ماذا لو زرتَ مرقد الحسين وحضرتَ حفلاً لرمضان أو للحلاني؟

ماذا لو زرتَ مرقد الحسين وحضرتَ حفلاً لرمضان أو للحلاني؟


27/12/2021

لم يتفاعل المزاج العام في العراق مع الفنان المصري محمد رمضان، إلا بعد مرورِ أسبوعٍ على انتهاء حفلهِ الغنائي، الذي شهدتهُ العاصمة بغداد، في العاشر من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، وذلك بعد توجيهِ سيلٍ من "الانتقادات الحادة" والتحريضية من جهاتٍ دينيةٍ وأخرى سياسية شيعية، للمقيمينَ على إدارةِ الحفل، وهو ما جعلَ كفة التعاطف الشعبي تميل لصالح "رمضان"، بُغضاً بالتيارات الإسلامية، لا حبّاً بالفنان المثيرِ للجدل.

وخرجَ جمهور الإسلام السياسي الشيعي الحاكم، بتظاهراتٍ نددتْ بإقامةِ الحفلات الغنائية، التي وصفتْ بأنّها "منافية للأخلاق والتعاليم الدينية"، وقطعَ المتظاهرونَ الطريق المؤدية إلى مدينة "سندباد لاند" التي أقيمَ فيها الحفل الأخير. الأمر الذي أغاظ الرأي العام الناقم على الإسلاميينَ الماسكينَ بزمام السلطة، والمتهمينَ بـ "الفساد" و"الارتهان للخارج الإقليمي".

لافتات تحذر من إقامة الحفلات الغنائية أثناء تظاهرات رافضة لها في بغداد

وفي الوقت ذاته؛ انتشرَ وسم "بغداد لن تكون قندهار"، على منصات التواصل الاجتماعي، في إشارة إلى عدم السماح بقمع الحريات العامة، كما فعلتْ حركة طالبان الأفغانية.

هاجم زعيم حزب الدعوة الإسلامية، رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، الجمهور العراقي الذي حضرَ حفل "الظاهرة المصرية" محمد رمضان، وقال: "عشرات الآلاف يتدافعون لمشاهدةِ إنسانٍ داعرٍ فاسق"

ونأت وزارة الثقافة العراقية، بنفسها عن الأزمة التي اندلعت مؤخراً في البلاد، مؤكدةً أنّ القضية من شأنِ نقابة الفنانين العراقيين، في حين رأت الأخيرة أنّ إقامة الحفلات الغنائية جزء "من انفتاح العراق على العالم العربي والدولي"، ولم تخفِ اعتراضها على بعضِ فقراتِ حفلِ محمد رمضان. 

إلغاء جميع التعاقدات الفنية

من المفترض أن تشهدَ بغداد، السبت الماضي، حفلاً غنائياً للفنان اللبناني عاصي الحلاني، كانت قد أعلنت عنهُ الشركة المشرفة على مدينة "سندباد لاند" الترفيهية، لكنّ تظاهُر المئات من الإسلاميين، وإقامة الصلاة أمام بوابة المدينة، جعل الشركة تتراجعُ عن إقامةِ برامجها الفنية. وسبق للشركة إقامة حفلات غنائية اجتذبتْ عدةَ فنانينَ عرب، أمثال: المطربة اللبنانية إليسا، والكويتية شمس، والمصري محمد رمضان. ويبدو أنّ حدةَ التحريض والخوف من تداعياتِ ذلك، دفعَ بالشركة إلى إلغاء جميع الحفلات الغنائية المتعاقد عليها.

اقرأ أيضاً: إيقاف عمر كمال عن الغناء لمدة أسبوع.. ما القصة؟ 

وفي بيانٍ لها، قالت الشركة: "احتراماً وتقديراً لكلّ مراجعنا الكرام، واتفاقاً مع نهجنا الدائم الذي نلتزمُ بهِ ولا نحيد عنه، تقررَ إلغاء كافة الاحتفالات والحفلات الفنية المتفق عليها، وإنهاء العقود مع الشركة المصرية الراعية لهذه الاحتفالات، والتي عملتْ على إدارتها"، مضيفةً "كلنا ثقه بتفهم الجميع، بأنّ أهدافنا دائماً وستبقى مليئةً بالاحترامِ والتقديرِ لوطننا وشعبنا العظيم".

عدد من النساء الإسلاميات شاركن في الاحتجاج على مظاهر الغناء في بغداد

وقبلَ هذا البيان، سبق أن نوهتْ الشركة عبر حسابها الرسمي، بتأجيلِ حفلِ الفنان  عاصي الحلاني إلى إشعارٍ آخر، وذلك قبلَ تفاقم الأزمة بخروجِ المتظاهرين. 

احتجاج بأدوات دينية

وكانتْ الحركات الإسلامية بشقيها الأصولي والسياسي، قد نظمتْ يومي الخميس والجمعة الماضييَّن، تظاهراتٍ متفرقةً في العاصمةِ بغداد، وأقامَ المتظاهرونَ صلاةَ الجماعةِ أمام المدينة الترفيهية، فيما رفعت نسوةٌ لافتاتٍ تطالبُ بمنعِ "حفلات الغناء والمجون" التي تزامنتْ مع مناسبةٍ دينيةٍ شيعية.

المؤلف المسرحي والصحفي علي حسين، ابدى استغرابهُ من تجاهل النساء اللاتي ينتمينَ للتيار الديني، لقضيةٍ مسّتْ المرأة العراقية قبل أيام، والاحتجاج على حفلٍ غنائي.

اقرأ أيضاً: آمال ماهر تتراجع عن قرارها اعتزال الغناء.. ما القصة؟

وطرحَ عدةَ تساؤلاتٍ قائلاً: "ماذا كان سيحدث لو أنّ النسوة اللواتي خرجنَ يتظاهرنَ ضدّ محمد رمضان تواجدنَ في تظاهرةٍ تحت نصب الحرية، للتضامن مع الشابة مريم الركابي، التي تعرضتْ للاعتداء من شخصٍ ملثّمٍ قامَ بتشويهِ وجهها وجسمها بمادةِ التيزاب؟ ماذا كان سيحدث لو أنّ النسوةَ طالبنَ بإقرارِ قانون العنف ضدّ النساء ومحاربة المناخ الفاشي ضدّ المرأة؟ كما لو أنّ منظرَ حرق وجه الفتاة لم يهزّ وجدانَ نسوة يصرخنَ "لا للغناء"".

ويضيف لـ "حفريات": "لسانَ حالهنَ يقول: لا يهم أن تُقهرَ المرأة، وتُحرق، وتُستلب شخصيتها! المهم ألا ترتفع أصوات الغناء في بغداد".

وأثارت قضية الفتاة العراقية مريم الركابي، الأسبوع الماضي، ضجةً إعلاميةً محليةً، بعد تعرّضها لحرقٍ من قبل شخصٍ ادّعت أنهُ خطيبها ومارسَ العنفَ عليها، وهو ما جعل الأجهزة الأمنية تتدخلُ للتحقيقِ في الحادث.

رمضان في مواجهة منتقديه

 الأجواء الإيجابية بشأنِ حفلِ محمد رمضان، كانت قد اقتُصرتْ على محبيهِ في وقتها، مع تصاعدِ أصواتٍ نقديةٍ بشأنِ ما وصفوهُ بـ "الفنّ الهابط"، وضرورة التغاضي عنه. إلا أنّ انتقادات رجل الدين جعفر الإبراهيمي، للظواهر الغنائية في بغداد، مع استخدامِ ألفاظٍ "عنصرية"، جعلت كثيرين يتحاملون على تلك الانتقادات.

حفل الفنان المصري محمد رمضان في بغداد يثير حفيظة رجل الدين العراقي جعفر الإبراهيمي

وقال الإبراهيمي، وهو خطيب حسيني شهير في العراق: "واردات حفلة محمد رمضان في بغداد 4.5 مليار دينار عراقي (3.1 مليون دولار تقريباً)، وهذه الأموال التي صرفت على مخنّثٍ داعرٍ أسود خبيث، تشكلُ انتكاسةً يجبُ ألا تمرَّ بسلام".

وكانت تعليقة رمضان على الإبراهيمي، قد لفتتْ إعجاب الجمهور به، حينَ كتبَ:"كيف من بيت الله تعترضُ على لوني الذي خلقهُ الله؟! عموماً، أنا مسامح حباً واحتراماً للشعب العراقي، وكلّ الاحترام والتقدير لكلّ الأديان والطوائف".

 

الكاتب المسرحي والصحفي علي حسين لـ"حفريات": لماذا لا تتظاهر النسوة الإسلاميات ضدّ تعنيف المرأة العراقية والمطالبة بإقرار القوانين التي تحفظ حقوقها؟
 

إلاّ أنّ ما زادَ الطين بلة، هجوم زعيم حزب الدعوة الإسلامية، رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، على الجمهور العراقي الذي حضرَ حفل "الظاهرة المصرية"، لدى قولهِ: "عشرات الآلاف يتدافعون لمشاهدةِ إنسانٍ داعرٍ فاسق".

ما دفعَ رمضان لمناكفة المالكي، عبرَ نشرهِ مقطع فيديو من مسلسل الأُسطورة، على حسابهِ في الأنستغرام، يقولُ فيه: "أنا الشيطان كان بيستعيذ بالله مني"، وعلّقَ عليهِ بضحكةٍ ساخرة.

"بغداد لن تكون قندهار"

وعقبَ ذلك، انتشرَ وسم "بغداد لن تكون قندهار"، على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أعربَ مثقفون وإعلاميون وسياسيون عراقيون عن امتعاضهم من الهجمةِ "الشرسة" من قبل الدعاة الإسلاميين على المهرجانات الفنية في العاصمة بغداد.

اقرأ أيضاً: الغناء العراقي.. في "شتاء طنطورة" وآثار العُلا

وغرّدَ الناشطُ السياسي مشرق الفريجي عبر منصتهِ بتويتر: "بِحُجة محمد رمضان سيجعلون بغداد، قندهار"، وأكّد أنّ "شبابنا غير المتطرف يذهب لزيارة الإمام الحسين، ولهُ ذوق في سماع عاصي الحلاني.. فالقلبُ يهوى هنا، ويهوى هناك". وتابع "هذهِ ليس شيزوفرينيا، يا ايها المُتعصب لهذا أو لذاك.. ‏هؤلاء نحن الذين لا يمكن لكم أن تفهموا عقولنا". 

جمهرة من الإسلاميين أمام مدينة سندباد لاند لمنع إقامة الحفلات الغنائية بعد حفل محمد رمضان الأخير

أما القاص حسين رشيد، فقد كتبَ بنبرةٍ نقديةٍ حادة: "الأمةُ غارقةٌ في الفسادِ والترهيب، إذا لم يرق لكم دخول الحفلات، لأن فيها فساد كما تصفون؛ لا تدخلوها"، وتابع: "نعم، ثمة ابتذال في بعض الحفلات لكنّهُ لساعاتٍ فقط، لكن كيف بالابتذال السياسي والديني الذي يضربُ البلاد"، معتبراً أنّ "التظاهرَ ضدّ الفساد ونقص الخدمات أهمُّ وأوجب".

اقرأ أيضاً: كيف تحارب السنغال التطرف بالغناء؟

وقد جاءت تغريدة الإعلامي أنس البدري على النحو الآتي: "على مرِّ العصور، بقيتْ بغداد رمزاً وعنواناً للتعددية، ومكاناً لتلاقي الثقافات وتعزيز أواصر المحبّة بين البلدان، عبرَ الفنِ والعلوم وما سواهما"، عاداً: "‏محاولة إضفاء صبغة معينة على حاضرةِ الدنيا؛ جريمة".

المواقف الرسمية

رسمياً، تباينتْ مواقفُ المؤسسات الثقافية والفنية بشأنِ ما حصلَ من تراشقٍ إعلاميٍّ على مستوىً عالٍ، بشأنِ الحفلات الغنائية الأخيرة في بغداد؛ حيث كان موقفُ وزارة الثقافة هو النأيّ بالنفسِ عن ذلك.

وتحدث الناطق الرسمي للوزارة، أحمد العلياوي، لـ "حفريات"؛ أنّ "الحفلات الغنائية المقامة مؤخراً ليست من اختصاص الوزارة، وهي غير مسؤولة عن أيّة جهةٍ تقيمُ حفلةً غنائية، ونحنُ لسنا مع ما يخالف الذوق العام"، مبيناً أنّ "هذا الموضوع من مسؤولية الشركات أو الجهات التي توجه الدعوة إلى الفنانين والمطربين".

اقرأ أيضاً: شباب يواجهون الحرب بالغناء ويفتحون نافذة أمل وفرح في شوارع غزة تعرّف إلى فرقة "صول باند"

ولدى سؤالهِ عمّا أثيرَ مؤخراً من ضجةٍ لاحقتْ حفلة محمد رمضان، أجابَ: "لا شأنَ لنا بها، ولم يتم أخذ رأي الوزارة بصددها، كما أنّ الشركة التي أقامتْ الحفلة لم تنسّق معنا"، مشيراً إلى أنّ "تنسيق هذه الحفلات من الناحية الفنية، يفترض أن يكون مع نقابة الفنانين العراقيين، لأنّ لدى النقابة الخبرة والعلاقات، وفهم واقع العمل الثقافي والفني".

بدورهِ، رأى نقيبُ الفنانين العراقيين جبار جودي؛ أنّ "الحفلات في العراق جزءٌ من انفتاح البلاد على محيطهِ العربي والدولي"، وانتقدَ وسائل الإعلام لتسليطها الضوء على الحفل الأخير، "وعدم الاهتمام بمعرض العراق الدولي للكتاب، ووجود المفكر يوسف زيدان، وعشرات الفعاليات الثقافية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية