مجموعة فاغنر.. جرائم المرتزقة عابري القارات في أفريقيا

مجموعة فاغنر؛ جرائم المرتزقة عابري القارات في إفريقيا

مجموعة فاغنر.. جرائم المرتزقة عابري القارات في أفريقيا


15/02/2023

في ذروة الحروب التي اجتاحت أوروبا في القرون الوسطى، ظهرت كتائب خدام الأرض أو لاندسكنيخت، كخليط من الفلاحين والحرفيين وقطاع الطريق والمجرمين، الذين وضعوا أنفسهم تحت إمرة اللوردات كجنود مرتزقة، ومنحوا ولاءهم للجميع مقابل المال.

قاتل خدام الأرض من أجل أيّ شخص، وضدّ أيّ شخص؛ حيث شاركوا في ثورات هولندا، وحروب الاستقلال في سويسرا والسويد، والحروب الإيطالية (1494-1559)، وحرب الفلاحين (1524-1525)، وحصار فيينا (1529)، والحروب الإسبانية في الأمريكتين، والحروب الدينية الأوروبية في القرن السادس عشر.

عُرف خدام الأرض بقدرتهم على الحركة الخفيفة، ومهارتهم في تصويب الرماح والسهام، بالإضافة إلى القدرة على التصدي لسلاح الفرسان والتشكيلات القتالية الثقيلة. وكذا تحررهم من الولاء، وتنصل من استخدموهم من تبعات المذابح وجرائم الحرب التي اقترفوها.

بحلول منتصف القرن السادس عشر، دفعت البطالة والانفجار السكاني في أوروبا؛ رجالاً إضافيين إلى صفوف خدام الأرض، فأصبحوا خليطاً من أرباب الحرف؛ من الخياطين، والإسكافية، والبغايا، والطهاة، والعتالين، وغيرهم؛ ما أدى إلى انخفاض مكانتهم، ومع الوقت تحولوا إلى عصابات متجولة من العاطلين عن العمل، هددوا أمن أوروبا، وتطلب الأمر مجهوداً كبيراً لمواجهتهم.

الفاغنر وميراث خدام الأرض

مثلما فعل لوردات أوروبا في العصور الوسطى، سمحت روسيا في العام 2014، بتأسيس مجموعة الفاغنر، وهي شركة عسكرية خاصّة، ضمّت مئات المرتزقة من حول العالم، وكانت إحدى أولى مهامها المعروفة؛ هي القتال في شبه جزيرة القرم بأوكرانيا في العام نفسه، حيث انضم هؤلاء المرتزقة إلى القوات الانفصالية المدعومة من روسيا، من أجل السيطرة على المنطقة.

الحروب الإيطالية (1494-1559)

في تلك الآونة، كانت الشركة العسكرية الخاصّة، تتكون من بضعة آلاف من المرتزقة، وبحسب "دويتشه فيله"، فإنّ معظم هؤلاء كانوا من جنود النخبة السابقين، المدربين تدريباً عالياً. ومع تزايد خسائر روسيا في حرب أوكرانيا، بدأ مالك الشركة، يفغيني بريغوزين، المرتبط بالكرملين، في تطوير المجموعة، والتوسع في تجنيد السجناء والمدنيين الروس والأجانب. ففي مقطع فيديو تمّ تداوله في أيلول (سبتمبر) الماضي، شوهد بريغوزين في باحة سجن روسي، وهو يخاطب في حشد من المدانين، ووعدهم بأنّهم إذا خدموا في أوكرانيا لمدة ستة أشهر، فسيتم تخفيف عقوباتهم.

مثلما فعل لوردات أوروبا في العصور الوسطى سمحت روسيا في العام 2014 بتأسيس مجموعة الفاغنر وهي شركة عسكرية خاصّة ضمت مئات المرتزقة من حول العالم

وتشير التقديرات إلى أنّ مجموعة فاغنر، تضم الآن ما يصل إلى 20000 جندي، يقاتلون في أوكرانيا، بالإضافة إلى عدة آلاف في سوريا وليبيا وأفريقيا.

ويعتبر إنشاء الشركات العسكرية الخاصّة، أمراً غير قانوني وفقاً للدستور الروسي، الذي ينص على أنّ مسؤولية الأمن والدفاع تقع على عاتق الدولة وحدها. كما يحظر القانون الجنائي الروسي على المواطنين العمل كمرتزقة، لكن يُسمح للشركات التي تديرها الدولة بامتلاك قوات أمن مسلحة خاصّة. وعليه سمحت ثغرات القانون الروسي لمجموعة فاغنر، بالعمل في منطقة رمادية شبه قانونية.

أفريقيا على مائدة الفاغنر

في بداية الأمر، عملت مجموعة الفاغنر في أفريقيا، بوصفها شركة أمن تعمل على توفير الدعم والأمن لشركات التعدين الروسية والعملاء الآخرين. ومع الوقت اتُهمت روسيا باستخدام المجموعة؛ كأداة للسيطرة على الموارد الطبيعية في أفريقيا، وكذلك للتأثير على السياسات، والتدخل في الصراعات المتصاعدة في ذلك ليبيا والسودان ومالي وأفريقيا الوسطى ومدغشقر وغيرها.

وتعتمد موسكو على توظيف الفاغنر، للتموضع في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث تسعى إلى إقامة شراكات مع الدول الغنية بالموارد، والهشة، أمنياً وسياسياً، فتقدم فاغنر نفسها، بوصفها وكيلاً لتقديم الخدمات شبه العسكرية، وأعمال القتال والاستخبارات؛ لتحقيق مكاسب مالية، وفي أغلب الأحيان تحصل على امتيازات التعدين، وبالتالي دعم شبكة المصالح الروسية في القارة السوداء.

يعتبر إنشاء الشركات العسكرية الخاصّة، أمراً غير قانوني وفقاً للدستور الروسي

في شباط (فبراير) الماضي، أعلنت فرنسا سحب وحدتها العسكرية من مالي، مُنهية تواجدها العسكري في البلاد؛ لتظهر روسيا كأحد الفاعلين المستعدين لملء الفراغ الذي خلّفه انسحاب القوات الفرنسية، وذلك بعد أن عززت مجموعة فاغنر من وجودها في مالي في الأشهر الماضية.

في 22 نيسان (أبريل) الماضي، نشر الجيش الفرنسي صور أقمار صناعية، ولقطات بطائرة بدون طيار، توثق محاولة من قبل مرتزقة فاغنر الروسية، لتزوير أدلة على الفظائع الفرنسية بالقرب من قاعدة عسكرية في جوسي، شمال مالي. وأظهرت اللقطات قيام عناصر الفاغنر بترتيب جثث في مقابر جماعية. جدير بالذكر أنّه بالتزامن مع انسحاب القوات الفرنسية من مالي، ألقت موسكو باللوم على القوات الفرنسية، زاعمة تورطها في عمليات قتل جماعي.

وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، وعد بمواصلة الدعم العسكري لمالي، التي تواجه تهديدات جهادية منذ العام 2012. حيث أدارت مالي ظهرها لفرنسا، وفضلت الاعتماد على روسيا، منذ العام الماضي.

لافروف الذي زار أفريقيا مرتين خلال أسبوعين، كشف الأسبوع الماضي في مالي، عن رغبة موسكو في تقديم دعم عسكري للحكومات في جميع أنحاء غرب أفريقيا، في المعركة التي تخوضها تلك الدول ضد المتشددين الإسلاميين، بحسب قوله.

الأدلة تشير إلى أنّ تجربة الفاغنر لم تكن أكثر نجاحاً من القوى الأخرى في التعامل مع التهديد الجهادي المستمر منذ عقد من الزمان

بدوره، قال وزير الخارجية المالي، عبد الله ديوب، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي، إنّ روسيا تستجيب بكفاءة لاحتياجات بلاده الاستراتيجية.

وبحسب تقرير لشبكة (بي بي سي)، فقد مر أكثر من عام، منذ أن بدأ مقاتلو مجموعة فاغنر العمل في مالي، لكنّ الأدلة تشير إلى أنّ تجربة الفاغنر لم تكن أكثر نجاحاً من القوى الأخرى، في التعامل مع التهديد الجهادي المستمر منذ عقد من الزمان، وربما تفاقمت حالة انعدام الأمن في وجود المرتزقة؛ حيث تضاعف عدد الضحايا المدنيين نتيجة العنف، وحرص المرتزقة على حماية أنفسهم أولاً.

وتؤكد عدة تقارير عسكرية، أنّه تمّ نشر عناصر فاغنر في مالي في كانون الثاني (ديسمبر) 2021؛ لتدريب القوات المحلية، وتوفير الخدمات الأمنية، وسط حالة من عدم الاستقرار السياسي، في ظل تزايد التهديد السلفي الجهادي في البلاد. في المقابل، حصلت المجموعة على مكاسب مالية هائلة، بما في ذلك الوصول إلى الموارد الطبيعية؛ تحقيقاً لأهداف موسكو الجيوسياسية.

جرائم حرب وانتهاكات مريعة

منذ أواخر كانون الأل (ديسمبر) 2021، رصدت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، ما لا يقل عن 71 حالة وفاة لمدنيين مرتبطة بأنشطة الفاغنر، على سبيل المثال: من شباط (فبراير) إلى أوائل آذار (مارس) 2022، شنّت القوات المسلحة المالية وفاغنر سلسلة من الغارات في منطقة سيغو، خلفت أكثر من 50 قتيلاً مدنياً، بالإضافة إلى عمليات قتل أخرى مؤكدة.

جدير بالذكر أنّه في أواخر آذار (مارس) 2022، وقعت أسوأ مذبحة مدنية في تاريخ الصراع المستمر في مالي، عندما فرضت قوات فاغنر حصاراً على مورا، وهي بلدة في منطقة موبتي، حيث اعتقل المرتزقة وأعدموا ما يقرب من 300 مدني في مورا. وتشير الأدلة إلى وجود بعض الجهاديين في بداية الهجوم، إلا أنّ غالبية الضحايا كانوا من المدنيين العزّل.

وعلى الرغم من الإدانة الدولية، واصلت قوات فاغنر انتهاكاتهما بعد مورا، حيث فتحت النار على سوق في هومبوري، بعد مقتل أحد عملاء فاغنر في انفجار قنبلة على جانب الطريق بالقرب من البلدة.

يقول أحد سكان مدينة جوسي لصحيفة لو فيغارو الفرنسية: "نحن نعيش في خوف، نحن نخشى فاغنر أكثر بكثير من الإرهابيين.

وفي أفريقيا الوسطى، تزايدت أنشطة الفاغنر الإجرامية بشكل كبير، حتى أنّها استهدفت ثلاثة صحافيين روس، قتلوا في 30 تمّوز (يوليو) 2018، أثناء قيامهم بصنع فيلم وثائقي، يحقق في تورط فاغنر في أعمال عنف ونهب في البلاد.

يُذكر أنّه بعد تولي الرئيس، فاوستن أرشانج تواديرا، منصبه في العام 2016، بدأت الدولة في تحويل تحالفها الاستراتيجي من فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، إلى روسيا.

وتلاحق المرتزقة الروس اتهامات بإعدام مدنيين وتعذيبهم، في جمهورية أفريقيا الوسطى؛ حيث قال شهود عيان لـ"هيومن رايتس ووتش"، إنّه في تمّوز (يوليو) الماضي، قتل الفاغنر بالرصاص ما لا يقل عن 12 رجلاً غير مسلحين، عند حاجز على الطريق، وقالوا إنّ معظم الضحايا وضعوا في حفرة ضحلة على الطريق بالقرب من بوسانغوا.

ووفقاً لتقارير إعلامية وجماعات حقوقية وبيانات حكومية، تم رصد أنشطة المرتزقة الروس في جمهورية أفريقيا الوسطى، منذ كانون الأول (ديسمبر) 2020، حيث تورطوا في ارتكاب 180 هجوماً على المدنيين.

كما اتهم خبراء الأمم المتحدة، المرتزقة الروس بارتكاب انتهاكات منهجية وجسيمة لحقوق الإنسان في جمهورية أفريقيا الوسطى، وهي واحدة من أفقر دول العالم، لكنّها غنية بالماس والذهب واليورانيوم.

 

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية