ليبيا: النفط يشعل انقسامات الداخل ويؤجج مطامع الخارج

ليبيا: النفط يشعل انقسامات الداخل ويؤجج مطامع الخارج

ليبيا: النفط يشعل انقسامات الداخل ويؤجج مطامع الخارج


09/02/2023

يتشكل المجال السياسي في الدول ارتباطاً بعدد من العوامل، منها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتاريخية وغير ذلك. وفي الحالة الليبية يبرز الدور الكبير لطبيعة المجتمع وجغرافية الدولة وأنماطه الاقتصادية.

يمثّل الاقتصاد وتحديداً الثروات النفطية أحد أبرز عوامل الأزمة السياسية الليبية اليوم، والتي وصلت إلى حالة من الجمود؛ فلا أمل في الذهاب نحو الانتخابات العامة؛ الرئاسية والتشريعية في القريب، مهما تعددت المبادرات الأممية والمحلية للدفع نحو ذلك.

وتتمظهر الأزمة في موضوع الانقسام العسكري، الذي يحمل في طياته انقسامات تاريخية ومناطقية وقبلية واقتصادية، ما يجعل أطراف الأزمة تنحو إلى مزيد من التخندق للحفاظ على مصالحها التي راكمتها منذ العام 2011.

اقتصاد ريعي

بلغت عائدات النفط في ليبيا خلال العام الماضي 2022، نحو 22 مليار دولار، وفق معدل 1.2 مليون برميل يومياً، بعد الاستقرار الملحوظ في إنتاج النفط. وكانت البلاد تنتج 1.6 مليون برميل يومياً قبل عام 2010، وتراجع الإنتاج بسبب الصراع العسكري وضعف الاستثمار في الصيانة والاستكشاف.

فضلاً عن ذلك لدى ليبيا فرص واعدة في استكشاف وإنتاج الغاز، لتزيد مستويات الإنتاج الحالية التي تستهلك نحو 60% منها، وتصدر نحو 40% إلى إيطاليا حصراً.

الصحفي الليبي ماهر الشاعري: ميليشيا سياسية

ووفق مؤشر مدركات الفساد لعام 2022، حلت ليبيا في المرتبة (171) وفق التصنيف الذي يضم (180) دولة. وهو ما يعكس تفشي الفساد في البلاد التي تعاني من الانقسام السياسي والمؤسساتي. وتعتمد ليبيا بنسبة 97% في تمويل الموازنة العامة على الإيرادات النفطية والغازية.

وكان لذلك تأثير كبير على مجريات الأزمة التي اندلعت عقب ثورة 17 شباط (فبراير) 2011 على النظام السابق، من عدة زوايا، منها؛ دور المواطن، التشكيلات العسكرية، الأجسام السياسية، والدور الخارجي.

يرى الباحث السياسي والدستوري، محمد محفوظ، بأنّ ليبيا من الدول الريعية، ما خلق ثقافة رسخت منذ عهد النظام السابق لدى المواطن، بأنّ الدولة ملزمة بدفع أموال رواتب إليه، حتى وإن لم يكن يمارس عملاً أو يقدم إنتاجاً.

خلال الأعوام الماضية دخل النفط في أتون الصراعات السياسية الليبية؛ وقامت جميع الأطراف باستخدام ورقة إغلاق الحقول ومناطق التصدير في الابتزاز السياسي، والمناكفات والصراعات القبلية

ويصف الصحفي الليبي، ماهر الشاعري، المجموعة التي تسيطر على إنتاج وعائدات النفط بأنّها "ميليشيا سياسية". وأوضح لـ"حفريات" بأنّ مركزية عملية إنتاج وإدارة عائدات النفط جعلت المواطن في دور المتفرج؛ فهناك صوت الميليشيات التي تسيطر على مناطق إنتاج وموانئ تصدير، وصوت بعض أبناء المناطق والقبائل في مناطق الإنتاج والتصدير، إلى جانب السلطة التي تملك حقّ النفاذ إلى عائدات الثروات الطبيعية.

وتابع الشاعري بأنّ التقسيمة السابقة للمورد الأساسي للاقتصاد جعلت معظم المواطنين بلا دور في ذلك، رغم تأثير النفط على حياتهم، وكأنّ الصراع على النفط يدور بين أبناء القبائل التي تقع في مناطق الإنتاج والتصدير وقوة السلاح التي تتواجد في مناطق مشابهة.

وأدى الاعتماد شبه الوحيد على النفط كمورد للمالية العامة إلى عدد من النتائج على الوضع في ليبيا؛ أولها إهمال صوت المواطن في إدارة شؤون البلاد، حيث العاصمة طرابلس مقر السلطة التنفيذية والمؤسسات المالية بمنأى عن قدرة المواطنين على التأثير عبر الممارسات السلمية، مثل الإضرابات والعصيان المدني، والتي تتطلب بيئة اقتصادية مغايرة؛ يكون للمواطن تأثير فيها على الإنتاج. وثاني النتائج هو رغبة قوى الأمر الواقع في البلاد في البقاء في السلطة بكل الطرق، إلى حد الارتهان لمصالح قوى دولية مقابل الدعم، والثالث هو قدرة الخارج على التحكم في المشهد الداخلي، لارتباط تسويق وتحصيل عائدات الثروات لهذا الخارج خصوصاً الأمريكي والأوروبي.

التشبث بالسلطة

وفيما يتعلق بالتشبث في السلطة، تقدم حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، بقيادة عبد الحميد الدبيبة، المثال الأبرز؛ حيث كان من المفترض أن تكون مهمتها الأساسية هي تنظيم الانتخابات العامة في موعد 24 كانون الأول (ديسمبر) عام 2021، ولم يتحقق ذلك الهدف وتحولت إلى حكومة متهمة بالفساد.

محمد محفوظ: استغلال النفط للبقاء في السلطة

يوضح رئيس مكتب الاستشارات السياسية بالحزب الاتحادي الوطني، سعد الدينالي، بأنّ ليبيا دولة غنية، وكل من يتمكن من السلطة يرى المزايا، وفرص الثراء عبر الفساد مع غياب الرقابة، فلهذا من الصعب عليهم التفريط في سلطة غير محدودة ولا رقابة عليها. وأضاف لـ"حفريات" بأنّ تلك الثروات في هذا الوضع "هي نقمة على الليبيين وليست نعمة". وذكر أنّ الوضع السابق خلق طبقة فاسدة تتشبث بالسلطة، وأنتج وضعاً لا يجعل جميع المناطق ترضى بطريقة توزيع الثروة، ما يهدد الأسس التي تقوم عليها الدولة الحديثة، من المساواة والعدل، ولهذا فمطلب سنّ قانون صارم يحدد كيفية توزيع الثروات وإدارة عائدات النفط أساسياً.

في السياق ذاته، أفاد الباحث الليبي، محمد محفوظ، بأنّ الأجسام السياسية تستغل النفط في هذا الأساس للبقاء في السلطة. وتابع بأنّه خلال الأعوام الماضية دخل النفط في أتون الصراعات السياسية؛ وقامت جميع الأطراف باستخدام ورقة إغلاق الحقول ومناطق التصدير في عملية الابتزاز السياسي، والمناكفات والصراعات القبلية.

السياسي الليبي سعد الدينالي لـ"حفريات": صرنا ميداناً لتصارع الدول على الثروات والمصالح وإعادة الإعمار، فكل دولة تحاول أن تقصي الأخرى لتنال الحصة الأكبر من المصالح

وتتوزع السيطرة على إنتاج وإدارة عائدات النفط بين القوى المتصارعة في البلاد؛ إذ يسيطر الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر على أهم مناطق الإنتاج وموانئ التصدير، بجانب سيطرة قوى مسلحة أخرى على مناطق إنتاج وتصدير في غرب البلاد، ويتحكم مصرف ليبيا المركزي، برئاسة الصديق الكبير، في طرابلس في إدارة عائدات النفط.

وأدى ذلك إلى وصول أطراف الصراع إلى تفاهمات غير معلنة، كان محورها استقرار أمور إنتاج النفط مقابل الامتيازات المالية، ومن تلك التفاهمات ما حدث بين حكومة الدبيبة والمشير خليفة حفتر، حول تعيين رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة، وانتظام عمليات الإنتاج مقابل انتظام صرف رواتب المؤسسة العسكرية بقيادة حفتر.

مقابل ذلك أخفقت الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب بقيادة فتحي باشاغا في أداء مهامها، بسبب عدم تمكنها من دخول طرابلس، واخفاقها في وضع يدها على عائدات النفط والغاز، التي تورد إلى حسابات المصرف الخارجي وليس المصرف المركزي بطرابلس.

وكانت خطوة استبدال المصرف الخارجي بالمركزي بناءً على خطة أمريكية اقترحها السفير والمبعوث الأمريكي ريتشارد نورلاند وجرى تفعيلها، كحل مبدئي لأزمة إدارة عائدات النفط، بعد انتهاء ولاية حكومة الدبيبة وملاحقتها باتهامات الفساد.

الدور الخارجي

ارتباطاً بإدارة عائدات النفط، تملك الولايات المتحدة سلطة غير محدودة لتغيير المشهد السياسي؛ فبإمكانها تقييد وصول حكومة الدبيبة إلى الأموال الليبية في المصرف الخارجي، لكنّ لواشنطن حسابات أخرى لا تتعلق فقط بالنفط مثل شركائها الأوروبيين.

يوضح الصحفي ماهر الشاعري، بأنّ تبعات الأزمة الروسية الأوكرانية في مجال الطاقة العالمية فتحت العيون على الدول النفطية الأخرى، ومنها ليبيا.

سعد الدينالي: لدى واشنطن خطط لاحتواء التواجد الروسي في ليبيا

وأضاف بأنّ هناك دولاً لديها اتفاقيات تتعلق بالطاقة مع ليبيا مثل إيطاليا، وهناك أخرى تسعى لتوثيق علاقتها بسلطة الأمر الواقع للحصول على الطاقة. ونوه بأنّ الشركاء الغربيين باتوا يتصارعون على ليبيا، وهناك دول جندت أشخاصاً لصالحها، وبالتالي بات بقاء حكومة الدبيبة في صالح تلك الدول.

وكانت تركيا ثم إيطاليا وقعتا اتفاقيات للتنقيب عن النفط والغاز مع حكومة عبد الحميد الدبيبة، وهو ما أثار غضباً شعبياً كبيراً. ويقول السياسي سعد الدينالي، بأنّ أحد عوامل تأجيج الأزمة في ليبيا هو عملية تصارع الدول على الثروات والمصالح وإعادة الإعمار. وأشار إلى أنّ "كل دولة تحاول أن تقصي الأخرى لتنال الحصة الأكبر من المصالح، ما أدى إلى تعطيل المسار السياسي".

وإلى جانب تركيا وإيطاليا، تسبب الحضور البارز للأخيرة في غضب فرنسا، حيث تحتكر روما جميع صادرات الغاز الطبيعي من ليبيا عبر خط أنابيب بحري، في وقت تعاني فيه أوروبا من أزمة حادة في الغاز.

وحول موقف الولايات المتحدة وبريطانيا من النفط والغاز في ليبيا، لا يرى السياسي الدينالي أنّ الدولتين تمنحان هذه الثروات أولوية قصوى؛ لعدم حاجتهما إليهما. وتابع بأنّ واشنطن لديها مقاربة أخرى للنفط من زاويتين؛ الأولى طرد قوات فاجنر الروسية من المناطق النفطية لتواجدها، وقطع الطريق على النفوذ الروسي في جنوب البحر المتوسط.

وتابع الدينالي، بأنّ واشنطن توظف ورقة النفط والغاز للضغط على حلفائها الأوروبيين لإدارة العلاقات معهم بشكل عام. ومع تعدد وتنوع المصالح الخارجية في ليبيا، وارتباطها بالنفط، يرى الدينالي أنّ "كل دولة تدعم تياراً معيناً، وتحاول أن تحقق من خلاله مكاسب لها، ما عزز الانشقاق والارتباك".

وفي كانون الثاني (يناير) الماضي، زار مدير المخابرات الأمريكية ليبيا، والتقى أطراف الأزمة في طرابلس وبنغازي. ويضع السياسي الدينالي تلك الزيارة ضمن خطط واشنطن لاحتواء التواجد الروسي في ليبيا، ثم دول جنوب الصحراء الأفريقية. ويذهب إلى أنّ التواجد الأمريكي أصبح أكثر وضوحاً في ليبيا، وعلى مستويات أعلى، وربما تريد واشنطن غطاءً سياسياً شرعياً لاستخدام القوة ضد فاجنر لو تعقدت الأمور.

مواضيع ذات صلة:

الانسداد السياسي في ليبيا.. من يحرك المياه الراكدة؟

مبادرة جديدة في ليبيا تطالب بتسليم السلطة للمجلس الأعلى للقضاء... وثيقة

هل يملك المجلس الرئاسي حلاً للأزمة في ليبيا؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية