ليبيا: كيف أضاع باشاغا فرصة دخول طرابلس؟

ليبيا: كيف أضاع باشاغا فرصة دخول طرابلس؟


03/09/2022

رغم أنّ الاشتباكات الأخيرة التي شهدتها العاصمة الليبية، طرابلس، لم تكن بهدف دخول حكومة فتحي باشاغا إلى المدينة، لممارسة سلطتها، إلا أنّ باشاغا كان الخاسر على المستوى العسكري، بعد الهزيمة الثقيلة التي حلّت بمجاميع مسلّحة مؤيدة له.

ويبدو من سير الأحداث تفوق خصمه رئيس الحكومة المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، على مستوى التنسيق العملياتي والاستخباراتي؛ حيث افتعلت مجموعة مسلحة موالية للأخير القتال الذي شهدته العاصمة منذ عدة أيام، بهدف طرد مجموعات مسلحة موالية لباشاغا من مواقعها في وسط العاصمة، وهو الأمر الذي نجحت فيه.

اشتباكات طرابلس

وشهدت مدينة طرابلس اشتباكات على مدار يومَي الجمعة والسبت، 26 - 27 آب (أغسطس) الماضي، خلفت 32 قتيلاً و159 جريحاً، بحسب آخر حصيلة رسمية أصدرتها وزارة الصحة بحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة.

وتبادل الطرفان المتصارعان على السلطة التنفيذية؛ حكومة الوحدة المؤقتة، منتهية الولاية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والحكومة المكلفة من مجلس النواب، برئاسة فتحي باشاغا، الاتهامات حول المسؤولية عن الاشتباكات الدامية التي شهدتها طرابلس، والتي تسببت في أضرار بشرية ومادية كبيرة.

وليد بن لامة: اللواء 444 وقوة الردع لا علاقة لهما بصراع الدبيبة وباشاغا

وحول أسباب الاشتباكات، يقول المحلل السياسي الليبي، الهادي عبد الكريم حنيتيش: "الدبيبة هو من حدّد صافرة البداية باستفزاز قوات التاجوري، وبمجرد أن ردّت قوات التاجوري تم طردها من أماكنها".

ومن جانبه، قال الصحفي الليبي، وليد بن لامة: "لم تكن خطة من باشاغا لدخول طرابلس، لكن مثل هجوم إغنيوة المؤيد للدبيبة على التاجوري المؤيد لباشاغا فرصةً لدخول طرابلس، لكنّها فاتته، بسبب تأخّر وصول الدعم من مصراتة لفتح جبهة من شرق طرابلس، مع الجبهة التي فتحتها كتائب الزنتان بقيادة الجويلي".

المحلل السياسي الليبي الهادي حنيتيش لـ "حفريات": الميليشيات الموالية للدبيبة تعمّدت استهداف الأحياء السكنية وإلحاق أضرار كبيرة بالممتلكات العامة والخاصة، أكبر من حجم القتال بكثير

وبدأت الاشتباكات على خلفية إطلاق النيران من مسلحين تابعين لميليشيا جهاز دعم الاستقرار، بقيادة عبد الغني الككلي (إغنيوة)، وهي إحدى أقوى الميليشيات في العاصمة، على سيارة تابعة لميليشيا اللواء 777 قتال، بقيادة هيثم التاجوري، وانضمت مجاميع مسلحة إلى الطرفين اللّذين يمثلان معسكر الدبيبة وباشاغا، وكانت أبرز المجاميع المسلحة من صف باشاغا؛ اللواء 777 والنواصي، قدورة، قوات المنطقة الغربية بقيادة اللواء أسامة الجويلي، بينما شارك من صفّ الدبيبة، جهاز دعم الاستقرار، وقوة العمليات المشتركة، وقوة دعم الدستور والانتخابات، وتشكيلات أخرى.

وشهدت الاشتباكات تدخّل مجاميع عسكرية ظلت على الحياد، وهي قوة الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة، بقيادة عبد الرؤوف كاره، واللواء 444 بقيادة محمودة حمزة، ويتبعان رئاسة الأركان العامة للجيش في طرابلس.

وعن نتائج الاشتباكات، يقول الصحفي وليد بن لامة، لـ "حفريات": "سيطرت قوة الردع الخاصة على مقرات تتبع كتيبة النواصي، التي يترأسها مصطفى قدور، المتحالف مع محمد أبو دراع الملقب بالصندوق، في برج أبو ليلة ومصيف الليدو والميناء. وبهذا خسر تحالف قدور والصندوق والتاجوري وآمر الكتيبة 42، عبد الحكيم الشيخ، كافة مقراتهم  في وسط العاصمة، باستثناء مقر الكتيبة 42 في منطقة عين زارة، جنوب العاصمة".

وبالنسبة لقوات اللواء الجويلي، يقول الهادي حنيتيش لـ "حفريات": "خسر الجويلي مواقع متقدمة كانت تحت سيطرته، وهو لم يكن مستعداً للمعركة، واضطر إلى التدخل لدعم النواصي والتاجوري".

الفرصة الضائعة

ومن جانبه، يرى الإعلامي الليبي، محمد إمحيسن، أنّ باشاغا لم يكن له علاقة بافتعال الاشتباكات، فما حدث بسبب "رماية جهاز دعم الاستقرار على سيارة تابعة للتاجوري، ما أدى إلى الاشتباكات التي انتهت بخسارة محسوبين على باشاغا لمواقعهم".

محمد إمحيسن: باشاغا لم يكن له علاقة بافتعال الاشتباكات

وشهدت العاصمة طرابلس عدة اشتباكات بين المحسوبين على باشاغا والدبيبة منذ تكليف مجلس النواب لباشاغا بتشكيل الحكومة، في شباط (فبراير) الماضي، بعد انتهاء ولاية حكومة الدبيبة، بعد تاريخ الانتخابات العامة السابق، 24 كانون الأول (ديسمبر) 2021، وكان المجلس سحب الثقة من حكومة الدبيبة قبل ذلك بثلاثة أشهر، وهو الأمر الذي رفضه الدبيبة، معلناً عدم تسليمه السلطة إلا عبر الانتخابات.

وشاركت في هذه الجولة مجاميع الردع واللواء 444 الذين ظلّوا على الحياد، وسيطرت قوة الردع على مقرات النواصي والتاجوري ومقرات أخرى، واشتبكت قوات اللواء 444 مع قوات اللواء الجويلي لعدة ساعات.

وحول طبيعة مشاركة هاتين المجموعتين، يقول الصحفي وليد بن لامة: "اللواء 444 وقوة الردع لا علاقة لهما بصراع الدبيبة وباشاغا، وللردع خلافات قديمة مع النواصي، القوة الثامنة، ولم تقاتل أيّة مجموعة أخرى، واشتباك اللواء 444 مع الجويلي كان بهدف منع قواته من دخول العاصمة".

الصحفي وليد بن لامة: أدّى سوء التنسيق بين القوات المؤيدة لباشاغا إلى "ضياع فرصة دخول طرابلس"

ويرى المحلل السياسي، الهادي حنيتيش، أنّ قوة الردع تدخلت بهدف "ملء فراغ انهيار التاجوري والنواصي، كي لا تحلّ محلهم قوات اغنيوة، والأمر نفسه حدث مع ملء قوات عماد الطرابلسي لفراغ انسحاب الجويلي"، ويتفق الإعلامي محمد إمحيسن في حديثه لـ "حفريات" مع ذلك، ويرى أنّ "الردع على الحياد، وتدخلت لبسط سيطرتها على المناطق الحيوية التي خلفها انسحاب التاجوري والنواصي".

وخلال الاشتباكات تحرّكت قوات من مصراتة، بقيادة آمر لواء المحجوب، سالم جحا، نحو طرابلس لدعم النواصي والتاجوري، بهدف فتح جبهة شرق طرابلس، لكنّها انسحبت بعد تصدّي قوة دعم الدستور لها قرب مدينة زليتن، وهو الأمر الذي أدّى إلى هزيمة الميليشيات الموالية لباشاغا في وسط طرابلس، وفقدان الجويلي لمواقع متقدمة في المدينة.

وبحسب الصحفي وليد بن لامة، أدّى سوء التنسيق بين القوات المؤيدة لباشاغا إلى "ضياع فرصة دخول طرابلس"، وشدّد على أنّ "دخول باشاغا إلى طرابلس بات شبه مستحيل ما لم تتغير طبيعة التحالفات في المدينة".

وفي السياق ذاته، يرى الهادي حنيتيش، أنّ ميليشيا دعم الاستقرار بقيادة عبد الغني الككلي، تتحصن في أشد أحياء العاصمة كثافة سكانياً؛ حي بوسليم، ولهذا هناك حاجة إلى "عملية نوعية لتفكيكها".

وأضاف: "الميليشيات الموالية للدبيبة تعمدت استهداف الأحياء السكنية وإلحاق أضرار كبيرة بالممتلكات العامة والخاصة، أكبر من حجم القتال بكثير، بهدف تشكيل رأي عام محلي ودولي رافض لأيّ قتال في طرابلس، ما يعني استمرارها في السلطة".

اشتباكات متوقعة

وبعودة الهدوء إلى طرابلس، باتت السيطرة الأكبر في المدينة موزعة بين قوة الردع بقيادة عبد الرؤوف كاره، وهو سلفي مدخلي، وميليشيا دعم الاستقرار بقيادة عبد الغني الككلي (اغنيوة)، الذي اتّهمه تقرير منظمة العفو الدولية بارتكاب عمليات قتل غير مشروع، واحتجاز الأفراد تعسفياً، واعتراض طريق المهاجرين واللاجئين واحتجازهم تعسفياً، وممارسة التعذيب وفرض العمل القسري وغير ذلك.

عبد الرؤوف كاره في لقاء مع باشاغا وقت عمله وزيراً للداخلية

وإلى جانب القوتين الأبرز، هناك مجاميع مسلحة أصغر، بعضها يتبع وزارة الدفاع التي يتولاها الدبيبة، ورئاسة الأركان - طرابلس، والمجلس الرئاسي.

وعلى خلفية الاشتباكات، أصدر المدعي العام العسكري أوامر توقيف بحقّ باشاغا والجويلي ومسؤولين في حكومته، وقادة عدد من الميليشيات المسلحة، وألقت قوة الردع القبض على خمسة من قيادات النواصي وميليشيات أخرى.

وفي حديثه لـ "حفريات"، أشار الصحفي وليد بن لامة، إلى معلومات حصل عليها من مصدر أمني، حول لقاء جمع قوات الردع الخاصة قبل ثلاثة أشهر بمسؤولين عسكريين من جنسية أجنبية، أعلنت القوة خلاله عن "عزمهم السيطرة على كامل مدينة طرابلس، وهذا يعني الدخول في مواجهة مع جهاز دعم الاستقرار"، ويتوقّع بن لامة حدوث اشتباكات بين الردع ودعم الاستقرار خلال الفترة المقبلة؛ "هما فريقان مختلفان في كلّ شيء؛ الفكر والأهداف وطبيعة القيادة، ولهذا الصدام بينهما قريب".

ودانت الأمم المتحدة والعديد من الدول، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا ومصر والإمارات، الاشتباكات التي شهدتها طرابلس، ودعت واشنطن إلى حلّ سياسي لأزمة السلطة التنفيذية.

مواضيع ذات صلة:

احتجاجات داخل قناة ليبيا الوطنية ضد مخطط تمكين الإخوان.. ما دور وزير الاتصال؟

ليبيا: ما تأثير تفعيل الدائرة الدستورية على الأزمة السياسية؟

ليبيا: ما حقيقة وجود مادة برومات البوتاسيوم المسرطنة في الخبز؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية