ما العلاقة بين تغير المناخ والاستعمار؟

ما العلاقة بين تغير المناخ والاستعمار؟

ما العلاقة بين تغير المناخ والاستعمار؟


12/11/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

في وقتٍ تتشكّل فيه مفاوضات المناخ من خلال انشغالات بشأن التّفاوت بين البلدان ما بعد الصّناعيّة في «الشّمال العالميّ» والاقتصادات النّاشئة في «الجنوب العالميّ»، فإنّ مؤتمر الأمم المتّحدة، «كوب27»، في شرم الشّيخ يتناول، أخيراً، تعويض الدّول والمجتمعات التي تأثّرت سلباً بتغيّر المناخ.

من موجات الحرّ غير المسبوقة في جميع أنحاء العالم، والأمطار الغزيرة والفيضانات الشّديدة التي تؤثر على ملايين الأشخاص في باكستان، لا يمكن إنكار أن تغيّر المناخ يمثل تهديداً كبيراً للمجتمعات المُعرقَنة والمُهمَّشة في جميع أنحاء العالم. وغالباً ما توجد هذه المجتمعات في بيئات ملوّثة لها تأثير سلبيّ على رفاهيّتها.

علاوةً على ذلك، يُعاني «الجنوب العالميّ» بشكل غير متناسب من تأثير ارتفاع درجات الحرارة الذي يغذّي التّدهور البيئيّ، والكوارث الطّبيعيّة، والظّروف المناخيّة المتطرّفة، وانعدام الأمن الغذائيّ والأمن المائيّ، والاضطّراب الاقتصاديّ، والصّراع.

«الشّمال العالميّ»

لفترة طويلة، تجاهلت حكومات أوروبا وبقيّة «الشّمال العالميّ» العلاقة بين التّأثير غير المتناسب للدّمار البيئيّ، والاستعمار، والاستغلال الاقتصاديّ.

تغيّر المناخ يمثل تهديداً كبيراً للمجتمعات المُعرقَنة والمُهمَّشة في جميع أنحاء العالم

يوم الأحد، 6 تشرين الثّاني (نوفمبر)، (استضافت) مصر القمّة السّابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف، بناءً على طموحات سابقة. لأوّل مرّة، يواجه الاتّحاد الأوروبيّ ضغوطاً لتخفيف مقاومته لتعويض أفقر دول العالم عن الخسائر والأضرار التي سبّبتها الفيضانات، وارتفاع منسوب البحار، والتّأثيرات الأخرى التي غذّتها أزمة المناخ.

«مبادرة الاعتدال للعدالة العرقيّة»، التي أُطلِقَت قبيل هذه المناقشة، وغيرها من المنظّمات، تدعو القادة الأوروبيّين لمعالجة التّأثير المستمر للاستعمار والاستغلال من خلال مقاربة تتعلّق بـ«الخسائر والأضرار».

تقرير: في عام 2019 نزح 24.9 مليون شخص في 140 دولة بسبب أخطار مرتبطة بالطّقس، وأنّه من دون اتّخاذ إجراءات كافية، سيستمرّ العدد في الزّيادة

وفيما يلي خمس طرق يمكن للاتّحاد الأوروبيّ من خلالها تعويض المجتمعات والدّول المتضرّرة من تغيّر المناخ.

أولاً، تحمّل المسؤوليّة التّاريخيّة عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجويّ. أحد العوامل المشتركة بين العديد من المستعمرَات السّابقة التي تتأثّر بشكل مفرط بتغيّر المناخ هي بصمة الكربون الصّغيرة نسبيّاً. تعتبر الدّول الأوروبيّة مسؤولة تاريخيّاً عن 22 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالميّة. ومع ذلك، وعلى النّقيض من ذلك، فإنّ المساهمة التّاريخيّة من البلدان الأفريقيّة، التي كان العديد منها مستعمرات سابقة، لا تزيد عن 3 في المائة مجتمعة.

المجتمعات المُعرقنة والمُهمَّشة

الخسائر والأضرار ليست مشكلات نظريّة أو مستقبليّة، ولكنّها حقيقة تؤثّر على المجتمعات المُعرقنة والمُهمَّشة في جميع أنحاء العالم، لا سيما في الجنوب العالميّ.

ثانياً، الاعتراف بالاستغلال الاستعماريّ للدّول. يشير تعبير «الاستعمار الأوروبيّ» إلى فعل استغلال أرض وموارد يعتمد عليها آخرون بالفعل. يؤدّي استخراج موارد مثل النّفط والغاز إلى انقراض الكائنات، وإزالة الغابات، والتّلوّث. خذ على سبيل المثال دلتا النّيجر التي تُعدّ واحدة من أكثر الأماكن تلوّثاً على وجه الأرض بسبب إهمال شركة شل البريطانيّة. تشير التّقديرات إلى أنّه قد سُكب هناك أكثر من 17.5 مليون لتر من النّفط، ممّا أسفر عن مقتل أنظمة بيئيّة بأكملها، واقتلاع عائلات، وتسبّب في أضرار لا يمكن إصلاحها.

استخدم «الشّمال العالميّ»، أيضاً، «الجنوب العالميّ» كمكان للتّخلّص من نفاياته غير المرغوب فيها. أدّت هذه الإجراءات إلى تمزيق المجتمعات المحلّيّة التي تعيش على الأراضي وكذلك تدمير النّظم البيئيّة.   

الهجرة أمر لا مفرّ منه مع ارتفاع درجات الحرارة في العالم

لأوّل مرّة، أدرج تقريرٌ حديثٌ لعام 2022 من «الهيئة الحكوميّة الدّوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ» التّابعة للأمم المتّحدة الاستعمارَ كمحرّك لأزمة المناخ وكمشكلة مستمرّة تؤدّي إلى تُفاقم هشاشة المجتمعات أمام أزمة المناخ.

يؤكّد هذا على المطالبة الملحّة بأن تتحمّل حكومات «الشّمال العالميّ» المسؤوليّة التّاريخيّة وتُعالج عدم التّوازن هذا. من واجب هذه الحكومات تخصيص التّمويل، الذي يأتي من الأرباح الزّائدة لشركات الغاز والنّفط المسؤولة عن تغيّر المناخ، لتلك الدّول التي كانت ولا تزال مستغلّة.

ثالثاً، تقديم تعويضات عمّا هو أكثر من الخسائر في الأرواح، والبنية التّحتيّة، والأراضي.

من واجب "حكومات الشمال العالمي" تخصيص التّمويل، الذي يأتي من الأرباح الزّائدة لشركات الغاز والنّفط المسؤولة عن تغيّر المناخ، لتلك الدّول التي كانت ولا تزال مستغلّة

عانى من تأثروا من أفراد، ومجتمعات، ودول بشكل مباشر من تغيّر المناخ بطرق لا يمكن تصوّرها. فقد الكثيرون أرواحهم أو أحباءهم، ومنازل، ووظائف، وأراض. أولئك الذين «نجوا» تمكّنوا من ذلك من خلال أسلوب حياة مختلف ومضطّرب: بالنّسبة إلى كثيرين، يعني هذا التّهجير، والانفصال الأسري، وتحطُّم الممارسات الثّقافيّة. يجب أن يأخذ أي قرار ماليّ يتعلّق بالخسائر والأضرار ذلك في الاعتبار.

رابعاً، إدراك أنّ «التّكيّف» له حدود. طوّرت الدّول والمجتمعات حلولاً للتّكيّف ونفّذت إجراءات للاستجابة للآثار الحالية لتغيّر المناخ، بالإضافة إلى الاستعداد للتّأثيرات المستقبليّة. ومع ذلك، فإنّ للتّكيّف حدوده ولا يمكن لأيّ قدر من المرونة أن يعيق الآثار المادّيّة لتغيّر المناخ.

يجب أن يخلق الاتّحاد الأوروبيّ آلية ماليّة منفصلة تعالج الخسائر والأضرار، بالإضافة إلى التزامات التّكيّف والتّسكين الحالية.

خامساً، وأخيراً، تسهيل الهجرة الحتميّة. يؤدّي الاتّجاه المتسارع للنّزوح العالميّ المرتبط بتأثيرات المناخ إلى زيادة التّحرّكات عبر الحدود، لا سيما عندما يتفاعل تغيّر المناخ مع الصّراع والعنف.

أفادت «مفوضيّة الأمم المتّحدة السّاميّة لشؤون اللاجئين» أنّه في عام 2019 نزح 24.9 مليون شخص في 140 دولة بسبب أخطار مرتبطة بالطّقس، وأنّه من دون اتّخاذ إجراءات كافية، سيستمرّ العدد في الزّيادة.

143 مليون شخص مهددون بالاقتلاع

من المتوقّع، خلال الثّلاثين عاماً القادمة، أن يُقتلع 143 مليون شخص من جذورهم بسبب ارتفاع منسوب مياه البحار، والجفاف، ودرجات الحرارة المرتفعة، وكوارث مناخية أخرى، وفقاً لتقرير «اللجنة الحكوميّة الدّوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ» لعام 2022.

يحتاج الاتّحاد الأوروبيّ إلى تنفيذ سياسة هجرة تعطي الأولوية لممر آمن لجميع الأشخاص

الهجرة أمر لا مفرّ منه مع ارتفاع درجات الحرارة في العالم. ويحتاج الاتّحاد الأوروبيّ إلى تنفيذ سياسة هجرة تعطي الأولوية لممر آمن لجميع الأشخاص، بمن فيهم النّازحون قسراً بسبب الأضرار البيئيّة، وإنقاذ الأرواح من خلال تقصير إجراءات اللجوء المعقّدة.

إنّ فهم الرّوابط بين العدالة العرقيّة والأضرار البيئيّة أمر ضروريّ للاتّحاد الأوروبيّ لتنفيذ التزامات فعّالة. ويجب أن ينعكس هذا في سياساته المتعلّقة بأزمة المناخ.

حان الوقت لأن تقوم  أكثر الدّول المتسبّبة في غازات الاحتباس الحراريّ في العالم بتعويض المجتمعات والدّول المتأثّرة بشكل مباشر بتغيّر المناخ. ويجب أن يكون الاتّحاد الأوروبيّ مثالاً يُحتذى به لتحقيق ذلك والالتزام بتمويل كافٍ للخسائر والأضرار في «كوب27».

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

سارة شندر، إي يو أوبزرفر، 4 تشرين الثّاني (نوفمبر) 2022



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية