لماذا تجدّد الصراع مع الصوفية في الصومال؟

لماذا تجدّد الصراع مع الصوفية في الصومال؟


04/10/2021

يبدو أنّ الأعوام الأربعة التي قضاها الرئيس الصومالي المنتهية ولايته، محمد عبد الله فرماجو، في السلطة لم تحقق شيئاً للشعب الصومالي، خصوصاً خارج العاصمة مقديشو، ما جعل الاضطرابات المحلية تعود للواجهة، مع إخفاق الحكومة الاتحادية، سواء في تأسيس إدارات إقليمية واتحادية فاعلة، وتحقيق الخدمات الأساسية لجميع المواطنين، وتسببت الأزمة السياسية بين فرماجو ورئيس الوزراء ورؤساء الولايات، في خلقّ فراغ سياسي وأمني سمح بنمو نشاط حركة الشباب الإرهابية، وعودة جماعات محلية عسكرية وسياسية إلى الواجهة، مستغلة الفراغ الذي خلفه الصراع السياسي.

اقرأ أيضاً: كيف كسرت النساء احتكار الرجال للصوفية؟

وتعدّ عودة النشاط السياسي والعسكري لتنظيم أهل السنة والجماعة، ذي الفكر الصوفي الطرقي، في ولاية غلمدغ، والذي يعود إليه الفضل في هزيمة حركة الشباب المجاهدين الإرهابية في الولاية، خلال الأعوام الماضية، قبيل دمج قواته في القوات الحكومية، مؤشراً على وجود فراغ سياسي وأمني كبير تعيشه الولاية، مع تزايد نشاط حركة الشباب الإرهابية، وهو المدخل الذي عاد تنظيم أهل السنة والجماعة من خلاله إلى النشاط العسكري في الولاية.

تجدد الصراع المسلح

وذكرت صحف صومالية أنّ ميليشيات تنظيم أهل السنة والجماعة سيطرت يوم الجمعة الماضية، مطلع الشهر الجاري، على بلدة غري عيل، في إقليم غل غدود، بولاية غلمدغ في وسط الصومال.

مقاتلون تابعون لتنظيم أهل السنة والجماعة

وأشارت التقارير الواردة من المدينة، بحسب موقع "الصومال الجديد"، إلى أنّ جماعة أهل السنّة استولت على البلدة دون مواجهات، وسط ترحيب من السكان، وانسحاب الشرطة التابعة لحكومة الولاية، كما اندلعت اشتباكات بين التنظيم والقوات الفيدرالية في منطقة بوهول، نتج عنها مقتل عشرة جنود حكوميين، وآخرين تابعين للتنظيم، وسيطر التنظيم على بلدة متبان في إقليم هران.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة الصراع بين الفقهاء والصوفية؟

وتبعاً لذلك عاد رئيس ولاية غلمدغ، أحمد عبدي كاريه "قور قور"، برفقة نواب من البرلمان الفيدرالي إلى عاصمة الولاية، مدينة دوسمريب، وتبع ذلك وصول تعزيزات تقدر بـ 200 جندي إلى القوات الحكومية، وكانت قوات التنظيم خاضت صراعاً مسلحاً مع حكومة الولاية بقيادة كاريه، منذ انتخابه في شباط (فبراير) 2020، حتى رحيل قيادات التنظيم عن الولاية ودمج قواتها المسلحة في قوات الولاية، بعد مفاوضات سياسية.

تسببت الأزمة السياسية بين فرماجو ورئيس الوزراء ورؤساء الولايات في خلق فراغ سياسي وأمني سمح بنمو نشاط حركة الشباب الإرهابية وعودة جماعات محلية عسكرية وسياسية إلى الواجهة.

وفي الحادي عشر من شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، عاد زعيم أهل السنة، معلم محمود الشيخ حسن فارح، والرئيس السابق لحكومة ولاية غلمدغ، القيادي الشيخ محمد شاكر علي حسن، إلى الولاية، وانتقلوا إلى قرية هورشي، بزعم المشاركة في الذكرى السنوية التي تقام للشيخ يوسف دريد في القرية، والتي يشارك فيها علماء الصوفية من داخل البلاد وخارجها.

وعقب ذلك بـ 17 عشر يوماً، أصدرت قيادة شرطة الولاية تحذيراً شديد اللهجة لقادة التنظيم، ودعتهم إلى وقف التحريض على الصراع، وكشف البيان الصادر في 28 من الشهر الماضي، انشقاق عدد من القوات التابعة للتنظيم، والتي جرى دمجها من قبل.

القيادي بالتنظيم محمد شاكر ورئيس الوزراء السابق حسن علي خيري

 وفي الوقت ذاته، في خطوة تدل على التخبط الذي تعاني منه حكومة الولاية، صرح وزير الإعلام في اليوم نفسه، بأنّ تنظيم أهل السنة لا يشكّل تهديداً على ولايته.

ومن جانبه، برّر القيادي بالتنظيم، الشيخ محمد شاكر، تحركاتهم العسكرية بأنّهم أعلنوا الحرب على حركة الشباب، لا القوات الحكومية، واتّهم شاكر حكومة الولاية باستهداف التنظيم بدلاً من حركة الشباب الإرهابية، وأكد أنّ تنظيم أهل السنة مستعد للتفاوض. وكان القائم بأعمال رئيس الوزراء الصومالي قد دعا إلى وقف الأعمال العدائية في ولاية غلمدغ، مشيراً إلى أنّ إدارة الولاية تتمتع بالشرعية، وأنّها مسؤولة عن الأمن.

تجربة الصوفية السياسية

ويقول الباحث في شؤون الحركات الإسلامية والجهادية، مصطفى زهران؛ مع تفكك الدولة في الصومال، عاد النفوذ العسكري للطرق الصوفية لمواجهة تنامي الفكر السلفي خصوصاً الجهادي، الذي يحمل توجهاً عدائياً تجاه الصوفية، تحولت إلى عدوان على يد حركة الشباب المجاهدين، المصنفة إرهابية، والتي تأسست عام 2007، واستهدفت الحركة مراقد ومزارات ومساجد ورجال الدين في الطرق الصوفية.

اقرأ أيضاً: تعرف على أبرز الطرق الصوفية في مصر

وتابع زهران، في حديثه لـ "حفريات"؛ رداً على ذلك أنشأ تنظيم أهل السنة والجماعة الصوفي، الذي تشكّل من رجال دين وأفراد يتبعون الطرق الصوفية السائدة، وهي؛ القادرية والصالحية والأحمدية، فرقة مسلحة، ودخلت في مواجهات شديدة مع حركة الشباب، منذ عام 2008، في الأقاليم الوسطى وبعض الأقاليم الجنوبية، خصوصاً في إقليم "غل غدود" وسط الصومال، و"دوسمريب" عاصمة ولاية غلمدغ الحالية، وتحالف مع قوات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال وقوات الحكومة الفيدرالية.

اقرأ أيضاً: صورة المسيح في التراث الصوفي الإسلامي

ومنذ عام 2008، كان التنظيم يحكم مناطق واسعة في ولاية غلمدغ، ودخل في صراع مع الحكومة الاتحادية في مقديشو، ونشب القتال بين الطرفين بعد تشكيل حكومة إقليمية في الولاية بدعم من مقديشو، انتهى بانسحاب قادة التنظيم من الولاية، ودمج قواتهم المسلحة في قوات الولاية، منتصف العام الماضي.

وحول تجربة تنظيم أهل السنة والجماعة السياسية، يرى الباحث زهران؛ أنّ خطأ التنظيم هو الطمع في جني ثمار الإنجاز العسكري، من خلال الانفراد بالحكم والسلطة في الولايات التي تتمتع فيها بحضور وتواجد شعبي كبير لأفرادها، وهو أمر في غاية الخطورة، إذ تحولت الجماعة من دور داعم للدولة الوطنية إلى تهديد آخر، لا يقل عن خطورة ما كانت تمثله حركة الشباب القاعدية من تفجيرات وقتل وتقسيم للبلاد.

الباحث في الحركات الإسلامية والجهادية، مصطفى زهران

ويتابع زهران: يبين ذلك خطورة ما تقدم عليه التيارات الإسلامية بتنويعاتها المختلفة، من مزج السياسي بالدعوى وتداعياته على المشهد السياسي، وما تحدثه من اضطرابات وانقسامات نتيجة ما تحدثه من إرباك.

اقرأ أيضاً: الصوفية في الصومال: قيم روحية وأفكار ثورية مناوئة للاستعمار

وكانت الأزمة السياسية التي خلقها الرئيس المنتهية ولايته، محمد عبد الله فرماجو، قد استهلكت جهود القوات الأمنية في صراعات مع حركات سياسية في العاصمة، وولاية جوبالاند، ما أثر سلباً على مكافحة الإرهاب، فضلاً عن تورط المخابرات والشرطة في قمع المعارضة السياسية، ما جعل القوات الأمنية ووكالة المخابرات الوطنية تخفق في تتبع نشاط قيادات التنظيم في العاصمة الكينية، نيروبي، وسمح لها بالعودة إلى غلمدغ دون كشف أمرها.

لماذا عاد التنظيم؟

وكان أحد أسباب هزيمة التنظيم أمام القوات الفيدرالية هو إخفاق التجربة السياسية للتنظيم في حكم ولاية غلمدغ، على الرغم من نجاح التنظيم في فرض الأمن، وهزيمة حركة الشباب الإرهابية، ولهذا رحّب السكان المحليون والعشائر بالحكم الاتحادي، لكن خلال فترة حكم رئيس الولاية، أحمد عبدي كاريه، القريب من رئيس الوزراء السابق، حسن علي خيري، وبعد انسحاب قيادة التنظيم، لم تتحسن الأحوال المعيشية والخدمات، وزادت الأمور سوءاً بعودة خطر حركة الشباب، التي أخفقت القوات الحكومية في مواجهتها.

المحلل السياسي الصومالي محمد يوسف محمود لـ "حفريات": قبل شهرين كانت هناك زيارة لأحد علماء التنظيم في منطقة هورشي، وظهرت قيادات التنظيم بصحبة ميليشيات مسلحة بعتاد ثقيل

وكان ذلك أحد الظروف التي شجعت قيادات التنظيم على العودة للولاية، والعمل على استعادة نفوذهم السياسي والعسكري الذي سبق وتخلوا عنه، ويقول المحلل السياسي الصومالي، محمد يوسف محمود؛ مثّلت الطريقة التي استأنف بها تنظيم أهل السنة والجماعة نشاطه في الولاية مفاجأة كبيرة، وقبل شهرين كانت هناك زيارة لأحد علماء التنظيم في منطقة هورشي، وظهرت قيادات التنظيم بصحبة ميليشيات مسلحة بعتاد ثقيل، دون وجود مقدمات، في وقت حساس؛ حيث الأزمة السياسية تتفاقم، والخلافات بين فرماجو والقائم بأعمال رئيس الوزراء، محمد حسين روبلي، تعقّد المشهد السياسي، فضلاً عن ذلك كان رئيس الولاية في العاصمة للتوسط بين روبلي وفرماجو.

اقرأ أيضاً: نفتالي بينيت: هل انتصرت القومية الصوفية اليهودية؟

ويرصد محمود، في حديثه لـ "حفريات"؛ عدّة أسباب حفزت التنظيم على العودة، هي؛ هزيمة القوات الحكومية في المواجهات مع حركة الشباب في مدينة عمارة، وتنامي نشاط الحركة في الولاية، التي كان للتنظيم الفضل في طردهم منها قبل عشرة أعوام، إلى جانب الإقامة شبه الدائمة لرئيس الولاية في العاصمة مقديشو، وتخليه عن أداء مهامه، ما زاد من معاناة السكان، على الرغم من أنّ دعم السكان لحكومة الولاية ضدّ تنظيم أهل السنّة كان من أجل إصلاح الأحوال المعيشية والخدمات.

المحلل السياسي الصومالي، محمد يوسف محمود

وهناك سبب ثالث، يقول عنه محمود؛ قوات أهل السنة التي دُمجت في القوات الحكومية، جرى دمجها بقيادتها القديمة، ما يعني أنّها ما تزال موالية للتنظيم، وكانت تنتظر الوقت المناسب لعودة قادتها السياسيين، وهو ما حدث، ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة توسع الصراع العسكري بين الحكومة والتنظيم.

وطالما استمرت الأزمة السياسية في البلاد، وانخراط الأجهزة الأمنية والجيش في صراعات الفرقاء السياسيين، ستشهد البلاد تنامي الصراعات المسلحة، والتي تهدد بعودة شبح الاقتتال الأهلي في دولة يقوم نظامها السياسي والإداري على العشائرية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية