مسيّرات إيرانية على الأراضي الروسية: هل تخلفت موسكو عسكرياً؟

مسيّرات إيرانية على الأراضي الروسية: هل تخلفت موسكو عسكرياً؟

مسيّرات إيرانية على الأراضي الروسية: هل تخلفت موسكو عسكرياً؟


29/11/2022

ما تزال المسيّرات الإيرانية تبعث بمخاطر جمّة منذ الكشف عن دورها المؤثر في الحرب الروسية الأوكرانية، الأمر الذي يعني، من جانب آخر، تعميق دائرة المواجهة والعداء بين طهران، من جهة، والولايات المتحدة والغرب وإسرائيل، من جهة أخرى. ومع الصراع، غير المباشر والجديد، بين تل أبيب وطهران، تتخوف الأولى من حدوث روابط أو تحالفات استراتيجية في حال لو انضمت طهران إلى منظمة "شنغهاي" التي تضم 4 دول في آسيا الوسطى إلى جانب موسكو وبكين.

كييف ثانية

وثمّة تحذيرات قصوى صادرة من "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، الذي اعتبر أنّه إذا لم تتخذ إسرائيل الخطوات اللازمة لمواجهة المخاطر المتصاعدة من المسيّرات الإيرانية، فإنّ هذه المسيّرات قد تستهدف المدن الإسرائيلية التي قد تتحول إلى "كييف ثانية" في أي حرب محتملة.

وتشير وزارة الدفاع البريطانية، إلى أنّ موسكو أعادت نشر قواتها المحمولة جواً في جبهات دونيتسك ولوجانسك، وذلك ضمن خططها لتعزيز عملياتها الهجومية في باخموت، بالإضافة إلى إطلاق مجموعة من الطائرات المسيّرة الإيرانية الصنع في حربها على أوكرانيا، منذ أيلول (سبتمبر) الماضي.

ووفق وزارة الدفاع البريطانية، فإنّه "من المرجح أيضاً أنّ روسيا استهلكت كل مخزونها الحالي تقريباً من الأسلحة الإيرانية الصنع، وستسعى للحصول على المزيد من تلك الإمدادات".

الباحث زياد سنكري: المسيّرات الإيرانية تشغل الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة

وبالتزامن مع استمرار القصف الذي استهدف المدن الأوكرانية، بواسطة الطائرات من دون طيار إيرانية الصنع، فقد أوضحت معلومات غربية استخبارية، مؤخراً، أنّ روسيا تمكنت من تدشين اتفاق "سري" مع طهران لبدء تصنيع الطائرات المسيّرة على الأراضي الروسية.

وبحسب المعلومات الاستخبارية التي كشفت عنها "واشنطن بوست" الأمريكية، فإنّ الصفقة الأخيرة والسرية بين موسكو وطهران قد تم التوصل لها والانتهاء من تفاصيلها، مطلع الشهر الحالي تشرين الثاني (نوفمبر)، وتقتضي نقل التصاميم والمكونات الرئيسية التي قد تسمح ببدء الإنتاج في غضون أشهر. وأوضحت المعلومات الاستخبارية ذاتها أنّ موسكو نشرت "أكثر من 400 طائرة مسيرة هجومية إيرانية الصنع ضد أوكرانيا منذ آب (أغسطس) الماضي، مع استخدام العديد من الطائرات في ضربات ضد أهداف للبنية التحتية المدنية مثل محطات الطاقة".

تتخوف إسرائيل من حدوث روابط أو تحالفات إستراتيجية في حال لو انضمت طهران إلى منظمة "شنغهاي" التي تضم 4 دول في آسيا الوسطى إلى جانب موسكو وبكين

ومن بين أهداف هذه الصفقة، مساعدة موسكو في تحقيق أهدافها الإستراتيجية التي تعتمد عليها منذ إرغامها على الانسحاب من الأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها في بدايات الحرب، والمتمثلة في تكثيف الهجمات الجوية على المدن الأوكرانية من خلال الاستعانة بالطائرات المسيّرة وصواريخ كروز لقطع الكهرباء والمياه عن المواطنيين.

اتفاق سري.. ما القصة؟

وينقل التقرير الأمريكي عن أحد المسؤولين المطلعين على الاتفاق السري، أنّ هناك محاولة حثيثة من البلدين لتسهيل إنتاج الطائرات المسيّرة إيرانية التصميم داخل روسيا. وتابع: "إنّ الاتفاقية تمضي بسرعة من اتخاذ القرار إلى التنفيذ".

واطلعت العديد من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بما في ذلك الولايات المتحدة، على المعلومات الاستخباراية، غير أنّ المسؤولين الحكوميين رفضوا مناقشة التفاصيل. وبينما لم يعقّب البيت الأبيض على الصفقة بين موسكو وطهران، فإنّ الناطقة بلسان مجلس الأمن القومي الأمريكي، أدريان واتسون، قالت في تصريح للصحيفة: "يمكن لإيران وروسيا أن تكذبا على العالم، لكن لا يمكنهما إخفاء الحقائق: طهران تساعد في قتل المدنيين الأوكرانيين من خلال توفير الأسلحة ومساعدة روسيا في عملياتها العسكرية. إنّها علامة أخرى على مدى عزلة كل من إيران وروسيا".

وأردفت: "الولايات المتحدة - مع حلفائها وشركائها - تسعى بكل الوسائل لفضح وردع ومواجهة توفير إيران لهذه الذخائر واستخدام روسيا لها ضد الشعب الأوكراني. وسنواصل تزويد أوكرانيا بالمساعدة الأمنية الحاسمة التي تحتاجها للدفاع عن نفسها، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي".

إذاً، شكل دخول المسيّرات الايرانية في صلب الحرب الروسية الأوكرانية "عاملاً استثنائياً ومفصلياً"، على حد تعبير الباحث المتخصص في الشؤون الأمريكية، زياد سنكري، المقيم في واشنطن، مؤكداً في حديثه لـ"حفريات"، أنّ هذه المسيّرات الإيرانية تشغل الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة التي قامت بتحقيق ودراسة كيفية حصول إيران على التكنولوجيا التي تمكنها من تصنيع هذه الطائرات من دون طيار.

وزير الخارجية الإيراني: طهران لم تتلق حتى الآن أي دليل من كييف يثبت مزاعم استخدام روسيا طائرات مسيرة إيرانية في أوكرانيا

ويردف: "تتفاقم المخاوف بسبب الدعم أو بالأحرى تنامي الدعم الذي قد يصل إلى تحالف إستراتيجي بين موسكو باعتبارها قوة عسكرية نووية كبرى والنظام الايراني المنبوذ والمحاصر دولياً". 

وكشفت التحقيقات الأمريكية عن مفاجأة مدوية فتحت باب التساؤل عن فعالية الحصار المفروض على النظام الايراني، وفق سنكري.

ما علاقة الصين؟

وقد كشفت نتائج تحليل بقايا المسيّرات الإيرانية التي استخدمتها روسيا وسقطت في أوكرانيا عن استخدام طهران مكونات أمريكية ويابانية وحتى إسرائيلية، الأمر الذي شكل صدمة للخبراء العسكريين الذين ألقوا باللوم على الصين بسبب تورطها في عملية تسهيل مهمة الإيرانيين في صنع المسيّرات، وذلك من خلال تزويد طهران بالمكونات الأصلية أو المقلدة، مما يشكل ضربة للعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، والتي تهدف إلى منع البلاد من الوصول إلى التقنية اللازمة لتطوير جيشها ومعداته. 

الباحث المتخصص في الشؤون الأمريكية، زياد سنكري لـ"حفريات": تتفاقم المخاوف بسبب الدعم الذي قد يصل إلى تحالف إستراتيجي بين موسكو باعتبارها قوة نووية والنظام الايراني المنبوذ دولياً 

ويرى الباحث المتخصص في الشأن الأمريكي، المقيم في واشنطن، أنّ الأمر لا يقتصر على الجانب الأمريكي وحسب، بل يتعداه إلى قلق إسرائيلي دائم من خطر محتوم عليها، ويجعلها تذكر الدول الغربية بالخطر التي تشكله إيران في المنطقة. كما أنّ للأمر رمزية إستراتيجية؛ فلا يمكن تجاهل أنّ المسيّرات الإيرانية تحلق في سماء أوروبا، بل وتساهم في إعادة التوازن العسكري على الأرض بعد سلسلة من الهزائم الروسية. في المحصلة، نحن أمام "استعراض لقوة إيران يحدث لأول مرة خارج الشرق الأوسط".

والنظام الايراني الذي يقبع تحت حصار هو الأكبر والأكثر تعقيداً في العالم، نجح في أن يجعل المنطقة حقل تجارب لأسلحته، وخاصة المسيّرات، حيث بعث بها إلى وكلائه بالمنطقة، بداية من تنظيم الحوثي باليمن والذي استهدف بها دول الخليج، كما وصلت لحزب الله بلبنان الذي هدد الإسرائيليين بها، كما جرى استخدامها في سوريا والعراق. 

نهاية الأسبوع الماضي، صرح وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أنّ بلاده لم تتلق حتى الآن أي دليل من كييف يثبت مزاعم استخدام روسيا طائرات مسيرة إيرانية في أوكرانيا.

إسرائيل في مرمى الأسلحة الإيرانية

وخلال مؤتمر صحفي، قال عبد اللهيان: "حتى الآن لم نتلق أي وثيقة من جانب كييف تثبت أن موسكو استخدمت المسيّرات الإيرانية في أوكرانيا. إيران كانت قد اتفقت مع روسيا على بيعها مجموعة من الطائرات المسيّرة قبل بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا بـ 11 شهراً". وتابع: "الروس أكدوا أكثر من مرة أنهم يستخدمون أسلحة روسية في الحرب الأوكرانية وليس أسلحة أي بلد آخر".

ونقلت وكالة "إيرنا" الرسمية للأنباء، عن البعثة الإيرانية قولها: "اتُخذت خطوات مهمة حتى الآن في مجال التعاون المشترك لخبراء الدفاع من إيران وأوكرانيا، وسيستمر هذا الأمر حتى تبديد أي سوء فهم في هذا الصدد"، في إشارة إلى الاتهامات المتعلقة باستخدام الطائرات من دون طيران في الحرب الروسية الأوكرانية.

ووفق البعثة الإيرانية، فإنّ "سوء الفهم الذي نشأ في هذا الصدد يمكن حله من خلال مواصلة التعاون مع أوكرانيا بشأن قضية المسيّرات الإيرانية المزعومة".

وأوضحت طهران أنّ "إيران وروسيا تتبادلان التعاون الدفاعي والعلمي والبحثي على أساس اتفاقيات ثنائية منذ سنوات طويلة، والتي تعود إلى ما قبل الحرب الأوكرانية".

وبالعودة إلى الباحث المتخصص في الشأن الأمريكي، زياد سنكري، فقد كشفت استعانة روسيا بالسلاح الإيراني عن تأخر موسكو على صعيد التسلح العسكري، وخاصة امتلاك تقنية المسيّرات والطائرات الهجومية من دون طيار، بما يكشف فجوة ما كانت لتظهر للعلن لولا الخطوة التي يعتبرها كثيرون بـ"المتهورة" والتي قام بها فلاديمير بوتين وقراره بشن الحرب على أوكرانيا.

ويبقى التحدي الأساسي للدول الغربية، وبالتحديد الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل، إعادة النظر في مدى فعالية العقوبات على إيران وتشكيل تحالف دولي يضم ولو بالحد الأدنى الصين التي تعتبر "طوق النجاة" و"رئة التنفس" لكل من موسكو وطهران، في ظل عقوبات شلت العديد من القطاعات في البلدين، ولكنها أثبتت فشلها في "كبح الطموح العسكري" للنظام الإيراني التي يستمر في العمل على الحصول على السلاح النووي، وتطوير منظومات الصواريخ والمسيّرات، التي تثير قلق تل أبيب، والتي تعتبر تحت مرمى الأسلحة الإيرانية في ظل تعاظم قوة حزب الله في لبنان، الذي هدد إسرائيل بأسلحة نوعية، بل استعرض مسيّراته في فترة الخلاف على حقول الغاز.

مواضيع ذات صلة:

إيران... النظام والثورة والمرأة

قتلى وجرحى... الاحتجاجات الإيرانية تتوسع والنظام يهدد ويواجه الشارع بهذه الطرق

استقبال الحوثيين في إيران.. ما الرسالة التي يريدون إيصالها؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية