية

حالة ديزني غير بعيدة عن مصطلح "الصوابية السياسية Political Correctness"، والهادف إلى الرقابة اللغوية بهدف تجنّب أدنى إساءة إلى الأقليات والمهمشين والمضطهدين اجتماعياً وتاريخياً، طبقاً للقاموس الغربي بالطبع، ومن أمثلة ذلك تحوّلت "البغيّ" إلى "عاملة جنس"، وتحوّل "الشاذ جنسياً" إلى "مثليّ الجنس"، وتحوّل "إدمان المخدرات" إلى "إساءة استعمال المواد المخدرة".

الناقد السينمائي مصطفى الكيلاني يرى أنّ الصوابية السياسية أصبحت ديكتاتورية يتمّ فرضها على العالم كلّه: "لا يستطيع فرد أو مؤسسات إعلامية بمفردها الوقوف أمام تلك الديكتاتورية".

يشير الكيلاني في تصريح لـ "حفريات": "من أوضح الأمور المضحكة حول نتائج الصوابية ما أحدثه مهرجان برلين من إلغاء جائزتَي تمثيل كي يتماشى معها، بعد أن كانت لديها "4 جوائز: أفضل ممثّل، وأفضل ممثلة، وأفضل ممثل مساعد، وأفضل ممثلة مساعدة، فتمّ تقليصها لجائزتَين: أفضل تمثيل وأفضل تمثيل مساعد".

يضيف الكيلاني: "بعيداً عن تلك المواقف الكوميدية التي تمّ جرّ المؤسسات الكبرى لها، فإنّ الأزمة الرئيسة هي الهجوم على كلّ من يرفض ديكتاتورية الصوابية، وتحويله لعدو تحاربه كلّ المؤسسات التي تدعمها، وبالذات الإعلامية والفنية، ليتحول في ليلة وضحاها إلى عدو الشعوب رقم واحد، ونتذكر الهجوم الحاد على النجمة العالمية كاترين دينيف، بعد أن فضحت "me too"".

مصطفى الكيلاني: الأزمة الرئيسة هي الهجوم على كلّ من يرفض ديكتاتورية الصوابية

يرى الكيلاني أنّنا نجد الآن تزييفاً للتاريخ في المسلسلات والأفلام بإضافة أشخاص ملونين في أحداث لم يكن فيها غير العرق الأبيض: "كأنّ تعويض الملونين عن جرائم الأوروبيين والأمريكيين ستتم بهذه الطريقة، وليس بتغيير الفكر العنصري الذي ما يزال سائداً في ولايات كاملة بأمريكا، وتدعمه أوروبا بتمويلها للكتائب النازية في أوكرانيا مثلاً".

يوضح الكيلاني: "الأزمة الرئيسة في الشرق الأوسط ومصر خاصة، هو أنّ أطفالنا بين حجريْ الرحى، فمعظم قنوات الأطفال يديرها تنظيم الإخوان، ويوجههم للتطرف، وفي المقابل "نتفيلكس" و"ديزني"، وغيرها حيث الصوابية السياسية ودعم تحويل المجتمعات لقبول أفكار تتنافى مع تراثه وثقافته، ولا توجد أيّة نيّة لدى الدولة المصرية لتعديل إعلامها، وتقديم محتوى للأطفال يتناسب مع ثقافة المجتمع وتراثه الفكري والحضاري".

مصالح مع منصات منافسة

الناقد الفني الدكتور شريف صالح، يرى أنّنا على مدار الساعة نخوض الحياة بوصفها "عملية تصنيف"، نصنّف النصوص والأفلام وأعراق البشر.

يقول شريف صالح، لـ "حفريات": "في المسألة "المثلية"، وهي موجودة في كلّ المجتمعات، يفضّل أهل الشرق الحفاظ على تصنيف صارم حاسم بشأن الذكورة والأنوثة، فمثلما يتعرض الرجل (الأنثوي) للتحرش والتنمر، تتعرض المرأة (الذكورية) للإهانة ذاتها". مضيفاً: "يحدث ذلك شرقاً وغرباً، لكنّ الغرب يسعى منذ فترة لاستبدال التصنيف بما ينطوي عليه من أحكام أخلاقية وقيمية وتحيزات مضمرة، إلى إقرار مبدأ التنوع وحرية اختيار الهوية".

يرى صالح أنّ الزواج لم يعد مرتبطاً بالمفهوم الديني الخاص بالتكاثر، ولم يعد الجنس مرهوناً بحميمية العلاقة بين شريكين اثنين مختلفين: "هذا توسّع استوجب ألا تكون "المثلية" مدانة قانونياً وأخلاقياً، كما كان الأمر من قبل".

يوضح صالح: "إنّهم فقط شرائح بهويات مختلفة عن (السائد) ومن حقّهم أن يمثّلوا اجتماعياً (عقود زواج وتبني أطفال) وسياسياً حيث نراهم مرشّحين في انتخابات وأعضاء في حكومات وبرلمانات، ويمثلون إبداعياً في قصص ومسرحيات وأفلام، ليس بوصفهم مادة للتندر والتحقير والتخويف، بل كشركاء في الحياة هم أحرار في رغباتهم".

شريف صالح: ما تقدّمه معظم منصات الفرجة الغربية يتسق تماماً مع هذا التوجه

يشير صالح إلى أنّ ما تقدّمه معظم منصات الفرجة الغربية يتسق تماماً مع هذا التوجه، سواء "ديزني" أو "نتفليكس"، "المفارقة أنّ إعلامية مصرية سبق أن دافعت عن فيلم "أصحاب ولا" رغم تركيزه على العلاقات الجنسية والمثلية، هاجمت "ديزني" لأنّها تقدّم المحتوى ذاته، بحسب زعمها".

ويتساءل صالح: "هل لأنّ هذا عمل للطفل وذاك للكبار؟ هل هي تقبل "المثلية" بين الراشدين، ولا تحبّ الإشارة إليها عند الأطفال؟ وفي هذا العالم التكنولوجي المعقد والمفتوح من كلّ الجهات كيف سنضمن ألا يصل الصغار لكلّ شيء؟ حتى مع مراعاة التصنيف وفئات المشاهدة. هل هذه الإعلامية (وهي تمثل شرائح واسعة) تنظر إلى "المثلية" كعيب أخلاقي لا تصحّ مناقشته أم تحترمها أو على الأقل تقبلها ك "خيار"؟!".

يستكمل صالح: "المستوى الأعمق للأزمة خاص بعلاقتنا نحن (أهل الشرق) بالغرب، فالمسألة لا تخصّ "المثلية" فقط، لأنّنا عالة على الغرب في الفرجة والقراءة والأفلام والسياسة والاقتصاد والسوشيال ميديا، وحتماً يمرر لنا سياسته الثقافية، سواء في المثلية أو القضية الفلسطينية أو تكبير الأعضاء بالسليكون".

نحن أكثر بؤساً من أن تكون علاقتنا مع الغرب قائمة على الشراكة والندية، ولا نملك أية سياسية ثقافية خاصة بنا، ولا منصات بحجم ديزني وغيرها، وهكذا يبدو لي الأمر كلّه "فقاعة" دعائية لا وزن لها، ولن يترتب عليها شيء، وفي أسوأ الظنون قد يكون وراء الحملة مصالح مع منصات منافسة، ليس إلا".

مواضيع ذات صلة:

جدل مسلسل "فتح الأندلس" يصل إلى القضاء والبرلمان المغربي.. ما القصة؟

فيلم "صالون هدى" يثير جدلاً واسعاً في فلسطين ومطالبات بمقاطعته.. ما القصة؟

فيلم "أميرة" يثير جدلاً واسعاً ومطالبات بمنعه.. ما القصة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية