مقتل السوري فارس العلي: جرس إنذار ضد العنصرية في تركيا

مقتل السوري فارس العلي: جرس إنذار ضد العنصرية في تركيا


11/09/2022

يبدو أنّ المعاناة هي قدر الشعب السوري التي تلاحقهم في غربتهم القسرية خارج الوطن، ومن سلم بحياته من القتل والاعتقال والقمع، ووجد ملاذاً في بلدان الجوار، تحول حلمه بأبسط مقومات الحياة إلى كابوس، بسبب العنصرية التي باتت تستهدف السوريين، وتحمّلهم ضريبة مشاكل تلك البلدان الاقتصادية والسياسية.

وبات متواتراً وقوع جرائم القتل بدوافع عنصرية بحق السوريين في لبنان وتركيا، في ظلّ غياب تامّ من سلطات البلدين لمواجهة تفشي العنصرية، وتوظيف السوريين كورقة في تحقيق مصالح حزبية، جعلتهم طرفاً في الأزمات التي يشهدها البلدان.

مقتل فارس العلي

وتسببت جريمة قتل طالب الطب السوري، فارس العلي، طعناً على يد مجموعة من الأتراك، في مدينة أنطاكيا في جنوب تركيا، في الرابع من أيلول (سبتمبر)، بغضب واسع بين السوريين في تركيا، الذين يعانون من سائر أشكال العنصرية والتمييز، ومنها جرائم القتل لدوافع عنصرية.

وبخصوص العنصرية التي تواجه السوريين في تركيا، يقول الناشط في قضايا حقوق اللاجئين، طه الغازي، إنها تتخذ عدّة أشكال، "ما بين اعتداءات لفظية ذات سمة عنصرية ضدّ السوريين والعرب، واعتداءات جسدية قد تصل إلى القتل، ومن ذلك جرائم قتل حمزة عجان، ونايف النايف، وحرق ثلاثة شباب، ومقتل الشاب فارس العلي في انطاكية".

مجموعات تركية قومية متطرفة تستهدف السوريين

وأضاف الناشط المقيم في تركيا لـ "حفريات": "شكل آخر، وهو تغلغل خطاب الكراهية نسبياً إلى أروقة مؤسسات الدولة؛ إذ يتعامل قسم من الموظفين بعنصرية تجاه السوريين، وهو موضوع له تأثيرات سلبية على جوانب عدة، منها ظاهرة تسرّب الأطفال السوريين من التعليم، بسبب منع الأسر أولادهم من الالتحاق بالمدارس التركية خوفاً على حياتهم".

وأشار إلى وجود 400 ألف طالب من أصل 1.1 مليون طالب، من السوريين في تركيا، لم يلتحقوا بالمدارس، فضلاً عن الخوف الذي يعيشه السوريون من سماع حديثهم باللغة العربية في الأماكن العامة، حتى أنّهم باتوا يتجنبون الحديث بها، خصوصاً في وسائل النقل العام، التي شهدت عدة جرائم اعتداء جسدي على سوريين وعرب، بجانب صعوبة الحصول على العمل، ومخاوف الترحيل.

أهم أسباب تنامي الجرائم ضدّ السوريين، هو غياب قوانين رادعة تُجرم العنصرية، والتهاون في تنفيذ العقوبات بحقّ المعتدين من الأتراك، ما يؤدي إلى تزايد هذه الجرائم

ومن جانبه، قال الصحفي والناشط الحقوقي، حسام النهار: "واقع السوريين في تركيا اليوم صعب جداً، وانعكس على زيادة أعداد الذين يخاطرون بحياتهم من أجل الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، ما جعل عدداً من الحكومات الأوروبية تشبّه ما يحدث الآن بموجة اللجوء عام 2015".

وأضاف لـ "حفريات": "تسبّبت زيادة الضغوط والقيود المفروضة وتشديد الإجراءات القانونية بحقّ السوريين في دفعهم نحو الهجرة إلى أوروبا، متخلين عن كل ما يملكونه، ومعرّضين حياتهم للخطر".

أسباب العنصرية

وبسؤاله عن الوضع القانوني للسوريين في تركيا، قال النهار: "لا يتمتع السوريون بصفة لاجئ في تركيا، بحسب قانون الأمم المتحدة، والتشبيه الأقرب لوصف وضعهم هو ما تستخدمه الحكومة التركية؛ "ضيوف"، ويترتب على ذلك التزامات وواجبات على السوري، دون ضمان أيّة حقوق".

وأفاد بأنّ السوريين ينقسمون، بحسب وضعهم القانوني، إلى عدة فئات: "قسم بدون بطاقة الحماية المؤقتة "كملك"، يعاملون معاملة المهاجرين غير الشرعيين، وتقوم الشرطة بترحيلهم إلى سوريا إذا ضبطتهم".

وهناك قسم ممن يملكون بطاقة "كملك"، التي تلزمهم بالبقاء في ولاية إصدار البطاقة، ويمنع عليهم السفر إلى ولاية أخرى دون الحصول على إذن سفر من إدارة الهجرة، والذي يأتي في غالبية الحالات بالرفض، وكذلك ممنوع عليهم العمل دون الحصول على موافقة إذن عمل من وزارة العمل، فضلاً عن إلزامية تحديث البيانات لعنوان السكن بشكل دوري، حتى إن لو لم يغيّره.

يعاني السوريون أوضاعاً صعبة في المخيمات

والقسم الأخير من يملكون إقامة في تركيا على اختلاف أنواعها؛ سياحية وعمل ومستثمر، وتُمنح للسوريين الذين دخلوا البلاد بشكل شرعي عبر أحد المنافذ الحدودية الرسمية أو المطارات، وتُجدد سنوياً لقاء مبلغ يتراوح بين 1000 - 1500 دولار.

وبحسب الناشط، طه الغازي، تنمو العنصرية في المدن الكبرى، مثل إسطنبول وأنقرة، التي تعاني من غلاء المعيشة وغلاء أسعار الإيجار، ما يجعل المواطن التركي فيها يتأثر بشدة بخطابات الكراهية التي تُحمّل السوريين مسؤولية الأزمة الاقتصادية.

وأشار إلى أنّ العنصرية تحوّلت إلى نطاق واسع ابتداء من العام 2019، الذي شهد الانتخابات العامة والبلدية، حيث تم توظيف الوجود السوري في التنافس الانتخابي، وقال: "تستغل المعارضة السوريين داخلياً، وتستغل السلطة خارجياً مع الاتحاد الأوروبي".

وفي السياق ذاته، أضاف الصحفي حسام النهار، مع "اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في تركيا بعد أقل من عام، أصبحت ورقة اللاجئين بشكل عام والسوريين بشكل خاص تستعمل كخطاب خصب لتنمية المشاعر القومية لدى الأتراك، وتروّج أحزاب المعارضة لفكرة أنّ المشاكل الاقتصادية والداخلية تنتهي برحيل اللاجئين السوريين".

ولفت إلى أنّ "التحريض المستمرّ على السوريين في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي غذّى الخطاب العنصري لدى فئة صغيرة من الشعب التركي، لكنّها تمتلك وجود مؤثر، ما انعكس في جرائم الكراهية والعنصرية نحو السوريين، إلى حدّ القتل".

معالجة الأزمة

وعلى المستوى الرسمي، تدين الحكومة التركية العنصرية ضدّ السوريين، وكان وزير الداخلية، سليمان صويلو، قد هاتف عائلة طالب الطبّ القتيل معزياً، لكن لا تبدو الحكومة تريد التصدي لهذه المظاهر، التي قد تجلب عليها غضب شعبي، يُترجم في تصويت للمعارضة في الانتخابات العامة المقبلة.

طه الغازي: تنمو العنصرية في المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة

ويتفق الناشط طه الغازي والصحفي حسام النهار في أنّ أحد أهم أسباب تنامي الجرائم ضدّ السوريين، هو غياب قوانين رادعة تُجرم العنصرية، والتهاون في تنفيذ العقوبات بحقّ المعتدين من الأتراك، ما يؤدي إلى تزايد هذه الجرائم.

ومن جانبه، أوضح الناشط طه الغازي؛ أنّ "خطاب التحريض من شخصيات في المعارضة، مع التباس تصريحات السلطة مثل حديث الرئيس أردوغان عن إنفاق 40 مليار دولار على السوريين، تساهم في تزايد العنصرية".

فضلاً عن ذلك تتغذى العنصرية على الأزمة الاقتصادية، التي تشهد معدلات تضخم غير مسبوقة، بلغت 80%، وارتفاع نسبة البطالة، وغيرها من المشاكل الداخلية، والتي تُحملها المعارضة للوجود السوري، في خطوة مشابهة لما يحدث في لبنان.

وتسعى الحكومة اللبنانية لإقرار خطة لترحيل السوريين إلى سوريا بالتنسيق مع نظام بشار الأسد، بواقع ترحيل 15 ألف لاجئ شهرياً، وتعمل تركيا على خطة مشابهة، دون التنسيق مع النظام السوري، عبر إعادة توطين السوريين في المناطق الخاضعة لها في الشمال السوري، في مساكن بدأت في إنشائها.

ويقول الصحفي حسام النهار: "توظيف المعارضة لورقة اللاجئين، وخصوصاً السوريين، في الحشد للانتخابات، دفع الحكومة إلى اتخاذ عدة تدابير تقييدية ضدّ اللاجئين لسحب هذه الورقة من المعارضة، ما أدى إلى زيادة الضغوط التي يعاني منها اللاجئون السوريون وغيرهم".

الناشط طه الغازي لـ "حفريات": العنصرية تحوّلت إلى نطاق واسع ابتداء من العام 2019، الذي شهد الانتخابات العامة والبلدية، حيث تم توظيف الوجود السوري في التنافس الانتخابي

وأعلن الرئيس التركي، في شباط (فبراير) الماضي، عن خطة لبناء 250 ألف مسكن في سبع مناطق في شمال سوريا، تم الانتهاء من بناء 62 ألف منها، وستُمنح للسوريين الذين يعودون بشكل طوعي.

ويرى الصحفي حسام النهار؛ أنّ "السوريين لا يرغبون بالعودة"، وأرجع ذلك إلى عدة أسباب، منها أنّها ليست آمنة كما تقول تركيا؛ "من المنظور التركي عدم وجود قسد ووحدات حماية الشعب الكردي يعني أنّ المنطقة آمنة، لكن فعلياً على الأرض عمليات القصف من الميليشيات الكردية وقوات النظام السوري وحلفائهم من الميليشيات الإيرانية وحزب الله والروس لم تتوقف، ناهيك عن الانتهاكات التي تُرتكب بحق المدنيين من قبل عناصر الجيش الوطني السوري المدعوم تركياً، ما يجعل تلك المنطقة غير آمنة نهائياً".

بالإضافة إلى ذلك، يرى الصحفي السوري؛ أنّ الشمال السوري منطقة محدودة الموارد والجغرافيا، ولا يمكنها استيعاب 1.3 مليون عائد، "ستزداد الأعباء الاقتصادية، وتحدث كارثة إنسانية؛ فلا وجود للحد الأدنى الذي يمكن الساكنين من تأمين احتياجاتهم اليومية، إضافة لانهيار القطاع الصحي والتعليمي والخدمي".

وبحسب بيانات رسمية تركية، لعام 2022، بلغ عدد السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة المسجلين في تركيا 3.7 مليون سوري، يحمل 201 ألف الجنسية التركية، من بينهم 113.6 ألفاً يحقّ لهم التصويت في الانتخابات.

وبلغ عدد العائدين إلى بلادهم طوعاً 491 ألف سوري، وتم ترحيل 19 ألف لأسباب أمنية منذ عام 2016.

مواضيع ذات صلة:

سياسات أردوغان العنصرية تحرّض الأتراك ضدّ اللاجئين السوريين

القوات الموالية لتركيا تعيث إجراماً وعنصرية في شمال سوريا

مستقبل السوريين في تركيا.. من يُغذي مشاعر الكراهية والعنصرية؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية