لماذا ينقلب دعاة السلفية على فتاواهم القديمة؟

لماذا ينقلب دعاة السلفية على فتاواهم القديمة؟


11/08/2021

رغم صخب الخطاب السلفي، والمآلات التي أدت إليها مجمل الفتاوى التي أطلقها مشايخ هذا التيار ودفعت إلى أزمة منهجية خانقة، تجلت ملامحها في اندراج معظم المجموعات المسلحة في مواجهات دموية مع النظام المصري، فقد ظل الهدوء هو سيد الموقف حتى أجبرهم القضاء إلى مراجعة ما كتبوه وقالوه، وبان أنّ هناك أزمة منهجية خانقة يعانون منها، تتجلى ملامحها في عجزهم عن صياغة نظرية إسلامية واضحة المعالم في مجال السياسة، إضافة إلى خلطهم بين المبادئ والتطبيق، وانشغالهم بتبرير الواقع والدفاع عن انحرافاته بدل تغييره، وهذا ما بان في شهادة الشيخ محمد حسّان، الداعية المعروف، في قضية خلية داعش إمبابة.

تراجعات متوالية

لم تكن شهادة الشيخ محمد حسّان وانقلابه على فتاواه القديمة هي الأولى من نوعها فقد سبقها انقلاب الشيخ ياسر برهامي على فتواه المحرّمة للعمل السياسي وذلك في كتابه "الدعوة السلفية والعمل السياسي"، الذي خلص فيه إلى أنّ التغيير من خلال الانتخابات البرلمانية مخالف لشريعة الله، والشورى في الإسلام ليست كما في النظام الديمقراطي، والأحزاب التي تقوم على مبادئ العلمانية والاشتراكية والشيوعية وغيرها كلها من العصبية الجاهلية!.

التطور اللاحق الذي حصل في كتابات ياسر برهامي هو الاعتراف أنّ عقيدة الأزهر الشريف (الأشعرية) هي عقيدة أهل السنة، بل وزيارة المشيخة وتقديم الولاء لشيخ الجامع الشريف د. أحمد الطيب، ثم إجازته لعمل الأحزاب، وجواز المشاركة السياسية بالوسائل الديمقراطية واعتبارها نصرة للدين ونوعاً من الدعوة إلى الله، وهذا ما ورد في موقع (أنا السلفي) "نحن لن نترك الدعوة إلى الله ﻷنها هي العمل الأصلي لنا، والمشاركة السياسية تمثل حماية الدعوة فنحن لن ننشغل عن الدعوة إلى الله بهذه المشاركة السياسية، والأمر الثاني فنحن نريد من المشاركة أن نصل لصياغة قوانين تكون موافقة للشريعة الإسلامية وأن نمنع أي قوانين تخالف الشريعة الإسلامية، وأن نطهر القوانين السابقة التي كانت مخالفة للشريعة، أو أن نزيل تلك القوانين وأن نعيدها إلى الموافقة للشريعة الإسلامية".

ويأتي على القمة في متواليات المراجعات السلفية الشيخ محمد حجازي (أبو إسحق الحويني) الذي اعترف أنه (أفسد كثيراً من الشباب، وجنى على الناس بحماسه، وأنه كان متسرعاً حماسياً يحب الشهرة، ولا يعرف أنّ الأحكام الشرعية درجات، وأنه لم يكن يفرق بين المندوب والواجب).

 لم ينجح دعاة السلفيين المشهورين في التفريق بين العمل السياسي والدعوى ولم يستطيعوا أن يحددوا موقعهم بدقة من الدولة

وكذا كانت شهادة الشيخ محمد حسين يعقوب، التي جاءت بعد سنوات دعا فيها لما يسمى (غزوة الصناديق)، و(جمعة الشريعة)، حيث أكّد أنّ الإمام هو خليفة المسلمين الذي نصره أهل الحل والعقد، وأنه الذي بايعه المسلمون جميعاً، وهو لا يوجد الآن لعدم اجتماع المسلمين عليه، وأن ولي الأمر هو رئيس الدولة، ولما سئل عن قتال الشرطة وجواز قتلهم، وأقوال المتطرفين إن الجهاد في سبيل الله هو ارتكاب العمليات الإرهابية التي تستهدف مؤسسات الدولة، أجاب بقوله: هؤلاء جهلة.

وأخيراً كانت شهادة الشيخ محمد حسّان، التي كان أبرز ما جاء فيها: "إن أي جماعة تستحل الدماء المحرمة للمسلمين وتستحل دماء إخواننا وأبنائنا من أفراد الجيش والشرطة فهى جماعة منحرفة عن كتاب الله وسنة رسوله وكانت سبباً في التنازع والخلاف"، وإن أفكار تنظيم القاعدة تكفيرية ويحكمون على المسلمين بالردة والحكم على جميع الحكومات الإسلامية والعربية بأنها كافرة ومرتدة كما أنهم يستحلون الدماء، كما إن الجماعات التي أقامت صروحاً كبيرة من المؤسسات الخيرية، وأقاموها لأغراض أخرى واندس إليهم أشخاص يقتلون ويستبيحون دماء الناس، يجب أن تكون هذه المراكز والمجمعات الدينية تحت بصر الجهات المختصة للدولة لأن هذا واجب الدولة وهو التصدي للفكر المتطرف.

كما قال إنّ الجماعات الإسلامية وجميع الجماعات كل منها له خط مختلف عن الأخرى وقد تختلف وتتفق في بعض الجزئيات وأنا أحكم بالخطأ والصواب على كل قول أو فعل خالف القرآن والسنة وهذا خروج عن الصواب.

وأضاف أنّ داعش تنظيم منبثق من تنظيم القاعدة في العراق، الذي أسسه أبومصعب الزرقاوى، وانفصل في 2014 حين سمى التنظيم أبوبكر البغدادي خليفة للمسلمين وهذا التنظيم وحشي سيئ السمعة مثلما قال رئيس تنظيم القاعدة في العراق، وأصول التنظيم امتداد لفكر الخوارج الذين كفّروا علي بن أبي طالب واستحلوا دمه وقتلوه ويستحلون دماء من يخالفهم.

اقرأ أيضاً: الحركات السلفية في نيجيريا.. هل تختلف عن بوكو حرام؟

ووصف محمد حسان الأشخاص الذين يعقدون الاجتماعات في الزوايا الصغيرة وبث فكرهم المشبوه للشباب بأنهم ليس لهم خلق، فإنه لا يجوز الدخول إلى قبلة المسجد دون الاستئذان من إمامه حتى لو كان من طلابه.

وأضاف أنه لا يجوز لأي أحد أن يتصدى للدعوة العامة إلا إذا كان مؤهلاً لذلك فإن كنت لست مؤهلاً ولم تعرف الدليل ولا الفرق بين العام والخاص لا يحق لأي إنسان أن يعتقد أنه عالم.

لماذا يتراجعون؟

من أهم الأسباب على متتاليات المراجعات السلفية هو التسرع الذي سببه ما جرى في مصر عام 2011 وكان فتنة لكثير من مشايخ السلفيين، الذين بلا وعي انطلقوا لممارسات سياسية كانوا يستنكرونها من قبل، ورأوا أنّ هناك فرصة ذهبية للحصول على الأرباح والتمدد في المجتمع، فأطلقوا ألسنتهم على المنابر، وارتموا في حضن الإخوان، وكانت صورتهم وهم يتناولون الطعام في قصر الاتحادية تلخّص المشهد جملة وتفصيلاً، ولما تم عزل الجماعة من الحكم أدركوا أن ما قالوه يحتاج إلى مراجعات حقيقية وليست تراجعات تكتيكية، ومن هنا صدرت الفتاوى التي كان يجب إطلاقها منذ عشرات الأعوام.

  هناك أزمة منهجية خانقة يعاني السلفيون منها تتجلى ملامحها في عجزهم عن صياغة نظرية إسلامية واضحة المعالم في مجال السياسة

كما كانت المشكلة لدى رموز الدعاة السلفيين هي ليست في الإمكانات بل بحرصهم على جمع المريدين، ما جعلهم يتسرعون في إطلاق بعض الأحكام.

هنا أدى أيضاً خواء المحتوى البرامجي، وعدم القدرة على التحرر من الأصولية في أزمة الرموز السلفية الذي يعانون منهجياً في الشق الفكري والموروث الثقافي والفقهي، وبسبب إهمالهم جانب الفقه السياسي الإسلامي، ما أوقعهم في جملة من الأخطاء المنهجية الكبرى، من أهمها تسويغهم لحكم المتغلب وإضفاء الشرعية عليه، وإسقاطهم لحق الأمة في اختيار من يحكمها من خلال إفتائهم بانعقاد البيعة برضى الواحد والاثنين، وقياسهم البيعة على عقود الزواج وعقود البيع.

لم ينجح أيضاً دعاة السلفيين المشهورين في التفريق بين العمل السياسي والدعوى، ولم يستطيعوا أن يحددوا موقعهم بدقة من الدولة، وهل هي دار حرب وأن الخروج عليها واجب لإقامة دولة الإسلام، أم هي مسلمة؟ وهل يؤمنون بها وفق مفهوم الأمة الإسلامية العامة، أم الدولة القُطرية التي تحتاج إلى إصلاح إسلامي؟

وكانت عقيدة وفكر بعض رموزهم أيديولوجيا مضادة للدولة القائمة، كما كان لهم خطاب نفور وتمايز مع الأقباط والمرأة، إذ اعتقدوا أنّ هناك قوانين للمعاملة مع مسلمي مصر يجب أن تكون، كما أنّ للمرأة وضعاً خاصاً داخل الإسلام، لا يسمح بكونها تترشح للرئاسة، وأن لها مهمات خاصة  تتبلور وتتلخص داخل إطار "التنشئة والأمومة"، وأمعنوا في إصدار فتاوى غريبة.

مستقبلياً، تصبح شهادات وتراجعات كبار سلفيي مصر مقدمة كان لا بد منها لتتوالى شهادات أخرى كاشفة عن حجم مأساة هذا التيار الذي يعاني من خلط السياسي بالدعوي، ويجري في منافسة لاحتلال المواقع الإخوانية على الأرض، في خلل واضح ما بين أن يكون على شمال النظام أو يمينه.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية