مستقبل قاتم ينتظرهم.. الصحفيون في تركيا يدفعون ثمن سياسة أردوغان

مستقبل قاتم ينتظرهم.. الصحفيون في تركيا يدفعون ثمن سياسة أردوغان


27/12/2021

يواجه الفاعلون الإعلاميون في تركيا خطر الاحتجاز، ويعمّ في أوساط الصحفيين الخوف من العمل تحت إشراف قضائي أو الحرمان من جواز السفر أو البطاقة المهنية.

وتظلّ 90% من وسائل الإعلام الوطنية تحت سيطرة النظام، من خلال المؤسسات التنظيمية لوسائل الإعلام، مثل المجلس الأعلى للقطاع السمعي البصري أو الهيئة المسؤولة عن توزيع الإعلانات العامة أو المجلس الرئاسي المعني بمنح بطاقات الاعتماد، التي تقوم بممارسات تمييزية فاضحة تهدف إلى تهميش الأصوات الإعلامية الناقدة أو تجريمها، حيث تعمل آلة التعسف بكامل طاقتها للإجهاز على التعددية، وفق ما نقلت منظمة "مراسلون بلا حدود".

 

سوق الورق يتأثر بشكل كبير بسعر الصرف الأجنبي، وتتم جميع المعاملات بالدولار أو اليورو؛ ممّا يضع قطاع الصحافة والنشر تحت رحمة تقلبات أسعار الصرف

 

ووصلت الرقابة على الإنترنت إلى مستويات غير مسبوقة في تركيا الجديدة، لتتوسع دائرة نفوذ الرئيس رجب طيب أردوغان، فقد أصبح على إدارات منصات التواصل الاجتماعي تعيين ممثل قانوني في تركيا وتطبيق قرارات الرقابة التي تتخذها المحاكم التركية، تحت طائلة الحكم عليها بعقوبات تدريجية (غرامات مالية، حرمان من الإعلان، تقليص نطاق الانتشار)، هذا بالإضافة إلى تجريم النشطاء أو الفاعلين عبر تلك المواقع الذين ينشرون أخباراً تتعلق بالنظام، بذريعة أنّهم ينشرون شائعات وأخباراً تضرّ بالأمن القومي التركي.

وفي سياق متصل بالانتهاكات التي يرتكبها نظام العدالة والتنمية بحق الصحفيين، كشف مصدر في نقابة الصحافة التركية عن احتجاز السلطات عشرات الصحفيين خلال العام الحالي فقط، وذلك بتهم مختلفة، أبرزها نشر دعاية "إرهابية" لصالح حزب "العمال الكردستاني" المحظور لدى أنقرة، أو حركة "الخدمة" التي يقودها فتح الله غولن الذي يتهمه أردوغان بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية الفاشلة على حكمه التي حصلت في منتصف العام 2016، واحتُجِز على إثرها عشرات الصحفيين بعدما اتُهموا بالمشاركة فيها.

 

الفاعلون الإعلاميون في تركيا يواجهون خطر الاحتجاز، ويعمّ في أوساط الصحفيين الخوف من العمل تحت إشراف قضائي أو الحرمان من جواز السفر أو البطاقة المهنية

 

وقال رئيس نقابة الصحفيين في تركيا غوكهان دورموش، في تصريح صحفي لـ"العربية": إنّ "(49) صحفياً على الأقل احتُجزوا في غضون العام الجاري خلال تغطياتهم الإعلامية"، مضيفاً أنّ "هؤلاء جميعاً أُطلِق سراحهم لاحقاً في فترات متفاوتة، لكن ما يزال هناك (34) صحفياً قابعين خلف القضبان منذ أعوام، ولم يتمّ الإفراج عنهم حتى الآن".

اقرأ أيضاً: العراق غير آمن للصحفيين... لماذا؟

وتابع: "على الرغم من حدوث انخفاض طفيف في إجراءات توقيف الصحفيين في العام الجاري مقارنة بعام 2020، إلّا أنّه من المستحيل القول إنّ إجراءات الرقابة القضائية المطبقة بحقهم قد تراجعت، ففي العام الجاري احتُجِز بعض الصحفيين بسبب تغطياتهم الإعلامية، وانتُهِكت حقوقهم، كمنع بعضهم من السفر خارج البلاد أو منعهم من ممارسة مهنتهم".

وتنحصر الأرقام التي أوردها دورموش بشأن الصحفيين الذين احتُجزوا لفترة وجيزة أو القابعين خلف القضبان إلى الآن على أولئك الحاصلين على عضوية النقابة التي يرأسها؛ ممّا يعني وجود آخرين من العاملين في وسائل الإعلام الذين سُجِنوا في العام الجاري دون أن تورد النقابة أسماءهم لعدم حصولهم على عضويتها.

وأشار دورموش إلى أنّ "السلطات تستمر في فرض قيود عديدة على مؤسسات إعلامية مختلفة، ولهذا يُحرم عشرات الصحفيين من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي يواجهون البطالة في بعض الأحيان، لا سيّما عند إغلاق الحكومة للوسائل الإعلامية التي كانوا يعملون فيها، وهو أمر بات يتكرر باستمرار منذ العام 2019".

 

الرقابة على الإنترنت وصلت إلى مستويات غير مسبوقة في تركيا الجديدة، لتتوسع دائرة نفوذ الرئيس رجب طيب أردوغان

 

وكان دورموش قد أكد، في تصريح صحفي في تموز (يوليو) الماضي نقلته صحيفة زمان، عدم حصول آلاف الصحفيين في البلاد على بطاقات الصحافة دون وجود أي مبرر لذلك، على حدّ تعبّيره.

وقال رئيس النقابة: إنّ "حوالي (5000) زميل لا يحصلون على بطاقاتهم دون أي أسباب تمنع ذلك".

اقرأ أيضاً: شهادات تؤكد استهداف الحوثيين للصحفيين اليمنيين العتمي وزوجته... وإدانات رسمية ونقابية

وعادت قضية إصدار البطاقات الصحفية إلى الواجهة في تركيا بعدما طالبت لجنة حماية الصحفيين، "دائرة الإعلام" في الرئاسة التركية بإزالة ما أطلقت عليها بـ"العقبات الحزبية" أمام أولئك الذين يتقدّمون بطلبات للحصول على بطاقات الصحافة، وكذلك "التخلي" عن "الخطاب العدائي" تجاههم، وفق ما جاء في نصّ الرسالة الموجهة من المنظمة الدولية التي تتخذ من مدينة نيويورك الأمريكية مقرّاً لها، إلى فخر الدين آلتون  مدير "دائرة الإعلام" في الرئاسة التركية يوم 20 تموز (يوليو) الماضي.

وحثّت غولنوزا سعيد، منسقة برنامج أوروبا وآسيا الوسطى في "لجنة حماية الصحفيين"، أنقرة على إصلاح آلية الحصول على البطاقة الصحفية في تركيا، وذلك بحسب ما جاء في نصّ الرسالة الموجهة منها إلى آلتون الذي يترأس الدائرة الوحيدة في تركيا التي تمنح العاملين في وسائل الإعلام بطاقات صحفية تخولهم بالعمل ضمن كافة مناطق البلاد، وفق موقع "تركي برس".

 

السلطات تعتقل عشرات الصحفيين خلال العام الجاري بتهم مختلفة، أبرزها نشر دعاية "إرهابية" لصالح حزب "العمال الكردستاني"، وحركة "الخدمة"

 

وقالت منسقة برنامج أوروبا وآسيا الوسطى في رسالتها مخاطبة آلتون: "تطلب منك لجنة حماية الصحفيين إعادة النظر في شروط إصدار بطاقة الصحافة في تركيا، وإقامة حوار بنّاء مع الصحفيين لتجنب المعارك القضائية المتكررة بشأن هذه المسألة"، مشددة على أنّه من الضروري حصول العاملين في وسائل الإعلام على البطاقة الصحفية بسهولة، وينبغي ألّا يكون إصدارها عرضة للتمييز على أساس مواقف حاملها أو توجّه الوسيلة الإعلامية التي يعمل لديها.

ومنذ حصول تلك المحاولة الانقلابية اعتقلت السلطات وأجرت تحقيقات مع مئات الصحافيين، وعلى إثر ذلك فرّ العشرات منهم إلى خارج البلاد.

 

الارتفاع التصاعدي في أسعار الورق بمثابة المسمار الأخير في نعش العديد من الصحف، وتوقعات بإغلاق (100) صحيفة خلال عام 2021

 

ومع ذلك، أصدرت المحاكم التركية أحكاماً غيابية بحق بعضهم، ومنهم الصحفي المعروف جان دوندار المقيم في ألمانيا، الذي أصدرت السلطات بحقه عدّة أحكام غيابية بالسجن لفترات طويلة، بينها حكم بالسجن المؤبد مدى الحياة.

هذا، وخيّمت أزمة انهيار العملة التركية على قطاع الصحف، فإلى جانب التحديات المستعصية المتمثلة في تراجع عدد القرّاء، والمعركة التي تخوضها الصحف مع مقص الرقيب، والخوف المستمر من سجن الكتّاب، تواجه الصحف والمنشورات الآن التحدي المتمثل في عدم قدرتها على تحمّل كلفة الورق.

ووفقاً لصحيفة العرب اللندنية، فقد اضطر قطاع النشر والصحافة في تركيا إلى استيراد الورق الذي يستخدمه منذ عام 2005، وتمّت خصخصة أول شركة ورق في تركيا، وهي شركة "سيكا" في عام 1998. وبعد أقلّ من عقد من الزمان تم إغلاقها بحجة أنّ شراء الورق من الخارج أرخص من الحصول عليه محلياً، ولهذا السبب يتأثر سوق الورق بشكل كبير بسعر الصرف الأجنبي، وتتمّ جميع المعاملات بالدولار أو اليورو؛ ممّا يضع قطاع الصحافة والنشر تحت رحمة تقلبات أسعار الصرف.

 

دورموش يؤكد عدم حصول آلاف الصحفيين في البلاد على بطاقات الصحافة دون وجود أي مبرر لذلك

 

وقد خسرت الليرة التركية نسبة 70% من قيمتها، ولم يؤدِّ ذلك إلى إضعاف القوة الشرائية لشركات المنشورات فحسب، بل أدى أيضاً إلى ارتفاع أسعار الورق بشكل كبير، وفي أقلّ من عام تضاعف سعر الورق المستخدم في أغلفة الكتب تقريباً، وارتفع لبّ الورق عالي الجودة المستخدم في الكتب المدرسية بنسبة 130%، وارتفع سعر ورق الكتب العادي بنسبة 60%تقريباً. ووفقاً لمعهد الإحصاء التركي، يُعدّ الورق أحد العناصر الـ3 التي ارتفعت أسعارها أكثر من غيرها في هذا العام.

اقرأ أيضاً: تركيا تخنق الإعلام: 58 صحفياً يتعرضون للتحقيق في شهر... تفاصيل

معاناة قطاع النشر هو جزء من ميراث الحكومة المتمثل في تدمير وإهمال الركائز الثقافية للأمّة، وتكافح الصحف للبقاء على الساحة لأسباب مختلفة، ولكن من المتوقع أن يكون الارتفاع التصاعدي في أسعار الورق بمثابة المسمار الأخير في نعش العديد من الصحف والمنشورات، وقد قال رئيس اتحاد الصحفيين في تركيا يلمز كاراجا: "إنّ الصحافة المحلية ستعاني أكثر من غيرها"، مقدّراً أنّ (100) صحيفة ستغلق أبوابها خلال عام 2021.

وقد أشار تقرير الربع الثالث لجمعية الصحفيين التركية إلى أنّ الصحف في الأعوام الـ6 الماضية فقدت نصف قرّائها تقريباً، وعلاوة على ذلك، سجلت الصحف والمجلات أدنى أرقام توزيع لها في عام 2021 مقارنة بأيّ عام في العقدين الماضيين.

وبالإضافة إلى تحوّل الجماهير على الصعيد العالمي من الطباعة الورقية إلى النسخة الرقمية وانخفاض عائدات الإعلانات، فقد واجهت تركيا مشكلة أخرى، وهي فقدان العديد من مؤسساتها الإخبارية لعنصر المصداقية.

 

لجنة حماية الصحفيين تحثّ أنقرة على إصلاح آلية الحصول على البطاقة الصحفية في تركيا

 

وشيئاً فشيئاً بدأت تفقد الصحف التركية مصداقيتها كمصدر موثوق للمعلومات، وبيع المزيد والمزيد من المؤسسات الإخبارية لشركات مقرّبة من الحكومة، وتحولت تلك الصحف إلى أبواق تمجّد ملّاكها. ومن المحزن مشاهدة التدهور الهيكلي لقطاع الصحافة والنشر ورؤيته يتهاوى ويندثر ببطء، وترزح الصحف القليلة المتبقية والمحافظة على نزاهتها وقيمها الصحافية تحت خطر الانقراض.

وأمام قطاع النشر في تركيا مستقبل قاتم، ولن يتمكّن القارئ من الشراء، ولن يتمكن الناشر من الطباعة، ولن يتمكن الصحفي من الكتابة، وتلك التحديات تتفاقم بفضل سياسات نظام العدالة والتنمية الحاكم برئاسة أردوغان.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية