مراقبون لـ"حفريات": إيران البراغماتية تراوغ وتتفادى الضغوط وتسير إلى النووي

مراقبون لـ"حفريات": إيران البراغماتية تراوغ وتتفادى الضغوط وتسير إلى النووي

مراقبون لـ"حفريات": إيران البراغماتية تراوغ وتتفادى الضغوط وتسير إلى النووي


31/05/2023

في أعقاب الحديث اللافت للمرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي، علّق باحثون ومراقبون بأنّ تلك التصريحات جزء من البراغماتية الإيرانية، وبأنّ طهران لن تتوقف عن استكمال مشروعها النووي، لافتين في تصريحات لـ"حفريات" إلى أنّ انشغال الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين بتطورات الحرب الروسية الأوكرانية، يتيح لها الوقت أكثر للوصول إلى إمكانيات قصوى في امتلاك السلاح النووي.

ويتردد في أروقة التحليل السياسي أنّ طهران لن تتراجع عن إبداء المرونة البراغماتية لحل معضلة تسلحها النووي رغم الانسداد الذي شهدته مفاوضات فيينا بخصوص إعادة إحياء الاتفاق النووي، إلا أنّ هناك مجموعة متغيرات تؤشر إلى محاولات جديدة لإحداث خرق في مسار المفاوضات، وإنهاء التعقيدات التي تقع تحت وطأتها. وهذه المتغيرات متمثلة في الوساطة أو بالأحرى المقاربة الأوروبية التي تسعى لحلحة أزمة نووي إيران. كما أنّ هناك متغيرات أخرى، تبدأ بحديث لافت للمرشد الإيراني، علي خامنئي، الذي ألمح إلى ضرورة "المرونة" في أحايين كثيرة لتخطي العقبات في الملف النووي، ولا تنتهي عند تنامي الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة على خلفية الانتخابات الرئاسية.

المرونة الخامنئية لحل نووي إيران

وفي حين أكد قادة مجموعة السبع في نهاية اجتماعاتهم باليابان على أهمية الحل السياسي والدبلوماسي لنووي إيران، وقد شددوا على ضرورة "وقف التصعيد النووي" من قبل طهران، فإنّ المرشد الإيراني قد أبدى استجابة سريعة حيث قال إنّ "المرونة مطلوبة في حالات ضرورية، لتخطي العقبات الصعبة والصخرية ولاستكمال الطريق".

وفي لقاء مع مسؤولي الخارجية الإيرانية، صرح خامنئي بأنّ الدبلوماسية الإيرانية ينبغي اعتمادها على "العزة والحكمة والمصلحة". وقال إنّ "المصلحة هي إبداء المرونة بعض الأحيان". وتابع: "إبداء المرونة لا يتعارض مع الحفاظ على الثوابت والحفاظ على المبادئ، لا يتعارض مع المصلحة، بالطبع قبل بضع سنوات عندما تم اقتراح مفهوم "المرونة البطولية"، أسيء فهمه في الخارج ومن قبل البعض في الداخل، لأنّ المصلحة تعني إيجاد طريق للتغلب على العقبات الصعبة، ومواصلة الطريق للوصول الى الهدف".

وليد جرجيس: كسب الوقت للطرفين أكثر فعالية

وفي أعقاب تصريحات المرشد الإيراني بخصوص "المرونة" في "الحالات الضرورية"، كشف وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، نهاية الأسبوع الماضي، عن تحركات دولية للوصول إلى "صيغة أولية لنص اتفاق نووي". فيما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا" عن أمير عبد اللهيان قولة إنّ مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي تتم بشكل "غير مباشر عبر تبادل الرسائل بين الأطراف".

وأردف: "خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) سواء كانت جيدة أو سيئة لها نقاط قوة وضعف، وهي اليوم وثيقة دولية معاكسة وطريقنا نحو إلغاء العقوبات. لقد تم إحراز تقدم جيد ونأمل في الوصول إلى نقاط جيدة. منذ أسابيع يتواصل تبادل رسائل بين الأطراف بشكل غير مباشر في إطار مفاوضات الاتفاق النووي. بعض الدول من خلال وزراء خارجيتها تعمل على إيجاد صيغة أولية لنص اتفاق نووي".

في حال فوز الجمهوريين في الانتخابات؛ فإنّ الأمور ستتعقد أكثر بأكثر. ويمكن أن تحتاج مسألة التفاوض إلى وقت أطول بخلاف ما كانت عليها الأوضاع مع الديمقراطيين

إذاً، تحاول الدول الأوروبية أن تبعث "رسائل احتجاج" باتجاه إيران من خلال "عقوبات خجولة فرضتها، الأسبوع الماضي، على خمسة أفراد وكيانين إيرانيين. وفي خضم هذه التجاذبات يبدو أنّ الجانب الأوروبي هو الطرف الأكثر رغبة في حسم الملف النووي الإيراني"، حسبما يوضح الباحث المتخصص في الشؤون الاستراتيجية، الدكتور وليد جرجيس، موضحاً لـ"حفريات" أنّ إدارة الرئيس جو بايدن تريد تأجيل هذا الملف إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2024.

ضغوط أوروبية على بايدن

ويردف جرجيس: "وبعد هذه الانتخابات في واشنطن، فإما أن تكون إدارة جمهورية جديدة تتحمل مسؤولية هذا الملف، أو أن تكون هناك أربع سنوات أخرى أمام الديمقراطيين تتيح لهم التصرف بأريحية تامة. أما الجانب الإيراني، فهو الآخر يحاول كسب الوقت لأطول فترة ممكنة، وقد استطاعت إيران السيطرة على الاحتجاجات الشعبية التي عصفت بالبلاد في الأشهر الماضية، وهي ترى أنّ انشغال الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين بتطورات الحرب الروسية الأوكرانية، التي من غير المتوقع أنّها ستنتهي قريباً، يتيح لها الوقت أكثر للوصول إلى إمكانيات قصوى في امتلاك السلاح النووي. وبذلك يكون صوتها أعلى حين تجلس على طاولة المفاوضات لجولة جديدة".

ويرى جرجيس أنّ سياسة "كسب الوقت للطرفين هي الأكثر فعالية، ويبدو أنّها سوف تسود في الفترة المقبلة".

اللافت أنّه بالرغم من الأزمات التي لاحقت مفاوضات فيينا، والتعثر الشديد في الوصول لصيغة تامة ونهائية بخصوص هذا الملف، إلا أنّ الناطق بلسان الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، قال إنّ واشنطن ما تزال تعتمد على الأطر الدبلوماسية لحل هذه القضية، بل ترى في الدبلوماسية الوسيلة المثلى لعدم امتلاك إيران السلاح النووي.

وعقّب ميلر على حديث وزير الخارجية الإيراني، والذي ألمح فيه إلى مسألة التفاوض غير المباشر، بالامتناع عن ذكر أيّ تفاصيل أو ملابسات تتعلق بهذا الشأن. وقال: "لن نرد على التسريبات المزعومة للمحادثات الدبلوماسية أو الإشاعات حول المحادثات الدبلوماسية". وتابع: "كثيراً منها كان خاطئاً في الماضي وما زال كاذباً".

وليد مساهر حمد: ماذا لو فاز الجمهوريون؟

وفي ما يتعلق بالمتغير الأول، والحديث عن "المرونة" التي تطالب بها إيران الولايات المتحدة الأمريكية للتعامل مع القضايا المتعلقة بالملف النووي، وكذا الضمانات القانونية والاقتصادية التي تسعى طهران الاتفاق عليها، يقول الأكاديمي العراقي وأستاذ الفكر السياسي بجامعة تكريت، الدكتور وليد مساهر حمد، إنّ طهران تسعى "لعقد اتفاق طويل الأمد وأشبه بمعاهدة بين الطرفين لضمان حقوقها وتفادي أي انسحاب جديد من قبل واشنطن. كما تسعى إيران لعدم تخفيض تخصيب اليورانيوم الذي زاد بنسب كبيرة بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق في عهد ولاية دونالد ترامب. كل هذه المطالب صعب قبولها من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، بل ترفض القبول بها، خاصة ما يتصل بضمان عدم الانسحاب من الاتفاقية  في المستقبل".

بايدن ومأزق الانتخابات

ويردف مساهر حمد: "أغلب البنود التي وضعها الإيرانيون للاتفاق لم تقبل الولايات المتحدة الأمريكية بها. وفي ما يتعلق بالمتغير الثاني، المتمثل في موقف أوروبا، فإنّه، بالفعل، هناك ضغط من دول الاتحاد الاوروبي على جو بايدن لكي يتوصل الجميع إلى توافق على بعض الضمانات التي لا تضر بسياسات بايدن، وبخاصة أنّ الجانب الايراني قد تنازل عن بعض القضايا التي لا تعد ضمن الخطوط الحمراء. لكن بايدن لا يستطيع الموافقة على هذه الضمانات المطلوبة والتي تتسبب في إضعاف إدارته للملف النووي مع الأخذ في الاعتبار تداعيات ذلك على الموقف الاستقطابي الحاد بالانتخابات الأمريكية المقبلة".

الباحثة نهى أنور لـ"حفريات": في الأحوال كافة، لن تتوقف إيران عن استكمال مشروعها النووي، كما لن تتراجع عن إبداء المرونة البراغماتية لحل معضلة تسلحها النووي

ويمكن القول، على ضوء المتغيرات الثلاثة، إنّه لا يمكن "حسم الاتفاق" بين الجانبين، إيران والولايات المتحدة، إلا إذا تنازل الجانب الإيراني عن بعض القضايا المهمة بناء على حديث "المرونة" الخامنئي، وفق مساهر حمد.

ويؤكد الأكاديمي العراقي بجامعة تكريت، أنّ القضايا التي تعد ضمن "الخطوط الحمراء" لدى الإيرانيين قد "باعدت أيّ توافق بين الطرفين. وفي حال فوز الجمهوريين في الانتخابات؛ فإنّ الأمور، حتماً، سوف تتعقد أكثر بأكثر. ويمكن أن تحتاج مسألة التفاوض إلى وقت أطول بخلاف ما كانت عليها الأوضاع مع الديمقراطيين".

وفي حديثها لـ"حفريات" تقول الباحثة في شؤون الارهاب الدولي، الدكتورة نهى أنور حميد، إنّ حديث المرشد لا يبدو جديداً بخصوص "المرونة" السياسية لتحقيق أهداف النظام ومخططاته، موضحة أنّ تصريح خامنئي لا يعني مطلقاً، كما في ذهنية "الولي الفقيه" بإيران، أيّ تنازل عن أهداف ومبادئ الحكم التي هي قائمة ومستمرة.

نهى أنور: لن تتوقف إيران عن استكمال مشروعها النووي

والدليل على ذلك، وفق الباحثة في شؤون الإرهاب الدولي، أنّه بالتزامن مع تصريحات المرشد الإيراني أعلنت إيران إطلاق صواريخ باليستية جديدة رداً على التهديدات الإسرائيلية.

غير أنّ موقف أوروبا الضاغط على بايدن مع اقتراب الدعاية الانتخابية في غضون هذا العام، يعد محاولة "لإلحاق بالهزيمة به لعدم تمكنه من حل الأزمات والصراعات القائمة، خاصة في الشرق الأوسط، فضلاً عن رغبة أوروبا بأن تكون هي أيضاً طرفاً في الحل في هذه الأزمات والصراعات جنباً إلى جنب مع واشنطن، أي أنّ هناك رغبة في تحقيق سياسة متعددة الأقطاب"، حسبما تقول أنور حمي.

وتختتم حديثها قائلة، إنّه، في الأحوال كافة، لن تتوقف إيران عن استكمال مشروعها النووي، كما لن تتراجع عن إبداء المرونة البراغماتية لحل معضلة تسلحها النووي.

مواضيع ذات صلة:

تهديدات إيران في مياه الخليج: هل ستظل واشنطن تتوعد؟

التقارب السعودي الإيراني... هل تختلف حسابات خامنئي؟

بين مصدّق والخميني.. كيف خان الملالي ثورة الإيرانيين مرتين؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية