ما دور الأعمال البحثية في مواجهة تزييف الوعي الإسلاموي؟

دور الأعمال البحثية في مواجهة تزييف الوعي الإسلاموي

ما دور الأعمال البحثية في مواجهة تزييف الوعي الإسلاموي؟


14/05/2023

تروم هذه المقالة اقتراح أحد المفاتيح التي نزعم أنّها تساعدنا في التصدي لآثار تزييف الوعي الممارس باسم الدين، سواء تعلق الأمر بتزييف وعي هدفه التصدي لتديّن شعوب المنطقة العربية مثلاً، أو كان هدفه تقويض مؤسسات الدولة، ضمن أنماط أخرى من التزييف قاسمها المشترك تفعيل شعار الأسلمة في شقها الإيديولوجي، أي التي تحيل على أيّ حركة إسلامية تريد أسلمة المجتمع والنظام والدولة.

صحيح أنّ التعامل مع هذه الجماعات والتيارات متعدد الأوجه، وإن كانت الغلبة للمجال الديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، تفاعلاً مع خلاصات العديد من الدراسات والأبحاث التي تذهب إلى أنّ أهم أسباب ظهور وانتشار الإسلاموية تدور في فلك محددات دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية، وبالتالي الاشتغال النظري والعملي يهم هذه المحددات الـ (4) بالدرجة الأولى.

على سبيل المثال، في الشقّ الاجتماعي، مباشرة بعد اعتداءات 16 أيار (مايو) 2003، أطلق المغرب مشروع "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، في سياق التصدي للشقّ الاجتماعي الذي تشتغل عليه بعض الجماعات الإسلامية، موازاة مع الشقّ الديني الذي كان عنوانه "إعادة هيكلة الحقل الديني"، أو الشقّ السياسي الذي جاء عبر السماح لحزب سياسي إسلامي بالانخراط في العمل السياسي، والمقصود هنا حركة "التوحيد والإصلاح" وحزب "العدالة والتنمية"، مقابل عدم الاعتراف بجماعة "العدل والإحسان" لأنّها تدعو إلى ما تسميه "الخلافة على منهاج النبوة" ضمن قلاقل أخرى تخوّل للسلطة، دستورياً على الأقل، عدم الاعتراف بها، بصرف النظر عن وجود قيادات للجماعات في بعض مؤسسات الدولة، وخاصة المؤسسات التعليمية.

هذه بعض أوجه المواجهة، إن صحّ التعبير، ولكنّ هناك وجهاً مهمّاً جداً لا يقلّ أهمية، عنوانه المواجهة الفكرية، وقد أحلنا قبل قليل على حضور رموز إسلاموية في المؤسسات التعليمية، ومعلوم دور هذه المؤسسات، سواء تعلق الأمر بالمؤسسات الجامعية، أو كان يهم أولى أعوام الدراسة، في تكوين شخصية التلميذ (ة)، أو "تكوين العقل" بتعبير الراحل محمد عابد الجابري في رباعية "نقد العقل العربي".

في هذا السياق بالتحديد، نزعم أنّه من المهم الرهان على إدراج بعض الأعمال البحثية النوعية التي تعجّ بها الساحة، ضمن مقررات التدريس بهذه المؤسسات التعليمية، والنموذج هنا مع شعبة الدراسات الإسلامية في الساحة المغربية، وهي الشعبة التي اشتهرت بأنّها كانت من الأبواب التي انتشرت عبرها الإسلاموية في المؤسسات الجامعية والمراكز البحثية، بدليل وجود العديد من الرموز الإسلاموية في شعب تدريسها.

التعامل مع الجماعات والتيارات الإسلاموية متعدد الأوجه وإن كانت الغلبة للمجال الديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي

نقول هذا، مع الأخذ بعين الاعتبار الأدوار التي قامت بها الشعبة في مرحلة زمنية ما؛ لأنّ تأسيسها منذ عقود مضت كان يروم المساهمة في التصدي النظري والميداني لصعود أسهم الإيديولوجيات اليسارية، من ماركسيين واشتراكيين وغيرهم، ونسبة من هذه الإيديولوجيات كانت تروم الانقلاب على مؤسسات الدولة، خاصة مع ارتفاع أسهم المدّ اليساري في المنطقة العربية، إضافة إلى تورط بعض القادة العرب في صراعات سياسية مباشرة ضد الدولة المغربية، على عهد الملك الحسن الثاني.

تغيرت الأوضاع لاحقاً، لكنّ بقاء شعبة الدراسات الإسلامية في مرحلة التقليد والاجترار من جهة، وتكريس انتشار الإسلاموية مع نسبة من مسالك الشعبة من جهة ثانية، تسبب في عدة قلاقل، لا شك أنّها من بين الأسباب التي جعلت الوزير الوصي على تدبير الحقل الديني أحمد التوفيق، يلقي محاضرة بعنوان "الدراسات الإسلامية إلى أين؟" في 15 كانون الأول (ديسمبر) 2021، مقترحاً مجموعة من المخارج العملية، كانت سبباً وراء صدور عدة مقالات عن أقلام إسلاموية مغربية، في منابر الداخل والخارج، بما في ذلك المنابر اللندنية التابعة للمشروع الإخواني مثلاً، أو المتحالفة معه.

بين أيدينا مجموعة من الأمثلة التي تخدم خيار المواجهة سالف الذكر، ونتوقف عند نموذجين اثنين:

ـ نبدأ بأعمال الباحث محمد التهامي الحراق، وخاصة رباعية "إنّي ذاهب إلى ربّي" (2016)؛ "مباسطات في الفكر والذكر" (2019)؛ "في الجمالية العرفانية: من أجل أفق إنسي روحاني في الإسلام" (2020)؛ وأخيراً كتاب "الأنوار لا تتزاحم: من أجل أفق تحريري بالدين لا من الدين" (2022).

من بين أهمّ القواسم المشتركة في هذه الإصدارات أنّها تروم توسيع وتعميق الأفق المعرفي النقدي والروحاني، والمنشغل بالإسهام في تجديد الخطاب الديني، من خلال ثلاثية حاضرة في مجمل الإصدارات الـ (4)، وهي ثلاثية العقلنة والروحنة والجمال، وليس مصادفة أنّ الكتاب الثالث في السلسلة "من أجل أفق إنسي روحاني في الإسلام" سوف تصدر ترجمته إلى اللغة الفرنسية في غضون الأسابيع المقبلة.

ـ أمّا النموذج الثاني، فإنّه يهمّ عملاً للباحث المغربي محسن المحمدي، وصدر في السعودية، بعنوان "الحداثة ومركزية الرؤية العلمية" (2022)، ويروم الكتاب تعريف المتلقي في المنطقة العربية على الأقل بالجذور العميقة للحداثة، بما أنّ أغلب الإصدارات التي تطرّقت إليها، تدور في فلك تجليات الحداثة أو مظاهرها، مقابل عدم الانتباه إلى أصولها أو جذوها، إن لم نتحدث عن الصمت المطبق عن تلك الأصول، ومعلوم أنّ هذه الأخيرة، أو قلّ النواة الصلبة للحداثة، تتمثل في العلم الحديث، وذلك ابتداءً من القرنين الميلاديين الـ (16) والـ (17)، ومن مفاتيح هذا العمل أنّ العلم ما يزال مستمراً في إنجازاته، وأسلوبه ما يزال يسري في مناحي الحياة وقطاعاتها كلها، ولذلك ستظل الحداثة قائمة ومهيمنة لا تهتز؛ وعليه، فالمعركة مع الحداثة، سواء في بُعدها الإيجابي أو السلبي، لن تثمر في عالمنا العربي الإسلامي، دون الخوض في دلالة العلم الحديث، والوقوف عند الزلزال والانقلاب العميق الذي أحدثه في رؤية العالم، وفي مناهج التفكير والمعرفة الحديثة والمعاصرة.

 

المعركة مع الحداثة، سواء في بُعدها الإيجابي أو السلبي، لن تثمر في عالمنا العربي الإسلامي، دون الخوض في دلالة العلم الحديث، والوقوف عند الزلزال والانقلاب العميق الذي أحدثه في رؤية العالم، وفي مناهج التفكير والمعرفة الحديثة والمعاصرة

هذا غيض من فيض لائحة من الأعمال البحثية النافعة التي نحسبُ أنّه من المفيد جداً العمل على ترويجها في المؤسسات الجامعية وشعب الدراسات الإسلامية، من أجل منافسة الخطاب الإيديولوجي سالف الذكر، وإن كنّا نعتقد أنّ هذه الأعمال وغيرها مفيدة لـ (3) فئات على الأقل، نذكرها باختصار شديد دون الخوض في التفاصيل والتيارات:

ـ تهمّ الفئة الأولى؛ الطلبة الجدد في شعب الدراسات الإسلامية، من الذين ما يزالون في مرحلة النهل البحثي، من دون مرجعيات إيديولوجية صريحة، بصرف النظر عن المرجعية الإيديولوجية هنا، وبالتالي لديهم قابلية للنهل النافع مع هذه الأعمال البحثية، والمساهمة بالتالي في تكوين مرحلة مناعة ضد الخطاب الإيديولوجي المعني.

ـ تهمّ الفئة الثانية؛ الطلبة أتباع الإيديولوجية الإسلاموية، من الذيم نهلوا وشرعوا في الدفاع عن مشروعهم الإيديولوجي، وهم أحرار في ذلك، سواء من منظور فلسفة الدين أو حتى من منظور الفلسفة السياسية؛ لأنّ ظاهرة الأصوات السياسية المعارضة لم يسلم منها أيّ مجال سياسي عبر التاريخ، بل عاينا ذلك حتى في الحقبة التي تلت البعثة النبوية عند المسلمين؛ أي حقبة الصراعات بين الصحابة، فالأحرى لاحقاً، ولكن من شأن اطّلاع هذه الفئة على هذه الإصدارات أن تساعدها في خيار المراجعات.

ـ الفئة الثالثة؛ تهمّ الرموز الإسلاموية في هذه المسالك الجامعية؛ حيث لم تخرج تبعات اطّلاع على هذه الرموز عن خيارين اثنين؛ يُفيد الأول أنّ التصلب الإيديولوجي عند نسبة من هذه الفئة، لا تنفع معه قراءة هذه الأعمال، خاصة إذا كان نهلها من أدبيات الإسلاموية يعود إلى عقود مضت؛ ويُفيد الخيار الثاني أنّه ثمّة احتمال، مع نسبة أخرى، أن تساهم قراءة هذه الأعمال في دفعها إلى مراجعة أفكارها، وإعادة النظر، ولو نسبياً، في أسُس خطابها ومشروعها، وليس مصادفة أنّنا عاينا هذه الظاهرة في الحالة المغربية، مع ما يُصطلح عليه إخوانياً بـ "تيار أكادير"؛ أي التيار الذي كان يضم مجموعة من الأسماء البحثية التي كانت محسوبة على حركة "التوحيد والإصلاح"، لكنّ انفتاحها النظري على أسماء بحثية من خارج الأفق الإيديولوجي الإسلاموي إجمالاً، كان سبباً في أخذها مسافة من الإيديولوجية الإسلاموية، ضمن أمثلة أخرى.

مواضيع ذات صلة:

مصادر الوعي الإسلامي بهيمنة الغرب المعاصر

ما بعد الإسلاموية وتبعات تزييف الوعي باسم الدين

الوعي... السلاح الغائب في مواجهة الإرهاب



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية