مؤتمر برلين.. هل يمهد لعودة العملية السياسية الشاملة في ليبيا؟

مؤتمر برلين.. هل يمهد لعودة العملية السياسية الشاملة في ليبيا؟


كاتب ومترجم جزائري
23/01/2020

ترجمة: مدني قصري


دعا المشاركون في المؤتمر الدولي في برلين، الذي عقد في 20 كانون الثاني (يناير) الجاري، إلى وقف إطلاق النار، ووضع حد للتدخل الأجنبي.. فالنص غير الملزم ينبغي أن يقدَّم إلى مجلس الأمن.
تدعو الوثيقة إلى "وقف دائم لإطلاق النار" في ليبيا، وإلى "الامتناع عن أي تدخل في النزاع المسلح"، ولإعادة إطلاق "العملية السياسية"..

أنطونيو غوتيريس: إذا لم تترجم التزامات برلين إلى قرارات مجلس الأمن فمن المرجح أن تستمر الحرب

ولم يؤد المؤتمر، الذي استضافته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وغسان سلامة، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، إلى اتفاق بين الطرفين الليبيين المتخاصمين، فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق، وقائد القوات الليبية المشير خليفة حفتر، ونتج عن المؤتمر "بيان متواضع" أقرته الجهات الدولية الفاعلة المدعوة: الأعضاء الخمسة في مجلس الأمن، تركيا، مصر، الإمارات العربية المتحدة، جمهورية الكونغو، إيطاليا، الجزائر والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية.
يمثل النص حلّاً وسطاً بالحد الأدنى. ودعا المشاركون "جميع الأطراف المعنية إلى مضاعفة جهودها من أجل وقفٍ دائم للأعمال القتالية، ووقف التصعيد، ووقف دائم لإطلاق النار". ولكسر دوامة الإفراط في تسليح الجانبين، تعهدت الأطراف أيضاً بالعمل على الاحترام الصارم للحصار المفروض على المعدات العسكرية وعلى "كبح أي نشاط يفاقم الصراع، بما في ذلك تجنيد المرتزقة"... حيث أرسلت تركيا خبراء ومقاتلين سوريين وطائرات بدون طيار ومركبات قتالية إلى قوات التحالف الموالية للحكومة.


أشار محمد السيد لعزيب، وهو دكتور في المعهد الفرنسي للجغرافيا السياسية، إلى أنّ "نجاح هذا المؤتمر نسبي للغاية. فبسبب تعذر الخروج باتفاقية قوية قابلة لأن تلقَى الرفض من جانب واحد أو أكثر من أطراف النزاع، فقد فُضِّل إصدارُ تذكير بالمبادئ دون ضمان التنفيذ".
ولكن هل سيكون لوثيقة برلين، التي تؤكد من جديد الحاجة إلى العودة إلى خريطة الطريق الخاصة بـ "العملية السياسية الشاملة" التي خطّطت لها الأمم المتحدة، تأثيرٌ أقلّ إلزاماً ممكناً على المتحاربين؟ المشاركون في المؤتمر يطالبون بفرض عقوبات على الذين "ينتهكون الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة اليوم"، وقد أكد  غسان سلامة أنّ النص سيقدم إلى مجلس الأمن في شكل قرار. وسيكون اعتماده خطوة مهمة. لكنه يتطلب تصويتاً بهذا المعنى من موسكو وباريس..
وفي هذا الشأن قالت ماري فيتزجيرالد، الباحثة المستقلة في شؤون ليبيا: "كل شيء سيعتمد على مجلس الأمن وكيف يختار الرد على بلاغ برلين". لقد طلب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، من المجلس تحمّل مسؤولياته في ليبيا. فإذا لم تترجم التزامات برلين إلى قرارات المجلس، فمن المرجح أن تستمر الحرب".
نفط الهلال
في غضون ذلك، باتت الهدنة السارية على الأرض منذ أكثر من أسبوع تترنح وتتلاشى. سُمِعت طلقات نارية يوم الأحد في طرابلس. كما استخدمت القوات الليبية شكلاً آخر من أشكال الضغط عشية المؤتمر: إغلاق صنبور الهيدروكربونات التي تشكل ثروة ليبيا. وتم يوم الجمعة الماضي إغلاق محطات الهلال النفطي، في حين توقفت حقول النفط في فزان (جنوب)، حيث توقف إنتاجها يوم الأحد. في هذا الشأن قال أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، إنّ "إغلاق حقول النفط كان قراره المحض من قبل الشعب".

اقرأ أيضاً: ماذا قال بلحاج عن تدخّل تركيا في ليبيا وعن مؤتمر برلين؟
قالت أنجيلا ميركل بحذر في المؤتمر الصحفي الذي اختتم أعمال القمة: وافق المشير خليفة على تعيين ممثليه الخمسة للجلوس في "اللجنة العسكرية" المؤلفة من عشرة أعضاء، المسؤولة عن التفاوض حول وقف إطلاق النار..

قابل للاشتعال
أثيرت أيضاً في نهاية هذا الأسبوع فكرة وجود قوة فصل للسهر على وقف أي إطلاق للنار مستقبلاً، لكنها لم تظهر في البيان الختامي. الموضوع حساس للغاية في ليبيا. لقد ذكر سراج نفسه هذا الأمر في مقابلة مع الصحافة الألمانية:

باحثة مستقلة في شؤون ليبيا: كل شيء سيعتمد على مجلس الأمن وكيف يختار الرد على بلاغ برلين

"يتعين على المجتمع الدولي التدخل بقوة دولية لحماية السكان المدنيين الليبيين، تحت رعاية الأمم المتحدة". وكان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون قد قال في هذا الشأن عند وصوله إلى برلين "إذا تحقق بالفعل وقف لإطلاق النار، فمن الواضح أننا يمكن أن نفعل ما يمكن أن نفعله بشكل جيد للغاية؛ أي إرسال أشخاص وخبراء لمراقبة وقف إطلاق النار. لقد تحدثتُ عن ذلك مع غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، وإيطاليا مستعدة لتقديم مساهمتها"، وهو الأمر الذي أكده بالفعل رئيس الحكومة الإيطالية، جوزيبي كونتي.
مجلس الأمن وحده يستطيع أن يحسم هذه المسألة، القابلة للاشتعال بشدة بين مجموعات المقاتلين الليبيين. في هذا الشأن قال محمد السيد لعزيب: "في الوقت الحالي، تظل استنتاجات برلين استنتاجات عامة، لذا فمن غير المحتمل أن تزعزع استقرار التحالفات المحلية؛ لأن المعسكرات المتنافسة لم تضطر إلى تقديم تنازلات كبيرة". لكن الوضع قد يتغير. ومن المفارقات، أنّ اتفاق السلام  مع احتمال تورط أجنبي على الأرض، ينطوي على خطر حدوث مزيد من التوترات الداخلية.

اقرأ أيضاً: أهمية مؤتمر برلين
اتفق المشاركون على إنشاء لجنة متابعة دولية، تجتمع شهرياً لتقييم تنفيذ توصيات المؤتمر. لكن الاختبار الحقيقي سيقاس في ساحة المعركة..
كان ارتياح أنجيلا ميركل، وأنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، اللذين تم الاجتماع تحت رعايتهما، ملحوظاً في المؤتمر الصحفي النهائي. "خطوة صغيرة إلى الأمام"، هكذا هنأت نفسها الزعيمة الألمانية.


مصدر الترجمة عن الفرنسية:
liberation.fr



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية