لماذا قطع الحكام العسكريون في مالي العلاقات مع فرنسا؟

لماذا قطع الحكام العسكريون في مالي العلاقات مع فرنسا؟


07/02/2022

تعيش مالي ومنطقة غرب أفريقيا ثورة شعبية ضد نفوذ المستعمر السابق، دولة فرنسا، التي تملك وجوداً عسكرياً واقتصادياً كبيراً في المنطقة، التي تدخل ضمن إقليم الساحل الأفريقي.

ومنذ الانقلاب الثاني في مالي، في أيار (مايو) العام الماضي، شهدت العلاقات مع فرنسا مزيداً من التوتر بدأ منذ الانقلاب الأول، في آب (أغسطس) 2020، الذي أطاح الرئيس أبو بكر كيتا.

ووصلت الأزمة إلى القطيعة السياسية بإعلان باماكو السفير الفرنسي غير مرغوبٍ فيه، منذ عدة أيام، وإمهاله ثلاثة أيام لمغادرة البلاد.

أسباب الأزمة

وعلى الرغم من أنّ عنوان الأزمة في مالي ومنطقة غرب أفريقيا اتّخذ شعار التحرر من الهيمنة الفرنسية، لكنّ المفارقة أنّ ذلك حدث بعد إعلان فرنسا تخفيف التزاماتها ووجودها العسكري في مالي، وذلك عقب الانقلاب الثاني الذي شهدته البلاد.

جنود فرنسيون في مالي

وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أعلن عن تقليص وجود بلاده العسكري في مالي رداً على الانقلاب العسكري الثاني، وشرعت باريس في اتخاذ النيجر مقراً لعملياتها في منطقة غرب أفريقيا، بعد ترحيب الأخيرة بذلك.

اقرأ أيضاً: هل يؤجج الانقلاب في مالي الصراع بين روسيا وفرنسا؟

وباشرت باريس، في حزيران (يونيو) الماضي، إعادة تنظيم وجودها العسكري في منطقة الساحل، لا سيما من خلال مغادرة القواعد الواقعة في أقصى شمال مالي، في مناطق كيدال وتمبكتو وتيساليت، ضمن خطة لتقليص عدد قواتها في المنطقة، بحلول عام 2023، لتتراوح بين 2500 و3 آلاف عنصر، مقابل أكثر من 5 آلاف حالياً.

وتشارك عدّة دول أوروبية في عملية برخان العسكرية التي تقودها فرنسا لمحاربة الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، منذ عام 2012، والتي تعمل جنباً إلى جنب مع بعثة الأمم المتحدة والجيش المالي.

فور تعيينه بدأ رئيس الوزاء المالي مايغا معارضته الشديدة للسياسات الفرنسية في مالي، وكان ذروة ذلك خطابه في الأمم المتحدة الذي اتّهم فيه فرنسا بالتخلي عن بلاده

ومن مالي، يقول الناشط السياسي، عبد الله سيدبي: "اشتدّ التوتر بين فرنسا ومالي منذ الانقلاب الثاني على الرئيس العسكري باه نداو، وتعيين شوغيل كوكالا مايغا رئيساً للوزراء، رغم معارضة فرنسا وبعض دول الاتحاد الأوروبي".

ولا ينتمي مايغا إلى العسكريين، فهو رئيس الحركة الوطنية من أجل التجديد، ومعروف بعدائه الشديد لفرنسا.

وتابع سيدبي لـ "حفريات": "فور تعيينه بدأ في إظهار معارضته الشديدة للسياسات الفرنسية في مالي، وكان ذروة ذلك خطابه في الأمم المتحدة الذي اتّهم فيه فرنسا بالتخلي عن بلاده، ما أغضب باريس، والتي ردّت بالتشكيك في شرعية الحكم في مالي، واستمر التوتر حتى إعلان طرد سفير فرنسا".

وكان مايغا قد قال في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي: "تأسف مالي لأنّ مبدأ التشاور الذي يجب أن يكون القاعدة بين الشركاء لم يحترم" وذلك في إشارة إلى قرار فرنسا الأحادي تقليص عملية برخان في مالي، ونقل القوات إلى النيجر.

سيدبي: اشتدّ التوتر بين فرنسا ومالي منذ الانقلاب الثاني

وبرّر مايغا طلب بلاده التعاقد مع شركات عسكرية، خاصة روسية من أجل توفير التدريب والمساعدة العسكرية لبلاده في مواجهة الخطر الإرهابي، خصوصاً بعد الانسحاب الفرنسي الأحادي. وفي السياق ذاته انتقد مايغا تولي فرنسا قيادة عملية عسكرية دولية في بلاده، دون علمها.

سياسة خارجية جديدة

ولم تقتصر تحوّلات السياسة الخارجية المالية على فرنسا، بل امتدت لتشمل دولاً أوروبية تشارك في العمليات العسكرية التي تقودها باريس.

وكانت مالي قد منعت طائرة عسكرية ألمانية من دخول مجالها الجوي، وعلى متنها جنود كان من المفترض أن يشاركوا في عمليات قتالية في مالي، وطلبت من الدنمارك سحب قواتها من البلاد.

اقرأ أيضاً: الوحدة 400 .. ذراع إيران الإرهابية في أفريقيا

وأفاد سيدبي بأنّ "قرار السلطات المالية ردّ كلّ قوة زائدة في القوة الأوروبية (تاكوبا)، ما لم تأتِ بموافقتها، وكذلك تقييد تحركاتهم البرية والجوية هي سياسة جديدة؛ فمن قبل كانت اتفاقية الدفاع مع فرنسا تمنح الأخيرة الحقّ في جلب قوات أوروبية مباشرةً، وتكون تحت قيادتها لتكوين قوة (تاكوبا)، لكنّ الحكام الجدد لا يريدون ذلك الآن".

وتابع: "تقول السلطات المالية إنّها باتت تدير شؤون الأمن والدفاع تحت سيادتها، وعلى البعثات العسكرية الخارجية العمل وفق ذلك، أو الانسحاب".

 

اقرأ أيضاً: التدخل الفرنسي في مالي: مَن نهب الذهب والماس؟

ومن جانبه، اعتبر الأستاذ المالي في الدراسات القرآنية، محمد مايغا "هذه الخطوات من قبل السلطات العسكرية الحاكمة بأنها ليست من باب محاربة الهيمنة الغربية، بل تلبيةً لتطلعات صارت معتقداً لدى أغلبية الشعوب في غرب أفريقيا، التي تعتقد أنّ المستعمر الفرنسي السابق والقوى الغربية هي التي تقوم بتمويل الإرهاب وحماية الفاسدين، وزعزعة الاستقرار للاستيلاء على الثروات؛ لهذا فحقيقة المحاولة الآن هي الضغط على فرنسا من أجل تلبية ما يعتقده معظم الشعب في مالي".

وأفاد لـ "حفريات": "لو حدث استفتاء الآن لوجدنا أغلب الشعب يرى فرنسا والغرب مسؤولين عن الإرهاب والتطرف والفساد والحركات الانفصالية، لهذا رأى العسكريون أنّ الأفضل رفض الوجود الغربي".

الدور الروسي

ومع تخلي حكام مالي العسكريين عن فرنسا والغرب، فإنهم يتجهون أكثر إلى روسيا، وكان وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، صرّح أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنّ مالي طلبت مساعدة شركات عسكرية خاصة روسية، وأكد أنّ حكومته لا علاقة لها بذلك.

د. محمد مايغا: السلطات في غرب أفريقيا تخاف من معاداة فرنسا

وسبق أن استلمت مالي أربع طائرات هليكوبتر من شركة روسية، كما أفادت تقارير غربية بانتشار عناصر من شركة فاجنر الروسية في البلاد، لتقديم الحماية للشخصيات العسكرية المالية، والتدريب العسكري، والمساعدة في مكافحة الإرهاب.

ويرى محمد مايغا؛ أنّ "السلطات في غرب أفريقيا تخاف من معاداة فرنسا كي لا تموّل انقلاباً ضدّهم، ولهذا استعانوا بالروس كضمانة ضدّ حدوث ذلك، فضلاً عن أنّ وجود الروس انعكس إيجاباً على محاربة الإرهاب".

 

اقرأ أيضاً: لماذا غيرت باريس موقفها من الحوار مع الجهاديّين في مالي؟

وحول حدود الدور الروسي، قال أستاذ الدراسات القرآنية: "لا أظن أنّ حكام مالي يريدون استبدال الدول الغربية بالروس، لأسباب، منها: صعوبة منطقة غرب أفريقيا على روسيا، وانشغال الأخيرة بأوكرانيا وملفات أخرى أكثر أهمية لها، وضعف الاقتصاد الروسي، وعدم قدرته على الحلول محل الشركات الغربية".

وأشار محمد مايغا إلى أنّ "الوجود الروسي بما له من قوة دولية بمثابة موازنة للدور الغربي، ويتيح لحكام مالي التفاوض وإقامة علاقات مختلفة مع فرنسا والغرب".

اقرأ أيضاً: خطر الإرهاب يتعاظم في أفريقيا... ماذا ينتظر القارة السمراء في 2022؟

ومن المحتمل أن يكون العسكريون اتخذوا التصعيد ضدّ فرنسا لكسب التأييد الشعبي في مواجهة العقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، والضغوط الدولية المتزايدة، بعد إعلان العسكريين تأجيل عقد الانتخابات، التي كانت مفترضة، في شباط (فبراير) الجاري.

الأكاديمي المالي محمد مايغا لـ "حفريات": الوجود الروسي بما له من قوة دولية بمثابة موازنة للدور الغربي، ويتيح لحكام مالي التفاوض وإقامة علاقات مختلفة مع فرنسا والغرب

وقرر المشاركون في الجلسات الوطنية، التي دعا إليها رئيس المجلس العسكري الحاكم، العقيد عاصمي غويتا، تمديد الفترة الانتقالية ما بين 6 أشهر إلى 5 أعوام، وهو ما رفضته إيكواس، وكذلك عددٌ من المنظمات المالية.

وخرجت في العاصمة، باماكو، مظاهرات شعبية ضدّ عقوبات الإيكواس والضغوط الدولية على المجلس العسكري، بناءً على دعوة من الأخيرة إلى الشعب المالي. وربما يستغل العسكريون المشاعر الوطنية من أجل ضمان وجودهم في السلطة، وإطالة عمر الفترة الانتقالية، إلى حين تمهيد المناخ العام لتسلم السلطة عبر الانتخابات.

اقرأ أيضاً: هكذا تهدد الجماعات الجهادية الاستقرار في أفريقيا

ورغم أنّ العسكريين يستفيدون من الزخم الشعبي الحالي، والذي يغفر لهم نسبياً إطالة عمر الفترة الانتقالية، إلا أنّهم سيواجهون قريباً المطالب الشعبية بالتنمية والأمن ومكافحة الفساد، وهي الأسباب التي استغلوها لتمديد بقائهم في السلطة، وما لم يحقق العسكريون إنجازات ملموسة فلن تشفع لهم حجة مواجهة فرنسا.

وتشمل العقوبات غلق حدود الدول الأعضاء في إيكواس مع مالي، وفرض حظر على التجارة، باستثناء المواد الأساسية، ووقف التعامل المالي، فضلاً عن تجميد أصولها في بنوك غرب أفريقيا. وأوقفت شركات من غرب أفريقيا وكذلك الخطوط الجوية الفرنسية رحلاتها إلى باماكو، وتعاني البلاد من خطر نقص السيولة النقدية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية