ما الذي تحمله زيارة عبد الحميد الدبيبة إلى تركيا؟

ما الذي تحمله زيارة عبد الحميد الدبيبة إلى تركيا؟


18/04/2021

أعلنت الحكومة الليبية عن وصول، رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، إلى العاصمة التركية أنقرة، الإثنين الماضي، مشيرة إلى أنّ الزيارة تأتي بهدف حضور الاجتماع الأول، لمجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين.

كما لفتت الحكومة الليبية، في بيانٍ صادرٍ عنها، إلى أنّ وفداً حكومياً موسعاً، يضم أربعة عشر وزيراً، يرافق الدبيبة، في زيارته إلى تركيا.

اقرأ أيضاً: ليبيا: هل تنجح حكومة الدبيبة في تحييد الميليشيات المسلحة؟.. تفاصيل اشتباكات جديدة

في غضون ذلك، شدّد وزير الخارجية التركي، مولود تشاوش أوغلو، في تدوينة على حسابه، على موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، على أنّ بلاده تسعى لتعزيز التعاون والصداقة مع ليبيا، ومواصلة دعمها في المرحلة الحالية.

في ذات السياق، جرت عدة اجتماعات مع الجانب التركي؛ لمناقشة الملف الأمني والعسكري، وشملت المباحثات ملفات اقتصادية، تتضمن قطاعات الطاقة، والبنى التحتية، والخدمات ومشاريع إعادة الإعمار.

تركيا ومنطق اقتناص الفرص

تزامناً مع ذلك، أكّد الناطق باسم مجلس الوزراء الليبي، محمد حمودة، في تصريحات صحفية، أنّ الدبيبة، ناقش مع المسؤولين الأتراك مجموعة من الملفات المشتركة، في قطاع الخدمات (الطاقة والصحة)، وملف عودة الشركات التركية إلى ليبيا، واستكمال المشاريع المتوقفة.

وكانت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، أدت اليمين يوم 15 آذار (مارس) الماضي، خلفاً لحكومة الوفاق، حيث من المقرر أن تدير الحكومة البلاد، حتى إجراء الانتخابات  القادمة، في الرابع والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) القادم.

من جانبه يذهب، دكتور عبد المنعم اليسير، عضو المؤتمر الوطني العام، ورئيس لجنة الأمن القومي سابقاً، إلى أنّ أغلب الحوادث تشير إلى أنّ حكومة عبد الحميد الدبيية، تتحرك نحو تجاوز الفترة الانتقالية، وموعد الانتخابات القادم في نهاية العام الحالي.

اقرأ أيضاً: ليبيا: هل فتح الدبيبة الباب على مصراعيه أمام الأتراك؟

ولا يمكن فهم تلك الزيارة بعيداً عن كافة الأزمات، التي يعاني منها رجب طيب أردوغان، سواء اقتصادياً أو سياسياً، وبالتالي فإنّ كافة الاتفاقيات التي أبرمها الدبيبة مع أردوغان، ستصب في مصلحة الأخير، الذي يدرك تماماً، عمق أزمته في الداخل، وصراعه السياسي مع الأحزاب المعارضة، وسعيه نحو إقرار دستور جديد، يمنحه القبض على السلطة، مدة زمنية جديدة، فضلاً عن كون اقتصاده يعاني تدهوراً حاداً، وبالتالي فإنّ الرئيس التركي هو المستفيد مما جرى على نطاق واسع.

عبد المنعم اليسير: الاتفاقيات التي أبرمها الدبيبة مع أردوغان، ستصب في مصلحة الأخير، الذي يدرك تماماً، عمق أزمته في الداخل

ويلفت عبد المنعم اليسير، في تصريحاته التي خصّ بها "حفريات"، إلى خطورة أنّ تقوم حكومة انتقالية ومؤقتة، بعقد كل هذه الاتفاقيات، مع دولة متورطة بشكل مباشر، في جلب وإدارة عدد كبير من قوات الميلشيات والمرتزقة، إلى الأراضي الليببة.

ويتعجب اليسير، من حديث الدبيبة، ودعوته لعقد اجتماع سلام حول أزمات شرق المتوسطـ، متسائلاً عن مدى قدرة ليبيا على القيام بمثل هذا الدور الهام، في تلك المنطقة الحيوية والاستراتيجية من العالم، وهي لا تملك أن تحسم  فتح الطريق الساحلي، داخل حدودها المعترف بها.

مصير اتفاقية ترسيم الحدود البحرية

خلال الاجتماع الذي جرى بين رجب طيب أردوغان، وعبد الحميد الدبيبة، التأم أول مجلس تعاون استراتيجي رفيع المستوى، بين ليبيا وتركيا، وفي هذا الاجتماع تم تسليط الضوء على مذكرة التفاهم، الموقعة بين تركيا وليبيا، وبالأخص البنود البحرية منها، بزعم أنّها تحمل أهمية مشتركة لكلا البلدين، وتهدف إلى ضمان الاستقرار والتعاون الإقليميين، وزعم صحة المبادئ الواردة بها، والتأكيد على المضي قدماً في تأطيرها، مع ضرورة عقد مؤتمر إقليمي، يضم كل الأطراف، لدعم الحوار والتعاون في شرق البحر المتوسط، ينتهي بضمان حقوق الجميع.

في سياق ذلك يشير الأكاديمي التونسي، رافع الطبيب، إلى بروز وهيمنة الجانب البراجماتي في سياسات تركيا، إزاء انخراطها المباشر في ليبيا، خلال السنوات الماضية، الأمر الذي برزت معطياته ونواياه الحقيقية عبر طاولة المفاوضات التي جمعت رجب طيب أردوغان، وعبد الحميد الدبيية.

اقرأ أيضاً: على ماذا اتفق الليبيون مع الأتراك خلال زيارة الدبيبة؟

حاول الطرف التركي، التأكيد على تعدد الملفات التي سيطرحها الوفد الليبي، للنقاش في أنقرة، وتعمدت تركيا إقحام بعض الملفات ذات الطبيعة السيادية، أو المتعددة الأطراف، ضمن المسائل الاقتصادية والإنشائية، وقد تعددت إشارات المسؤولين الأتراك، والصحف المقربة من الرئيس أردوغان، إلى ضرورة الالتزام بالتعهدات، و"احترام الاتفاقيات المبرمة"، مع حكومة السراج، غير أنّ ردود الفعل والإجابات التي صدرت عن ممثلي الحكومة، أو عن بقية الطيف السياسي الليبي، أشارت إلى أنّ الحكومة الحالية، غير مؤهلة للخوض في الشؤون السيادية، التي تبقى الصلاحية الحصرية فيها، للمجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي، كما أكّدت أنّه من حق السلطة الجديدة في طرابلس، إعادة النظر في كل المواثيق والمعاهدات السابقة، واعتماد المصلحة الوطنية الليبية العليا، معياراً وحداً.

رافع الطبيب: عودة ليبيا إلى محيطها العربي والإفريقي والإقليمي، يفرض عليها إعادة التوازن في علاقاتها مع أنقرة

يذكر أنّه بالتوازي مع وصول الوفد الوزاري الليبي إلى أنقرة، كان النائب الأول للدبيبة، في لقاء مع المسؤولين اليونانيين في بنغازي، حيث تمحورت النقاشات حول مسألة الترسيم الحدودي، للمجالات البحرية بين البلدين.

 يرى رافع الطبيب، أنّ ما يسترعي الانتباه في كل هذه اللقاءات، هو حدوثها خلال يوم واحد، بعد التزام الحكومة التركية، بالانسحاب التام لمرتزقتها وأسلحتها وعتادها، في خلال خمسة أشهر، وهذا الانسحاب يعني فقدان تركيا رافعة ضغط رئيسية، كانت تستغلها لفرض أجندتها واتفاقياتها، على الحكومة السابقة والحالية في طرابلس، والتكتيك الحالي للحكومة التركية، هو الحفاظ ما أمكن على التموقع في طرابلس، والعمل على التأثير على سير الاقتراع القادم، حتى تضمن عدم وصول القوى المعادية لنفوذها إلى سدة الحكم، فأيّ هزيمة للحزام الإسلاموي المتحالف مع تركيا في الانتخابات، سيفضي حتماً إلى إعادة النظر جذرياً، في كل الاستحقاقات التي فرضتها أنقرة على طرابلس، في ظروف الحرب الأهلية، والانقسامات والتدخل الخارجي.

يختتم الأستاذ المحاضر في العلاقات الدولية، رافع الطبيب، حديثه لـ"حفريات"، بقوله إنّ عودة ليبيا إلى محيطها العربي والإفريقي والإقليمي، يفرض عليها إعادة التوازن في علاقاتها مع أنقرة، واعتماد سياسات خارجية تؤسس على احترام التوازنات الاستراتيجية، وتشبيك استراتيجيات الأمن القومي مع الدول الجارة، وعلى رأسها الطوق العربي من مصر الى تونس والجزائر، دون إغفال العمق الإفريقي، والتواصل المتوسطي.

من جانبه يبدي المحلل السياسي الليبي، عباس بركة، عدم ارتياحه على المستوى الشخصي، من تعدد الزيارات الخارجية للمسؤولين في ليبيا خلال الفترة الحالية، كما يبدي استغرابه من العدد الكبير الذي صاحب رئيس الحكومة، في زيارته إلى أنقرة.

عباس بركة: ليبيا ما زالت  تحتاج إلى الكثير من الاستقرار، وتنظيم البيت من الداخل، وطرد المرتزقة وعملاء الأجندات الدولية

 ويؤكد بركة أنّ ليبيا ما زالت تحتاج إلى الكثير من الاستقرار، وتنظيم البيت من الداخل، وطرد المرتزقة وعملاء الأجندات الدولية، ودفع عناصر الهيمنة والاستغلال التي تضغط على كافة جوانب الشأن الليبي، بعيداً، وعندما يتحقق ذلك، تستطيع ليبيا أن تطل على العالم، دولة مستقلة ذات سيادة.

على أيّة حال، يرى بركة في تصريحاته التي خصّ بها "حفريات"، أنّه يمكن النظر إلى زيارة رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، إلى تركيا برفقة وفد حكومي موسع، من خلال منظور اقتصادي، حيث تطع تركيا إلى حد كبير، في حصد أقصى ما يمكن التهامه من العقود في ليبيا، وربما يتجلى ذلك بوضوح، من خلال جملة العقود، التي أبرمت بين الجانبين، في حضور الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية