ما مدى جاهزية المجتمعات العربية والغربية لعودة نساء داعش؟

ما مدى جاهزية المجتمعات العربية والغربية لعودة نساء داعش؟


28/04/2022

سلّطت دراسة حديثة صادرة عن مركز تريندز للبحوث والاستشارات الضوء على أزمة العائدات من تنظيم داعش، والخطر الذي يمثلنه باعتبارهنّ قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، وتحتاج إلى خطة دولية عاجلة ومكتملة للتعامل الفوري معها ومعالجتها لتلافي مخاطرها المحتملة.

وفي دراستها المنشورة تحت عنوان "العائدات من "دولة الخلافة": الأسباب والإشكاليات"، ترى الأكاديمية أمل قرامي، أستاذ التعليم العالي في قسم اللغة العربية، بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بجامعة منوبة بتونس، أنّ "موضوع عودة "الداعشيات" يثير إشكاليات متعددة تتعلق بالمفهوم، وسوء الفهم وصعوبة تحديد انطلاق أولى عمليات العودة وأنواعها (فردية – جماعية – منظمة – غير منظمة، …) وصعوبة تحديد هويات "العائدات" وتصنيفهن بسبب قلّة الدراسات الميدانية في البلدان العربية مقارنة بالبحوث التي أجريت في أوروبا وآسيا وغيرها من البلدان فضلاً عن غياب الإحصائيات الدقيقة، وعدم ضبط المقاربة التحليلية إلى غير ذلك".

إشكالية حصر الأعداد

وأوردت الدراسة أنّ هناك اختلافاً في "أعداد الراغبات في العودة أو العائدات أو المرحّلات من بلد إلى آخر، ومن فترة تاريخية إلى أخرى ما بين الأعوام (2017 -2019) وكذلك من حيث طريقتها: منظمة ورسمية وتحت رعاية دولية أم غير منظمة وبطريقة غير شرعية يشرف عليها المهربون. ولكن الإشكال لا يتعلق بطريقة العودة بقدر ما يتصل بصعوبة حصر أعداد العائدين والعائدات، على الأقل في الوقت الحاضر". 

وبحسب الدراسة، "تشير التقديرات إلى أنّ 256 امرأة منهن فقط عدن إلى بلدانهن الأصلية وفقاً لمصادر مجهولة، ولا يزال هناك القليل من الدراسات والأدبيات الواصفة مصير حال النساء العائدات، ولا يوجد لهن إحصائية دقيقة بأعدادهن أو حتى مصائرهن بعد تفكك تنظيم "داعش"، ولا تزال هناك ندرة في الأرقام عن العائدات من الجماعات المتطرفة العنيفة".

 أغلب الدول العربية والإسلامية عجزت عن ضبط أعداد العائدات

وترى الباحثة أنه "في حال نجحت بعض الدول الغربية في تحديد قائمة العائدات، وهن فئة قليلة، فإنّ أغلب الدول العربية والإسلامية عجزت عن ضبط أعداد العائدات وقد أثر ذلك بداهة في مستوى البحوث المنجزة، في غياب الإحصائيات الدقيقة وتضاربها في بعض الأحيان، أدى إلى عجز الدارسين وواضعي السياسات عن تقديم بيانات واضحة تسمح بإجراء المقارنات".

وتقول الدراسة "إنّ الفتيات والنساء اللواتي يقبعن في السجون العراقية أو الليبية أو في المخيمات السورية أو في سجون إقليم كردستان لسن مجرد أرقام تحصى؛ إذ تلحّ الدراسات المتخصصة في النوع الاجتماعي والتطرف العنيف على اعتبارهن مستقلات يتعين التعامل معهن بإنصاف، ومنحهن فرصة التعبير عن تجاربهن مثلهن مثل الرجال العائدين الذين يخضعون لاستجوابات مطولة تعكس تمثلات سائدة تقرن الرجل بالعقل والفاعلية واتخاذ سلطة القرار، والشجاعة والعدوانية وغيرها من الصفات".

صدمة التديّن الزائف

وتوضح الدراسة طبيعة الصدمة التي تعرضت لها بعض النساء بعد انضمامهن للتنظيم؛ إذ ترى أنه "تبين من خلال التمحيص في شهادات بعض العائدات دور العواطف في اتخاذ القرارات؛ إذ كان دافع العودة لدى عدد من النساء الشعور بخيبة الأمل بعد اكتشاف حقيقة مشروع بناء دولة الخلافة وطبيعة المعاملات بين الناس على أرض الواقع". وتقول إحداهن: "ومع مرور الوقت بدأتُ أرى الظلم الذي يعانيه الشعب، ورأيتُ بعيني فرداً داعشياً يحذر سيدة تسير في الشارع دون أن تغطي عينيها ثم أطلق عليها النار لعدم استجابتها لأمره، إنّ التنظيم لا علاقة له بتعاليم الإسلام، إنه لا يعرف سوى الظلم والقهر وقتل الناس، لقد انضممنا إليه عام 2014 ولم نستطع الخروج منه، فهو يمنع الذهاب إلى الحدود. كان يمكنني أن أعيش ديني بجانب عائلتي، لقد فهمت هذا مؤخراً".

 تطرح الدراسة بعداً ذا أهمية خاصة يتعلق بمدى جاهزية المجتمعات المختلفة عربياً وغربياً لاستعادة النساء من تنظيم داعش

وبحسب الدراسة فإنّ "أحد أسباب العودة متصل كذلك بإدراك فئة من النساء بتحول مشروع استمرار دولة الخلافة إلى يوتوبيا أو انتباه بعضهن إلى أنّ مخاطر البقاء كثيرة وتعرض مشروع "الخلافة باقية وتتمدد" للانهيار؛ لذلك يقررن الرجوع استجابة لأوامر زعيم دولة الخلافة، حتى ينهضن بمهمة لا تقل عن الجهاد: تربية الأبناء في محيط آمن استعداداً لإقامة الدولة من جديد".

هل ثمة خطة مجتمعية لاستقبال العائدات؟ 

تطرح الدراسة بعداً ذا أهمية خاصة يتعلق بمدى جاهزية المجتمعات المختلفة عربياً وغربياً لاستعادة النساء من تنظيم داعش، موضحة أنه "وبغض النظر عن نيات العائدات وما يضمرنه فإنّ ما يسترعي الانتباه طريقة تقبّل مختلف المجتمعات للعائدات من بؤر التوتر والصراع وتعامل الحكومات معهن. فبينما ترفض مكونات المجتمع المدني في تونس مثلاً عودة "المجرمات" من خلال تنظيم المسيرات الاحتجاجية والضغط على الحكومة حتى لا تتولى تنظيم عودة "الإرهابيات" الداعشيات".

وتضيف: يرحب المجتمع السوداني برجوع النساء إلى عشائرهن، وهو ما دفع الروائي السوداني حمور زيادة إلى انتقاد هذه الطريقة في التعامل مع العائدات.

كان دافع العودة لدى عدد من النساء الشعور بخيبة الأمل بعد اكتشاف حقيقة مشروع بناء دولة الخلافة

يقول وفق الدراسة: "في دولة حقيقية كن (كذا) هؤلاء الفتيات سيخضعن لتأهيل نفسي، ولاستخراج معلومات أمنية وبحثية مفيدة، عن داعش، وعن كيف تم تجنيدهن؟، وعن سفرهن إلى ليبيا؟، وعن الإرهابيين هناك ومجتمعاتهم وتفاصيل حياتهم. هذا يحتاج إلى باحثين جادين لا مقابلات تلفزيونية. ولا يمكن استقبالهن بالزغاريد في ساحة المطار كأنهن رهائن محررات! إنهن عضوات في تنظيم إرهابي أيديهن ملوثة بدماء الأبرياء في ليبيا وفي أنحاء العالم. فإن لم يكن قتلن بأنفسهن فإنهن من أعددن الطعام والفراش للإرهابيين. هناك جرائم ارتكبت. فإن لم يعاقبن عليها وتم قبول عودتهن باعتبارها توبة، فلا أقل من ألا يُحتفى بهن كعائدات من الحجاز بعد زيارة شباك النبي".

بحسب الدراسة، فإنّ أحد أسباب العودة متصل كذلك بإدراك فئة من النساء بتحول مشروع استمرار دولة الخلافة إلى يوتوبيا أو انتباه بعضهن إلى أنّ مخاطر البقاء كثيرة

وترى الدراسة إنه لا شك أنّ عودة هؤلاء النسوة تشكّل معضلة أمام واضعي السياسات ومسؤولي تنفيذ القانون، ذلك أنّ بلداناً عدة لم يكن أمامها خيار إلا قبول مواطنيها. ولعل ما يسترعي الانتباه في هذا الأمر، غياب سياسة واضحة بخصوص كيفية التعامل مع العائدات والأطفال.

وتتابع: "فلئن حُوّل المتورطون في جرائم القتل وتسفير الشباب إلى السجون، فإنّ أكثر الزوجات والأمهات والفتيات لم يكن لهن سجل في الدوائر الأمنية وعلى هذا الأساس لا يمكن بأي حال، إثبات مدى تورطهن في ممارسة العنف. وقد يزداد الوضع تعقيداً عندما يزعم أغلبهن أنهن ضحايا". يقول مسؤول مغربي في هذا السياق: "كل النساء يخبرننا القصة ذاتها وهي أن أزواجهن قد سافروا سعياً وراء المكاسب المادية، وأنهن تبعنهم لأنه لم يكن أمامهن خيار آخر".

وتضيف: "أما العائدات اللواتي خضعن للمحاسبة وصدرت في شأنهن أحكام بالسجن فإنّ اختلاطهن ببقية السجينات يمثل خطراً في حد ذاته؛ إذ ثبت بالفعل استقطاب بعض العائدات لعدد من النساء، وهو سبب يجعل أغلب الدول تتنصل من مسؤولياتها".

وتخلص الباحثة إلى أنّ "دول العالم كلها تواجه تحديات غير مسبوقة بسبب ملفّ العائدين، ولكن عدم أخذ بعض واضعي السياسات عودة النساء مأخذ الجد يشكّل في حد ذاته عقبة أمام تدبير ملف العائدات. فقد ساد الاعتقاد لدى بعض المسؤولين الأمنيين في بعض البلدان العربية بأنّ مراقبة الرجل العائد ضرورية لأنه الفاعل والعدواني والقوي. أما رصد تحركات العائدة فلا فائدة ترجى منه لأن المرأة "بطبعها" جبانة، وغير فاعلة، وضحية، وضعيفة، وخاضعة، ومعنية برعاية أفراد الأسرة".

مواضيع ذات صلة:

النساء الجهاديات: المرأة صانعة للإرهاب أم ضحية له؟

الجهاديات.. هكذا تغير دور المرأة في صفوف التنظيمات المتطرفة

الجهاديات في تونس



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية