ما أسباب تجدد الصراع في إقليم تيغراي؟

ما أسباب تجدد الصراع في إقليم تيغراي؟


05/09/2022

بعد هدنة استمرت نحو (5) أشهر، تجددت المعارك بين الجيش الإثيوبي وجبهة تحرير إقليم تيغراي، ويتبادل الطرفان الاتهامات بالمسؤولية عن إشعال فتيل الأزمة، التي يتوقع الخبراء والمراقبون أن تستمر مدة طويلة، وتزيد من حدة الصراع بين الطرفين.

واتهمت جبهة تحرير تيغراي القوات الإثيوبية والإريترية الخميس الماضي بشن "هجوم مكثف" من (4) محاور في شمال غرب تيغراي، بحسب تغريدة على "تويتر"، نشرها المتحدث باسم جبهة تحرير تيغراي، غيتاتشو رضا.

يأتي ذلك بعد أن استهدفت غارة جوية مدينة ميكيلي، عاصمة إقليم تيغراي شمالي إثيوبيا ليل الثلاثاء، حسبما أعلنت جبهة تحرير تيغراي التي تسيطر على الإقليم، ومسؤول في مستشفى محلي، بحسب شبكة "سكاي نيوز".

ويوم الجمعة الماضي قصف الطيران الحربي الإثيوبي مدينة ميكيلي، عاصمة إقليم تيغراي، ثانية، وقد وصفته وكالة الأنباء الفرنسية بأنّه "تصعيد حاد للقتال بين القوات الحكومية ومتمردي جبهة تحرير شعب تيغراي".

ولم تؤكد الحكومة الفيدرالية التي يرأسها آبي أحمد عملية القصف على الفور، لكنّها أعلنت في بيان عزمها تنفيذ "إجراءات" في تيغراي داعية السكان إلى الابتعاد عن الأهداف العسكرية، وفق "فرانس 24".

استهدفت غارة جوية مدينة ميكيلي، عاصمة إقليم تيغراي شمالي إثيوبيا ليل الثلاثاء

وفي السياق، أكد مكتب الإعلام التابع للحكومة الإثيوبية أنّ "سلاح الجو الإثيوبي يردّ بوضوح على الهجوم ضد إثيوبيا، ولا يستهدف سوى مواقع عسكرية"، مؤكداً أنّ متمردي تيغراي "وضعوا أكياس جثث زائفة في مناطق مدنية للقول إنّ الطيران استهدف مدنيين"، على حدّ وصف البيان.

عودة إلى المربع الأول

الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أحمد عسكر يرى أنّ المشهد العام في إثيوبيا يشير إلى العودة إلى المربع الأول فيما يتعلق بالصراع الدائر في البلاد منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 بين نظام آبي أحمد وجبهة تحرير تيغراي، وهو أمر كان متوقعاً منذ البداية بالرغم من قرار وقف إطلاق النار الهش بين القوات المتحاربة للبدء في هدنة إنسانية لمعالجة تفاقم الأوضاع الإنسانية في شمال البلاد.

ووفق دراسته المنشورة بموقع مركز الأهرام تحت عنوان: "لماذا تجدد الصراع في إقليم تيغراي؟" يقول عسكر: إنّ "مسببات الصراع ما تزال قائمة بين أطرافه، وبرغم إعلان حكومة آبي أحمد نيتها إطلاق حوار وطني في البلاد، إلا أنّ إجراءات التنفيذ تتسم بالبطء".

 

عسكر: محفزات تجدد الصراع في شمال إثيوبيا تفوق الدوافع الداعمة لإجراء مفاوضات السلام بين طرفي الصراع الإثيوبي، وهي مرتبطة بالأساس بغياب الثقة بين جميع الأطراف المتصارعة

 

ويشير إلى أنّه "مع تجدد الحرب الإثيوبية بمشاركة القوات الخاصة بإقليم أمهرة وبعض ميليشياته المحلية "فانو" الموالية للحكومة الإثيوبية، ربما يعكس ذلك مساومة نظام أديس أبابا للمجتمع الدولي خلال الشهور الماضية لكي يتحين الفرصة للقضاء على جبهة تحرير تيغراي وإقصائها من المشهد السياسي الإثيوبي للأبد، الأمر الذي سيكون له تأثيراته السلبية على السلام في البلاد، وما قد يترتب عليه من اندلاع حرب أهلية تُفاقم من الأزمات الإثيوبية المعقدة".

ما أسباب تجدد الصراع؟

وبحسب الدراسة، يمكن تفسير أبرز الأسباب التي دفعت طرفي الصراع إلى تجدد القتال بينهما في إقليم تيغراي شمالي إثيوبيا على النحو التالي:

أوّلاً: الخلاف حول وضع منطقة غرب تيغراي، والذي يُعدّ المحدد لشكل ومستقبل الصراع في المستقبل، وتصرّ جبهة تيغراي على استعادة منطقة الغرب التي تقع تحت سيطرة أمهرة قبل البدء في مفاوضات السلام، في حين تتخوف الحكومة الإثيوبية في حالة استعادة المنطقة لجبهة تيغراي من فتح قناة إمداد لوجستي للجبهة عبر السودان، بما يعزز قدراتها العسكرية ضد الحكومة المركزية في المستقبل. 

أحمد عسكر: المشهد العام في إثيوبيا يشير إلى العودة للمربع الأول فيما يتعلق بالصراع الدائر في البلاد منذ تشرين الثاني 2020

ثانياً: إصرار جبهة تيغراي على تنفيذ شروطها لإجراء المفاوضات، وهي نقطة خلافية محورية في مسار الصراع الإثيوبي، وتصرّ جبهة تيغراي على فك الحصار المفروض عليها من قبل الحكومة الإثيوبية، بما في ذلك الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والاتصالات والخدمات المصرفية والوقود.

ذلك، إضافة إلى استعادة السيادة على غرب تيغراي الواقع تحت سيطرة أمهرة منذ اندلاع الصراع في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، فضلاً عن طرد القوات الإريترية من شمال إثيوبيا، وهو ما قوبل بمماطلة من جانب حكومة أديس أبابا، ممّا يقوض مساعي السلام في البلاد.

ثالثاً: استمرار الموقف العدائي لجبهة تحرير تيغراي، حيث ما تزال الجبهة مدرجة على قائمة التنظيمات الإرهابية الإثيوبية منذ أيار (مايو) 2021، بالرغم من إبداء الحكومة المركزية نيتها التفاوض مع الجبهة خلال الفترة المقبلة، كما تتوالى اتهامات مسؤولي الحكومة، لا سيّما آبي أحمد للجبهة بأنّها ترفض قبول محادثات السلام.

وربما يسعى آبي أحمد في هذه الجولة من الحرب إلى القضاء على البنية التحتية العسكرية لقوات دفاع تيغراي، خاصة بعد تحذير القوات الإثيوبية لسكان تيغراي للابتعاد عن المنشآت العسكرية تمهيداً لاتخاذ إجراءات عسكرية ضدها، ممّا يعطي مبرراً لاستمرار الصراع، خاصة أنّ هناك اتفاقاً بين حلفاء آبي أحمد على ضرورة التخلص من جبهة تحرير تيغراي للأبد، بحسب عسكر.

رابعاً: تمسك أديس أبابا بفرض رؤيتها لمفاوضات السلام، لأنّ الحكومة الفيدرالية تدعم وساطة الاتحاد الأفريقي دون دخول وساطات دولية أو إقليمية أخرى، وفي المقابل ترفض بشكل قاطع جبهة تحرير تيغراي هذه الوساطة بسبب اتهامها للاتحاد الأفريقي بالتحيز لصالح حكومة آبي أحمد على حسابها، فضلاً عن اقتراح أوباسانجو، مبعوث الاتحاد الأفريقي لدى إثيوبيا، بضرورة انضمام إريتريا للمفاوضات المرتقبة، وهو ما قد يعني فشلها من الأساس في ضوء العداء الواضح بين الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي وقادة تيغراي، كما أنّها تصر على رعاية (كينيا -أوهورو كينياتا-) للمحادثات المرتقبة بين الطرفين، وهو ما يعني غياب الثقة بين الطرفين، ممّا يوسع الفجوة بشأن التوصل لأيّ اتفاق بين الطرفين على المدى القصير.

خامساً: فشل الجولات السرّية بين طرفي الصراع، فقد اعترف ديبرتسيون جبريمايكل زعيم جبهة تحرير تيغراي بعقد جولتين من المحادثات المباشرة التي جرت مع مسؤولين مدنيين وعسكريين في الحكومة الفيدرالية، وقد استضافتهما دولتا سيشل وجيبوتي، وفقاً لتصريحات غيتاتشو رضا المتحدث الرسمي باسم الجبهة.

ديبرتسيون جبريمايكل زعيم جبهة تحرير تيغراي

 ويبدو أنّ الطرفين قد فشلا في تقريب وجهات النظر بخصوص بعض القضايا الخلافية بينهما من أجل البدء في مفاوضات للسلام، وربما دفعهما ذلك للدخول في جولة جديدة من الحرب عسى أن يتم حسم الأمر عسكرياً بعيداً عن طاولة المفاوضات السياسية.

ويخلص الباحث إلى أنّ "محفزات تجدد الصراع في شمال إثيوبيا تفوق الدوافع الداعمة لإجراء مفاوضات السلام بين طرفي الصراع الإثيوبي، وهي مرتبطة بالأساس بغياب الثقة بين جميع الأطراف المتصارعة، ورغبة كلّ طرف في إقصاء الطرف الآخر من المشهد الإثيوبي برمته، وربما المشهد الإقليمي في القرن الأفريقي، وهو سبب كفيل لاستمرار وتفاقم الصراع في البلاد، وربما يعرقل أيّ محاولات إقليمية أو دولية لإيقاف القتال الدائر في شمال البلاد. وقد يكون أيضاً مقدمة لفشل الحوار الوطني في إثيوبيا، أو على الأقل إقصاء آبي أحمد لجبهة تيغراي من المشاركة فيه، وهو ما ستكون له تداعياته على استمرار حالة الاستقطاب السياسي والأمني في البلاد، ويعزز سيناريوهات زعزعة الاستقرار في إثيوبيا خلال الفترة المقبلة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية