لماذا يفرط الإخوان في تكوين كيانات تابعة لهم في الغرب؟

لماذا يفرط الإخوان في تكوين كيانات تابعة لهم في الغرب؟


03/02/2021

 دشّن عناصر من جماعة الإخوان المسلمين، موخراً، كياناً جديداً باسم "مؤسسة مرسي للديمقراطية"، وقد أعلن الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي أنه وافق على تولى رئاسة المؤسسة بناء على طلب أـسرة الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، وأعلنوا على موقع المؤسسة أنها "مؤسسة مجتمع مدني دولية غير ربحية، سعى لتأسيسها أنصار الحرية في العالم بالإضافة لأسرة الرئيس الشهيد الراحل (حسب قولهم) الدكتور محمد مرسي، مع محبيه من أبناء الوطن ومن كافة دول العالم.. ومن مبادئ المؤسسة رفع الوعي المعرفي وتأسيس جيل واعٍ يدرك أهمية المطالبة بالحرية والعادلة والديمقراطية، ترسيخ قيم الإصلاح، وتعزيز المسار الديموقراطي".

المفارقة أنّ مسيرة حياة محمد مرسي سواء قبل انضمامه للإخوان أو بعدها لا تشير بأي شكل من الأشكال إلى اهتمامه بترسيخ الديمقراطية ثقافةً وسلوكاً، ولا يمكن اعتباره رمزاً ديمقراطياً لتكون المؤسسة التي تحمل اسمه تهدف إلى ترسيخ الديمقراطية، فممارسته للحكم تشير إلى عكس ذلك تماماً، ففي عهده حاصر الإخوان المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامي، وقاموا بتهديد العديد من رموز المعارضة، وأقدم مرسي نفسه على عزل النائب العام بدون سند قانوني.

دشّن عناصر من جماعة الإخوان المسلمين كياناً جديداً باسم" مؤسسة مرسي للديمقراطية"

أي ديمقراطية يسعى الإخوان لترسيخها وإيمانهم بها مزيف؟ فهم لا يؤمنون بالديمقراطية ولا بتداول السلطة ولا يمارسونها بأي شكل من الأشكال في تنظمهم، فقيمهم السائدة فيه تعتمد على السمع والطاعة، التي هي ضد الديمقراطية! وأساليبهم في انتقال السلطة تتم بالتكليف وليس الانتخاب، بداية من أصغر مسؤول في أصغر وحدة؛ فرئاسة الشعب والمناطق والأحياء والمكاتب الإدارية للمحافظات واللجان الفنية وعضوية مجالس الشورى سواء الشعبة أو المنطقة أو المحافظة أو مجلس الشورى العام حتى مكتب الإرشاد والمرشد العام نفسه، كلها تأتي عبر الاختيار وليس الانتخاب، ومن داخل فئة بعينها.

اقرأ أيضاً: الإخوان والدستور ...فتش عن البنا

ولا يوجد في ذهنية الإخوان فكرة الترشح والدعاية والتصويت ولا يؤمنون بأنّ قواعد الجماعة هي التي تملك شرعية انتخاب من يصلح للقيادة، بل إنّ قسم الأخوات لا يملكن حق انتخاب أو اختيار ممثلة لهن، بل لهن ممثل رجل يتم اختياره من قبل القواعد الذكورية في الجماعة، كل هذه الممارسات لا تمتّ بِصلة إلى الديمقراطية، وبالتالي من السذاجة اعتبار هذه المؤسسة تستهدف ترسيخ الديمقراطية حقاً.

إنّ إفراط الإخوان في تكوين مؤسسات وكيانات تزعم أنها مهتمة بالديمقراطية أو حقوق الإنسان إنما تهدف إلى توفير غطاء شكلي لممارساتهم غير القانونية ولأدوارهم السرية؛ ويمكننا رصد ثلاثة أدوار وظيفية لكيانات الإخوان المتعددة، مع اعتبار أنّ بعضها تقوم بأكثر من دور.

المفارقة أنّ مسيرة مرسي لا تشير بأي شكل إلى اهتمامه بترسيخ الديمقراطية ثقافةً وسلوكاً

أول الأدوار "ضم العناصر"؛ إذ تقوم هذه الكيانات بضم أعضاء جدد وتنظيمهم في هيكل إداري يمكن من خلاله تدريبهم وتربيتهم على أفكارهم ثم إعادة غرسهم في المجتمع، ليخدموا التنظيم من واقع أعمالهم، ومن أمثلة هذه الكيانات الجمعيات التي أنشأتها الجماعة في بداياتها المبكرة، في الدول العربية مثل جمعية الإصلاح في البحرين، وجمعية الإصلاح في الكويت، وجمعية الإصلاح في الإمارات، ومؤسسة كير في أمريكا التي ثبت اتصالها بتنظيم الإخوان وأنّها تموّل عمليات العنف حسب فوكس نيوز، وكذلك مؤسسة ماس (Muslim American Society)‏  وحماس في غزة وحمس في الجزائر، واتحاد المسلمين في أوروبا، كل هذه الكيانات يغلب عليها الطابع التنظيمي، وتتغلف بغلاف العمل الدعوي الإسلامي، ليسمح لها بالعمل في محيط المجتمع الذي انبثقت منه.

اقرأ أيضاً: المسؤول الإخواني "الخواجة"!

الدور الثاني يأتي عبر "المحفظة المالية" وهي كيانات اقتصادية مثل بنك التقوى وبنك العقيدة ومؤسسات خيرت الشاطر وشركات "الأف شور" في أوروبا وفي الولايات المتحدة الأمريكية، ومثل صندوق الإغاثة والتنمية الفلسطيني وائتلاف الخير وهى منظمة دولية يترأسها يوسف القرضاوي، ويضم "ائتلاف الخير" اثنتين وخمسين مؤسسة تعمل في أمريكا وأوروبا من أجل جمع الأموال للقيام بأنشطة إخوانية، وقد تأسست المنظمة بعد خطاب شهير في بريطانيا قال فيه القرضاوي إنّ "على المسلمين أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ضد غير المسلمين في الغرب"، في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008.

كذلك منتدى الجمعيات الخيرية الإسلامي، وهو منظمة تعمل مظلة دعم وتمويل لـ10 مؤسسات بريطانية كلها تنتمي لجماعة الإخوان، منها على سبيل المثال لا الحصر جمعيات "المعونة الإسلامية"، "المساعدة الإسلامية"، "الأيادي الإسلامية"، "والنداء الإنساني الدولية"، وغيرها، وجميع هذه الجمعيات أعضاء في منظمة "ائتلاف الخير" المصنفة كمنظمة إرهابية، وقد خضع المنتدى لعدد من التحقيقات من قبل الحكومة البريطانية أفضت إلى أن 6 جمعيات على الأقل من الجمعيات الأعضاء في المنتدى تمول أعمال العنف في الشرق الأوسط.

إفراط الإخوان بتكوين مؤسسات وكيانات تزعم الاهتمام بالديمقراطية وحقوق الإنسان غطاء شكلي لممارساتهم

ومن هذه الكيانات منظمة الإغاثة الإسلامية حول العالم، وهي واحدة من أقدم المؤسسات الإسلامية في العالم، وتأسست في بريطانيا كمنظمة دولية عام 1984 على يد الإخواني المصري هاني البنا، وتولى عصام حداد القيادي الإخواني المصري المعروف رئاستها بعد ذلك منذ العام 1992، إلى حين تولى الإخوان المسلمين الحكم في مصر في 2012، وتم تعيينه كمستشار علاقات خارجية لمحمد مرسي، فترك إدارتها لكل من "ناصر هاغاميد" و"طاهر سالي" و"أحمد كاظم الراوي" الإخواني من أصل عراقي، وقد جمعت المنظمة ملايين الدولارات من أفراد وحكومات أوروبية، تم الكشف مؤخراً عن أنّها كانت تستغل تلك الأموال في دعم أنشطة إرهابية في منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان وباكستان.

اقرأ أيضاً: باكستان والأجندة التركية في آسيا.. ما علاقة الإخوان؟

ويغلب على هذه المؤسسات العمل الاقتصادي والخيري وجمع التبرعات، والشخصيات المهمة فيها تنتمي للإخوان، وتتم الاستعانة بمن لهم خبرة في المجال الاقتصادي والقانوني، من أجل إضفاء روح المدنية والمهنية والتخصص.

تستهدف الجماعة من إنشاء هذه الكيانات، التحرك بأموال الجماعات بحرّية، وتمكينها من غسل أموال تمويل الجماعة، على وجه الخصوص تلك الأموال التي تأتي من مؤسسات حكومية في تركيا وقطر والولايات المتحدة الأمريكية، فيجب أن يكون لها غطاء اقتصادي حتى لا تسبب حرجاً للمول، كما تتيح هذه المؤسسات للجماعة الإنفاق على أنشطة متطرفة، وتمويل جماعات إرهابية بغطاء إنساني إغاثي.

هذه المؤسسات عينها على العالم العربي والإسلامي لتزييف وعي المواطن وتشتيته، باستغلال التحولات الحادة في المنطقة

الدور الثالث "الدعاية والتحريض"، إذ أدرك الإخوان منذ أمد بعيد أنّ الكثير لا يحبذ العمل تحت رايتهم، فصنعوا لهم رايات متعددة تحت أسماء وهمية براقة ليعملوا تحتها من أجل السيطرة عليهم في النهاية، أو هدمهم بسهولة عبر هذه الكيانات، وجميعها تسعى إلى الترويج للجماعة والدفاع عن ممارستهم المتطرفة وحشد الأنصار وراء أي قضية يختارها الإخوان لتتصدر المشهد العام، والهدف الثاني الانتقام والتحريض ضد الحكومات العربية التي تصدت المشروع الإخواني في المنطقة، ومنعتهم من تحقيق أهدافهم الوصولية وتدمير الشعوب العربية، عبر عقد الندوات والمؤتمرات التحريضية في الجامعات الغربية، وعمل دراسات وهمية تصدر من المؤسسات التابعة لهم لإيهام القارئ بصدق هذه الدراسات، واستخدمت المال السياسي في توجيه بعض الكتّاب والباحثين العاملين في المؤسسات الإعلامية والمراكز البحثية المنتشرة في الدول الغربية.

اقرأ أيضاً: حركة النهضة الإخوانية واختراع العدوّ

ومن أمثلة تلك المؤسسات، الجمعية الإسلامية الأمريكية التي أسسوها العام 1993، واتحاد الأطباء المسلمين في أمريكا العام 1967، واتحاد الأطباء والمهندسين الإسلاميين في 1969، واتحاد العلميين الاجتماعيين الإسلاميين في 1972، والوقف الإسلامي العام 1973، والجمعية الطبية الإسلامية، ورابطة الشباب المسلم العربي، والشباب المسلم في أمريكا الشمالية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي.

وفي تقرير لمركز مستقبل الخليج أوضح دور "مبادرة المسلم البريطاني: "بي إم أي"، والمنظمات الإسلامية للإغاثة في التوغل في المجتمع البريطاني، وكذلك المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، واتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، علاوة على الجمعية الإسلامية في ألمانيا التي أصبحت واحدة من أهم المنظمات الإسلامية في ألمانيا.

كما تشمل القائمة الإخوانية اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، التي تعد إحدى الفيدراليات الإسلامية، ويستمد هذا التنظيم قوته من شبكة تضم أكثر من 200 جمعية تغطي مختلف ميادين الحياة الاجتماعية، وفق النظرة الشمولية للإسلام الموروثة عن "الإخوان المسلمين". ومؤسسة قرطبة للحوار العربي الأوروبي، وهي منظمة دعم حقوقي وسياسي، يديرها أنس أسامة التكريتي، مؤسس أغلب المنظمات الإخوانية في بريطانيا في الفترة من 1997 إلى الآن.

اقرأ أيضاً: هل يعيد "الإخوان" ربيعهم من جديد؟

وقد سبق ووصف ديفيد كاميرون رئيس الوزراء السابق مؤسسة قرطبة بأنها "واجهة سياسية لجماعة الإخوان المسلمين داخل بريطانيا، أيضاً الأكاديمية البحثية للتعليم الإسلامي وهي منظمة غير حكومية تأسست في بريطانيا العام 2009، وتعرف نفسها على أنّها منظمة دولية تعمل على التبشير بالإسلام في أوروبا، وقام بتأسيسها "أنطوني جرين"، الذي اعتنق الإسلام العام 1988 وغّير اسمه إلى "عبد الرحيم جرين" وأصبح يعرف نفسه كبريطاني سلفي، وفي العام 2014 فتحت الحكومة البريطانية تحقيقات في عدد من الشكاوى التي قدمت لها من مواطنين بريطانيين بشأن الأبحاث المتطرفة المليئة بخطابات الكراهية والتحريض على العنف.

هذه المؤسسات والمنظمات والكيانات المتعددة في الغرب، لم تصنع صورة ذهنية للمسلم الغربي ولم تحل مشاكله في مجتمعاته، فهي وإن نشأت في أوروبا وأمريكا، إلا أنّ عينها على العالم العربي والإسلامي، تستهدف تزييف وعي المواطن وتشتيته، مستغلين التحولات الحادة في المنطقة العربية، مما يستوجب تدشين مشروع لمواجهة هذه المنظمات المشبوهة وفضحها وحماية الوعي العام والأمن الداخلي والسلام المجتمعي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية