ماكرون يختتم زيارته للجزائر... هل ينجح في ترميم العلاقات؟

ماكرون يختتم زيارته للجزائر... هل ينجح في ترميم العلاقات؟


28/08/2022

في زيارة للجزائر هي الأولى له منذ 2017، حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يحمل فوق كتفيه إرث بلاده الاستعماري، إصلاح العلاقات الفرنسية الجزائرية، غير أنّ ذلك يظل رهناً بما يُطلق عليه الجزائريون "ملف الذاكرة"، في إشارة إلى الممارسات الوحشية الفرنسية خلال الحقبة الاستعمارية.

 زيارة ماكرون للجزائر هي الثانية له، بعد تلك التي قادته للقاء الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة عام 2017، وهي الأولى من نوعها بعد التغيير الذي طرأ على أعلى هرم في السلطة بالجزائر، لا سيّما بعد الحراك الشعبي الذي انطلق في 2019، وعجّل بنهاية ولاية الرئيس السابق.

 أعقب هذا التحول تدهور في العلاقات بين باريس والجزائر، زادت من حدته تصريحات ماكرون عن "تاريخ الأمّة الجزائرية"، وما وصفه بـ"ريع الذاكرة"، فقد شكّك في وجود أمّة جزائرية قبل الاستعمار، ممّا دفع الجزائر إلى سحب سفيرها من باريس لمدة (3) أشهر في خريف 2021، وحظر التحليق فوق الأجواء الجزائرية للمقاتلات الفرنسية المنخرطة في عمليات عسكرية بمنطقة الساحل الأفريقي.

 لجنة مؤرخين

بين "ريع الذاكرة" وملف جرائم الاستعمار الفرنسي العالقة في ذاكرة الشعب الجزائري، أعلن ماكرون ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون، أول من أمس، تشكيل لجنة مشتركة تضم مؤرخين من البلدين لدراسة الوثائق حول الاستعمار وحرب الاستقلال.

زيارة هي الأولى له منذ 2017

 وقد احتلت فرنسا الجزائر لفترة طويلة امتدت من 1830 حتى 1962 قبل أن تنتزع الجزائر استقلالها إثر ثورة تحريرية دامت قرابة (7) أعوام.

 مصالحة الذاكرة

المصالحة والتخلص من ذاكرة الاستعمار إرث ليس من الهين التصالح معه، لكنّ المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا، الذي وضع بتكليف من الرئاسة الفرنسية تقريراً عن ذاكرة الاستعمار والحرب، سلّمه في مطلع 2021، رأى أنّ مصالحة الذاكرة تلك تتطلب "مرور الوقت" و"إطلاع الأجيال الصاعدة على تاريخ الاستعمار الفرنسي"، وفقاً لشبكة "روسيا اليوم".

 

أعلن ماكرون ونظيره الجزائري تشكيل لجنة مشتركة تضم مؤرخين من البلدين لدراسة الوثائق حول الاستعمار وحرب الاستقلال

 

 وقال ستورا، في تصريحات على هامش زيارة ماكرون للجزائر: إنّ هذا التاريخ لا يمكن قراءته وتفسيره بنهايته، أي عام 1962، مع استقلال الجزائر، مشدداً: "يجب أن نحاول فهم التاريخ انطلاقاً من جذوره، لتكون لنا رؤية أوسع لطبيعة الوصول الفرنسي إلى الجزائر عام 1830".

 وأردف الباحث، المولود عام 1950 في قسنطينة شرق الجزائر: "سيفاجأ الكثير من الفرنسيين عندما يكتشفون الكهوف المدخنة (مذابح المدنيين على أيدي الجيش الفرنسي عبر إشعال النار في مداخل كهوف لجؤوا إليها) وتهجير السكان... إنّهم لا يعرفون كل ذلك، خصوصاً بشأن الـ50 عاماً الأولى من الاستعمار التي اتّسمت بدموية شديدة"، لافتاً إلى أنّه "ليس بخطاب واحد ومبادرة واحدة وكلمة واحدة وعمل واحد سيهدأ الفوران الاستثنائي في المجتمعين"، وأوضح أنّ "موضوع مصالحة الذاكرة يتطلب وقتاً، وإدراج كل ذلك في الكتب المدرسية".

  حقبة جديدة

وقد وصل ماكرون إلى الجزائر الخميس الماضي في زيارة استمرت (3) أيام، واختتمها أمس السبت بالتوقيع على "إعلان مشترك" ينص على رغبة البلدين في بدء "حقبة جديدة"، وفقاً لموقع "الحرة"، الذي قال إنّ التوقيع على الإعلان لم يكن على جدول أعمال الرئيس الفرنسي، فقد قال الإليزيه: إنّ التوقيع على هذا الإعلان "تمّت إضافته في اللحظة الأخيرة إلى برنامج ماكرون".

وصل ماكرون إلى الجزائر الخميس الماضي في زيارة استمرت (3) أيام

 ونقلت "الحرة" عن بوحنية قوي، المختص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، توقعاته أن يساهم هذا "الإعلان المشترك" في إعادة تأكيد أحقية الجزائر بخصوص إحياء ملف الذاكرة، للخروج بتوصيات ربما تقوم على الاعتراف بالمآسي التي خلفها الاستعمار الفرنسي للجزائر.

 الإرث الإشعاعي

اتصالاً بملف الذاكرة، وما خلفه الاستعمار الفرنسي من خسائر في الأموال والأرواح والطبيعة، طالبت الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية "آيكان- فرنسا" و"مرصد التسلح" بفرنسا، في بيان مشترك، ماكرون بتحمل "مسؤولياته فيما يتعلق بالإرث الإشعاعي للدفع نحو علاقات فرنسية جزائرية سليمة".

 وناشدت الحملة والمرصد، في بيانهما، السلطات الفرنسية بفتح ملف التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الجزائر خلال الفترة الاستعمارية، واستمرت بعد الاستقلال بموجب اتفاقيات إيفيان، من أجل "تهدئة الذكريات وتنشيط العلاقات بين الجزائر وفرنسا"، وقالت: إنّ "هناك حاجة إلى إحراز تقدّم ملموس" على هذا الصعيد.

 

المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا: مصالحة الذاكرة تتطلب مرور الوقت وإطلاع الأجيال الصاعدة على تاريخ الاستعمار الفرنسي

 

 وجاء أيضاً في البيان الذي نشرته حملة "آيكان" في موقعها الرسمي على الإنترنت: "حان الوقت لأن تشرك السلطات الفرنسية الجزائريين في مسار حقيقي، مماثل لما تم تنفيذه خلال الأعوام الأخيرة في بولينيزيا، للمساعدة في التعرف على ضحايا التجارب النووية وتعويضهم. من الصادم أنّ التفجيرات التي وقعت منذ أكثر من (50) عاماً في جنوب الصحراء، ما تزال لها عواقب إنسانية وبيئية، وتشكل مخاطر على الأجيال الصاعدة".

  (17) تجربة نووية

يظلّ تحديد مواقع دفن النفايات النووية الفرنسية وتطهيرها من المواد المشعة أبرز نقاط الخلاف في "ملف الذاكرة" بين الجزائر وباريس بعد أكثر من (60) عاماً على أول تجربة نووية لفرنسا في الجزائر، التي رزحت تحت الاستعمار الفرنسي بين 1830 و1962.

 وعاد هذا الملف إلى الواجهة مع إقرار ماكرون في 27 تموز (يوليو) 2021 بأنّ بلاده "مدينة" لبولينيزيا بسبب التجارب النووية التي أجريت بين 1966 و1996 في المحيط الهادئ.

 

التغير المفاجئ في موقف فرنسا تجاه الجزائر، بعد تعنت الأولى لعقود، يأتي في ذروة سباق الدول الأوروبية للبحث عن بدائل لغاز ونفط روسيا قبل موسم الشتاء المقبل

 

 ولمواجهة عواقب (17) تجربة نووية فرنسية تم إجراؤها في الصحراء الجزائرية في الفترة ما بين 1960 و1966، إضافة إلى النفايات النووية وغير النووية التي تم طمرها في الأراضي الجزائرية، دعا "آيكان" ومرصد التسلح ماكرون بـ"شكل عاجل"، في بيان على موقع "آيكان" الرسمي على الإنترنت، إلى تسهيل رفع دعاوى التعويض للجزائريين والوصول إلى الأرشيف الطبي الذي تحتفظ به مصلحة الأرشيف الطبي الاستشفائي التابعة لوزارة الجيوش الفرنسية.

  ودعا أيضاً المرصد والحملة إلى تزويد الجزائر باللائحة الكاملة للأماكن التي تم فيها دفن النفايات مع موقعها الدقيق، ووصف المعدات المدفونة، إلى جانب نشر البيانات المتعلقة بالمناطق الملوثة إشعاعياً، ودراسة سبل تطهير تلك المناطق بمعية السلطات الجزائرية.

  وطالب البيان الرئيس الفرنسي بالعمل على تزويد الجزائر بمخططات المنشآت الموجودة تحت السطح وتحديداً تحت القاعدة العسكرية في هضبة "رقان"، ومختلف الأروقة التي تم حفرها في جبل تان-أفال.

 رفع السرّية

وقد دعا "آيكان" ومرصد التسلح إلى توسيع مسار رفع السرّية عن أرشيف التجارب النووية في بولينيزيا لتشمل فترة احتلال الجزائر، وذلك للسماح للمنظمات غير الحكومية والباحثين بالمعرفة الكاملة بتاريخ هذه التجارب.

 وفي تموز (يوليو) 2021 اتهم وزير المجاهدين السابق (المحاربون القدامى) في الجزائر، الطيب زيتوني، اتهمّ فرنسا "برفض تسليم خرائط تحديد مناطق دفن النفايات المشعة، وتطهيرها، وحتى القيام بأدنى عمل إنساني لتعويض المتضررين، على الرغم من كون تلك التفجيرات أدلة دامغة على جرائم مقترفة ما زالت إشعاعاتها تؤثر على الإنسان والبيئة والمحيط".

 تحوّل مفاجئ

التغير المفاجئ في موقف فرنسا تجاه الجزائر، بعد تعنت الأولى لعقود، يأتي في ذروة سباق الدول الأوروبية للبحث عن بدائل لغاز ونفط روسيا، ولا سيّما قبل حظر النفط الروسي في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وقبل موسم الشتاء المقبل.

وقبل يوم من زيارة ماكرون للجزائر، أعلن صراحة، خلال اجتماع لمجلس الوزراء الفرنسي، ما أطلق عليه "نهاية الوفرة"، في إشارة إلى تداعيات الأزمات "الكبيرة" الأخيرة من الجفاف إلى الحرب الروسية الأوكرانية، التي دفعت الدول الأوروبية إلى خوض غمار ذلك السباق على إيجاد بدائل.

 ووفقاً لـ"فرانس 24"، فقد قال ماكرون: "تبدو الأوقات التي نعيشها وكأنّها مبنية على سلسلة من الأزمات الكبيرة، وقد يرى البعض أنّ مصيرنا دائماً محكوم بإدارة الأزمات أو الحالات الطارئة، من جهتي، أعتقد أنّنا نمرّ بتحول كبير أو اضطراب كبير".

 وتأتي زيارة ماكرون للجزائر بعد نحو شهر من زيارة رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي لها في 18 تموز (يوليو) الماضي، وقد شهد الأخير توقيع نحو (16) اتفاقية مع الجانب الجزائري، كان أبرزها مدّ إيطاليا بكميات إضافية من الغاز الطبيعي لتأمين مخزون الدولة الأوروبية من الغاز قبل موسم الشتاء المقبل.

 

مواضيع ذات صلة:

ما أبرز ملامح المشهد السياسي الفرنسي؟

إخوان فرنسا: عقود من الانتشار والتغلغل والازدواجية

ما سر غياب "خطر الإسلاموية" عن الانتخابات الفرنسية؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية