مقدمة لفهم آلية عمل الصحوة اليوم

مقدمة لفهم آلية عمل الصحوة اليوم

مقدمة لفهم آلية عمل الصحوة اليوم


24/05/2023

خالد العضاض

حاولت جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية في فترة ما بين عامي 1987 و2010، تبني مواقف علنية بشكل متدرج لتشكيل معارضة سلمية ديمقراطية وطنية، عبر فروعها في البلدان العربية، هذه المحاولة -والتي جاءت متنافية مع الموقف القديم للجماعة الإرهابية في مسألة انتزاع السلطة بالقوة- هي نتاج الخطة الخمسينية التي اعتمدها قبيل وفاته عمر التلمساني (ت: 1986)، والتي رسمت مستقبل الجماعة الإرهابية لخمسين سنة تالية، وقوام هذه الخطة، هو التسلل داخل النقابات والجامعات والمدارس والمناشط السياسية والاقتصادية، والبعد التام عن الصدام مع الحكومات، والأجهزة الأمنية.

ظهرت نتيجة تلك الخطة بشكل ساطع غير خفي فيما عرف بثورات الربيع العربي، والقفز على السلطة من خلال القواعد الشعبية العريضة والتكتلات السياسية والاقتصادية المنتمية أو المتعاطفة مع الجماعة أو المخدوعة بها، ومن المعروف أن بنية العمل التنظيمي في الجماعة تقوم على عملية الصعود إلى أعلى هرم السلطة من خلال القاعدة الشعبية.

هذه الفكرة -المعارضة السلمية الوطنية- كسرت حاجزًا بنته الجماعة الإرهابية حول نفسها لعقود ممتدة من العمل المنفرد، الذي اتسم بالعنف والإرهاب تارة، وبمحاولة الدخول في دهاليز السياسة تارة أخرى، ونجح الأمران في بعض التجارب كتجربة حسن الترابي الانقلابية في السودان، وتجربة الجماعة في الكويت والبحرين، وفشلت في بقية البلدان العربية، قبل موجة «الربيع العربي».

وبعد كسر حاجز العمل السياسي المنفرد، ومحاولة الخروج الظاهري من العمليات الإرهابية والعنف، عبر توليد جماعات إرهابية مستقلة، وجدت الجماعة في عملية الائتلافات مع التيارات المغايرة مخرجًا سلسًا، سهَّل لها المضي في حلم الوصول إلى كرسي الحكم، وأعاد أملها بتحقيق هدف إنشائها الرئيس، وهو إعادة الخلافة تحت راية وحكم الجماعة، بعد أن ضمنت قاعدة شعبية عريضة منتمية أو مخدوعة، يمكن أن تتخم صناديق الاقتراع باختيار مرشحي الجماعة، خصوصًا بعد تجربة التحالف مع حزب العمل وحزب الأحرار المصريين، تحت قائمة واحدة للترشح لانتخابات «مجلس الشعب المصري» في 1987، وهو عام ميلاد شعار «الإسلام هو الحل»، الذي رفعه هذا التحالف، وهو من اختراع عادل حسين (ت:2001) الصحفي المصري الذي انتقل من الماركسية إلى الإسلاموية، وقاد حوارًا مع شباب الإخوان المسلمين، بدأ في أواخر حياة التلمساني، من العام 1985 حتى عام 1987، من أجل الوصول إلى تحالف إسلامي لخوض انتخابات 1987 البرلمانية بقائمة واحدة، والتي نجحت وحصلت على أكثر من 60 مقعدًا، وأطلق على «عادل حسين» وقتها لقب «مهندس التحالف الإسلامي».

العقائدية والبراغماتية عامل أساس في صلب البنية التكوينية للجماعة الإرهابية، الأمر الذي يجعلها لا تثق بأي أطر أو حاويات ائتلافية، مهما بلغت درجة التعاون معها، فينتقلون بين المحاور السياسية بكل بساطة، ودون حرج من مسألة التناقض في المواقف، وهذا ما جعلهم يتقدمون سريعًا في كل البلدان العربية التي طالها دمار «الربيع العربي»، قبل انكشاف المشكلة المفاهيمية الحقيقية في صلب العقل الإخواني، عبر مظاهر يطول حصرها، مارستها الجماعة الإرهابية قبل وصولها إلى السلطة وبعده، وهذه المشكلة هي أن معضلة الدين كامنة في الحامل الديني، «فالدين الذي يصوغ مفاهيمه عصابيون أو الذي ينتج فكره عصابيون في بيئة عصابية، هو دين مريض، لن يكون رحمة للناس»، كما يعبر المفكر المغربي إدريس هاني، وأول ما يمكن أن تلاحظه في التربية الإخوانية هو العصابية، فالإخوانيون عصابيون، وبيئاتهم بيئات عصابية، وينشأ النشء فيهم على نظريات عصابية كالاستعلاء والمفاصلة، وهاتان الخصلتان كفيلتان بفصل الإخواني عن محيطه، وتوليد صورة ذهنية لديه عن مجتمعه أنه مجتمع جاهلي يجب أن يزاح بالكامل، من غير إعطائه فرصة للتغير، بحسب سيد قطب (ت: 1966) في آخر ما كتبه: (معالم على الطريق، 1964).

لنعتبر أن ما سبق مقدمة أولى ملخصها نظرية «التعاون والتعاذر» البنائية الشهيرة، والتي وُجدت في مبدئها لحل إشكالية الخلافات بين العاملين في الحراك الإسلامي بما فيه الجانب الشيعي، والتي استجلبت للعمل بها مع الغرماء من غير الإسلاميين، بعد إخفاق التجارب الإخوانية الفردية في الوصول إلى السلطة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن التنشئة الإخوانية إلى هذا اليوم ما زالت تغذي بيئتها بقاعدتي الاستعلاء والمفاصلة، وجاهلية المغاير، لخلق روح عصابية عقائدية، لا ترى الحق إلا في الجماعة وقادتها، بغرض تعزيز الولاء وتعميق الانتماء في الأتباع.

أما المقدمة الثانية، التي أرشحها لفهم آلية عمل الصحوة اليوم، وهي ما سأستعيره من «كارين أرمسترونغ»، في كتابها المهم، (الله لماذا؟، 2010)، حيث تقول: (الحياة الدينية ومنذ بدايات البشرية الأولى، كانت متجذرة في الحقيقية المأساوية، بأن استمرار الحياة يعتمد على تدمير مخلوقات أخرى)، وهذا كان في إطار الصيد، غير أن هذا المفهوم -من وجهة نظري- تطور عبر العصور، حتى طال الإنسان نفسه وليس الحيوان المأكول فحسب، فاستمرار حياة المتدين المسيحي مثلًا، كانت قائمة على تدمير الإنسان الوثني، واستمرار حياة الإنسان الوثني -وهو متدين حسب معتقده بطبيعة الحال- قائمة على تدمير الإنسان المسيحي، وانتقل هذا «المفهوم الوهم» إلى الإنسان المسلم، الذي عجز عن الوصول إلى تأويل إجماعي «لا فردي» للنصوص الدينية الخادمة لقضاياه، بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما يعبر إدريس هاني، ليتحول إلى الاعتقاد بأن بقاءه وبقاء معتقده لا يقوم إلا على دمار الآخر، أو إذعانه المطلق له، وتُقرر كارين أرمسترونج حقيقة مهمة، وهي أن: «الإنسان مخلوق ديني»، بمعنى أنه يمكن إخضاعه بعامل الدين بكل سهولة، مما حوَّل الدين في حالاته مع الإسلامويين إلى صناعة بشرية تقوم على الاستقطاب والإقصاء والاختزال والتبسيط والانتقاء والتبرير.

استطاعت جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، البقاء والحياة كل هذه المدة على الرغم من الضربات المميتة التي تلقتها في مختلف البلدان العربية، بهاتين الفرضيتين:

الأولى: أن بقاء الإسلاموي قائم على تدمير الآخر المختلف، لخلق بيئة أحادية لا تقبل التعددية، الأمر الذي يحقق الوصول المريح، والتفرد بكل السلطات والمنافع.

والثانية: أن الإنسان مخلوق ديني، مما يعني إمكانية الانتشار الواسع متى ما تم الضرب على وتر الدين، ومظلومية المتدين، وطهورية التدين، واللجوء إلى التسامي بمظاهر التطرف والتشدد.

أخيرًا، في المقال القادم سأعرض محاور ونتائج دراسة صنعها سلمان العودة وبعض معاونيه (2001)، حاولت الوصول إلى صيغة متصالحة مع الواقع الرافض لأسلوب الجماعة الإرهابية، للنفاذ إلى بعض المجتمعات المستعصية على تقبل الفكر الإخواني، وكيف أنها نجحت إلى حد كبير في الوصول إلى بغيتها.

عن "الوطن"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية