ما دلالات إحياء فرع لتنظيم داعش داخل لبنان؟

ما دلالات إحياء فرع لتنظيم داعش داخل لبنان؟

ما دلالات إحياء فرع لتنظيم داعش داخل لبنان؟


15/01/2023

لا تتوقف التحذيرات الدولية خشية معاودة تنظيم داعش الإرهابي نشاطه داخل حدوده الجغرافية التقليدية بمنطقة الشام، وفي لبنان الذي يعاني ظروفاً غير مستقرة على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي، ويخشى المراقبون أن يمثل لبنان بيئة خصبة لاستئناف نشاط التنظيم خلال العام الجاري 2023، خاصة بعد الإعلان رسمياً عن تأسيس ما سمّوه "ولاية لبنان" في 9 كانون الأول (ديسمبر) الماضي. 

وفي خضم تهاوٍ شبه كامل للوضع الاقتصادي في لبنان، فضلاً عن تنامي الأسباب المؤدية لتعميق الأزمة السياسية بين مختلف مكونات النسيج السياسي في البلاد، وما يترتب عليه من هشاشة أمنية، أعلن تنظيم داعش نهاية العام الماضي، تحديداً بعد الإعلان عن تولي أبو الحسين الحسيني القرشي قيادة التنظيم في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أعلن أنّ مجموعة قد بايعته من لبنان، وهو ما عُدّ إعلاناً رسمياً عن تأسيس فرع جديد للتنظيم.

ويثير هذا الإعلان عدة مخاوف وقلقاً إقليمياً ودولياً متصاعداً، خشية توظيف الظرف السياسي والأمني، وكذلك الأزمة الاقتصادية في البلاد، لإحياء نشاط التنظيم، الذي فشل حتى الآن في عودة نشاطه داخل سوريا والعراق.

وكان فرع التنظيم في لبنان قد توقف نشاطه منذ عام 2017 في أعقاب عملية تحرير الموصل، إلا أنّ عناصره عاودوا النشاط بشكل متقطع منذ عام 2019، إلى أن تم الإعلان رسمياً عن مبايعة القرشي، ممّا اعتبره مراقبون إحياءً جديداً للفرع على الأراضي اللبنانية.

مظاهر عودة التنظيم

في محاولته للإعلان عن نفسه داخل لبنان، نفذ تنظيم داعش سلسلة من العمليات داخل البلاد، تزامنت مع تفاقم الأزمة السياسية في أعقاب انفجار مرفأ بيروت في عام 2020.

كان فرع التنظيم في لبنان قد توقف نشاطه منذ عام 2017 في أعقاب عملية تحرير الموصل

آخر هذه التحركات كان في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حين أعلنت قوى الأمن الداخلي في لبنان القبض على (30) شخصاً غالبيتهم من اللبنانيين، كانوا يخططون لعمليات تستهدف مراكز عسكرية وأمنية وتجمعات دينية ومدنية، بحسب ما أوردته دراسة حديثة نشرها مركز الأهرام للدراسات، للباحث في الحركات الإرهابية أحمد كامل البحيري.

وقد أعلن وزير الداخلية اللبناني القاضي بسّام مولوي، في بيان رسمي، أنّ شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي تمكنت من تنفيذ عمليات نوعية استباقية دقيقة خلال صيف عام 2022 اعتباراً من شهر تموز (يوليو) حتى شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، أسفرت عن رصد وتحديد وتوقيف (8) خلايا إرهابية في مختلف المناطق اللبنانية (البقاع ـ بيروت ـ الشمال - الجنوب ـ جبل لبنان) ينتمي أعضاؤها إلى تنظيم داعش.

 وبلغ عدد موقوفي هذه الشبكات (30) إرهابياً غالبيتهم من الجنسية اللبنانية، إضافة إلى آخرين من الجنسيّات السورية والفلسطينية، وتبيّن من خلال التحقيقات معهم أنّه خلال تواصلهم مع قيادات التنظيم في الخارج يشدّدون على البقاء في لبنان بغية تنفيذ أعمال إرهابية فيه، كون الظروف في هذا البلد قد أصبحت مواتية لذلك في رؤيتهم.

 دلالات العودة

أورد الباحث بالتنظيمات الإرهابية أحمد كامل البحيري، في دراسته المنشورة تحت عنوان "لماذا عاود تنظيم داعش الظهور في لبنان؟" أورد عدّة دوافع حول عملية المبايعة الأخيرة لفرع لبنان.

تُعتبر البيئة في شمال وغرب ووسط لبنان إحدى أهم البيئات الجاذبة للعناصر المتطرفة والإرهابية، وتُعدّ من أهم الساحات المُفرِزة لعناصر متطرفة

 أوّل هذه الدوافع، بحسب البحيري، هو محاولة إثبات النفوذ، مع تراجع قدرات تنظيم داعش خلال الأعوام الـ (3) الماضية نتيجة الضربات الأمنية ومقتل الكثير من قيادات التنظيم، وبشكل خاص إعلان مقتل (2) من قياداته في عام واحد، فإنّ ذلك دفعه إلى الإعلان عن فرع جديد، كنوع من إثبات النفوذ والقدرة أمام العالم، وخصوصاً أنّ هذه الخطوة تزامنت مع إعلان التنظيم عن تأسيس فرعين جديدين في "الساحل" و"موزمبيق" منذ أقل من (3) أشهر.

 استغلال الفراغ المؤسسي

 يتزامن إعلان تنظيم داعش عن فرعه الجديد في لبنان مع تعرّض الأخير لفراغ دستوري ومؤسسي يتمثل في خلو منصب رئيس الجمهورية، ووجود حكومة مستقيلة غير قادرة على الانعقاد، مع تشكيك بعض القوى السياسية في صلاحيتها باعتبارها حكومة "تسيير أعمال"، مع برلمان منقسم بشكل كبير وغير قادر على اتخاذ قرارات وسنّ تشريعات، وهو ما يبدو أنّه ساعد التنظيم، وبشكل كبير، على إعلان تأسيس فرع لبنان، وفق الدراسة.

البحيري: داعش يحاول، عبر إعادة التموضع في لبنان، استكمال محور "العراق سوريا لبنان"

 كما تُعتبر البيئة في شمال وغرب ووسط لبنان إحدى أهم البيئات الجاذبة للعناصر المتطرفة والإرهابية، وتُعدّ من أهم الساحات المُفرِزة لعناصر متطرفة، ويُعتبر تجنيد أعضاء جُدد للتنظيم الإرهابي هدفاً مهماً، خاصةً في ظل الخسائر الفادحة التي تعرّض لها، ممّا يجعل من التركيز على استقطاب عناصر من المقاتلين الجدد مهمة رئيسية للتنظيم.

 توظيف الغضب الشعبي

ويحاول التنظيم، وفق الدراسة، استغلال حدة الغضب الشعبي مع ارتفاع وتيرة التظاهرات والغضب الشعبي المستمر منذ ما يقرب من (3) أعوام في لبنان ضد الأوضاع السياسية والاقتصادية، وتأزم الصراع الدائر بين القوى السياسية، وانشغال أجهزة الأمن بتداعيات انفجار مرفأ بيروت، والاحتجاجات والتظاهرات الشعبية.

البحيري: تحركات داعش لا تكفي لتعزيز نشاط التنظيم داخل لبنان فذلك مرتبط بمتغيرات عديدة؛ منها مدى القدرة على توجيه ضربات قوية لقادته وكوادره من جانب أجهزة الأمن اللبنانية

 

 وقد بدأ التنظيم في محاولة اختراق الساحة اللبنانية والاستفادة من هذه التظاهرات لاستقطاب عناصر جديدة نتيجة حالة الغضب الشعبي التي يمكن أن تساعد تنظيم داعش على تأسيس نقاط ارتكاز جديدة للتنظيم في الشمال اللبناني "طرابلس وعكار"، وهي المناطق التي تعاني حالة من تردي الأوضاع بشكل غير مسبوق، سواء على مستوى الخدمات، أو على صعيد عدم توافر السلع.

استكمال "الهلال الداعشي"

يشير الكاتب أيضاً إلى محاولة داعش، عبر إعادة التموضع في لبنان، إلى استكمال محور "العراق سوريا لبنان" ليكمل ما يطلق عليه التنظيم "محور الشام الكبرى" أو "الهلال الداعشي"، ليتمكن التنظيم من إثبات النفوذ والسيطرة والهيمنة في ظل هزيمة استراتيجية "التمكين والخلافة" في مرحلة ما بعد سقوط الباغوز في آذار (مارس) 2019.

كما يحاول داعش من خلال ذلك توجيه بعض الرسائل إلى فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية؛ مفادها أنّ التظيم ما يزال الأقوى في المنطقة، والقادر على إعادة الانتشار وتنفيذ العمليات الإرهابية، على الرغم من سقوط ما تُسمّى "دولة الخلافة الداعشية" في الباغوز في آذار (مارس) 2019، ومقتل العديد من قيادات الصف الأول من التنظيم خلال المرحلة الماضية.

هشاشة الحدود والفراغ الأمني

ويشير الباحث إلى أنّ الحدود بين لبنان وسوريا هشة، بما يعني أنّها تساعد على حرية الحركة لعناصر وأفراد تنظيم داعش للانتقال عبر الحدود، بجانب قرب تمركز عناصر التنظيم في الشمال وغرب ووسط لبنان من تمركزه في سوريا، حيث يعتبر فرع التنظيم في سوريا واحداً من أقوى أفرع التنظيم على مستوى الإقليم.

 الحدود بين لبنان وسوريا هشة

مع تصاعد العمليات العسكرية من قبل القوات السورية والتحالف الدولي ضد داعش في سوريا، بدأ التنظيم في تعزيز تواجده في الداخل اللبناني وبعض أفرع التنظيم الأخرى مثل أفريقيا وأفغانستان، وذلك بهدف تقليص حدة الضغط على التنظيم المركزي في سوريا.

ورغم التحركات وتعدد دوافع العودة، يرى البحيري أنّ هذه الخطوات قد لا تكفي لتعزيز نشاط التنظيم داخل لبنان؛ إذ إنّ ذلك مرتبط بمتغيرات عديدة؛ منها مدى القدرة على توجيه ضربات قوية لقادته وكوادره من جانب أجهزة الأمن اللبنانية، فضلاً عن مدى قدرة التنظيم على مواصلة استغلال الانقسامات السياسية من أجل توسيع نطاق نفوذه في المرحلة القادمة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية