لماذا ينبغي تجريم حرق الكتب المقدسة في الغرب؟

لماذا ينبغي تجريم حرق الكتب المقدسة في الغرب؟

لماذا ينبغي تجريم حرق الكتب المقدسة في الغرب؟


07/02/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

مَن يريد حماية المحرّض اليمينيّ المتطرّف المعادي للإسلام راسموس بالودان؟ مَن يريد منحه الإذن بحرق نُسخ من القرآن علانية، أوّلاً (كما جرى) أمام السّفارة التّركيّة في ستوكهولم بالسّويد، في 21 كانون الثّاني (يناير)، ثمّ، الجمعة الماضية، في الدّنمارك، أمام مسجد وكذلك أمام السّفارة التّركيّة في كوبنهاغن؟

لأنّه، لكي نكون واضحين، كان عليه تقديم طلب لارتكاب هذا العمل الشّنيع في السّويد، ولأنّ السّلطات كانت تعرف ما خطّط له في الدّنمارك - وفي كلا البلدين فعل فعلته، بشكل صاعق، تحت حماية الشّرطة.

إنّ سماح السّلطات بهذه الأعمال المروّعة، التي أثارت الغضب في جميع أنحاء العالم الإسلاميّ، لا علاقة له بحرّيّة التّعبير. لم يكن هناك نقاش. لم يُتطرَّق إلى أيّ هدف، بخلاف السّعي إلى الاستفزاز والأذى قدر الإمكان بلا داع.

لا، ما فعله ليس أكثر من تعبير عن ظاهرة منتشرة في جميع أنحاء الدّول الأوروبيّة التي هي في طريقها إلى أن تصبح «ما بعد مسيحيّة» - تسعة في المائة فقط من سكّان السّويد يذهبون إلى الكنيسة مرّة واحدة على الأقلّ شهريّاً، وعشرة في المائة في الدّنمارك. هذه مجتمعات فقدت تماماً مفهوم التّدنيس.

عراقيون يتظاهرون في بغداد

عندما يكون التّديّن في المجتمعات الأوروبيّة الأصلية منخفضاً جداً - غالباً ما يكون الأمر مختلفاً تماماً بين السّكان من المهاجرين - يُروَّج أحياناً لمعادلة خاطئة. هناك مدرسة من المعلّقين تقول: إذا كنّا لن نحاول منعك من حرق الكتاب المقدّس، فلماذا لا تستطيع احترام معاييرنا الثّقافيّة؟ لكن هذه لامبالاة تتنكّر في صورة تسامح. عندما يكون لدى هؤلاء المعلّقين القليل من الارتباط بالإيمان، فإنّ حرق كتاب مقدّس ببساطة لا يعنيهم كما يعني شخصاً متديّناً.

ماذا يقول قاموس كامبريدج ؟

يُعرّف قاموس كامبريدج التّدنيس على أنّه «معاملة شيء مقدّس أو مهمّ من دون احترام»، وهو مفهوم جرت العادة أن يكون مُدرَكَاً على نطاق واسع ومحسوساً بعمق في أوروبا. على سبيل المثال، لديّ قريب أكبر منّي كان ينزعج من النّكات الرّوتينيّة حول القساوسة الكاثوليك التي كان يلقيها الممثّل الكوميديّ الأيرلنديّ ديف ألين في برنامجه التّلفزيونيّ في المملكة المتّحدة، في الثّمانينيّات من القرن الماضي، على الرّغم من أنّها كانت في الغالب غير مؤذية. أتذكّر نكتة استعراضيّة يتّكئ فيها كاهن على مقعد، ويتدحرج، ممّا يتسبّب في سقوط جميع المقاعد الأخرى مثل الدّومينو. لكن الأمر كان بسيطاً بالنّسبة إلى قريبي: لا تسخَر من الكنيسة.

يُعرّف قاموس كامبريدج التّدنيس على أنّه "معاملة شيء مقدّس أو مهمّ من دون احترام"، وهو مفهوم جرت العادة أن يكون مُدرَكَاً على نطاق واسع ومحسوساً بعمق في أوروبا

قريبي هذا لم يشاهد، ولن يشاهد، فيلم مونتي بايثون «حياة براين»، الذي اعتبره الكثيرون تجديفيّاً عندما ظهر في عام 1979، وحُظِرَ في العديد من البلدان. كان سيفهم المغزى العميق لحرق أيّ كتاب مقدّس. كان سيفهم أنّ حتميّة التّصرّف بلياقة في أيّ كنيسة، أو مسجد، أو كنيس ليست مجرّد مسألة تهذُّب مع الآخرين، وهو ما قد يعتقد فيه كثيرون من ذوي النّوايا الحسنة في أوروبا في الوقت الحاضر. كان قريبي سيعرف أنّ حظر السّلوك غير المحترم قويّ جدّاً لأنّ الموضوع هنا يتعلّق بـ«بيوت الله». أيّ شخص، حتّى لو كان معتدل التّديّن، سيشعر أنّ أدنى انتهاك لهذه المساحات يُخاطر بعواقب وخيمة. لكن إلى أيّ مدى مجتمعات مثل تلك الموجودة في السّويد والدّنمارك تفهم حقّاً أو لديها أيّ وقت لمثل هذه الأفكار الآن؟

قد لا يكون حرق الكتب المقدّسة غير قانونيّ في هذين البلدين، لكن ربما يجب أن يكون الوضع كذلك. في ماليزيا، صرّح رئيس الوزراء، أنور إبراهيم، مؤخّراً، أنّ حرق أيّ كتاب أو نصّ دينيّ، بما في ذلك القرآن، أو الكتاب المقدّس، أو النّصوص الهندوسيّة المقدّسة، لن يُتَسَامح معه - لسبب وجيه للغاية في بلد به مثل هذه الأديان والأعراق المتنوّعة.

تجريم حرق الكتب الدّينيّة

في عام 2010، حظر قاضٍ في المحكمة العليا في جنوب أفريقيا حرق الكتب الدّينيّة. هل لاحظ أحدٌ أيّ تآكل في حرّيّة الكلام أو التّعبير في البلاد بسبب هذا الحكم منذ ذلك الحين؟ بالطّبع لا. في العام التّالي، حكمت محكمة بريطانيّة بالسّجن على رجل حرق القرآن علانية، وجرّم «قانون الكراهية العنصريّة والدّينيّة» لعام 2006 «إثارة الكراهية على أسّس عرقيةّ أو دينيّة». إذا كانت هناك أيّ قيود على حرّيّة التّعبير في بريطانيا منذ ذلك الحين، فإنّ ذلك يعود إلى نشطاء الإنترنت الذين يجنحون أكواماً إلى إدانة الآخرين والسّعي إلى كتم أصواتهم، وليس إلى القانون المذكور للتّوّ.

مدرسون وتلاميذ فلسطينيون من مدرسة الجليل يتظاهرون في مدينة غزة

الحرّيّة الممنوحة إلى راسموس بالودان هي حرّيّة لا تتمتّع بفضيلة أو غرض - بخلاف إثارة الكراهية والتّسبّب في أقصى قدر من الإساءة المجانيّة - فإنّها حرّيّة لا قيمة لها، ويجب على السّويد والدّنمارك تمرير قوانين للحدّ منها.

الحرّيّة الممنوحة إلى اليميني المتطرف راسموس بالودان هي حرّيّة لا تتمتّع بفضيلة أو غرض - بخلاف إثارة الكراهية والتّسبّب في أقصى قدر من الإساءة المجانيّة

مثل هذه القوانين لن تُعيق استمرار الأوروبيّين في تقاليدهم الخاصّة في حرّيّة التّعبير. وتجدر الإشارة إلى أنّ قانون بريطانيا لعام 2006 ينصّ على وجه التّحديد على أنّه «لا يجوز قراءة أيّ شيء أو تفعيله بطريقة تحظر أو تقيّد المناقشة أو النّقد أو التّعبير عن الكراهية أو البغض أو السّخرية أو الإهانة أو الإساءة إلى أديان معيّنة أو إلى معتقدات أو ممارسات أتباعها». بعبارة أخرى، لن يكون لدى المجلّة الفرنسيّة السّفيهة «شارلي إبدو» ما تخشاه من تشريع مماثل.

هناك أشياء ببساطة ليس عليك أن تفعلها، ولا ينبغي السّماح لك بفعلها - وهو شيء يعرفه اليسار غير الليبراليّ الجديد في أوروبا جيّداً، حتّى لو غفل أتباعه عن مفهوم التّدنيس. وحقّاً، هل يريد أيّ شخص أن يحاجج بأنّ حجر الزّاوية في حرّيّته هو القدرة على حرق الكتب المقدّسة؟ من المؤكّد أنّ مفهوم الحرّيّة يمثّل شيئاً أكثر نبلاً من ذلك.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

شولتو بيرنز، ذي ناشونال، 1 شباط (فبراير) 2023



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية