مشروع الموازنة الإيرانية: أرقام متفائلة تصطدم بالواقع

مشروع الموازنة الإيرانية بين الأرقام المتفائلة غير الواقعية والحقائق

مشروع الموازنة الإيرانية: أرقام متفائلة تصطدم بالواقع


27/03/2023

يعاني مشروع الموازنة الإيرانية لحكومة إبراهيم رئيسي للعام الجديد الذي يبدأ في منتصف آذار (مارس) الجاري، يعاني من نقاط ضعف واضحة، وفق ورقة بحثية لمركز الإمارات للسياسات تناولت مشروع الموازنة الإيرانية وبنودها وأرقامها وسياساتها، والجدل المحتدم بين الحكومة والبرلمان حول تأخير تقديمها ونقاط الضعف فيها.

وأكد مركز الإمارات في الورقة الأولى ضمن مشروع بحثي لدراسة الموازنة العامّة الإيرانية: أنّه لا يمكن اعتبار الاقتصاد الإيراني حكوميّاً، بسبب تأثُره بتوجُّهات وقرارات مؤسسات اقتصادية كبرى تقع خارج سيطرة الحكومة. وتُسيطر المؤسسات التابعة لجهات سيادية غير حكومية كـ (الحرس الثوري، وبيت القائد) على نحو ثلثي النشاط الاقتصادي في البلاد. ومع ذلك، تبقى الموازنة العامة التي تقدّمها الحكومة في كُلّ عام عاملاً رئيساً في رسم ملامح النشاط الاقتصادي في البلاد؛ فهي تُمثّل نشاط قطاع مهمّ يستحوذ على ثلث حجم الاقتصاد الإيراني تقريباً.

وأضافت الدراسة أنّ مشروع الموازنة يُعتبر الوثيقة الوحيدة المُعلنة التي يمكن من خلالها قراءة توجُّهات الاقتصاد الإيراني وأدائه، ويمكن اعتباره عينة لفاعلية جميع القطاعات الأخرى التي تغيب عن أعين المراقبين. ويمكن القول إنّ الأرقام الواردة في الموازنة تحمل إلى حدٍّ بعيد دلالات حقيقية على اتجاهات الاقتصاد، والتضخم، وأسعار النفط، باعتباره البضاعة التي ما تزال الحكومة تمسك بزمام الجزء الأكبر منه حتى الآن. 

المصدر: مركز الإمارات للسياسات

وتتضمن الموازنة العامة الإيرانية أرقاماً أساسيّة، تُشكّل العمود الفقري لها، ومن خلال هذه الأرقام يمكن دراسة طبيعتها، وتوجهات صانع القرار الإيراني للاقتصاد في العام الجديد. إذ يبلغ حجم الموازنة العامة الإيرانية للعام الإيراني الجديد نحو (1984) ألف مليار تومان، إلى جانب (180) ألف مليار تومان إيرادات الوزارات التابعة للحكومة، ممّا يعني أنّ الموازنة ستشهد ارتفاعاً قدره 44.6%، مقارنة بموازنة العام الإيراني المنقضي التي استقرت عند (1372) ألف مليار تومان. ورغم الارتفاع الظاهر الذي يدل في النظرة الأولى على سياسات حكومية تعتمد التوسع في الإنفاق، إلا أنّ الواقع لا يبدو كذلك؛ إذا أخذ بالحسبان معدلات التضخم السنوية التي بلغت في شهر شباط (فبراير) الماضي 51.3%، لتكون النتيجة انكماشاً بواقع 6.7% في القيمة الحقيقية للموازنة العامة. وفي حال الاستناد على القيمة العالمية للموازنة العامة الإيرانية من خلال مقارنتها بأسعار الدولار، فإنّ الموازنة العامة ستشهد انكماشاً أكبر؛ إذ بينما بلغت قيمة الموازنة العامة للعام المنقضي نحو (53.6) مليار دولار، فإنّ قيمة موازنة العام الجديد ستكون عند (43.6) مليار دولار، بما يعني انكماشاً بنسبة 18.6% في حجم الموازنة حسب الأسعار العالمية. ولمدى أبعد، وبينما تشير الأرقام إلى أنّ حجم الموازنة ارتفع بواقع 512% منذ 2018، فإنّ القيمة الحقيقية للموازنة شهدت انكماشاً قوياً بلغ 44% خلال هذه الأعوام الـ (6).   

لا يمكن اعتبار الاقتصاد الإيراني حكوميّاً، بسبب تأثُره بتوجُّهات وقرارات مؤسسات اقتصادية كبرى تقع خارج سيطرة الحكومة كـ (الحرس الثوري، وبيت القائد)

 وذكر مركز الدراسات أنّه باعتبار الاقتصاد الإيراني اقتصاداً نفطياً بالدرجة الأولى، فإنّ الأرقام التي تتناول الإيرادات النفطية تحمل معاني اقتصادية كبيرة، وتدلّ على توقعات النظام السياسي الإيراني لعلاقاته الاقتصادية مع العالم خلال العام الجديد. وفي سياق التوقعات النفطية، توقَّع مشروع الموازنة مبيعات نفطية بحجم (1.4) مليون برميل في اليوم، وتوقَّع أسعار النفط عند (85) دولاراً للبرميل الواحد، ممّا أثار حفيظة رئيس البرلمان الإيراني، الذي أكد أنّ الأرقام متفائلة في ضوء تطورات الأسعار العالمية للنفط، وإلى جانب ذلك، رصدت الموازنة العامة (4.5) مليارات يورو من مبيعات النفط خارج جسد الحكومة على أن تمنح بعض المؤسسات العسكرية وغير العسكرية (مثل العتبة الرضوية) حق صادرات النفط بشكل محدود.

وفي سياق الأرقام، أظهرت الدراسة أنّ الحد الأدنى من راتب موظفي الحكومة شهد ارتفاعاً بنسبة 25% في مشروع الموازنة من (5.6) ملايين في العام المنقضي، إلى (7) ملايين تومان في العام الجديد، وتوقعت الموازنة العامة للعام الجديد معدل تضخم بنسبة 40% بشكل مبدئي، كما توقعت عجزاً مبدئياً بنحو (476) ألف مليار تومان، أي بنسبة 24%، على الحكومة أن تسدّه عبر خفض الإنفاق وصادرات النفط.

وعن أهم مصادر الموازنة في العام الجديد، قالت الدراسة إنّ الحكومة الإيرانية تعتمد على الضرائب، والنفط، وبيع الأوراق المالية، وإيرادات الشركات الحكومية. وتلجأ الحكومة إلى صندوق التنمية القومي لسد العجز في الموازنة.

ووفقاً للدراسة، تُشكِّل الضرائب العمود الفقري للموازنة العامة بواقع (836) ألف مليار تومان، من ضمنها (140) ألف مليار تومان ضرائب جمركية تعوّل الحكومة على تحصيلها. وتشهد الضرائب ارتفاعاً ملحوظاً مقارنة بموازنة العام الإيراني المنقضي، حيث تجرب ارتفاعاً سنوياً مقداره 57.1% مقارنة بنحو (532) ألف مليار تومان.

المصدر: مركز الإمارات للسياسات

أمّا الإيرادات النفطية، فهي تُشكِّل المحور الثاني من مصادر الموازنة العامة للعام الجديد. إذ توقع مشروع الموازنة إيرادات بنحو (603) آلاف مليار تومان من بيع النفط والغاز (بمعزل عن (4.5) مليارات يورو من الإيرادات النفطية خارج حجم الموازنة). وبذلك فإنّ حجم الإيرادات النفطية سيشهد ارتفاعاً سنوياً قدره 24.6% مقارنة بالإيرادات النفطية التي توقعتها موازنة العام المنقضي عند (484) ألف مليار تومان؛ لكنّ حصة الإيرادات النفطية من إجمالي الموازنة يشهد انخفاضاً من 35.2% في موازنة العام المنقضي إلى 30.4% خلال موازنة العام الجديد، وسط شكوك في أن تستطيع الحكومة تحقيق هذه الإيرادات بعد عجز بنسبة 44% في تحقيقها خلال العام المنقضي وفق مركز أبحاث البرلمان.

وأوضحت الدراسة أنّ بيع الأوراق والسندات المالية تشكِّل المصدر الثالث من مصادر الموازنة العامة للعام الجديد، وتعوّل الحكومة في هذا المجال على بيع (185) ألف مليار تومان من الأوراق والسندات المالية.

مشروع الموازنة يُعتبر الوثيقة الوحيدة المُعلنة التي يمكن من خلالها قراءة توجُّهات الاقتصاد الإيراني وأدائه

 ووفق مشروع الموازنة، تعوّل الحكومة على بيع (106) آلاف مليار تومان من مؤسساتها وحصصها في الشركات خلال العام الجديد، مقابل (71) ألف مليار تومان توقعتها موازنة العام المنقضي، بما يعني ارتفاعاً سنوياً بنحو 50% في التوقعات. وتطمح الحكومة الإيرانية ضمن مشروع مثير للجدل إلى تحقيق نحو (108) آلاف مليار تومان من بيع أراضٍ حكومية تمتلكها المؤسسات التابعة لها والوزارات لسد جزء من الموازنة. وبذلك فإنّ حصة بيع الممتلكات الحكومية ستشكل 10.8% من إجمالي الموازنة بواقع (214) ألف مليار تومان. وفي حين أنّ الحكومة الإيرانية لم تحقق إلا 17% ممّا خططت له من بيع الشركات الحكومية خلال موازنة العام المنقضي، لذا تحقيق هذا المصدر كاملاً سيكون هو الآخر تحدياً من تحديات الحكومة في العام الإيراني الجديد.

هذا، وتخطط الحكومة للحصول على نحو (146) ألف مليار تومان من إجمالي موازنتها للعام الجديد من مصادر شتى، من ضمنها بيع الخدمات الحكومية، وبيع بعض المنتجات، بما يعني تعويلاً على هذه المحاور في تحقيق 7.3% من إجمالي موازنة هذا العام.

أمّا عن أهم تكاليف الموازنة، فقد أوضح المركز أنّ الموازنة العامة رصدت نحو 20.5% من المصادر المتوقعة لصرف رواتب الموظفين في القطاع الحكومي، بواقع (405) آلاف مليار تومان، وبزيادة سنوية قدرها 44.6% مقارنة بالعام المنقضي، وتتوزع وتتداخل في عدة حقول أهمها قطاع العمران ومشاريع تطوير البنية التحتية، وقطاع التعليم، وقطاعات الرفاهية، وسداد الديون، إلى جانب قطاع الصحة، والقطاعات الثقافية والسياحية، هذا بالإضافة إلى القطاع العسكري الذي ستكون حصته نحو (255) ألف مليار تومان من إجمالي الموازنة في العام الجديد، وتشكل نحو 12.9% من إجمالي الموازنة. وإلى جانب هذه الحصة، سيحصل القطاع على نحو (3) مليارات يورو من الدعم المالي المنفصل عن الموازنة على غرار العام السابق لتنمية القوة العسكرية، حسب ما ذكر نص مشروع الموازنة العامة.

وتناولت الدراسة ردود الأفعال حول مشروع الموازنة، وقال رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف: إنّ مشروع الموازنة للعام الإيراني الجديد يعاني من تفاؤل مفرط في تحقيق بعض المصادر.

بدوره، أعلن رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان أنّ الموازنة في شكلها الراهن ستعمل على رفع مستويات التضخم، وتفشل في تحقيق مستوى النمو الاقتصادي المطلوب الذي تقدره مراكز مقربة من الحكومة بأكثر من 4%.

المصدر: مركز الإمارات للسياسات

وعلى صعيد العجز، فإنّ مشروع الموازنة يؤكد بشكل حرفي على عجز مبدئي قدره (470) ألف مليار تومان، يجب سداده عبر بيع ممتلكات حكومية، ومزيد من بيع النفط. لكن بشكل عام، فإنّ دراسة أرقام الموازنة العامة تشير إلى عجز يتراوح بين (300 و400) ألف مليار تومان، وهو ما أكدته مراكز أبحاث ورصد اقتصادية منها الذراع الاقتصادية لمركز أبحاث البرلمان.

أمّا العجز الأكبر، فسيأتي بفعل العجز المتوقع في الإيرادات النفطية؛ إذ تتوقع الموازنة بيع (1.4) مليون برميل من النفط يومياً، إلى جانب مبادرة منح حقوق بيع (145) ألف برميل لبعض المؤسسات العسكرية وغير العسكرية، بما يجعل المجموع (1.55) مليون برميل في اليوم. هذا في حين أنّ الأرقام الصادرة عن مراكز رسمية مثل مركز أبحاث البرلمان تشير إلى أنّ إيران لم تحقق مبيعات بأكثر من (850) ألف برميل في أفضل الحالات خلال العام المنقضي. وإذا اعتبرنا استمرار هذا الواقع (وهو توقع صعب إذا أخذنا بالحسبان تحرك الإدارة الأمريكية نحو إعادة ضبط العقوبات النفطية الإيرانية) فإنّ النتيجة ستكون عجزاً بما لا يقل عن 40% في حجم المبيعات. وإلى ذلك يجب أن نضيف العجز الناتج عن عدم تحقيق توقعات السعر. ففي حين توقع مشروع الموازنة سعراً بنحو (85) دولاراً للبرميل، فإنّ حسابات بيع النفط في ضوء العقوبات ستجعل العدد خارجاً عن الإمكان؛ إذ تشير دراسات إلى أنّ السعر الذي حصلت عليه إيران لقاء بيع نفطها في عام 2022 (وهو عام شهد ارتفاعاً في أسعار النفط) لم يتجاوز (67) دولاراً.

مشروع الموازنة توقع مبيعات نفطية بحجم (1.4) مليون برميل في اليوم، بأسعار (85) دولاراً للبرميل الواحد، وهذه الأرقام متفائلة في ضوء تطورات الأوضاع عالمياً

ولسد هذا العجز الواقعي قال مركز الإمارات للسياسات في دراسته: إنّه من المفترض أن تلجأ الحكومة نحو طرق أخرى، أهمّها: صندوق التنمية القومي، وبيع الدولارات النفطية، وطباعة النقد الإلزامي.

وبحسب الدراسة، فإنّ مجموعة الطرق التي تلجأ الحكومة إليها لسد العجز في الموازنة ستعمل خلال العام الجديد على تعزيز مسار التضخم الذي تتوقعه المؤسسات الدولية عند 40% خلال 2023.

وسيكون التضخم مرشحاً للزيادة بفعل الضغوط الناجمة عن سياسات طباعة النقد الإلزامي، ولجوء الحكومة إلى رفع أسعار الخدمات والطاقة خلال العام الجديد، وبفعل ارتفاع أسعار الدولار في الأسواق الحرة نتيجة انخفاض حجمه بفعل العقوبات، ونتيجة رغبة الحكومة في صرف مخزونها من الدولار بأسعار أعلى لسد العجز.

وفيما سينعكس ارتفاع أسعار الدولار على أسعار البضائع في الأسواق، وخصوصاً تلك المستوردة، فإنّ سياسات الحكومة في الموازنة العامة ستعمل على رفع أسعار البضائع المستوردة عبر اعتماد السعر السوقي للدولار في ضرائب الاستيراد، كما ستعمل على ارتفاع أسعار الدواء من خلال إلغاء استيراده بالدولار المدعوم، ممّا يعني -حسب مراكز رصد اقتصادية إيرانية- استقرار التضخم المعيشي فوق 60%، واستقرار التضخم العام فوق 50% خلال 2023.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية