ما الذي يمكن لابن بطوطة أن يخبرنا عن السياحة اليوم؟

ما الذي يمكن لابن بطوطة أن يخبرنا عن السياحة اليوم؟

ما الذي يمكن لابن بطوطة أن يخبرنا عن السياحة اليوم؟


28/02/2024

ترجمة وتحرير: محمد الدخاخني

أعظم رحّالة جلبه العالم العربيّ على الإطلاق قام بالأشياء ببطء. على الرّغم من أنّ ابن بطوطة - المولود قبل 719 عاماً هذا الأسبوع - سافر من موطنه في طنجة عبر شمال أفريقيا، والشّرق الأوسط، والهند، وشرق آسيا في زمنه، فإنّه استغرق 28 عاماً للقيام بذلك.

لا يمكن قول الشّيء نفسه عن الرّحالة الحديث. على الرّغم من أنّ «كوفيد-19» والانكماش الاقتصاديّ العالميّ النّاجم عنه قد أوقفا مسيرة السّياحة الجماعيّة التي يتّسم بها القرن الحادي والعشرون، فإنّها تعود الآن بقوّة، حيث يستفيد النّاس من أشكالٍ من التّكنولوجيا والنّقل بالكاد كان يمكن للعالِم، والمؤّلف، والمستكشف المغربيّ تخيّلها.

وفقاً لبيانات صدرت الشّهر الماضي عن «منظّمة السّياحة العالميّة» التّابعة للأمم المتّحدة، فإنّ عدد السّياح الدّوليين هذا العام يمكن أن يصل إلى 80 إلى 95 في المائة من مستويات ما قبل الجائحة.

900 مليون سائح

في كلّ تاريخ البشريّة، لم تكن رؤية العديد من البلدان في وقت قصير بهذه السّهولة. تقول الأمم المتّحدة إنّ أكثر من 900 مليون سائح سافروا دوليّاً العام الماضي - وهذا ضعف العدد المسجّل في عام 2021. وقد سجّلت كلّ منطقة زيادات ملحوظة. شَهِد الشّرق الأوسط أقوى ارتفاع نسبيّ، حيث ارتفع عدد الوافدين إلى المنطقة إلى 83 في المائة من أرقام ما قبل «كوفيد-19».

تصوير من القرن التاسع عشر لابن بطوطة

بيْد أنّ المرشدين السّياحيّين، وأصحاب الفنادق، والسّائقين، والمطاعم - ناهيك عن عشرات المهن الأخرى التي تعتمد على السّياحة - سيرحّبون بهذه العودة، فإنّها يجب أن تأتي مع تحذير بشأن الجانب السّلبيّ المحتمل للسّفر الجماعيّ.

اسأل أحد سُكّان مدينة البندقيّة، على سبيل المثال. المدينة العائمة - وهي «موقع تراث عالميّ» مسجّل لدى اليونسكو - تعرّضت لجحافل من الزّوار في الأعوام الأخيرة، حيث وصل عدد الوافدين إليها من السّياح المحلّيّين والدّوليّين إلى 2.1 مليون في عام 2021. كان الكثيرون منهم ينسكبون من السّفن السّياحيّة الضّخمة الرّاسية في بحيرة البندقيّة حتّى حظرت الحكومة الإيطاليّة في نهاية المطاف السّفن التي تزن أكثر من 25000 طن من الإرساء.

السكّان الغاضبون من السياحة

برشلونة وجهة أوروبيّة أخرى أعلنت استسلامها. عدد سكّانها البالغ 1.6 مليون نسمة فقط تقزّم في عام 2019 مقابل 8.5 مليون سائح دوليّ، وفقاً لبيانات مجلس المدينة. في نهاية المطاف، لجأ السّكّان الغاضبون واليساريّون المحلّيّون إلى تعليق لافتات ونشر كتابات على الجدران تُخبر بصراحة آلاف الضّيوف غير المرغوب فيهم بالعودة إلى ديارهم.

العديد من جزر اليونان عانت ضغوطاً مماثلة. من بين بعض أجمل الأماكن في العالم، غالباً ما تضطرّ هذه الأماكن الجذّابة للزّوار الدّوليّين إلى تحمّل ازدحام الشّوارع وتراكم البشر على الشّواطئ. ويعمل الكثير منها إلى حدّ كبير في ظلّ اقتصاد موسميّ عرضة لأهواء السّوق السّياحيّة أو أزمات السّفر العالميّة، مثل تلك التي سبّبها «كوفيد-19».

حتّى ابن بطوطة واجهته تحدّيّات تجمّع حشود من النّاس في المكان نفسه. عند وصوله إلى القاهرة - «أمّ البلاد» - اندهش من «ارتفاع الحشود مثل أمواج البحر…»

في العام الماضي، أغلقت السّلطة الإقليميّة لجزيرة كريت جزيرةً بأكملها أمام السّيّاح. كريسي، وهي موقع غير مأهول على بعد حوالي 15 كيلومتراً جنوب البرّ الرّئيس لجزيرة كريت، كانت تستقبل 200 ألف زائر سنويّاً حتّى أصبح من الواضح أنّ شواطئها الذّهبيّة وبيئتها الطّبيعيّة - بما في ذلك غابة أَرز عمرها 300 عام - بحاجة إلى وقت للاستراحة.

يلعب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي دوراً هنا. يمكننا نشر الصّور، ومقاطع الفيديو، والقصص عن رحلاتنا في الوقت الفعليّ للقيام بها. وبالفعل نقوم بذلك. لكن لم يكتمل كتاب ابن بطوطة - «تحفة النّظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» - حتّى عام 1355، بعد ثلاثة عقود من بدء رحلته الأولى.

اليوم، تُرسل قصص الرّحلات بشكل مباشر وفوريّ إلى هواتف الأصدقاء، والعائلة، والزّملاء، وحتّى الغرباء تماماً. يتحوّل غروب الشّمس الرّيفيّ على جزيرة سانتوريني إلى صافرة إنذار تشجّع الآخرين على حجز رحلتهم. تتمثّل الصّورة الأكثر واقعيّة في لَفّ الهاتف 180 درجة والتقاط صور للعشرات من الزّوار الآخرين الذين ينتظرون ويتنافسون على دورهم في توثيق ومشاركة تجربة «فريدة».

يتزاحم السائحون في البندقية على جسر بينما تصطف عربة الجندول تحتها

هذا ليس هجوماً على مَن يريدون قضاء عطلة. فالسّفر نكهة الحياة. والوصول إلى وجهة مفضّلة أو استكشاف جزء جديد من العالم يُعدّ تجربة عميقة تثبّت انتباهنا في الوقت الحاضر، حيث توقظ المشاهد، والأصوات، والأذواق غير المألوفة حواسنا. وحقيقة أنّنا نقوم بذلك غالباً بصحبة شخص مقرّب تزيد من قيمة التّجربة وتبني ذكريات مشتركة.

السّياحة، أيضاً، شريان حياة اقتصاديّ لملايين الأشخاص. قدّر «المجلس العالميّ للسّفر والسّياحة» العام الماضي أنّه قبل الجائحة كانت أكثر من وظيفة من بين كلّ 10 وظائف في جميع أنحاء العالم، وكان أكثر من 10 في المائة من النّاتج المحلّيّ الإجماليّ العالميّ، على صلة بهذه الصّناعة.

الشّواطئ مكبّات نفايات

لكن أيّ سلعة مطلوبة بشدّة يمكن أن تشوّه السّوق. في حالة السّياحة الزّائدة، يمكن أن يكون لذلك تأثير سلبيّ على المجتمعات المضيفة وتغيير طبيعة الوجهات. وفقاً لـ«شراكة السّياحة المسؤولة»، وهي خدمة استشاريّة، «يُهجَّر السّكّان المحلّيّون بسبب إيجارات العُطَل غير المنظّمة على نحو متزايد، ويُسحَق العُشب حتى تصبح الأرض عارية، وتتحوّل الشّواطئ إلى مكبّات نفايات. والمحلّات التّجارية التي كانت تلبّي احتياجات السّكان تحلّ محلّها منافذ بيع سلع باهظة الثّمن أو رديئة للسّيّاح».

لحسن الحظّ، يبدو أنّ هناك وعياً بضرورة حُسن تدبير السّياحة. أعلنت الأمم المتّحدة يوم 17 فبراير «اليوم العالميّ للمرونة السّياحيّة» في محاولة لجعل السّفر أكثر استدامة. وقد دعمت أكثر من 90 دولة هذه المبادرة، واستضافت جامايكا أوّل مؤتمر عالميّ لمرونة السّياحة.

مدينة البندقيّة، تعرّضت لجحافل من الزّوار في الأعوام الأخيرة، حيث وصل عدد الوافدين إليها من السّياح المحلّيّين والدّوليّين إلى 2.1 مليون في عام 2021

قال زوراب بولوليكاشفيلي، الأمين العام لـ«منظّمة السّياحة العالميّة»: «إنّ السّياحة لن تكون مستدامة إلّا إذا طوِّرت وأُديرت بشكل يراعي كلّاً من الزّوار والمجتمعات المحلّيّة».

حتّى ابن بطوطة واجهته تحدّيّات تجمّع حشود من النّاس في المكان نفسه. عند وصوله إلى القاهرة - «أمّ البلاد» - اندهش من «ارتفاع الحشود مثل أمواج البحر…».

ستظلّ المواقع الجميلة والتّاريخية مغرية دائماً، لكن لكي تظلّ ممتعة فإنّ ذلك سيتطلّب إدارةً متعقّلة لحشود السّيّاح في العصر الحديث.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ديكلان ماكفي، ذي ناشونال، 23 شباط (فبراير) 2023



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية