محاكمة جديدة في قضية "داعش إمبابة"... كيف استفاد محمد حسان من تجربة يعقوب؟

محاكمة جديدة في قضية "داعش إمبابة"... كيف استفاد محمد حسان من تجربة يعقوب؟


09/08/2021

مثل الداعية السلفي الشيخ محمد حسان بالأمس أمام محكمة أمن الدولة طوارئ، لسؤاله في القضية المعروفة باسم "داعش إمبابة" والمتهم فيها 12 شاباً، قالوا في التحقيقات إنهم تأثروا بخطب مشايخ السلفية، وفي مقدمتهم الشيخان محمد حسان ومحمد حسين يعقوب عن الجهاد، ما دفعهم فيما بعد لتبنّي الفكر الداعشي.

وعلى الرغم من أنّ الشيخين مدعوان للشهادة؛ أي ليسا في موقع اتهام مباشر، إلّا أنّ تلك الشهادات التي بدأها يعقوب في حزيران (يونيو) الماضي، وأتمها حسان أمس، وفرت محاكمة لافتة ومدوية لذلك الفكر الذي يغلب عليه التشدد والتوسع في التحريم وتكفير الآخر، على نحو يمهد لتبنّي الفكر المتطرف كتطور طبيعي، إذا لم يتوقف المفتون عن خطبهم للتدبر والتفكير.

استطاعت تلك الشهادات أن تكشف هشاشة تلك الأفكار التي يسهل التخلي عنها، كما فعل الشيخ يعقوب حين نفى كونه مفتياً أمام المحكمة، فيما فتاواه على مدار أعوام رسمت أنماط حياة لكثيرين، وفخخت عقول آخرين، أمّا الشيخ حسان، خريج كلية الإعلام جامعة القاهرة، فقد كان أكثر قدرة على المراوغة.

تعلم حسان من درس يعقوب جيداً، متابعة الجلسة لا تخفي القلق البادي على وجهه، التردد في نبرة صوته، لكنه استطاع المحافظة على حركات الجسد نفسها، وصياغة كلمات تخرجه من مأزقه دون أن يبدو كالمحارب المنسحب مع وقع الهزيمة، أو الفارس الذي يملك الشجاعة ليعترف بالخطأ، وتورطه في إقناع الشباب بالنمط المتشدد، أو حديثه عن الشام كالمخرج أو أرض الخلاص في آخر الزمان، وإذ بالشام نفسها حيث سوريا تخرج تنظيم داعش وتبرزه كفكرة تجذب الكثيرين.ئ

تعلم حسان من درس يعقوب جيداً، متابعة الجلسة لا تخفي القلق البادي على وجهه، لكنه استطاع المحافظة على حركات الجسد نفسها، وصياغة كلمات تخرجه من مأزقه

عرضت المحكمة على حسان مقطعاً شهيراً له خلال خطبته باستاد القاهرة في 15 حزيران (يونيو) 2013، في المؤتمر الذي دشنه الرئيس الإخواني السابق محمد مرسي، والذي يعدّه البعض الفتوى الرئيسية التي دفعت بالكثيرين إلى داعش، ليس من مصر فقط، فقد كان للشيخ جمهور عريض في الوطن العربي.

حسانان مختلفان تماماً، ذاك الذي يظهر في المقطع وكأنه خطيب يشحذ الهمم في أرض المعركة، والآخر المرتكن إلى كرسي هزيل الهيئة من المرض، تتنقل عيناه بين المقطع المعروض والقضاة في قلق بادٍ، لا يخفي محاولة لترتيب رد أو إعادة استحضار رد، من المؤكد أنه قد جهزه من قبل.

وحين سأل القاضي الشيخ السلفي عن المقطع قال إنه كان يقصد به "جهاد الدفع"، أي أن يدافع عن ماله وعرضه إذا ما حاول أحد النيل منهما، مستشهداً بالأحاديث والشرح المستفيض الذي يحاول سارده "الابتعاد عن الموضوع الرئيسي"، ثم قال: نحن نقول الحق بدليله، ولا نجامل أحداً بديننا على الإطلاق.

اقرأ أيضاً: هذه شهادة الداعية السلفي محمد حسان في قضية "داعش إمبابة"

وحين سأله عن دعوته لمناصرة سوريا التي كانت باباً لذهاب البعض والانضمام لداعش، قال إنّ دعوته كانت موجهة إلى الرؤساء والمسؤولين في الدول؛ أي إنه لم يتجاوز فكرة الدولة، وأنهم إن تخاذلوا، فتحوا الباب لكي يتصرف الشباب بأنفسهم، وحين سأله القاضي عمّا إذا كان قد تبادر إلى ذهنه أنّ مثل تلك الدعوات قد تدفع ضعاف النفوس إلى استغلالها والذهاب إلى تلك الدول والقتال، وقد حدث بالفعل، قال: "سوء القصد عند البعض لا يتحكم فيه القائل أو المتكلم".

وقد كانت عبارة حسان صيغة محرّفة من المعنى ذاته الذي سبق أن صرّح به يعقوب من أنه "ليس مسؤولاً" و"ليس مفتياً"، والتي حرّفها الناشطون إلى العبارة الشعبية "مليش دعوة" أو "شاهد مشفش حاجة"، في سخرية من الشهادة السابقة، أمّا حسان الذي فصلته أسابيع عن جلسة يعقوب، واستطاع أن يرصدها ويحلل ردود الفعل عليها، فقد خرج بعبارة متقنة الصياغة، لن تحدث الدوي ذاته، وإن حملت المعنى نفسه.

وحين عاد القاضي من جديد يراوغ مراوغة الشاهد، ليسأله مباشرة عن الجهاد، عاد لنظم عباراته الرنانة التي لن يفهمها العامة كي يصيغوا منها نكتاً: الإجمال في هذه القضية إخلال، وحين طالبه القاضي بتوضيح قصده قال: الجهاد قضية أكبر من القتال، سارداً أنواعاً من جهاد النفس، وجهاد الطلب.

وهنا كان القاضي قد فاض به الكيل، فسأل الشيخ: الجهاد المقام هنا الذي دعوت الدولة إلى إحيائه، قصدت أن يذهبوا ويجاهدوا (يقاتلوا) مين: ردّ: الجهاد الذي يدفع الظلم عن المظلومين.

واللافت أنه على قدر ما يحاول حسان ويجتهد في تبرئة ساحته من العنف أو تبريره أو تحمل أي كلفة له ولو أدبياً، فقد أثبته، فالظلم والمظلومون والمظلومية هي المادة الأساسية التي يستخدمها المتشددون في صيد فرائسهم أو جنودهم المستقبلين.

وقد اعتمد المنهج السلفي الذي نشره هؤلاء المشايخ على مدار أعوام على تعظيم مظلومية المتدينين أو المتمسكين بكتاب الله أو الأصوليين، مقابل تفسيق وتكفير المخالفين، والمغالاة في التحريم.

وما بين الحلف بغير الله، والدساتير، والقوانين الوضعية، والصلاة في المساجد التي يوجد فيها أضرحة، وزيارة الأولياء وأهل البيت، والمظهر، والاختلاط، والموسيقى، والفن بوجه عام، قائمة طويلة من المحرمات التي لا يقدّم فيها هؤلاء المشايخ سوى رأي أصولي واحد، مفسقين ورافضين ما سواهم.

والتنشئة في أجواء كتلك تجعل داعش محطة منطقية وغير بعيدة.

ولم تكسب شهادة حسان الزخم ذاته، فمن جهة كانت أقرب إلى المراوغة الفكرية التي لا تضم عبارات أو مواقف رنانة فجة كالتي حملتها شهادة يعقوب، ومن جهة أخرى لأنّ يعقوب كان الأكثر شهرة في المواقف الجماهيرية، ويكفي عبارته الشهيرة "قالت الجماهير للدين نعم"، فقد كان بالنسبة إلى حسان شيخ البسطاء، أمّا الأول فشيخ الطبقة المتعلمة، الذي يستطيع أن يغرقها بالحجج، وإن كانت واهية أو أحادية الجانب، ويستعين بالكلمات الرنانة التي تكسب صدى.

في المقابل، حاولت جماهير السلفية الاستفادة من الشهادة لغسل ما ألحقته بهم شهادة يعقوب من سخرية وعار، صنعت منها المقاطع، ونشرت على نحو واسع، وتداولوا صوراً لمحامين يسلمون على الشيخ عند خروجه من القاعة، حتى إنّ أحدهم دعا الدولة إلى فتح المنابر إلى هؤلاء المشايخ لمحاربة التطرف!

وعلى أهمية ما حملته الشهادتان من تعرية لذلك الفكر أو محاكمة شعبية، فإنّ الأعوام الماضية وأحداثها كانت كفيلة بمنح تلك الشهادة ونصب تلك المحاكمة، إذا ما حاول أحد استرجاع المواقف، ورؤية ما آلت إليه الأحداث.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية